السعودية تبقي على الشكوك في سوق النفط

الخميس 23 أكتوبر 2014 06:10 ص

مع تهاوي أسعار النفط وتأرجحها يتردد صدى سؤال حول السوق: ما الذي تريد المملكة العربية السعودية الوصول إليه؟

أظهر مراقبون لبعض أسواق الطاقة قليلاً من ضبط النفس حين أرادوا التعليق على عمليات البيع الأخيرة والدور التي تلعبه السعودية - أكبر منتجي منظمة «أوبك» العالمية.

وبحسب المراقبين؛ فإن تراجع الأسعار بنسبة 25% في مزيج برنت الخام منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي إلى ما يقرب من أدنى مستوياته منذ أربع سنوات هو نتيجة استراتيجية مُتعمدة من دولة خليجية لجس نبض منتجين منافسين بدءًا من روسيا، وانتهاءًا بمنتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، مرورًا بزملاء داخل «أوبك» مثل إيران.

واعتبر مراقبون أن السعودية بدأت حرب النفط برفضها خفض الإنتاج بشكل ملموس، ولجأت بدلاً من ذلك لخفض الأسعار بعد أن توقعت انتصارها مُتسلحةً بالتكلفة الإنتاجية الرخيصة الكثيرة، واحتياطي النقد الأجنبي الضخم لديها.

من جانبهم وصف مراقبون أكثر هدوءًا إجرءات الرياض الأخيرة بأنها دقيقة وتعكس واقع السوق.

وقال «بيل فارين برايس» - الرئيس التنفيذي لشركة (بتروليوم بوليسي إنتيلجينس) والخبير العالمي في قطاع النفط والغاز – إنه «في الوقت الذي يتردد فيه تساؤلاً بشأن ما يدور بخلد السعودية، فإن الناس يفكرون بنفس الطريقة القديمة؛ بمعنى أنها إشارة سياسية لخصومها، وما يفعلونه هو مجرد جزءٌ من خطة كبيرة»، واصفًا ذلك الاعتقاد بأنه «محض خُرافة».

وللشهر الرابع تسلك الأسعار نفس الطريق في الوقت الذي ارتفعت فيه وتيرة إنتاج الصخر الزيتي من أمريكا الشمالية جنبًا إلى جنبٍ مع الإنتاج الليبي والعراقي رغم ما تعانيه الدولتان من فوضى ودماء. وفي الوقت نفسه؛ فإن الطلب تراجع وسط نمو اقتصادي هزيل في أوروبا وأسيا ما تسبب في نهاية المطاف بوجود فائض.

وفي ظل السيناريو الحالي للسوق الذي يزحف على السعودية فليس أمامها سوى خياران لا ثالث لهما: إمّا القبول بفترة من خفض الأسعار للحفاظ على حصتها السوقية، أو خفض الإنتاج والتضحية بالحصة السوقية دفاعًا عن أسعار نفط عالية. ويبدوا أنها اختارت الأول. 

ويرى «نات كيرن» - رئيس تحرير شركة استشارات فورين ريبورتس في واشنطن – أنه «بالنسبة للسعوديين؛ فإن خفض الإنتاج بشكل كبير في الوقت الراهن بمثابة عمل انتحاري؛ حيث أنهم أبعد ما يكونون عن الدخول في صراع مع تقلبات السوق. بإمكانهم خفض الإنتاج للحفاظ على السعر عند 100 دولارًا للبرميل، لكن يبقى الطلب ضعيفًا، لذا فإنهم يصبحون عندئذٍ في موقع يدفعهم لخفض الإنتاج مرة تلو الأخرى».

ولن تكون هناك فائدة من وراء ارتفاع الأسعار سوى تشجيع مجموعات الصخر الزيتي الأمريكي على مزيدٍ من التنقيب وتشجيع المنتجين أصحاب التكلفة العالية أيضًا، وعندئذٍ ستخسر المملكة أسهمًا من حصتها السوقية.

ويرى محللون نفطيون أن المملكة العربية السعودية تعلمت الدرس جيدًا من الماضي. انكماش الصادرات من 10 مليون برميل يوميًا في عام 1980م إلى أقل من 3 مليون برميل بعدها بخمس سنوات فشل في دعم الأسعار نتيجة زيادة إمدادات الدول النفطية من خارج «أوبك» وتراجع الطلب على المعروض.

ونتيجة لذلك؛ ولضمان أن معامل التكرير الأسيوية ستأخذ النفط السعودي في ظل الطلب الضعيف قامت الدولة الخليجية بخفض الأسعار على مدار الأشهر الماضية للعملاء في المنطقة في محاولة لنموٍ مستقبلي. الإنحفاض الأخير لشهر نوفمبر/تشرين الأول المُضاف إلى بعض مراحل انخفاض الأسعار لأدنى مستوياتها منذ ديسمبر 2008م بعث برسالة لخام برنت جعلته ينخفض تدريجيًا، وشعر التجار معها بالخوف.

«القرار الفنّي بخفض الأسعار لأسباب تجارية فهمه العديد من مراقبي السوق النفطية خطأً على أنه قرارٌ سياسيٌ في الأساس»؛ هكذا قالت محللة نفطية شرق أوسطية رفضت ذكر اسمها مُضيفة: «بالطبع؛ هم ليسوا معنيين بما يعانيه منتجون آخرون من آلامٍ. لكن هذا ليس هجومًا سياسيًا على الولايات المتحدة أو إيران أو أنهم يريدون الدخول في حرب أسعار مع منافسيهم في المنطقة».

وتعجب «بول هورسنل» – المحلل النفطي المُحنك – من قيام أعضاء منظمة «أوبك» والسعودية – بصفتها أكبر منتج للنفط – بتبني قرارات لخفض الإنتاج بينما الأمر يحتاج إلى دراسة متأنية، وأضاف: «السعودية لا تستجيب لتقلبات الأسعار على المدى القصير، لكنها في المقابل تستجيب لتقلبات معدل الكميات. تهاوي الأسعار لم يحدث إلا مؤخرًا لذا فإن عدم صدور رد فعلٍ منهم حتى الآن لا يدعوا للدهشة أو يثير المخاوف».

وأوضح «هورسنل» أن المخاوف الحقيقية بشأن الإنتاج الوفير - كما أشارت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي – تكمن في أنها لن تتوقف حتى الربع الأول من العام المقبل؛ وهذا لا يدعوا لقلق في الوقت الراهن كما كان عليه الحال في عام 2008م، معقبًا: «يمكنهم بسهولة التروي لمدة ستة أشهر على الأقل حتى اجتماع أوبك المقبل». 

من ناحية أخرى؛ فإن تصريحات المسئولين السعوديين للمحللين في نيويورك ولندن تشير إلى أن المملكة العربية السعودية يمكنها أن تصمد فترة أطول في ظل تهاوي الأسعار، ولا مشكلة لديها في أن يستقر سعر البرميل عند 70 دولارًا. وهذا ما يطمح إليه المسئولون السعوديون حيث سيؤدي ذلك إلى إغراء الطلب، وتراجع الإمداد، وتوازن السوق.

وبالفعل فإن سعر مزيج برنت عاد ليرتفع قليلاً مُحققًا 86 دولارًا للبرميل بعد أن كان قد هبط إلى مستوى 83 دولارًا الأسبوع الماضي. ويوقف التجار الوفاء بمتطلبات الصين - أكبر مستوردٍ للنفط – في محاولة منهم لدعم السوق أكثر.

ورأى «نات كيرن»: «ومع تأرجح الأسعار بين 80 و90 دولارً للبرميل فإنهم يرون أنه ليس عليهم شيئًا القيام به. لكن في حال تراجع السعر دون ذلك ليصل مثلاً إلى 60 دولارًا فعندئذٍ سيفكرون في تبني إجراءات. لكنهم لا يعتقدون أن الأسعار قد تهبط لهذا المستوى».

أما «بوب ماكنالي» – الرئيس الحالي لمجموعة (رابيدان) ومسئول سابق في إدارة الرئيس «جورج دبليو بوش» – فقد ذهب بعيدًا ليقول إن التعليقات الأخيرة من المسئوليين السعوديين تشير إلى أن الدولة الخليجية ربما تترك خيار الخفض للأمريكيين.

وأردف: «الرياض ترى أنها ليست بحاجة للتصرف كموردٍ نفطيٍ يترنح في سوق ضعيفة...لقد دخل المنتجون الأمريكيون الذين يتأثرون بالأسعار ويتعاملون معها المشهد. ويرى السعوديون أن منتجي الصخر الزيتي بمثابة نعمة لهم في الوقت الذي وضعوا فيه سقفًا للسعر بالإضافة إلى أرضية. إنهم يعملون وكأنهم عضوًا جديدًا انضم لمنظمة أوبك».

المصدر | أنجلي رافال، فايننشيال تايمز

  كلمات مفتاحية

السعودية أسعار النفط انخفاض أسعار النفط

خامنئي يحذر: الاعتماد على النفط يضع إيران تحت رحمة القوى الكبرى

السياسة والسوق في الانهيار الفادح لأسعار النفط

ضد من تستخدم السعودية سلاح النفط ؟!

إيران تتهم «دولا إسلامية» بالتآمر مع الغرب لخفض أسعار النفط

أسعار النفط تواصل تحديد معالم الجغرافية السياسية

"طغاة النفط" في مأزق أقوى مما توقعناه!

هل تصبح أمريكا "شرقا أوسطا جديدا" كأكبر منتج للطاقة في العالم؟

أمريكا والنفط العربي

السعودية تخفض صادرات النفط في سبتمبر برغم زيادة الإنتاج

«معهد واشنطن»: السعودية فقدت سيطرتها علي سوق النفط

تراجع أسعار النفط يهبط بعملات السلع

لماذا يختلف درس عام 1986 في النفط عن درس 2015؟!