استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ليبيا والعراق: هندسة سياسية جديدة

الثلاثاء 25 نوفمبر 2014 04:11 ص

لا يوجد بلدان عربيان يتشابهان بدرجة تشابه العراق وليبيا، من حيث الموقع الجغرافي والاستراتيجي والقدرات الاقتصادية المتمحورة حول الثروة النفطية، والتركيبة القبلية، انتهاء بطبيعة النظامين السياسيين اللذين حكما البلدين عقوداً طويلة متقاربة وانتهيا بعد حروب مدعومة خارجياً، ودخلا راهناً في أزمات داخلية متفاقمة.

الأهم من هذا كله طبيعة الهندسة السياسية للدولتين اللتين تشكلتا وفق النموذج نفسه: ولايات عثمانية ثلاث في كل واحد من البلدين تتوحد في كيان سياسي برعاية وتخطيط من القوة الاستعمارية. بالرجوع الى دفاتر الفتاة الأرستقراطية البريطانية المغامرة «جرترود بيل»، التي عاشت بين قبائل بدو العراق قبل أن تصبح الذراع اليمنى للحاكم الاستعماري «بيرسي كوكس»، وتصمم مشروع الدولة العراقية الحديثة، يتبين أن هندسة الدولة الجديدة (بتوحيد ولايات بغداد والموصل والبصرة) قامت على مجموعة من المعايير والقواعد الأساسية أبرزها : الحيلولة دون قيام كيان كردي مستقل للحفاظ على حاجز قوي بين تركيا وروسيا، منح مراكز النفوذ والتأثير للنخب السُنية العربية للحيلولة دون قيام دولة دينية تحكمها المرجعية الشيعية، شراء ولاء شيوخ القبائل لضمان السلم الأهلي بناء سلاح جوي قوي أداة فعالة وحيدة للاستقرار السياسي. 

لا يختلف النموذج الليبي الذي بلوره الاستعمار الإيطالي عن هذا الاتجاه، فقد تشكل بتوحيد ولايات طرابلس وبنغازي وفزان، وبُني على منح الأولوية للنخب الشرقية المتعلمة في حكم البلاد، وروعيت السياسة نفسها إزاء الزعامات القبلية القوية.

صمدت الهندسة السياسية الاستعمارية مع نظامي صدام حسين ومعمر القذافي، على الرغم من الهزات العنيفة التي خلفتها سياسات الرجلين اللذين سلكا نهجين متقاربين في المرجعية الأيديولوجية، وفي طبيعة الحكم القمعي، وأخطر من ذلك كله قوضا التوازنات الهشة، التي قام عليها المشروع السياسي للدولة الحديثة.

بعد أن كان الجيل الأول من الحركة «البعثية» مثالاً للنخبة الثقافية العراقية المتشبعة بقيم التنوير والحداثة والبعيدة عن الميول الطائفية والقبلية، تغيرت المعادلة بعد الانقلاب «البعثي» 1986 الذي حمل إلى السلطة القيادات الميليشياتية الريفية محدودة الثقافة والانفتاح على العالم، وتركز الاتجاه المنغلق بعد انفراد صدام حسين بالسلطة في نهاية السبعينيات، وعند سقوطه كان المجتمع العراقي مفككاً في نسيجه الوطني وبنائه السياسي، وهو المشهد الذي عمقته سياسات إدارة الاحتلال الأميركي.

عرفت ليبيا التجربة نفسها بعد فترة الملكية القصيرة عندما كانت بنغازي وطرابلس تشبهان المدن الإيطالية الأنيقة في مسارحها ونواديها الثقافية وشكلها العمراني، فعمل العقيد القذافي على مأسسة الفوضى القبلية وتدمير الكيان السياسي الموحد، فكان من الطبيعي أن ينهار البناء كله بعد سقوط القذافي.

ومع أن لا أحد من الفاعلين السياسيين في البلدين ولا من الأطراف الخارجية يدعو إلى إعادة تصور الهندسة السياسية للكيانين المتأزمين، إلا أن الحقائق العينية الماثلة على الأرض لا تترك خياراً آخر غير هذا المسلك، فقد غدا من الجلي أن المشروع الحديث للدولة في الساحتين العراقية والليبية بحاجة إلى إعادة تصور وتخطيط لانتشاله من التحلل النهائي.

لا يعني الأمر إعادة رسم حدود البلدين والسماح بانفصال المناطق التي استقلت عملياً عن المركز ( كردستان العراق أو درنة في ليبيا)، فلا يزال النظام الدولي يضع قيوداً صارمة على النزعات الانفصالية التي تهدد التوازنات الإقليمية والدولية، كما أن المعادلة النفطية في البلدين تفرض نمطاً من الاندماج النفعي لتقاسم الثروة، التي لا غنى عنها، بيد أن البناء السياسي في أبعاده الدستورية ونظمه التدبيرية وتوازناته البشرية يحتاج بكامله إلى المراجعة.

فمن الجلي في الحالة العراقية أن النظام الموغل في الطائفية الذي خلف العهد «البعثي» لا يقل عنه تمييزاً وقمعاً. وقد أفضى من خلال الصراعات الداخلية وموجة العنف والإرهاب التي واكبتها إلى تقسيم فعلي للبلاد على أساس طائفي وقومي، استغلته حركات التطرف الديني المسلح التي غدت تهدد الجميع. الحال نفسه ماثل في ليبيا التي حكمتها الميليشيات القبلية والدينية المتشددة التي اختطفت الدولة وقوضت وحدة البلاد.

وبطبيعة الأمر لن توكل الهندسة السياسية الجديدة للمخططين الاستعماريين (رغم الحديث الساذج السائد هذه الأيام حول سايس بيكو جديدة في الأفق)، وإنما إلى القوى السياسية الوطنية الفاعلة التي هي وحدها المسؤولة عن تصميم قواعد المعادلة السياسية الجديدة، بدعم مطلوب من قوى الاعتدال العربي في إطار نظام عربي بديل يعيد للأمن القومي العربي دلالته وصدقيته وأفقه الاستراتيجي. 

* د. د. السيد ولد أباه مفكر وأستاذ جامعي من موريتانيا  

المصدر | الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

العراق ليبيا هندسة سياسية

الدروس الخمسة الأهم في السياسة الخارجية خلال الـعشرين عاما الماضية

الخلاف حول الإمامة والخلاف في السياسة

الهيمنة مفتاح النظام الدولي