الاستثمار المستقبلي في قطر يساعد على تحسين صورتها

السبت 8 نوفمبر 2014 07:11 ص

في الأفق الليلي تبصر بريق ناطحات السحاب القطرية التي تُصيبك بالدوار عند النظر وكأنها سراب يعمل بالطاقة الكهربية خرج من باطن الأرض التي كانت قبل سنوات فقط مجرد رمال صماء وغبار.

إنه مشهد الخداع البصري الذي ربما يدفع من يزور العاصمة القطرية - الدوحة - للمرة الأولى أو أؤلائك الذين لم يزوروها قبل سنوات أن يتسائلوا عما إذا كان ينبغي عليهم فرك أعينهم وهم يشاهدون معدات الرفع وناطحات السحاب المتزايدة عبر الخليج، بالإضافة إلى قوافل سيارات الأجرة التي تحمل الضيوف إلى المدينة من مطار حمد الدولي الجديد الممتد على مساحة واسعة.

وخلال هذا الأسبوع؛ أصاب شوارع العاصمة القطرية - الدوحة - حالة من الاختناق المروري نتيجة المركبات الكثيرة التي تحمل الوفود إلى مكان فعالية نظمتها «مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع» لا لشيء إلا للإعلان عن أن المؤسسة تدخل مرحلة الريادة التعليمية على المستوى العالمي. هنا في «القمة العالمية للابتكار في التعليم 2014» قدمت المؤسسة للأكاديميين والعاملين في مجال الأعمال الخيرية والمعلمين والسياسيين من مختلف أنحاء العالم مُحاضرات بالإضافة إلى عقد ندوات لتبادل الأفكار بشأن التعلم الإبداعي الذي هو موضوع العام.

ما سبق ليس عناوين صحف أو أمور تثير جدلاً مثل كأس العالم 2022م، لكن هذا يمكن القول بأنه جزءٌهامٌ من الجهود القطرية لجذب المواهب والاستثمارات التي من شأنها أن تخلق للدوحة موطيء قدمٍ على الساحة العالمية. وبالنسبة لبلد صحراوي صغير إذا كان يعرف ما يتحتم عليه فعله بشأن استثمار مليارات الغاز والنفط بصورة جيّدةٍ قبل أن تنفد، فإن هناك عبارة واحدة تُذكرُ مرارًا وتَكرارًا في قطر: «تحويل الاقتصاد القائم على الكربون إلى آخر قائم على المعرفة».

لقد أسست الشيخة «موزة بنت ناصر» - الزوجة الثانية للأمير السابق الذي تنازل لصالح ابنه العام الماضي - «القمة العالمية للابتكار في التعليم»، لكن يرأسها سمو الأمير الدكتور «عبدالله بن علي آل ثان» الذي استقبل صحيفة «الإندبندنت» للحديث بشأن المؤسسة القطرية في مركز «قطر الوطني للمؤتمرات» العملاق والدور المستقبلي لها. 

وكرّس الدكتور «عبدالله آل ثان» نفسه للتعليم، وشغل منصب محاضر هندسة مدنية في السابق، ويعمل حاليًا رئيسًا لجامعة حمد بن خليفة. يتحدث بحماس عن الحاجة إلى تعاون دولي حول «كيفية التعامل مع توقفات المؤسساتالتعليمية أثناء النزاعات، وكيفية إعادة الفتيات في مناطق معيّنة من العالم إلى المدرسة باستخدام التكنولوجيا بالصورة المُثلى». ويستحوذ «مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم» على القلوب والعقول من خلال دعم الجمعيات الخيرية مثل «كامفيد» - الجمعية الخيرية البريطانية التي تعمل على تيسير حصول الفتيات على التعليم في إفريقيا. وتقديرًا لجهود مؤسستِها البريطانية «آن كوتون» فقد حصلت الجمعية على منحة هذا الأسبوع بلغت 500 ألف جنيه أسترليني من قطر.

ومن جانبه قال الدكتور عبدالله آل ثاني: «لسنا راضين؛ لأن التعليم يحتاج إلى فعل المزيد باستمرار لمواجهة التحديات»، مُضيفًا أن المؤتمر في الوقت المناسب يقوم أيضًا بخدمة العلاقات العامّة بين الوفود المشاركة.

من ناحية أخرى؛ واجهت الدوحة اتهامات كثيرة بتعزيز روابطها بتنظيم «الدولة الإسلامية» ومتشددين إسلاميين آخرين، لكن الأمير الجديد - الشيخ «حمد بن خليفة آل ثاني» – يرفض ذلك جملةً وتفصيلاً، وأعلن الشهر الماضي أن القطريين «لا يموّلون المتطرفين»، واصفًا «الدولة الإسلامية» وغيرها من المسلحين في المنطقة بأنها «حركات إرهابية».

ورغم زيارة الشيخ «تميم» لبريطانيا ولقائه برئيس الوزراء «ديفيد كاميرون» إلا إن الشائعات ما تزال تنتشر انتشار النار في الهشيم. وأفادت وكالة «رويترز» الأسبوع الماضي أن سيارات تحمل شعارات «الدولة الإسلامية» قد رُصد تحركها في جميع أنحاء منطقة الخليج الغربي الراقية.

مونديال قطر 

وفي الوقت ذاته؛ فإن الجدل الدائر بشأن تنظيم قطر لكأس العالم 2022 لم ينتهِ بعد، فرغم العديد من المزاعم بأن الفساد والرشوة هي السبب وراء حصول قطر على تنظيم المونديال العالمي إلا إن هناك القليل من المؤشرات التي تُشير إلى أن «الفيفا» ستعيد النظر في اختيارالدوحة للبطولة. 

وسيجتمع الاثنين المقبل قادة كرة القدم في العالم في زيوريخ لبدء المفاوضات النهائية بشأن موعد البطولة؛ حيث أن هناك موضوع شائك يشغل المنظمين المحليين والدوليين فضلاً عن اللاعبين؛ بشأن درجة الحرارة خلال فترة انعقاد البطولة؛ والتي ستكون في قطر عند مستوى 40 درجة مئوية.

لكن ربما كانت المشكلة الأكثر ضررًا لسمعة قطر في مجال حقوق العمالة، التي سلطت الضوء على الظروف القاسية التي يعاني منها العمال المهاجرون في تشييد الملاعب والبنية التحتية اللازمة لاستضافة البطولة. لقد تمّ توثيق الكثير من الحالات التي يقوم فيها عُمّال البناء بالعمل لمدة 12 ساعة متواصلة يوميًا، وسبعة أيام أسبوعيًا في مواقع تنخفض نسبة الأمان، كما يتم أخذ جوازات السفر لمنع مغادرة البلاد تحت نظام الكفالة، ووصل الأمر إلى موت المئات بمعدل فرد كل يوم.

من جانبه؛ لم ينكر الدكتور «عبدالله آل ثاني» أن هناك أخطاءا تحدث بشكل فردي من بعض الشركات موضّحا: «حتمًا هناك بعض الأخطاء. لقد تسارعت وتيرة التنمية في قطر خلال ال15 عامًا الماضية، وهذا تسبب في بعض الأخطاء على الرغم من أن الحكومة تضع القوانين في نصابها، لكن هناك بعض الشركات التي قد تتحايل عليها»؛ وأكدا: «الحكومة تسعى للقضاء على تلك المشكلة، وإعطاء العمّال حقوقهم».

وعاد ليستدرك مبيّنًا أن قطر أفضل حال من غيرها بالقول: «كأس العالم 2022م حوّل الأنظار إلينا، لو سافرت لدول مجاورة فستجد أن ما نقدمه من حقوق للعمالة لا تطبقها دول أخرى. ما نحتاجه – فقط - هو مزيدٌ من تطبيق القوانين القائمة. لا أنكر أن هناك بعض الأخطاء التي تقوم بها بعض الشركات أو المقاولون لرغبتهم في جني مزيدٍ من الأموال».

مشروع الدكتور «عبدالله آل ثاني» العملاق الرامي لتأسيس «مدينة التعليم» - التي ستكون نواة لجامعة تضم ثماني مؤسسات من مختلف دول العالم بما فيهم كلية لندن الجامعية - كان هو الآخر محل جدل بشأن معاملته للعمالة. وضغط النائب البريطاني «أليسون ماكجفرن» على «كلية جامعة لندن» من أجل «القضاء على ممارسات التوظيف غير مقبولة» بين العمال المهاجرين بعد ظهور أدلة على انتهاكات في الدوحة، ووعدت الجامعة أن تتدخل لدى «مؤسسة قطر» بهدف إثارة الموضوع؛ حيث أن الدكتور «آل ثاني» يشغل منصب نائب الرئيس لشئون التعليم.

«جامعة واحدة فقط اهتمت بشدة لسلامة العمل ورفاهية العمال، وعملنا معها لوضع القواعد والأنظمة لتكون قادرة على إدارة ذلك. أعتقد أن هذا كان المشروع الأول الذي قمنا به ولم تكن هناك هناك حادثة واحدة. المدينة التعليمية وضعت قواعد قوية جدًا على المقاولين والشركات التي تعمل هنا. بعض من هذه الشركات والمقاولين يأتون إليّ ويشتكون من استحالة العمل تقريبًا في ظل القواعد التي وضعناها لأنك – على حد قولهم - تطلب منهم وضع العمال في فنادق سبع نجوم – هكذا يقولون. ولكن هذا صارم حقًا، لقد وضعنا لوائح حقيقية ونتابع تنفيذها».

مزيد من الإجراءات

«هيومن رايتس ووتش» ومنظمة «العفو الدولية»، يقولان أن هناك المزيد من الإجراءات بحاجة إلى التطبيق في مختلف قطاعات الاقتصاد القطري بصفة عامة. وفي تقرير سيصدر الأسبوع المقبل؛ من المتوقع أن تقول منظمة «العفو الدولية» أنه لا تزال هناك العديد من المشكلات التي لم تُحل بعد، على الرغم من إعلان قطر قبل ستة أشهر أنها ستلغي وتستبدل أجزاء من نظام الكفالة.

إذا كانت المملكة المُتحدة وبلدان أخرى فتحت خطوطًا للعمل مع القطريين - ونشرت الحكومة البريطانية أوراق تفصيلية عن فرص الشركات البريطانية للفوز بعقود مُربحة في طوفان الإنفاق على التعليم في الدوحة - فإنه لابد من تبني إجراءات رعاية واضحة لضمان عدم التورط في المزيد من الفضائح المتعلقة بالعمالة. ونستطيع القول بأن هناك أمل بعد أن اعترف الدكتور «عبدالله آل ثاني» بوجود بعض الانتهاكات ما يعني أن هناك جهودًا ستُبذل في هذا المضمار للقضاء عليها.

علاقات الدكتور «آل ثاني» مع بريطانيا وقبوله لدى الغرب تعزز من تلك التوقعات أيضًا. وقد توجه بعد دراسته وحصوله على درجة علمية في قطر إلى المملكة المتحدة ثم الولايات المتحدة من أجل الماجستير من جامعة «كوين ماري» في لندن، وجامعة «ساوث هامبتون» في هامبشاير وحصل  «آل ثاني» على الدكتوراة.

ويُرجع الدكتور «آل ثاني» الفضل إلى «الفائدة التعليمية التي حصل من ثلاثة أنظمة تعليم مختلفة جيدة ومفيدة جدًا لأنني أفهم كيف تعمل الأشياء في بلدان مختلفة»، مُضيفًا أنه تأثر بالمناطق الريفية المحيطة بساوث هامبتون، بالإضافة إلى هامبشاير التي حاول جعل مدينته التعليمية تشبهها. لكنه عاد ليقول أن المليارات القطرية لا تستطيع تغيير كل شيء.

المصدر | روب هاستنج، الإندبندنت

  كلمات مفتاحية

قطر مونديال قطر العمالة الأجنبية

«بلاتر»: قطر نالت شرف تنظيم مونديال 2022 بشفافية واستحقاق

الإمارات وقطر.. صراع العلاقات العامة

ننشر مقال الشيخ حمد بن خليفة لنيوزويك: لماذا تستحق قطر استضافة كأس العالم

بلاتر: دوافع عنصرية وراء اتهام "مونديال قطر" بالفساد

سوق الاستثمار المباشر في الخليج يجتذب اهتماما دوليا