هل تصبح أمريكا "شرقا أوسطا جديدا" كأكبر منتج للطاقة في العالم؟

الثلاثاء 14 أكتوبر 2014 01:10 ص

إعادة الحياة لصناعة الطاقة على مدار السنوات القليلة الماضية ساهم في إنعاش الاقتصاد. وفي الوقت الذي اعتصرت فيه الأزمة الاقتصادية والركود المواطنين الأمريكيين قبل سنوات قليلة، فإن العديد من الأفراد كانت لديهم القدرة على التوجّه صوبَ الغرب والغرب الأوسط للحصول على عملٍ في حقول الغاز الطبيعي وإنتاج النفط المزدهرة؛ والتي شهدت فترة من الهدوء على مدى العقدين الماضيين. لكن الوصول الأخير لتكوينات الصخر الزيتي في أرجاء الولايات المتحدة – من الشمال الغربي بطول الطريق إلى داكوتا الشمالية وتكساس – أدى إلى عصر جديد ومنتعش من إنتاج الطاقة.

استوردت الولايات المتحدة كميات ضخمة من بترولها من مصادر أجنبية؛ وخاصة كندا والمكسيك وفنزويلا وأعضاء «أوبك» في الشرق الأوسط. وقد تسبب ذلك في كثيرٍ من المشكلات المختلفة على مدار تلك السنوات؛ تمثل بعضها في القيام بأعمال عدائية دولية للعمليات الإرهابية، واستمرت لتصبح مشكلة كبرى من حيث استخدام العنف لتأمين المصالح الوطنية الأمريكية في الخارج.

والحقيقة تقول إن تأمين الوصول إلى نفطٍ خامٍ رخيص ومتوفر أصبح أحد أهم أولويات الأمريكيين لعقود، ومليارات – إن لم يكن تريليونات – الدولارات تمّ إنفاقها على مدار السنوات لضمان حفاظ أمريكا على مصالحها بدون مساس.

لكن بدا أن الأمور تأخذ طريقًا مغايرًا منذ وقت ليس ببعيد؛ خاصة فيما يتعلق بسياسة الطاقة. فالكثير من الناس أصبحوا على درايةٍ بالتأثيرات السلبية لسياسة الطاقة الأمريكية، والرأي العام صار يتحول تدريجيًا نحو اتجاهٍ يرغب بالتركيز على الحد من إهدار الطاقة، وتكثيف الاعتماد على المصادر المحلية، كما أن هناك دفعًا قويًّا نحو استخدام الطاقات المتجددة والتكنولوجيا الخضراء التي تشمل: الرياح والطاقة الشمسية، والابتعاد عن الوقود الحفري المتمثل في الفحم والبترول.

أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم هذا الصيف

لكن الطفرة الأخيرة في الغاز الطبيعي وإنتاج البترول قد ملأت الجيوب بأموال شركات الطاقة والدول والحكومات المحلية، كما وفّرت العديد من الوظائف لأمريكيين كانوا بحاجة إليها، ما زاد من تعاطف الرأي العام الأمريكي مع تلك الصناعة.

ازداد التفاؤل لدى كثيرين بشأن مستقبل إنتاج الطاقة المحلية الحالية الآخذ في النمو لدرجة أن بعضهم بدأ يعقد المقارنات بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط. وأفاد موقع «بلومبيرج» إن الولايات المتحدة – في حقيقة الأمر – أصبحت أكبر منتج للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم هذا الصيف. وقد أصبحت الولايات المتحدة على قائمة منتجي الغاز الطبيعي في 2010م.

وفي الوقت الذي أصابت فيه الأخبار أفرادًا بالدهشة فإنها كانت أيضًا مبعث سرورٍ لهم، وصدعت الأصوات المنادية بتضييق الاعتماد على مصادر الطاقة الخارجية بعد أن كانت تتخافت مُطالِبةً بذلك، واستطاعت الجماهير إظهار قلقها من الحروب الطويلة والأعمال العدائية بسبب الجغرافية-السياسية في الشرق الأوسط؛ والتي يؤمن كثيرون أنها لم تكن سوى وسيلة لتأمين مصالح الطاقة الأمريكية.

بشكل طبيعي؛ فإن العثرة الخفيفة في الإنتاج المحلي ساعدت بالفعل في تخفيف بعض آلامِ العملاء التي قد يشعرون بها من طريقٍ آخر؛ وهو الأسعار. معدل القياس الأكثر تأثيرًا والأسهل تحديدًا هو النظر إلى أسعار الغاز؛ التي حققت قفزات عالية على مدار10 أو 15 سنة مضت. وقال «فرانسيسكو بلانش» - أحد أعضاء فريق أبحاث السلع التابع لـ«بنك أوف أمريكا» - في حديثه مع «بلومبيرج» إنّ الأشياء قد تبدوا أكثر بشاعة للمستهلكين؛ مُبيّنًا: «طفرة الصخر الزيتي تلعب دورًا محوريًا في استرداد الولايات المتحدة عافيتها الاقتصادية. إذا لم تمتلك الولايات المتحدة مثل هذه الإمدادات فإن الأسعار قد تنفجر في أي لحظة بصورة قد لا نحتملها».

ومن المُتوقّع أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام إلى أكثر من 13 مليون برميل بحلول 2019م، ومن المحتمل أن يكون هناك ارتفاعٌ آخر في وقت مبكر من العقد القادم. لكن في الوقت الراهن – بحسب الكاتب - ينبغي استثمار ما آلت إليه أوضاع الولايات المتحدة لتحقيق نمو في مختلف المجالات الاقتصادية لفتح آفاقٍ مستقبلية للولايات المتحدة مُعتمدةً في ذلك على الارتفاع الطفيف في إنتاج الطاقة.

«هناك صلة قويةٌ بين نمو إنتاج النفط وزيادة الأجور على مستوى الولايات الأمريكية»؛ هكذا أضاف «بلانش» لموقع «بلومبيرج». 

هل هذا يعني أن الولايات المتحدة في طريقها لتُصبح ”شرقًا أوسطيًا جديدًا“؟

وتُشير التوقعات الاقتصادية إلى أشياءٍ إيجابيةٍ للغاية في طريقها للولايات المُتحدة طالما لم تتوقف الطاقة، لكن هل هذا يعني أن الولايات المتحدة في طريقها لتُصبح ”شرقًا أوسطيًا جديدًا“؟ هناك بالفعل مجال من الشك في ذلك، لكن في حالة تحليل كافة مناحي ومجالات إنتاج النفط فستجد أنّ الكثير من المُحللين لا يستبعد ذلك.

وفي المقابل؛ تجد هناك من يُعلي التشاؤم بشأن ذلك؛ مستندًا إلى أنه في حالة سعي الولايات المتحدة لمنافسة حقيقية مع دولٍ قديمة مثل السعودية، فسيتطلب الأمر زيادة معدلات النمو بدرجة كبيرة خلال العامين القادمين؛ وهو الأمر بعيد المنال. وطبقًا لتقرير «سي إن بي سي» فإن «إدارة معلومات الطاقة» قالت: إن الولايات المتحدة أنتجت 8.1 مليون برميل نفط خام يوميًّا خلال الربع الأول من العام الجاري؛ والذي يشير إلى زيادة ضخمة عن العقد الماضي، لكن هذا الانتاج لا يوصّلها لنسبة إنتاج دول «أوبك».

«إذا أخذنا إحصائيات إدارة معلومات الطاقة بعين الاعتبار، ولكي يتخطى الإنتاج الأمريكي نظيره السعودي العام الماضي فإننا سنكون بحاجة إلى رفع الإنتاج إلى 1.7 مليون برميل يوميًا على مدار العام»؛ هكذا رأى المحلل المختص بالطاقة «كريس ميلدر» خلال حديثه مع «سي إن بي سي»، مُضيفًا: «لن نضيف مليون برميل يوميًا في عام 2014م. لكننا هذا العام من المحتمل أن يزيد الإنتاج بمقدارٍ يتراوح بين 500-700 ألف برميل يوميًا. وهذا بكل تأكيد لن يحدث».

استراتيجية مستدامة

يبدوا أن هناك مبالغة فجّة بشأن العديدَ من التوقعات؛ لكن هذا لن يأخذنا بعيدًا عن إيجابيات نشاط الإنتاج الأمريكي. الولايات المتحدة لن تتوقف عن استيراد مصادر طاقة أكثر مما تنتج، وهي مشكلة أخرى بحاجة إلى حلٍ مستقبلي. وفي الوقت الذي بدأ فيه مستهلكون ينظرون إلى وسائل نقلٍ إليكترونية وهَجينية أو النقل العام والتواصل عن بعد فإن الطلب على البترول سيتراجع، ومن ثمّ ستجد الولايات المتحدة فرصة أكبرللاعتماد على ما تنتجه محليًا.

 الارتفاع الطفيف في الطاقة الشمسية والرياح وحتى المد والجزر قد يتضرر أيضًا نتيجة الاعتماد على صناعات النفط والفحم، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى تراجع صناعة الوقود الحفري بشكل عام نظرًا لما يواجهه العالم من آثار تغير المناخ والزيادة في معدلات التلوث.

ربما استطاعت الولايات المتحدة اللحاق بركب إنتاج الطاقة، لكنها ما تزال بحاجة إلى ”جاذبيةٍ“ امتلكتها دول الشرق الأوسط، ومن ثمّ يمكنها اللحاق بركبهم. أما الآن فسيسعى الأمريكيون للاستمتاع بغنائم الارتفاع الطفيف في العمالة والزيادة في الإيرادات الناتجة عن الضرائب.

النفط الخام والغاز الطبيعي هما ما تحتاجهما الولايات المتحدة في المستقبل القريب، لكن على المدى البعيد فإن الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة النظيفة – إذا ما أعطته انتباهها - فسيضع الولايات المتحدة على طريق الاستقلال في مجال الطاقة المستدامة.

المصدر | سام بيكر، وول ستشيتشيت دوت كوم

  كلمات مفتاحية

النفط أسعارالنفط النفط الصخري أمريكا أوبك

احتدام الخلاف بين أعضاء أوبك فى ظل تراجع أسعار النفط

هبوط أسعار النفط أكثر من دولار والرياض ستقبل انخفاضا كبيرا وطويلا لأسعار النفط

أمريكا والنفط العربي

"التبذير" في استهلاك النفط السعودي داخليا يأكل ربع الإنتاج ويسرع بناء 4 محطات نووية

«مزيج برنت» يهبط لأدني مستوي منذ 4 سنوات

النفط يهبط 4 دولارات مع تراجع الطلب ونكوص «أوبك» عن خفض الإنتاج

أسعار النفط تواصل تحديد معالم الجغرافية السياسية

رغم تراجع الأسعار .. لا توقعات وشيكة بخفض الإنتاج الأمريكي

ضد من تستخدم السعودية سلاح النفط ؟!

تراجع حاد للنفط بعد قفزة ثانية بمخزونات الخام الأمريكية

السعودية تبقي على الشكوك في سوق النفط

الميزانية السعودية مهددة إذا ما تراجعت أسعار النفط عن 83 دولارا للبرميل

أسعار النفط تهوي لأدنى مستوياتها في سنوات والسعودية تخفض سعر الخام لأمريكا

استعراض القوة والصمود بين السعودية وشركات النفط الأمريكية

غروب شمس هيمنة «أوبك» في عهد جديد من انخفاض أسعار النفط

السعودية تشن حرب أسعار ”غير مُقنِعة“ على النفط الصخري الأمريكي في اجتماع «أوبك»

هل تستطيع «أوبك» قتل طفرة النفط الأمريكي؟

السعودية تشعل الحرب ضد النفط الصخري بـ«خفض الأسعار» بعد رفضها حفض الإنتاج

عام 2015: هل يشهد نهاية تأثير النفط في المعادلات السياسية؟

طفرة الصخر الزيتي الأمريكي تقلص توقعات الطلب على نفط «أوبك»

تطورات بترولية وحرب استنزاف

أهلا بك في زمن حرب أسعار النفط

هل تلعب الولايات المتحدة دور المنتج المرجح في سوق النفط؟