عندما لا يملك السعوديون سياسة مالية بديلة

الأربعاء 10 ديسمبر 2014 05:12 ص

مع تراجع أسعار النفط نُشرت مؤخراً تقارير تعطي انطباعاً أن هبوط الأسعار هو سياسة سعودية ويتم لصالحها. في التقرير الذي صدر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر الماضي يحث الصندوق دول الخليج وعلى رأسها السعودية بضرورة الإصلاح لإقتصادياتها عبر تخفيض الإنفاق والدعم الحكومي وخلق فرص عمل في القطاع الخاص، ومواجهة الإستهلاك المحلي للطاقة حين توقفت خلال الخمس سنوات الماضية عن تصدير مليون برميل من النفط.

لكن البنك ببساطة يتجاهل "الفيل في الغرفة" الممثل في العقد الاجتماعي السعودي، النفط يقارب 90% من دخل الدولة وبالتالي بنسبة أقل قليلاً من حجم الاقتصاد السعودي، العقد الاجتماعي المتوافق عليه في السعودية أن الدولة الريعية هي ضمان الإستقرار السياسي، مشاريع الحكومة تشكل العمود الفقري للاقتصاد التي تضمن دخل الطبقة الثرية وفوق المتوسطة، والوظائف المريحة لطبقات الدخل المحدود والمتوسط، في المقابل تحصل الدولة على الشرعية والحرية الكاملة في التشريع وتوزيع الثروة.

الأسعار المتدنية للنفط سوف تؤثر في الاقتصاد السعودي، والسعوديون لا يملكون سياسة جديدة للتعامل مع الوضع الحالي، هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها السعودية هبوطاً حاداً للأسعار، وبناء على التجارب السابقة في العقود الأخيرة سيكون هناك ثلاث سياسات عامة مرتقبة.. الأولى تتمثل في استخدام الإحتياطي العام، والمرحلة الثانية عبر تقليص المشاريع الحكومية وتقليل فرص الوظائف الحكومية، وفي حال تدهور الأسعار أكثر ستضطر الحكومية السعودية لتقليص خدمات الدولة الريعية من إسكان وصحة وبنزين رخيص.

في مارس عام 1986 تعرضت السعودية لأول تجاربها مع أزمات انخفاض الأسعار في تاريخها كدولة حديثة، بلغ سعر برميل النفط آنذاك 10 دولارات، أدنى سعر له بعد تدهور سعره من 32 دولار خلال نوفمبر من العام 1985. مرة أخرى وخلال يناير 2009 وصلت أسعار النفط إلى 40 دولار بعد الرقم التاريخي الذي وصله 147 دولار بنهاية يوم 11 يوليو عام 2008، في كلا الحالتين كان سعر النفط يخسر أكثر من 60% من قيمته في فترة أقل من 6 شهور.

أواخر 1987 وجد الملك فهد أن حربه مع سعر البترول الرخيص ستطول لذا اختار تقليص خدمات الدولة الريعية، ففي بيان الميزانية الذي اعلنه الملك آنذاك أوضح أن سيحاول حماية المواطنين للحصول على خدمات الدولة بالرغم من عجز المزانية الذي بلغ 10 مليار دولار، لكن ما حدث بعد ذلك أن أسعار البنزين والكهرباء والطيران والتأشيرات ورسوم الخدمات الخدمات الحكومية ارتفعت بشكل تدريجي.

في نفس الوقت تم إلغاء الدعم الحكومي لبعض المنتجات الزراعية، ومنذ ذلك العام ارتفعت سنوات الحصول القروض الحكومية للإسكان وانخفض دخل الفرد إلى النصف تقريباً خلال 4 سنوات من 11 ألف دولار عام 1983 إلى 5.5 ألف عام 1987

بعد عقد تقريباً واجهت السعودية عام 1998 أزمة هبوط لأسعار النفط جديدة بسبب الأزمة المالية الآسيوية، حينها انحدر سعر برميل النفط دون 10 دولارات، كانت السعودية غارقة في الدين العام الذي تجاوز 100% من الناتج المحلي بنهاية التسعينات، حاولت السعودية تقليص انفاقها العام بإعلانها استراتيجية الخصخصة، وانعكاساً للأزمة آنذاك واثناء جلسة مجلس الوزراء في ديسمبر عام 1998 نبه ولي العهد الأمير عبدالله ـ الملك الحاليـالمواطنين أن "زمن الوفرة انتهى .. يجب علينا جميعاً التعود على أسلوب حياة لا يعتمد كلياً على الدولة"، في كل مرة ينخفض سعر البترول يسترجع الرأي العام السعودي سياسة الملك عبدالله الشهيرة بـ "ربط الأحزمة" في عقد التسعينات.

خلال أزمة 2009 خفضت الدولة السعودية نسبة التوظيف من 9.5% إلى 2.7%، وتقلصت الزيادات السنوية لموظفي أرامكو على سبيل المثال بقدر كبير، في نفس العام كانت المشاريع الحكومية 26% أقل من العام الذي يليه (2010) والذي شهد ارتفاع لأسعار البترول، تجربة عام 2009 القصيرة اثرت بشكل مباشر المشاريع والتوظيف ولكنها لم تمس خدمات الدولة الدولة الريعية مثلما حدث في الثمانينات الميلادية.

من تبعات العقد الإجتماعي السعودي هي السياسة الضبابية في فصل الرأي العام عن أسعار النفط وعوائده، شركة أرامكو صاحبة الإمتياز النفطي الوحيدة في البلاد عملت خلال 80 سنة منذ انشائها بمعزل عن المجتمع المحلي، من تجربة شخصية عملت لسنوات في معمل للغاز تابع للشركة ينتج يومياً 310 ألف برميل يومياً من سوائل الغاز، الشئ الذي اعلمه يقيناً الآن أن لا أحد من العاملين يعرف من هو المستهلك النهائي؟ أو كم قيمته المنتج؟ على مستوى قطاعات الشركة ثم المجتمع السعودي تنتشر ثقافة شح المعلومات وزيادة الغموض حول السياسة، مؤخراً لم يشاهد السعوديون وزير واحد في الحكومةـوخصوصاً وزيرا المالية و البترولـيتحدث عن انخفاض أسعار البترول.

ما بعد الربيع العربي وبسبب أخطار انتقال حالة عدم الإستقرار إلى السعودية انفقت الحكومة 250 مليار دولار سنوياً لدعم دولة الرعاية، 15% من الإنفاق الحكومي يذهب إلى القطاع الخاص عبر مشاريع حكومية والحصة الأكبر من ميزانية الإنفاق يصرف كرواتب لمليوني موظف يعلمون تحت مظلة العمل الحكومي بشكل مباشر أو غير مباشر، برامج دعم العاطلين عن العمل وتوفير الإسكان للمواطنين خصص لها مئات المليارات من ميزانيات السنوات الثلاث الأخيرة.

في نفس الوقت وبسبب الهاجس الأمني الذي سببه الربيع العربي ارتفع الإنفاق الحكومي على القطاعين الأمني والعسكري، البيان الملكي الشهير في مارس 2011 تضمن خلق 60000 وظيفة أمنية جديدة، قوات أمن المنشأتـالمختصة بحماية المنشأت المدنية والصناعية في البلادـتعتبر من أكثر القطاعات نمواً في وزارة الداخلية، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام قفزت السعودية إلى المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا على التوالي من حيث الإنفاق العسكري الذي بلغ 67 بليون خلال عام 2013، ايضاً وبسبب الربيع العربي وسعت السعودية سلة الإنفاق من خلال إلتزامها السياسي لدعم الوحدة الخليجية عبر تقديم منح للبحرين وسلطنة عمان ودعم الإستقرار والتنمية في المنطقة عبر المعونات المالية للأنظمة في مصر ولبنان والأردن والمغرب واليمن وباكستان والمعارضة السورية.

حجم الإنفاق الضخم الذي جاء نتيجة لتداعيات الربيع العربي وعززه استقرار أسعار النفط فوق سعر 100 دولار لم يعد متاحاً هذه الأيام، تقليص النفقات سيكون بلا محالة ضرورة، ومالم تُدار الأزمة بشكل صحيح لتجنب سخط المواطنين في منطقة مشبعة بالصراعات التي تهدد الأمن الوطني للسعودية، فإن هبوط الأسعار قد يجلب نتائج عكسية للقيادة في البلاد.

 

المصدر | سعيد الوهابي، المونيتور

  كلمات مفتاحية

السعودية سياسة بديلة حجم الإنفاق تداعيات الربيع العربي استقرار أسعار النفط فوق 100 دولار تقليص النفقات سخط المواطنين منطقة مشبعة بالصراعات تهديد الأمن الوطني هبوط الأسعار نتائج عكسية للقيادة

انهيار أسعار النفط .. من الفائز الحقيقي؟

انخفاض أسعار النفط قد يعرقل خطط الإنفاق الخليجية

«وول ستريت جورنال»: مسؤولو السعودية منقسمون بشدة حول انخفاض أسعار النفط

«أوبك» تترنح!!

السياسة والسوق في الانهيار الفادح لأسعار النفط

"طغاة النفط" في مأزق أقوى مما توقعناه!

«الوليد بن طلال» يستنكر تصريحات وزير البترول "الكارثية" ويحذر من انخفاض اسعار النفط