غروب شمس هيمنة «أوبك» في عهد جديد من انخفاض أسعار النفط

الأحد 23 نوفمبر 2014 08:11 ص

ليست هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) في جو من الانقسام العميق المحاط بالكراهية التي لا مواراة فيها. في عام 1976م؛ غادر وزير النفط السابق بالمملكة العربية السعودية «أحمد زكي يماني» اجتماع «أوبك» في وقت مبكر عندما رفض باقي الأعضاء في المنظمة الموافقة على رغبات سيده الجديد؛ الملك «خالد بن عبدالعزيز».

ويبدوا أن الاجتماع رقم (166) للمجموعة في «فيينا» النمساوية الأسبوع المقبل لن يكون أفضل حالاً، ولن ينتهي بصورة تخرج فيه المملكة العربية السعودية وأعضاء آخرين على اتفاق بشأن ما يجب فعله حيال هبوط أسعار النفط؛ حيث أن التوترات التي جرت على مدار الفترة الماضية والشد والجذب سيكون لها تأثير بحسب «ديلي تليجراف».

أوبك عاجزة والخريطة السياسية في الشرق الأوسط تتغير

ومهما كان الإجراء الذي ستوافق عليه «أوبك» الأسبوع المقبل لوقف الانخفاض الحاد في قيمة النفط الخام، إلا إن الخبراء يتفقون على أن هناك شيء واضح للغاية: العالم يدخل في حقبة من انخفاض أسعار النفط تقف المنظمة حيالها عاجزة عن التغيير تقريبًا.

قد يؤدي هذا النموذج الجديد للطاقة إلى تداول النفط عند مستويات أقل بكثير من 100 دولار للبرميل الواحد اعتاد المستهلكون دفعها على مدى العقد الماضي، ومن ثم إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي بأسره. كما قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك «أوبك» – المجموعة التي يسيطر عليها منتجو الشرق الأوسط – والتي نظرًا لسيطرتها على حوالي 60% من احتياطات النفط العالمية توجّه لها اتهامات بأن تصرفاتها أشبه بأساليب الاحتكار.

والأسوأ من ذلك؛ أن بعض الخبراء يحذرون من أن طول فترة انخفاض أسعار النفط من الممكن أن يعيد تشكيل الخريطة السياسية برُمتها في الشرق الأوسط، مما يثير موجة جديدة من الانتفاضات السياسية في مشيخات البترودولار في الخليج (العربي)، والتي تعتمد في دخلها القومي على النفط الخام لضمان مستويات عالية من الإنفاق العام، ودعم الدول العميلة الأقل ثراء في العالم العربي. 

وبحسب «دانيال يرغين» - خبير الطاقة العالمي الحائز على جائزة بوليتزر المرموقة - «ندخل الآن حقبة جديدة فيما يتعلق بالنفط العالمي، وسيكون لدينا انخفاض أسعار لبعض الوقت مستقبلاً. لقد كان النفط حقًا آخر السلع التي ما تزال قائمة في الدائرة الكبيرة»، مُشيرًا إلى أن اجتماع «أوبك» الأسبوع المقبل هو الأهم على مدار الـ20 عامًا الماضية.

وفي الوقت الذي يستعد فيه وزراء نفط الاثنى عشر دولة الأعضاء للتوجه إلى فيينا هذا الأسبوع، فإنهم يواجهون التحدي الأكبر أمامهم منذ الأزمة المالية في بداية عام 2009م، خاصة وأن السوق يسيطر عليه اتجاه التراجع وزيادة المعروض. وتراجعت أسعار مزيج برنت الخام حوالي 30% بعد أن وصلت لذروة ارتفاعها هذا العام حتى 115 دولارًا للبرميل في يونيو/حزيران الماضي. 

وأضاف «يرغين» حصريًا للتليجراف: «ويجري إعادة تعريف سوق النفط من خلال عاملين؛ أولاً، النمو المذهل في إنتاج النفط في الولايات المتحدة؛ والذي يُعدُّ حقيقيًا وفعّالا. ثانيًا: إدراك أن الاقتصاد العالمي أضعف بكثير مما توقعه المعنيون في السابق، ومن ثمّ حدث تراجع على الطلب».

الولايات المتحدة منتج رئيسي

ويأتي انخفاض الأسعار في الوقت الذي تُعتبر فيه سيطرة «أوبك» على سوق النفط العالمية في مهب ريح التحدي الذي لم تتعرض له المنظمة منذ أكثر من 30 سنوات وذلك إثر الولادة غير المتوقعة والمفاجئة للولايات المتحدة كمنتج رئيسي. وقدرت «سيتي جروب» أنه بحلول عام 2020م ستضخ الولايات المتحدة أكثر من 14 مليون برميل يوميًا من النفط ومنتجات البترول، ما يعطيها القدرة على تصدير خمسة ملايين برميل تقريبًا يوميًا، وهو الأمر الذي سيحدث تغييرات هائلة في أسواق الطاقة.

رفع الحظر المفروض منذ السبعينيات على صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام بهدف ضمان أمن الطاقة أصبح بمثابة خطوة من المرجح أن تقوم بها واشنطن التي تسعى للضغط على الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» لرفع يده عن أوكرانيا. وستنعكس هذه الخطوة على تحفيز النمو في الإنتاج المحلي، وخفض فاتورة الاستيراد الأمريكية الحالية والمقدرة بـ67 مليار دولار، وهذا الرقم لا يختلف كثيرًا عن إجمالي الإنفاق في بريطانيا على الدفاع بحسب شركات عاملة في مجال استشارات الطاقة. 

وتابع «يرغين»«هم يدركون أن التهديد من إمدادات أمريكا الشمالية بمثابة تحد لأوبك اليوم مثلما كان بحر الشمال في حقبة الثمانينيات. وستعاني أوبك وقتًا عصيبًا جدًا في التكيف مع هذا الوضع بسبب عدم وجود اتفاق داخل المنظمة على ما يجب القيام به. الجميع سعداء لأن المملكة العربية السعودية تخفض الانتاج لكن السعوديين لا يريدون ذلك، كما أنهم لا يريدون في الوقت ذاته فقدان المزيد من حصة السوق، وخصوصًا لصالح إيران والعراق».

ونتتج دول «أوبك» حوالي 200 ألف برميل يوميًا أكثر من الحصة المتفق عليها 30 مليون برميل يوميًا، ومن المتوقع أن ينخفض الطلب على نفط المنظمة المحدد بـ 29.2 مليون برميل يوميًا العام المقبل في الوقت الذي يزداد فيه المعروض من حقول نفط أمريكا الشمالية. ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب فإنه من المقترح أن تتفق «أوبك»على خفض حوالي مليون برميل يوميًا من إنتاج أعضائها، وسوف تقع المسئولية في المقام الأول على المملكة العربية السعودية.

وتُعدّ المملكة هي أكبر وأرخص مصدر للنفط في العالم بسبب قدرتها على ضخ مباشر يصل إلى 12.5 مليون برميل يوميا ما جعلها توصف بــالمنتج المرجح داخل «أوبك» وعلى المستوى العالمي. وإذا وافقت المجموعة على خفض الإنتاج فإن الرياض ستكون أكبر مساهم فضلاَ عن تنازلها عن مقدار جديد من حصتها السوقية لمنافسيها داخل المجموعة مثل إيران والعراق.

وتدين «أوبك» بوجودها لفترة من الاضطراب الاقتصادي والسياسي الكبير في الستينيات، عندما بدأ الطلب على النفط الخام من اقتصاديات صناعية متنامية بسرعة بدأت دول منتجة في الشرق الأوسط في الظهور باعتبارها حصلت على استقلالها حديثًا.

وفي بغداد تم الإعلان عن إنشاء المنظمة بخمسة أعضاء من بينهم السعودية والعراق وفنزويلا، ما جعلها تحقق ثقلا موازنًا أمام ما يسمى بــ«الشقيقات السبع» من شركات النفط العالمية مثل «شل» و«بريتش بتروليوم» التي كانت تسيطر على المعروض العالمي في ذلك الوقت.

وتجتمع المنظمة عادة عدة مرات كل عام في مقرها في فيينا ما لم يتم الدعوة إلى اجتماع «استثنائي» للاستجابة لأحداث مثل الربيع العربي في عام 2010م، أو الأزمة المالية. ودعا بعض الأعضاء إلى اجتماع طاريء للتعامل مع الانخفاض الحاد الحالي في الأسعار، لكن المناشدات بخفض  كميات كبيرة من الإنتاج يقاومها حتى الآن وزير النفط السعودي «علي النعيمي».

السعودية في مواجهة إيران

وتعد المملكة العربية السعودية هي القوة المهيمنة بلا منازع داخل المجموعة النفطية، لكن هذه القوة تواجهها عاصفة من التحديات متمثلة في محور إيران والعراق. فمنذ سقوط «صدام حسين» وما أعقبه من تواجد عسكري أمريكي كبير بالعراق ثم مغادرة هذه القوات صارت العراق أقرب سياسيًا إلى الجارة الشيعية إيران. وتمتلك العراق احتياطيات نفط هائلة، ولديها خطط لانتاج ما يصل إلى تسعة ملايين برميل يوميًا بحلول نهاية العقد الحالي على الرغم من التهديد الذي يشكله متشددوا «الدولة الإسلامية» في المحافظات الشمالية. 

إيران - العدو الطبيعي للمملكة العربية السعودية في الخليج حتى من قبل سقوط الشاه عام 1979م بإمكانها أيضًا أن تكون في وضع يتيح لها تعزيز قدرتها بشكل كبيرإذا أقدم الغرب على رفع العقوبات النووية التي تقييد الاستثمارات الدولية في قطاع الطاقة لديها. وتحتاج كلا البلدين أن تظل الأسعار مرتفعة نظرًا لضعف اقتصاداتها الواسعة،وعدم وجود احتياطيات العملات الأجنبية، مما يرجّح أنها ستضغط من أجل خفض كبير في إنتاج «أوبك» الأسبوع المقبل.

وقد دعا «بيجن زنكنه» - وزير النفط الإيراني - إلى محادثات ثنائية عاجلة مع المملكة العربية السعودية في فيينا لمناقشة هذه القضية الشائكة لكيفية استيعاب الزيادة المتوقعة في الإنتاج من «الدولة الإسلامية». وأضاف «زنكنه» الأسبوع الماضي «إن الدول في جنوب الخليج مهتمة بالحفاظ على حصتها في السوق، وأن أي انخفاض في حصة السوق سيكون صعبًا».

وهناك بلدان عدم الانحياز والتي تشمل فنزويلا ونيجيريا وأنجولا، وتنتج هذه الدول مجتمعة 6.6 مليون برميل يوميًا من إنتاج «أوبك»، وتطمح أن تجد سبيلاً لزيادة الإنتاج. وبالنسبة لدول مثل إيران والعراق فمن المتوقع أن يتم الضغط عليها لتقوم بتخفيض حصة كبيرة لصالح أوبك لاستعادة أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل، وهو المستوى المطلوب للحفاظ على اقتصاداتها.

ومع ذلك فإن المملكة العربية السعودية وحلفائها العرب في الخليج من المتوقع أن يُحجموا عن الإذعان لهذه المطالب. فمع أعداد سكان قليلة نسبيًا ووجود احتياطيات نفطية هائلة فإن هؤلاء المنتجون يعتمدون إلى حد كبير على الدعم الغربي فيما يتعلق بالأمن في منطقة غير مستقرة بطبيعتها. وظهر ذلك في انضمامها إلى التحالف ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» خوفًا من زعزعة تلك المجموعة الإرهابية لممالكها الخليجية الغنية بالنفط إذا ما قررت نشر جهادها في جميع أنحاء الشرق الأوسط المترامي الأطراف.

السوق والسياسة

وفي هذا السياق، فإن السعودية وحلفائها ربما يكونون أكثر استعدادًا للموافقة على انخفاض أسعار النفط إلى مستويات حول 70 دولارا للبرميل للمساعدة في تهدئة الولايات المتحدة عن طريق الضغط الاقتصادي على روسيا، والتي تعتمد أيضًا على مبيعات النفط الخام في كثير من عائدات العملة الأجنبية. 

ومع ذلك، فإن هذه الدول - التي تنتج نحو خمس إمدادات النفط في العالم مُجتمعة – يحدق بها الخطر المتمثل في فقدان حصة أكبر من السوق لصالح إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي. ويمكن لهذا التهديد أن يتم تخفيفه جزئيا بانخفاض الأسعار بحسب أبحاث بنك «دويتشه» الألماني الذي قال إننا سوف نرى 40% تقريبًا من آبار الصخر الزيتي الأمريكي عديمة الربح إذا استمر تداول «برنت» عند مستوياته المتدنية الحالية لفترة طويلة من الزمن.

ومع ذلك، فإنه في ظل أسعار التعادل المقدرة عند أعلى مستوى 80 دولارا للبرميل بهدف تمويل اقتصاداتها؛ فإن هذه الدول الخليجية والتي تشمل الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت قد تكون راغبة في رؤية الأسعار أقل من 100 دولار للبرميل لفترة طويلة جدًا. والمشكلة بالنسبة لصناع القرار السياسي في هذه البلدان هي أن قدرة «أوبك» على التأثير على الأسعار قد ضعفت بشكل أساسي بسبب النمو السريع للإمدادات القادمة من خارج منطقة الشرق الأوسط.

وتابعت «أوبك» سقوط حصتها السوقية من حوالي النصف تقريبًا خلال العشرين عامًا الماضية إلى أقل من الثلث حاليًا، في الوقت الذي من المتوقع فيه أن يتجاوز الإنتاج من خارج «أوبك» 63 مليون برميل يوميًا العام المقبل. الحاجة إلى معالجة هذا الانخفاض يجعل إجبار أكبر منتجي «أوبك»- السعودية – على خفض إنتاجهاأمر غير مستساغ بشدة، وربما يكون مؤشرًا على بداية نهاية النفوذ العالمي للمنظمة.

«الشيء الوحيد الذي يوحد حقًا أعضاء أوبك الآن هو أنهم جميعًا ينتجون النفط، لكن إذا استمرت الأسعار في الهبوط فإن الضغط سيولد نوعًا من العمل» بحسب «يرغين».

وسوف يحضر أعضاء «أوبك» الاجتماع الأسبوع المقبل ومعهم أيضًا خلافاتهم السياسية، وخاصة تلك المشكلات التي مزقت منطقة الشرق الأوسط وأوصلتها لمثل ما هي عليه الآن. وضخت مشيخات الخليج مليارات الجنيهاتكدعم لدول عربية مجاورة سقطت أنظمتها إثر انتفاضات شعبية بدأت بتونس عام 2010م.

ووافقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على ضخ 20 مليار دولار إضافي كدعم لحكومة المشير «عبد الفتاح السيسي» في القاهرة، مع الاستمرار في دعم الفصائل في الحملة الرامية إلى الإطاحة بنظام «بشار الأسد» في سوريا. وسوف يشكل هبوط أسعار النفط تحديًا جادًا لقدرة تلك الدول على استمالة دول الجوار، وتقويض نماذج الاقتصاد المحلية الخاصة بها، والتي تعتمد على الإيرادات من الصادرات البترولية.

«لقد أخطأت الرياض» كما يقول «كريستوفر ديفيدسون» - قاريء في سياسات الشرق الأوسط في جامعة دورهام ومؤلف بعد الشيوخ: الانهيار القادملممالك الخليج مُضيفًا: «الربيع العربي لم ينتهِ للأبد بالفعل، لكنه فقط تأجل لحين آخر. تحاول أنظمة معينة الحفاظ على تلك القوى السياسية في الخليج بالنفط، لذا فإن السقوط الحالي في أسعار النفط سيضعف قوة هذه الحكومات إلى حد كبير».

مهما كان الإجراء الذي تتبناه «أوبك» في 27 نوفمبر، فمن الواضح أن قوتها التي احتفظت بها كمهيمنة على الاقتصاد العالمي ضعفت إلى حد كبير في وقت يلوح فيه مزيدًا من انخفاض أسعار النفط.

 

 

المصدر | أندرو كريتشلو، صنداي تليجراف

  كلمات مفتاحية

أوبك أسعار النفط حرب أسعار النفط النفط الصخري

إيران تسحب من صندوق الثروة السيادية لتعويض هبوط إيرادات النفط

كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط السعودي على مشروعات النفط الصخري فى أمريكا؟

التغيرات الهيكلية فى سوق النفط وتداعياتها على الجغرافيا السياسية

«أوبك» تترنح!!

الإيكونوميست: المستفيدون والخاسرون من تخفيض أسعار النفط

خامنئي يحذر: الاعتماد على النفط يضع إيران تحت رحمة القوى الكبرى

السياسة والسوق في الانهيار الفادح لأسعار النفط

أسعار النفط تواصل تحديد معالم الجغرافية السياسية

"طغاة النفط" في مأزق أقوى مما توقعناه!

هل تصبح أمريكا "شرقا أوسطا جديدا" كأكبر منتج للطاقة في العالم؟

«أوبك» تتوقع انخفاض إنتاجها في 2015 ليصل إلى 29.5 مليون برميل يوميا

فورين بوليسي: انخفاض أسعار النفط لغز في ظل اشتداد الحروب والقلاقل العالمية

توقعات بنزول أسعار النفط إلى 60 دولارا ما لم تخفض أوبك الإنتاج

انخفاض أسعار النفط قد يعرقل خطط الإنفاق الخليجية