في سوق السلع الأساسية الحيّة (في الوقت الحقيقي) تُباع السلع وتُشترى كمنتجات مالية فعلية لتجد طريقها إلى الشراء والشحن والاستهلاك، وكان من الحكمة أن يُفهمَ أن التكتلات الكبرى أو المُصنّعين والمنتجين يسعون للتأثير على أسعار وتوزيع بضائع مُعينة؛ هذه البضائع بحاجة لأن تكون على مستوى قريب من العرض السوقي المتوازن، علاوة على ذلك فإن اللاعبين كان عليهم تبني آلية اقتصادية وسياسية تقضي بالتقيد بحصص الإنتاج/البيع التي حددها التكتلات والمنتجين.
وقد ظهر هذا في تباين كبير في سوق السلع الأساسية والمنتجات الأولية اليوم؛ حيث تُباع وتُشترى بضائع مثل النفط عند مستويات يُفهم أنها انعكاس لعدم التدخل في العرض والطلب، لكن عندما يتعلق الأمر بالنفط فإن القصص المتراكمة التي جعلت من نفسها مطية لارتفاع أسعار النفط بما لم يحدث في السابق على بورصات السلع بدون انضباط الطلب/العرض وصل الآن إلى نهاية كما يتضح من عدم قدرة «أوبك» على دعم أسعار الصرف المعلنة حاليا، لقد أصبحت السيطرة في قبضة العالم الحقيقي.
ومع ظهور كميات من «الصخر الزيتي» الأمريكي في الوقت الذي تتجه الولايات المتحدة لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم في غضون ثلاث أو أربع سنوات؛ فإن معادلة العرض للطلب الفعلي قد تتغير بشكل دراماتيكي في وقت تحوط فيه صناديق التحوط (المحفظات الوقائية)، وشركات النفط نفسها، وصناديق الثروات السيادية والمكاتب التجارية للبنوك تبدوا وكأنها بمثابة كرة بين أقدام بورصات السلع وكلام السياسة المنبعث من عواصم الدول المنتجة للنفط، ولا يمكن أن يخفي لفترة طويلة حقيقة أن النفط اليوم وكأنه عاد لحقبة الثمانينيات وبداية القرن ليُباع البرميل قريبا من عشرة دولارات أمريكية بسبب وفرة المعروض. الفرق بين الماضي والحاضر أن السعودية بإنتاجها الضخم، واحتياطها الكبير، وتأثيرها بين أعضاء «أوبك» كانت قادرة على تغيير التعادل عن طريق تخفيض إنتاجها وإقناع رفقاء «أوبك» بأن يسلكوا دربها.
ومع ظهور «الصخر الزيتي» الأمريكي والإنتاج النفطي خارج «أوبك» في مناطق عدة بالعالم، لم يعد هناك خيار أمام السعودية سوى التخلي عن معظم حصتها السوقية لصالح آخرين في حاجة ماسة إلى إيراد النفط للوفاء بمتطلبات ميزانياتهم الوطنية (مثل فنزويلا وإيران والعراق وغيرهم)، وتجدر الإشارة إلى أن منتجي النفط الأمريكيين محظورون بواسطة قانون عدم الاحتكار بالتآمر مع المنتجين الساحليين للسيطرة على السوق والسعر؛ حتى ولو كانوا قادرين على سد احتياجاتهم ذاتيا، فقد يكون ذلك سببا في حظرهم بالقانون من الانضمام أو التعاون مع منظمة مثل «أوبك».
من دون انضباط هائل في سوق يتفوق فيها العرض بقوة، فإن «أوبك» بالصورة التي توجد عليها في الوقت الحالي لم تعد قابلة للاستمرار، من خلال تجربتي الشخصية في مجال تجارة السلع الأساسية والمنتجات الأولية كان هناك (ولا زال يُوجد) سوقٌ للكبريت، هذه السوق كانت يتحكّم فيه تكتل شركة «سوليكس» – الذي ضم عددا من الشركات المختلفة في مجال المواد الأساسية – وكون «ويب بوميرني أسوسيشان» التي أصدرت قوانين مكافحة الإغراق؛ والتي كانت تقضي بالسماح للمنتجين الأمريكيين بالتعاون داخل أسواق التصدير، بالإضافة إلى لاعبين أصغر حجما، أنتجت هذه الشركات الكبريت عن طريق عملية (فراش) من الاحتياطي الموجود في تكساس وشاطيء الخليج الأمريكي، ولقد سيطروا على سوق الكبريت العالمية، ووحدوا الأسعار، وحددوا متى يتوافر الكبريت ومتى يختفي، والكبريت مكوّن أساسي في الكيمياء، والمُخصبات الكيميائية، وعمليات التصنيع كما في حامض الكبريتيك.
من خلال الأيام التي عملت فيها بالتجارة شخصيا شهدت تبخّر تكتل شركة «سوليكس»، بعد ذلك وفي فترة الستينيات ظهر مصدر جديد للكبريت في غربي كندا، مستودعات الغاز الطبيعي تم اكتشافها في ألبرتا؛ حيث وصف بأنه بمثابة كنز كبير من الغاز الطبيعي في حالة نجاح عملية نقله إلى السوق، العائق كان يتمثل في أن الغاز الطبيعي كان مختلطا بـ«كبريتيد الهيدروجين» وعناصر سامّة كان من الضروري إزالتها قبل أن يتمّ نقل الغاز للمستهلك. دخلت العملية حيّز التنفيذ لتجريد الغاز الطبيعي بعيدا عن «كبريتيد الهيدروجين» ومن ثم تفتيته إلى هيدروجين وكبريت، وقبل وجود هذه المخزونات الاحتياطية الضخمة من الكبريت الناتج من تلك العملية كانت عملية بنائه تتم على أراضي ألبرتا وكندا، ومخزونات الكبريت ومحطات التحميل بُنيت في فانكوفر، و100% من شحنات الكبريت نُقلت بالقطار من ألبرتا إلى فانكوفر ليتمّ شحنها في سفن تتجه إلى الأسواق العالمية في أوروبا وإفريقيا، ضراوة المنافسة بين الموردين الجدد كانت بمثابة اهتزاز لتكتل «سوليكس»، أولا لقدرتها على تحديد سعر اختفى، ثم اختفائها هي أيضا في نهاية المطاف.
هذا ليس للقول إن منتجي «أوبك» سوف يختفون، لكن بالطبع قدرتهم على ضبط أسعار السوق المالية الحقيقية مجرد مُزحة. هناك تحذير من تداول سوق النفط الخاص بالورق العجيني في بورصات السلع، ولكن يمكن للمرء أن يفترض أيضًا أن هذا الأمر سوف يخضع لهجمة حقيقة السوق.