قلنا في 9 أكتوبر/تشرين الأول أن مستقبل أرباب البترول في العالم يبدوا سيئًا. فالمملكة العربية السعودية تأمل أن يضطر منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة لخفض إنتاجهم نظرًا لانخفاض أسعار النفط. من جانبها توقعت وكالة الطاقة الدولية تراجعًا أكبر في أسعار النفط الخام.
ما أهمية ذلك بالنسبة الجغرافية السياسية؟ المحادثات مع إيران بشأن ملفها النووي الإيراني – والتي يوقن كثيرون أن فرص نجاحها محدودة – استؤنفت اليوم (14/10/2014) في العاصمة النمساوية فيينا على أمل وجود فرصة أفضل لتوقيع اتفاق. من ناحية أخرى فإن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» ربما يكون أكثر رغبة في التوافق مع أوكرانيا خلال المناقشات التي تبدأ الأسبوع القام بشأن أسعار الغاز.
سيصبح منتجو الصخر الزيتي أقل تأثيرًا. قبل أسبوعين رأى مسئول نفطي بارز في السعودية بأن ”حاجز الدفع“ الذي يطلبه الصخر الزيتي الأمريكي لكي يكون مُربحًا هو 90 دولار للبرميل. واليوم انخفض السعر العالمي لمزيج برنت الخام تحت 87 دولارًا للبرميل وتم البيع عند 86.16 دولار، أي بانخفاضٍ بلغ 25% عن يونيو/حزيران حيث وصل السعر آنذاك إلى 115.71 دولار.
وفي تقرير صادرٍ صباح اليوم؛ توقعت وكالة الطاقة الدولية أن تتراجع أسعار النفط إلى ما تحت 80$ للبرميل ما يضع بعض العراقيل أمام إنتاج الخام الأمريكي مُسببة خفض إنتاج الخام الأمريكي من 2.8 مليون برميل يوميًا هذا الربع إلى 2.7 مليون برميل بنسبة فقط تبلغ 4% بحسب توقعات الوكالة الدولية. من ناحية أُخرى فإن المنقّبين عن البترول عالميًا ربما لن يلجأوا إلا إلى خفض المشاريع عالية التكلفة قليلاً؛ مقللين نسبة الإنتاج العالمي فقط 2.8% أو 2.6 مليون برميل من أصل 90.6 مليون برميل؛ والذي لن يكون مأساة بالمعنى الحقيقي. (رسم بياني يوضح تأثير الناتج عن تحديد سعر 80 دولار لبرميل النفط على أنواع خام أمريكا الشمالية).
هناك العديد من العوامل التي تجمّعت لتؤدي في النهاية إلى هذا التراجع في الأسعار: الطلب من أكبر مستهلك للنفط في العالم – الصين – ليّن؛ فبحسب وكالة الطاقة الدولية فإن واردات الخام الصيني هبطت بنسبة 63% على مدار الأشهر الخمسة الماضية من 800 ألف برميل يوميًا في إبريل/نيسان إلى 290 ألف برميل يوميًا في سبتمبر/أيلول. وفي الوقت ذاته فإن معدلات عرض النفط للبيع من الولايات المتحدة وليبيا ارتفعت؛ حيث زاد الإنتاج الليبي بأكثر من ثلث ما كان عليه في أغسطس/آب محققًا 810 ألف برميل يوميًا، وتسعى الحكومة الليبية إلى الوصول إلى مليون برميل يوميًا بنهاية العام الجاري. وتبدوا الأسواق في الوقت ذاته مرتبطة تمامًا بعثرات الجغرافية السياسية؛ والتي حتى الآن دفعت بهم إلى نوبات انفعالية شديدة.
طريقٌ واحدٌ لتحليل الديناميكيات هو العرض والطلب من منظمة «أوبك». عندما ينظر الاقتصاديون إلى النفط العالمي فإنهم يستخدمون وكيلاً للطلب – ”اطلب أوبك“.
ذلك هو ما ستحصل عليه عندما تُسقط كل الإنتاج العالمي بغض النظر عن «أوبك» من الطلب المتوقع. بسبب العوامل المذكورة في الفقرة السابقة خلصت وكالة الطاقة الدولية إلى القول بأن الطلب على «أوبك» العام المقبل سيكون 29.3 مليون برميل يوميًا. وسيكون ذلك أقل بـ 1.3 مليون برميل يوميًا مما حددته الوكالة الدولية للمنظمة بانتاجه؛ والمقدّر بـ 30.6 مليون برميل يوميًا. (أنظر الرسم)
عندما تضيف ذلك إلى قدرة «أوبك» الإنتاجية غير المستخدمة - المعروفة بـ ”القدرة الإنتاجية الإحتياطية“ – يصبح هناك فائض حوالي خمسة ملايين برميل يوميًا في السوق.
لا يوجد أحد يعتقد استمرار تراجع الأسعار كما هي عليه الآن. وطالبت مجموعة أوراسيا اليوم بالتعامل مع السوق بحذر حيث أنه يبدوا مُشجعًا والأسعار سوف تبدأ في الارتفاع بنهاية العام، معللة الأمر بــ«عدم الاهتمام حاليًا بوضع ليبيا وإيران في مكانهما غير الصحيح بالتزامن مع ما يتردد بشكل قوي بشأن تحوّل سياسة السعودية جذريًا عن إدارة عملية العرض كما كان في السابق».
ويبدوا أن ليبيا ترى مسار انتعاشها في إنتاج النفط في الوقت الذي تتسع فيه هوة الحرب الأهلية، وسيضع نوفمبر/تشرين الثاني القادم شوكة في طريق إيران؛ في الوقت الذي يتزايد فيه الإنتاج الأمريكي مُقلصًا اعتماد الحكومة على الاستيراد من طهران، وفي ظل فشل المفاوضات النووية في الوصول إلى اتفاق أو على الأقل تمديدها.
ومن المؤكد أن الزعيم الإيراني «علي خامنئي» والرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» سيراقبون السوق أملاً في وقوع التجار في الخطأ. وفي النهاية؛ فإن القرارات السياسية التي يتخذونها سيكون لها تأثيرها عليهم حتى وإن أيقنا أن تراجع الأسعار سيستمر.