هل تلعب الولايات المتحدة دور المنتج المرجح في سوق النفط؟

الأحد 25 يناير 2015 05:01 ص

يقع التغيير التاريخي للأدوار في القلب من الصخب والاضطراب بشأن انهيار أسعار النفط التي تراجعت بنسبة 50% منذ سبتمبر الماضي. وعلى مدى عقود؛ فإن المملكة العربية السعودية بدعم من دول الخليج العربي استحقت أن تُوصف بـ«المنتج المرجح»؛ حيث يمكنها في ظل طاقتها الإنتاجية الهائلة رفع أو خفض إنتاجها لمساعدة السوق العالمية على التكيّف مع النقص أو الفائض.

واستقالت المملكة العربية السعودية في يوم 27 نوفمبر - في اجتماع «أوبك» في فيينا النمساوية - فعليًا من هذا الدور، وسلمت «أوبك» كامل المسئولية عن أسعار النفط في السوق؛ والتي توقع وزير النفط السعودي «علي النعيمي» أنها «ستستقر من تلقاء نفسها في نهاية المطاف». وحصل قرار منظمة «أوبك» بصعوبة بالغة على الإجماع. وضغطت فنزويلا وإيران - اقتصاداتهما في ورطة كبيرة - بشدة لخفض الإنتاج، ولكن دون جدوى. وفي وقت لاحق اتهمت إيران الرياض بشن «حرب نفط» وأنها تستهدفها.

من خلال ترك أسعار النفط إلى السوق يفعل فيها ما يشاء، مررت المملكة العربية السعودية والدول الأخرى المسئولية كمنتج مرجح إلى بلد لا يكاد يكون متوقعًا؛ إنها الولايات المتحدة الأمريكية. ومن المتوقع أن يستمر ذلك النهج مع تولي الملك السعودي الجديد «سلمان بن عبدالعزيز» العرش في أعقاب وفاة أخيه الملك «عبدالله» يوم الجمعة. وذلك يعني أن التغيرات في الإنتاج الأمريكي في الوقت الراهن سيكون لها تأثير كبير على أسعار النفط العالمية جنبًا إلى جنب مع المنتجين في الخليج العربي.

طفرة النفط الأمريكي

وكانت الولايات المتحدة يومًا ما أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم إلى حدٍ كبير؛ ليس هذا فحسب ولكنها أيضًا كانت منتجه المرجح. وحددت لجنة السكك الحديدية في ولاية تكساس المستويات المسموح بها للإنتاج في الولاية؛ والتي هي بمثابة المملكة العربية السعودية اليوم. ولكن بحلول عام 1970م؛ وصل إنتاج النفط الأمريكي إلى نقطته العالية المُقدّرة بــ 9.6 مليون برميل يوميًا ثم بدأت في الانخفاض.

وبدأت الولايات المتحدة استيراد المزيد والمزيد من النفط. وبحلول عام 2008م؛ تراجع إنتاج النفط الأمريكي إلى ما يقرب من 50% من نقطتها العالية. ووصلت أسعار النفط إلى 147 دولاراً للبرميل، وكانت هناك مخاوف من أن إنتاج النفط في العالم بلغ ذروته، وأننا على وشك الدخول في مرحلة نفاذ النفط.

ورغم ذلك؛ فإن الولايات المتحدة - وبهدوء بدأت التشبث بثورة النفط والغاز غير التقليدية وبسرعة فائقة. لقد قرنت بين اثنين من أنواع التكنولوجيا؛ التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي. تمّ قياس الأثر أولاً في الإنتاج المتزايد بسرعة من الصخر الزيتي، والذي يُشكّل الآن نحو نصف مجموع الغاز الأمريكي. وقفزت هذه الطفرة من الصخر الزيتي بالولايات المتحدة إلى ترتيب قبل روسيا لتصبح المنتج رقم واحد للغاز في العالم.

وفي عام 2010 تقريبًا بدأت تطبيق نفس التقنيات بشكل أكثر جدية للبحث عن النفط، وكانت النتائج هائلة. وبحلول نهاية عام 2014؛ ارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة بنسبة 80٪ مما كان عليه في عام 2008، وبزيادة قدرها 4.1 مليون برميل يوميًا، وهو ما يُعدّ أكبر من إنتاج كل بلد في «أوبك» على حدة باستثناء المملكة العربية السعودية.

والآن؛ عاد الإنتاج الأمريكي تقريبًا إلى ما كان عليه في عام 1970. يُضاف إليه مكسبًا إضافيًا بحوالي مليون برميل في اليوم منذ عام 2008 من الرمال النفطية الكندية. وبدأت مسألة «استقلال الطاقة» تبدو أكثر وضوحًا؛ على الأقل في أمريكا الشمالية.

وتحولت هذه الطفرة أيضًا لتكون دفعة كبيرة للاقتصاد الأمريكي، ولخلق فرص العمل، وتحسين موقف البلاد التنافسي، واجتذاب أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة. وتعدُّ تلك هي المرة الأولى التي يصل فيها الإنتاج إلى مستويات مرتفعة بهذه الصورة وبتلك السرعة. لقد كانت آخر مرة في أوائل الثمانينيات عندما خلقت إمدادات جديدة من المكسيك وبحر الشمال وألاسكا فائضًا نفطيًا أدى إلى انهيار الأسعار.

انهيار الأسعار .. السوق والسياسة

وفي هذا الوقت؛ أجّل العديد من الأشياء انهيار الأسعار. أحد هذه الأشياء كان الاستهلاك المتزايد في العالم النامي؛ وبالأخص الصين. وهناك أيضًا الاضطرابات في ليبيا وجنوب السودان وغيرها من الدول التي خفضت الإمدادات. كما أن هناك أكثر من مليون برميل سُحبت يوميًا من السوق بسبب العقوبات المفروضة على إيران. وبدون هذه الزيادة الكبيرة من النفط الصخري الأمريكي، فمن المرجح جدًا أن تكون هذه العقوبات فشلت. ومع ارتفاع الأسعار، فإن البلدان التي تسعى لنفط أرخص سوف تعاني مشكلات مختلفة، وربما لم تكن إيران على طاولة المفاوضات النووية كما اليوم.

ورغم ذلك؛ فإنه بحلول منتصف الصيف الماضي تغيرت الظروف، فقد تباطأ النمو الاقتصادي العالمي، وبدت أوروبا متراجعة. ومنذ عام 2004، كان الارتفاع السريع في الطلب الصيني على النفط العامل الحاسم في سوق النفط العالمية. لكن الاقتصاد هو الآخر يتباطأ حاليًا، وهذا يعني تباطؤ النمو في الطلب على النفط. وفي الوقت نفسه؛ تمكنت ليبيا من مضاعفة إنتاجها النفطي أربع مرات؛ على الأقل لبعض الوقت. وكان ذلك بمثابة الضغط على زناد انخفاض السعر.

وكان من المفترض أن تتدخل «أوبك» وتخفض الإنتاج لدعم الأسعار، وتمّ إنفاق تريليونات الدولارات من الاستثمارات على مدى السنوات القليلة الماضية على هذه الفرضية.

لكن المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج امتنعت عن تبني تلك الخطوة. لقد رأوا أنهم إذا قرروا خفض الإنتاج فإنهم سيفقدون حصتهم في السوق بشكل دائم. وفي الوقت الذي رأوا فيه ذلك، فإنهم قد يتراجعون لإفساح المجال لــ «نفط عالي التكلفة» ومن ثم القيام بمزيد من الخفض لاستيعاب النفط الأعلى تكلفة.

لقد كانوا ينظرون إلى المنافسة ليس فقط من النفط الصخري الأمريكي، ولكن أيضا من الرمال النفطية الكندية وإمدادات جديدة من روسيا والقطب الشمالي والبرازيل وآسيا الوسطى وإفريقيا وكميات مُتزايدة من النفط البحري في جميع أنحاء العالم.

ولكنهم الآن ينظرون بشكل مباشر إلى اثنين من الجيران. هم لم يريدوا أن يتنازلوا عن أسواق العراق؛ وهي الدولة التي يرونها على رادار إيران ويتزايد إنتاجها. كما أنهم بالتأكيد لا يرغبون في إفساح الطريق لإيران التي يعتقدون أنها على وشك التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة وحلفائها، ما سيجعل النفط الإيراني يعود مُجددًا إلى السوق.

نتائج غير متوقعة

تأثير هبوط الأسعار قد يكون أكثر بكثير حتى مما كان يتوقعه بعض المنتجين في الخليج العربي. وفي جميع أنحاء العالم؛ تقوم شركات النفط بتخفيض الميزانيات، وتقليل التكاليف، وإبطاء مشاريع جديدة وتأجيل أخرى، وهناك البعض الذي قد يتم إلغاؤه.

وتأمل المملكة العربية السعودية أن يحفز انخفاض أسعار النفط النمو الاقتصادي والطلب على النفط. ونتيجة لذلك؛ فإنها بما تمتلكه من احتياطيات أجنبية ضخمة، يمكن للمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي أن تواصل سيرها في ظل الوضع القائم من انخفاض الأسعار.

وهذا لا ينطبق على كثير من البلدان الأخرى المُصدرة للنفط. فنزويلا عُرضة للاضطرابات وحتى الانهيار المالي. وتتعامل روسيا ليس فقط مع انخفاض أسعار النفط الذي يوفر أكثر من 40% من الإيرادات الحكومية، ولكن أيضًا مع العقوبات المفروضة بسبب عدوانها على أوكرانيا، ويبدو أنها متجهة نحو ركود عميق.

نيجيريا - أكبر اقتصاد في إفريقيا بالإضافة إلى كونها صاحبة أكبر عدد سكان في القارة السمراء – هي أيضًا عرضة للخطر. ويمثل قطاع النفط 95% من عائدات التصدير و 75٪ من الإيرادات الحكومية. وتتراجع إيراداتها في الوقت الذي تحتاج فيه إلى مزيد من الأموال لمحاربة تمرد «بوكو حرام».

وبصفة عامة؛ فإن انخفاض أسعار النفط قد يعني نقل ما بين تريليون ونصف إلى تريليوني دولار من الدول المصدرة للنفط إلى البلدان المستوردة للنفط. وستكون اليابان المستفيد الأكبر وكذلك الصين. كما سيستفيد المستهلكون الأمريكيون أيضًا على الرغم من أن ذلك سيعني حفر عدد أقل من آبار النفط، وتخفيض عدد المنصات، بالإضافة إلى تسريح مزيد من العمالة.

وأصبح الصخر الزيتي الأمريكي عاملاً جديدًا حاسمًا في سوق النفط العالمية بطريقة لا يمكن لأحد أن يتخيلها قبل خمس سنوات. وقد ثبت أنه يمكن أن يكون تقنية هدامة حقًا. ولكن هل سيستمر هذا التأثير في عالم من أسعار منخفضة؟

وسعر النفط الآن أقل من 50 دولار للبرميل؛ وهو سعر منخفض جدًا لصفقة جيدة تهدف إلى تطوير جديد للصخر الزيتي لإحداث تأثير اقتصادي. ومن المرجح أن يستمر الإنتاج في الارتفاع بــ 500 ألف برميل يوميًا في النصف الأول من العام الجاري بسبب الزخم الكبير والالتزامات التي أُبرمت بالفعل.

ورغم ذلك؛ فإنه مع منتصف العام سوف يتراجع النمو. وسوف يعمل المنتجون بجدية لتحسين الكفاءة وخفض التكاليف، ولكن في عام 2016- في ظل هذه الأسعار - يمكن للناتج الأمريكي أن ينخفض. وسيتراجع الإنتاج أيضًا في أي مكان آخر في العالم.

ولكن بحلول ذلك الوقت؛ فإن الاقتصاد العالمي سيكون في وضع أفضل، مُحفزًا الطلب على النفط. ويمكن للأسعار أن تبدأ في الارتفاع مجددًا. وإذا كان منتجو النفط في الخليج العربي يعرفون طريقهم جيدًا فإن الأسعار لن تعود مرة أخرى إلى 100 دولار للبرميل. وحتى مع أسعار أقل بكثير من 100 دولار، فإن منتجي النفط الصخري الأمريكي سوف يجدون سبلاً لخفض التكاليف، ومن ثمّ سيبدأ الإنتاج في الارتفاع مرة أخرى. كما سيجد المنتج المرجح الجديد نفسه مرة أخرى قادرًا على ترجيح الأشياء.

المصدر | نيويورك تايمز، دانيال يرجن

  كلمات مفتاحية

النفط الصخري انخفاض أسعار النفط أوبك حرب أسعار النفط

النفط الصخري ومستقبل الطاقة في العالم

النفط الصخري يحرج المنتجين التقليديين

كيف يؤثر انخفاض أسعار النفط السعودي على مشروعات النفط الصخري فى أمريكا؟

هل تصبح أمريكا "شرقا أوسطا جديدا" كأكبر منتج للطاقة في العالم؟

طفرة النفط الصخري تغيّر التوقعات: الولايات المتحدة ستسبق روسيا والسعودية

«أرامكو» تعلن تأجيل مشروعات وتضطر لإعادة التفاوض على بعض العقود مع استمرار هبوط النفط