أسعار النفط تواصل تحديد معالم الجغرافية السياسية

السبت 18 أكتوبر 2014 08:10 ص

هبطت أسعار النفط بشكل حاد في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014م في الوقت الذي تراجعت فيه عقود النفط الآجلة بنسبة 4.6% مُسجّلةً 81.84 دولا للبرميل؛ وهو الانخفاض الأقل خلال أكثر من سنتين.

وتراجع مزيج برنت بأكثر من أربعة دولارات في البرميل دُفعةً واحدةً وخلال يومٍ واحدٍ ليسجل هبوطًا للمرة الأولى تحت سقف 85 دولار منذ عام 2010م. وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى هذا التراجع على أنه كبير نسبيًا إلا أن ذلك يُعدُّ جزءًا واحدًا من نزعة مستمرةٍ رصدتها «ستراتفور» على مدار الأشهر القليلة الماضية. وتشمل العوامل وراء هذا الهبوط: الطلب الضعيف في ظل تُخمة المعروض، بالإضافة إلى أن العديد من الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط مصممون على خفض إنتاجهم.

وفي ظل تطور الأوضاع اليوم؛ فإننا نُعيد نشر الملاحظات التالية التي سبق نشرها في 2 أكتوبر/تشرين الأول؛ والتي تفصّلُ أسباب تراجع الأسعار، ومدى تأثير هذا التراجع على الدول المعتمدة على النفط حول العالم.

تراجع مزيج برنت - مؤشر النفط العالمي – الخميس الماضي مُحققًا 92 دولارًا للبرميل قبل أن يعاود الصعود ثانية ليُغلق مُحققًا 94 دولارًا للبرميل، وهو السعر الأقل منذ منتصف 2012م. عمليات البيع المُكثّف الأخيرة وصلت إلى أعلى مستويات الانخفاض خلال السنوات الأخيرة؛ حيث هبط السعر حوالي 16%. ربما يكون من السابق لآوانه توقع استمرار هبوط أسعار النفط الدولية إلى ما دون 90 دولارًا للبرميل، لكن في حالة بقاء السعر قريبًا مما هو عليه الآن فإن كثيرًا من الدول المُصدّرة للنفط ستعاني بعد أن وضعت ميزانياتها على التوقعات المسبقة للأسعار.

ببساطة عليك أن تضع في الاعتبار أنّ سوق النفط قد تكدس. بعد إنفاق أكثر من عام لإنتاج حوالي 200 ألف برميل يوميًا فقط، ارتفع إنتاج ليبيا بحوالي 700 ألف برميل يوميًا منذ منتصف يونيو،حزيران. الولايات المتحدة تواصل جهودها الحثيثة للتوسع في إنتاج النفط؛ حيث إن إحصائيات وكالة معلومات الطاقة مؤخرًا أشارت إلى أن الإنتاج الأمريكي زاد بحوالي 300 ألف برميل يوميًا منذ مطلع أغسطس/آب، والعراق – هي الأخرى – حققت نفس الأرقام. روسيا وأنجولا ونيجيريا لُوحظ زيادة في إنتاجهم. وفي الوقت الذي تكرر فيه ارتفاع الإنتاج مؤخرًا فإن أمريكا الشمالية بإمكانها إضافة ما بين مليون ومليون ونصف برميل بنهاية العام المقبل.

وعلى الرغم من هذه الارتفاعات الجديرة بالاهتمام في إنتاج النفط إلا أن الطلب الضعيف من العملاء الأوروبيين والأسيويين (خاصة الصين) قد أثبت نفس القدر من الأهمية لأسعار النفط. وفي الوقت الذي سيتواصل فيه الطلب على النفط من الصين فإنه سيبقى في الدول المتقدمة ثابتًا كما حدث في السابق. هذه العوامل عززت من أخذ الأمر بعين الاعتبار وأن ترك الأسعار بلا رقابة فإن سعر البرميل في معدل 90-100 دولارًا للبرميل ربما يواصل صموده في المستقبل القريب.

انخفاض أسعار النفط عالميًا سوف يخلق تحدياتٍ للعديد من منتجي «أوبك» وغيرهم؛ وخاصة روسيا. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن «أوبك» قد تخفّض أهدافها الإنتاجية، إلا أنه ربما لا يكون لديها المقدرة على التنسيق فيما بينها بشأن تراجعًا كافيًا في الإنتاج لمواجهة النزعات الأخرى، ووضع الأسعار عند مستوى مقبول لدى أعضائها (فوق 100 دولار للبرميل). وفي حالة أن أسعار النفط عادت إلى هذا المستوى في المستقبل القريب فلن تستطيع فعل سوى القليل  -على الأرجح – تجاه إجراءات «أوبك».

المواجهة بين روسيا والغرب

أول وأهم نتيجة لانخفاض أسعار النفط هي التأثير المنعكس على الصراع الدائر بين روسيا والغرب. تسيطر منتجات الطاقة على الاقتصاد الروسي؛ وخاصة صادراتها. من ثمّ فإن أي تراجع طويلٍ في أسعار النفط قد يؤثر مباشرة على الإيرادات من وراء صادرات الدولة، وإجمالي الناتج المحلي سيتلقى ضربة موجعة.

ميزانية الكرملين لعام 2014م بُنيت على أسعار النفط التي توقعت 117 دولارًا للبرميل لبقية العام؛ بغض النظر عن سعر 90 دولارًا للربع الرابع. وهدفت ميزانية عام 2015م إلى 100 دولار للبرميل بعد نقاش طويل داخل الإدارة الروسية. وفي الوقت الذي تمتلك فيه موسكو احتياطيًا ماليًا كبيرًا وبإمكانها سد عجز الموازنة إذا احتاجت إلا إن مسئولي وزارة المالية رأوا أن انخفاض أسعار النفط قد يأكل 2% من إجمالي الناتج المحلي.

وعلى الرغم من قدرة موسكو على الإفلات من تأثيرات عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حتى الآن بسبب ما قامت به ضد أوكرانيا، إلا إن القيود بالفعل قادت شركات مثل «روسنفت» إلى طلب مساعدة مالية من صندوق الثروة القومية. التراجع في أسعار النفط وما يترتب عليه من انخفاض نسبة الإيرادات لميزانية روسيا سوف يقلل من قدرة الكرملين على دعم التجارة الروسية التي تأثرت بالعقوبات وستتأثر ما دامت قائمة. وفي محاولة منه لتخفيف حدّة العقوبات على المدى البعيد سيكون الكرملين مُضطرًا لتهدئة الوضع في المفاوضات الجارية بشأن مستقبل أوكرانيا للوفاء بمتطلبات الشركاء الغربيين والنزول بسقف العقوبات.

المنافسة في الشرق الأوسط

وفي الوقت الذي يظهر فيه تحقيق الغرب لمكاسب من انخفاض أسعار البترول في صراعه مع روسيا، فإنه أيضًا يبحث عن فرصة للتفاوض مع طهران المُحاصَرة للوصول إلى حل بشأن برنامجها النووي. بالنسبة للأوروبيين فإن إيران واحتياطياتها الضخمة من الغاز الطبيعي بمثابة أحد البدائل الهامة طويلة الأمد الواعدة التي قد تحلّ محلّ الغاز الروسي. وتواجه إيران حاليًا عقوبات على صادراتها، كما تعاني هوامش ربح منخفضة ونفقات مستمرة بسبب حرب الوكالة في سوريا والعراق، ومع ذلك يمكنها تحمّل انكماشًا طويلاً في أسعار النفط العالمية. التقدم في التوصل إلى اتفاقٍ مع الغرب ربما بطيئًا ما قد يضع ضغوطًا على طهران لتقبل بالتفاوض.

أما السعودية فلا يشغلها إلا الحفاظ على حصتها السوقية، كما تسعى للحصول على فرصة على المدى القريب للاعتماد على احتياطاتها المعقولة من النقد الأجنبي وتكاليف إنتاج منخفضة منتظرة منتجين عالميين آخرين. إنتاج النفط السعودي هو أحد مصادر دخل الرياض الاستراتيجية؛ والذي سرعان ما تستخدمه الحكومة لامتيازاتها. ومع تلطف درجة حرارة الصيف وتقلص الاستهلاك الإقليمي فإن الرياض يمكنها طرح كميات كبيرة للتصدير حتى بسعر منخفض. ويسعى السعوديون لرفع استقرارهم الاقتصادي على المدى القريب فوق مستوى منافسيهم؛ وبالأخص روسيا التي تتعاون مع طهران بشأن حكومة سوريا المستقبلية.

وتمتلك المملكة العربية السعودية القدرة - هي الأخرى - على شراء عدد كبير من براميل النفط حاليًا إذا أرادت. وعرضت السعودية – مؤخرًا – خصمًا على نفطها الخام لتأمين حصتها السوقية خلال نوفمبر، وهو الأمر الذي رآه البعض إشارةً لأعضاء "أوبك" أنه في الوقت الذي تعلن فيه الرياض عن استعدادها الحالي لأخذ إمدادات «أوبك» حاليًا فإن كثيرين قد يضطروا للقيام بذلك. لكن ليس هناك حافزٌ للدول الأخرى لخفض إنتاجها حيث أن معظم منتجي الخليج سيحاولون إبقاء الربح عند متوسط يتراوح بين 90 – 100 دولار للبرميل؛ وخفض مستويات الإنتاج لن يتسبب إلا في خفض الإيرادات.

الأمريكتان وما وراءهما

وخارج حدود الشرق الأوسط؛ سيؤثر التراجع في أسعار النفط على دولة كفنزويلا. وقد وضعت كراكاس ميزانيتها عند هدفٍ منخفضٍ؛ وهو 60 دولار للبرميل فقط، وهو الأمر الذي ابتدعه الرئيس السابق هوجو تشافيز. وتعتمد في ضخ إيرادات إضافية من طرق أخرى للنفقات خارج الميزانية لإرضاء الرعاة السياسيين. فنزويلا – حاليًا - في وضع اقتصادي صعب للغاية، وتريد أن ترتفع أسعار النفط لتحقق 110 دولارًا للبرميل للوفاء بالنفقات المُدرجة ضمن الميزانية أو خارجها. أسعار النفط المنخفضة لفترة طويلة قد تعيق قدرة كراكاس لتمويل واردتها، وربما يضطر مسئولو الحكومة عندئذٍ للمخاطرة ببيع أصول أجنبية  مثل "كتجو"، أوبيع ذهب من احتياطات بنكها المركزي، أو حتى اللجوء إلى طرح قروض مُغرية لصفقات بترول مع الصين على الرغم من تردد الصيين مؤخرًا الدخول في مثل هذه المعاملات. إذا بقيت أسعار النفط منخفضة لمدة أطول فإن كراكاس ستضطر إلى إعادة التفكير في صفقاتها مع كوبا أو في برامج مثل التحالف البتروكاريبي التي هي ضمن أعضائه.

في الوقت ذاته؛ فإن أكبر مستوردي النفط من الدول المتقدمة – اليابان والصين والهند – ستمنحهم أسعار النفط المنخفضة قسطًا من الراحة لسداد فواتير استيراد بقيمة كبيرة. على الناحية الأخرى؛ فإن أسعار النفط قد تزيد من التوتر على المدى القريب في أوروبا، في الوقت الذي بقيت فيه الطاقة العامل الأساسي في إعاقة تمدد التضخم. وعلى الرغم من أن تكاليف الطاقة المنخفضة هي أمر جيد بالنسبة لأوروبا على المدى الطويل، إلا أن تلك التكاليف ترفع التهديدات بالانكماش وتأجيج التوتر بين البنك المركزي الأوروبي وألمانيا.

وحتى لو تراجعت الأسعار إلى أدنى مستوياتها، فإن الإنخفاض الأخير في أسعار النفط يبرهن لنا على أهمية أسعار النفط من الناحية الجغرافية-السياسية. فالأمر باختصار هو أن إمدادات الطاقة تُعتبر عصب الصناعات الاقتصادية الحديثة، ومصادر الطاقة هي سلع تصديرية هامة لمن يمتلكونها بكثرة. وفي الوقت الذي ما زال فيه الوقود الحفري يسيطر على مصادر الطاقة فإن إمدادات النفط وأسعاره ستبقى نقطة حرجة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

النفط انخفاض أسعار النفط أوبك

"طغاة النفط" في مأزق أقوى مما توقعناه!

هل تصبح أمريكا "شرقا أوسطا جديدا" كأكبر منتج للطاقة في العالم؟

«الوليد بن طلال» يستنكر تصريحات وزير البترول "الكارثية" ويحذر من انخفاض اسعار النفط

احتدام الخلاف بين أعضاء أوبك فى ظل تراجع أسعار النفط

أمريكا والنفط العربي

أسعار النفط تحت التهديد

"التبذير" في استهلاك النفط السعودي داخليا يأكل ربع الإنتاج ويسرع بناء 4 محطات نووية

طفرة النفط الصخري تغيّر التوقعات: الولايات المتحدة ستسبق روسيا والسعودية

عندما تنفد عائدات النفط

انخفاض أسعار النفط وصناعة القرار السعودي

سعر النفط يهبط دون 86 دولارا مع استمرار المخاوف من وفرة المعروض

رغم تراجع الأسعار .. لا توقعات وشيكة بخفض الإنتاج الأمريكي

ضد من تستخدم السعودية سلاح النفط ؟!

مندوب ليبيا في أوبك يقترح خفض إنتاج النفط 500 مليون برميل يوميا

هبوط أسعار النفط: حرب اقتصادية أم عرضٌ وطلب؟

خامنئي يحذر: الاعتماد على النفط يضع إيران تحت رحمة القوى الكبرى

تراجع حاد للنفط بعد قفزة ثانية بمخزونات الخام الأمريكية

السعودية تبقي على الشكوك في سوق النفط

السعودية تخفض صادرات النفط في سبتمبر برغم زيادة الإنتاج

الميزانية السعودية مهددة إذا ما تراجعت أسعار النفط عن 83 دولارا للبرميل

المركزي الكويتي: هبوط أسعار النفط يمثل تحديا للإصلاح الاقتصادي بالخليج

وزير مالية الكويت: هبوط أسعار النفط يهدد النمو الاقتصادي في دول الخليج

تراجع أسعار النفط يهبط بعملات السلع

هل حان وقت معاقبة روسيا وإيران و«الدولة الإسلامية» بالنفط؟

السعودية: تراجع أسعار النفط أمرٌ مؤقت وإن طال

الإيكونوميست: المستفيدون والخاسرون من تخفيض أسعار النفط

الأمين العام لأوبك: بقاء أسعار النفط الحالية سيخرج جزءا من المعروض النفطي

روحاني: عائدات النفط الايرانية انخفضت بنسبة 30%

السعودية وإيران: حرب أسعار النفط إذ تشتعل

مراجعة استراتيجية النفط السعودية

روسيا وإيران واختبار "مكانة القوة"

التغيرات الهيكلية فى سوق النفط وتداعياتها على الجغرافيا السياسية

بوتين يعزو هبوط أسعار النفط جزئيا إلى ألاعيب سياسية

استعراض القوة والصمود بين السعودية وشركات النفط الأمريكية

السعودية: حسابات السياسة وحسابات السوق النفطية

إيران تستعين بقطر في مواجهة أزمة تراجع أسعار النفط

حرب النفط تشتعل بين السعودية والولايات المتحدة

«وكالة الطاقة الدولية» تتوقع ”حقبة جديدة“ لسوق النفط ولا عودة سريعة للأسعار المرتفعة

ولي عهد السعودية: المملكة مستمرة في انتهاج سياسة نفطية متوازنة

رئيس فنزويلا :نسقنا لاجتماع بين أعضاء أوبك والمنتجين المستقلين بشأن أسعار النفط قريبا

اتفاق روسيا والسعودية على دور توازن العرض والطلب في تحديد سعر النفط

غروب شمس هيمنة «أوبك» في عهد جديد من انخفاض أسعار النفط

ماذا بعد خسارة النفط ثلث سعره؟

لا اتفاق في محادثات السعودية وروسيا على خفض إنتاج النفط قبل اجتماع اوبك

قرار «أوبك» يهبط بـ«برنت» إلى 71.25 دولارا والخام الأمريكي دون 68 دولارا

ماذا يعني انخفاض أسعار النفط؟

هل تستطيع «أوبك» قتل طفرة النفط الأمريكي؟

في النفط.. لا صوت يعلو فوق صوت السعودية

فاينانشيال تايمز: تهاوي أسعار النفط سلاح سياسي بيد السعودية

الذهب الأسود والبجعة السوداء

ما الذي يمكن أن تتعلمه الولايات المتحدة من سوق النفط؟

كيف أثرت منافسات الجغرافيا السياسية على أسعار النفط؟