هل تستطيع «أوبك» قتل طفرة النفط الأمريكي؟

الأربعاء 3 ديسمبر 2014 11:12 ص

دفع قرار «أوبك» الأسبوع الماضي، بالثبات على موقفها دون زحزحة، والحفاظ على مستويات إنتاج النفط الخام الحالية كما هي، دفع أسعار النفط إلى ما يقرب من أدنى مستوياته في خمس سنوات يوم الاثنين الماضي. وفي الوقت ذاته أثار القرار سؤالين مُهمين ذوي صلة: هل «أوبك» تحاول عمدًا خنق الطفرة النفطية للولايات المتحدة؟ وهل ستكون قادرة على ذلك؟

بالتأكيد؛ لقد أعطى اللاعبون الأكثر ثُقلاً داخل المنظمة المصدرة للنفط هذا الانطباع من خلال ترك صنابير النفط مفتوحة على أقصى إنتاجها، ودفع الأسعار للهبوط، والفكرة تكمن في جعل إنتاج النفط باستخدام تقنيات تكسير التكوينات الجيولوجية للصخر أقل اقتصادية بجانب تكلفته العالية مقارنة بتكلفة ضخ النفط في الحقول الكبيرة والتقليدية في الشرق الأوسط. وقال «عبد الله البدري» - الأمين العام لمنظمة «أوبك» -  بعد اجتماع 27 نوفمبر/تشرين الثاني الأسبوع الماضي، أن القرار كان طريق «أوبك» للرد على وفرة النفط الضيق الخفيف التي أوجدتها ثورة الطاقة في الولايات المتحدة.

وأضاف مسئولون إيرانيون أنه في اجتماعات ما وراء الكواليس بدا المسؤولون السعوديون أكثر قلقًا بسبب التهديد الذي يشكله ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة.

تحدي كبير

من الأهمية بمكان أن نقر بصعوبة تبني منظمة الدولة المصدرة للنفط «أوبك» موقفًا موحدًا. ولقد جاء قرارها بالحفاظ على إنتاج النفط دون تغيير  في محاولة لإجبار الإنتاج الأمريكي على التراجع ليعكس عدم قدرة المنظمة على تبني موقف مُوحد بشأن المفترض اتخاذه تجاه خفض الأسعار نتيجة للخلافات القائمة بينهم. منتجو «أوبك» الكبار بقيادة المملكة العربية السعودية بحاجة أيضًا إلى إقناع صغار المنتجين بأن يأخذوا نصيبهم من المتاعب المترتبة على تخفيضات الإنتاج - وهو الأمر الذي سيكون أسهل بعد مرور أشهر قليلة على أسعار النفط المنخفضة نسبيًا.

بغض النظر عن ما إذا كانت «أوبك» تسعى لذلك أم لا، فإن تداول أسعار النفط الأمريكي عند 60 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ صيف عام 2009 والمناخ الاقتصادي لإنتاج النفط في الولايات المتحدة فإن الأمر - على الورق على الأقل – يمثل تحديًا كبيرًا للمنظمة أكثر مما كان عليه الوضع قبل سنوات.

ولكن هذا لا يعني أن النفط الذي يُباع بــ70 دولار قد يجعل طفرة الولايات المتحدة تستسلم وتتراجع في أي وقت قريب. بالنسبة للمبتدئين؛ فإن الأسعار ستضطرهم إلى الحفاظ على الإنتاج منخفضًا قبل أن يفكر منتجو النفط الأمريكي في حزم أمتعتهم نهائيًا. وإذا بقيت أسعار النفط مستقرة خلال معظم فترات عام 2015 فإن محللي الطاقة يتوقعون تراجع نمو إنتاج الولايات المتحدة إلى 500 ألف أو 600 ألف برميل يوميًا. ولن يكون هذا كافيا لعلاج تراكم الخام والذي يرهق كاهل الأسواق اليوم.

تراجع تكلفة إنتاج النفط الصخري

ولكن الأهم من ذلك، هو أنه بفضل التقدم التكنولوجي صار إنتاج النفط الضيق من عمليات التكسير أرخص سعرًا، بل إن تكلفته تتراجع من وقت لآخر بصرف النظر عن عمق طبقات الصخر الزيتي داخل الأرض. وهذا يعني بقاء «التعادل» في أسعار النفط للمنتجين في الولايات المتحدة منخفضًا طيلة الوقت، مما يجعل هذه الصناعة أكثر مرونة تجاه الانخفاض في الأسعار.

وإذا كانت الولايات المتحدة قبل سنوات قليلة بحاجة لسعر برميل نفط عند 80 دولار فيمكنها اليوم العمل بأريحية مع الأسعار القريبة من 70 دولارًا، كما تظهر البيانات من مختلف عمليات أداء الصخر الزيتي. ويرى «دانيال يورجين» - رئيس استشارات الطاقة في شركة «آي إتش إس» – أن 80% من إنتاج الولايات المتحدة من النفط الضيق يمكنه البقاء على قيد الحياة مع سعر دون 70 دولار لبرميل النفط الخام. ويتفق «إد موريس» – المحلل النفطي لدى «سيتي جروب» – مع هذا الرأي معللاً تفاؤله بأن اللاعبين الأمريكيين الكبار - بما فيهم «مارسيلو» و«باكين» و«إيجل فورد» و«حوض بيرميان» - يمكنهم التربح عند مستوى 70 دولار للبرميل بكل سهولة.

وتوضح بيانات عدد من الشركات الفردية مدى قوة ازدهار طفرة الولايات المتحدة وما وصلت إليه. وفي السياق ذاته قالت شركة «كونوكو فيليبس» للطاقة مؤخرًا للمستثمرين أنها كانت بين أقل أسعار التعادل في هذه الصناعة؛ حيث انخفضت أرباح مشاريعها إلى حوالي 40 دولار للبرميل. ومن الجدير بالذكر أن منافسي «كونوكو فيليبس» الأعلى تكلفة يمكنهم أيضًا البقاء على قيد الحياة حتى في ظل وصول أسعار النفط إلى منتصف الستين دولارًا للبرميل.

شركة «شتات أويل» النرويجية، والتي أصبحت لاعباً كبيرًا في أمريكا الشمالية تفسر ما يقود إلى التغيير: عمليات التطور التكنولوجي التي تسهم في خفض تكلفة حفر كل بئر. وقد تراجعت التكاليف 50% في غضون عامين، وأضافت الشركة النرويجية أنه من الممكن أن تتراجع تلك التكلفة أيضًا 15 % أخرى بحلول عام 2016م. وفي الوقت نفسه، فإن المنتجين يخفضون كميات كانوا قد اعتادوا على إنتاجها في السابق. والنتيجة - كما تقول «شتات أويل» - هي آبار أقل بتكلفة أقل مع زيادة في الإنتاج الكلي.

الحد من التوسع

لا يعني هذا أن هذه الصناعة يمكنها تمامًا التغاضي عن انخفاض أسعار النفط. فحتى مع كون استمرار جني الأرباح من وراء تلك الآبار، إلا ن شركات النفط بحاجة إلى تدفق نقدي مستمر للحفاظ على التشغيل. وفي بيان له الاثنين الماضي؛ قال بنك «براون براذرز هاريمان» الاستثماري إن انخفاض أسعار النفط ربما يعوق سهولة الائتمان الذي يحتاجه العديد من الشركات العاملة في مجال النفط للحفاظ على التنقيب، ما قد يترتب عليه الحد من التوسع في إنتاج النفط في الولايات المتحدة. وفي المقابل؛ يستطيع معظم أداء الصخر الزيتي البقاء على قيد الحياة مع انخفاض الأسعار وهو ما لا قد يتأتى لغيره؛ بمعنى أن المشروعات الأكثر تكلفة قد تتقلص إذا ظلت أسعار النفط منخفضة خلال النصف الأول من العام المقبل.

لا يزال هناك الكثير من الأوراق البديلة في سوق النفط العالمية والتي يمكنها أن تدعم الأسعار بغض النظر عن ما تفعله أوبك أو لا تفعله. ويمكن للاضطرابات الجغرافية السياسية المتزايدة في دول منتجة مثل ليبيا والعراق أن تزيل بعض النفط من السوق المتخمة بالمعروض. وفي الوقت نفسه؛ يمكن أن تكون هناك زيادة طفيفة غير متوقعة في الطلب على النفط من دول مثل الصين، والتي يبدو أنها أكثر المستفيدين من تراجع أسعار النفط إلى المعدل ما يسهل تعبئتها لاحتياطاتها النفطية الاستراتيجية.

لكن شيئًا واحدًا يبدوا واضحًا: إذا كانت منظمة «أوبك» تسعى لخنق طفرة النفط في الولايات المتحدة ودفع الأسعار للهبوط إلى مستوى يجعل الحياة أكثر سهولة للدول النفطية الكبرى، فإن ذلك سيستغرق وقتًا أطول من الوقت الذي يحتاجونه لتبني موقف موحد.

المصدر | كيث جونسون، فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة أوبك أسعار النفط النفط الصخري حرب أسعار النفط انخفاض أسعار النفط

أسواق الخليج تنزف بشدة بعد قرار أوبك عدم خفض الإنتاج

السعودية تشن حرب أسعار ”غير مُقنِعة“ على النفط الصخري الأمريكي في اجتماع «أوبك»

كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط السعودي على مشروعات النفط الصخري فى أمريكا؟

أسعار النفط تواصل تحديد معالم الجغرافية السياسية

"طغاة النفط" في مأزق أقوى مما توقعناه!

هل تصبح أمريكا "شرقا أوسطا جديدا" كأكبر منتج للطاقة في العالم؟

«أوبك» تتوقع انخفاض إنتاجها في 2015 ليصل إلى 29.5 مليون برميل يوميا

طفرة النفط الصخري تغيّر التوقعات: الولايات المتحدة ستسبق روسيا والسعودية

انهيار أسعار النفط .. من الفائز الحقيقي؟

السعودية تشعل الحرب ضد النفط الصخري بـ«خفض الأسعار» بعد رفضها حفض الإنتاج

عام 2015: هل يشهد نهاية تأثير النفط في المعادلات السياسية؟

مخزون الخام الأمريكي يرتفع 1.5 مليون برميل الأسبوع الماضي بخلاف المتوقع

أمريكا تخفي مخزون نفطي يقدر بـ696 مليون برميل بعيدا عن الأنظار

معهد البترول الأمريكي: هبوط مفاجئ لمخزونات النفط الخام لأول مرة في 2015