أكدت دول الخليج عدم تأثرها بنتائج انخفاض أسعار النفط، وهي قادرة على تحمل وصول سعر البرميل إلى 80 دولار، رغم اعتمادها على النفط لتأمين إيراداتها المالية، حيث تبدأ بـ77% لدى الإمارات مرورا بـ 85% للسعودية، ليصل إلى 93% للكويت.
وإذا كانت بعض المؤشرات وصفت انخفاض أسعار النفط بأنه مؤقت، مع توقعات بازدياد الطلب العالمي على الطاقة خصوصاً من دول مثل الصين والهند وأميركا اللاتينية، مما سيرفع الأسعار من جديد إلى مستوى 100 دولار للبرميل، فإن هناك توقعات مناقضة لها تشير إلى احتمال استمرار الأسعار المنخفضة حتى العام 2015، لذلك حرصت دول الخليج على اعتماد مستويات متحفظة في إعداد موازناتها للعام المقبل، علما بأنها تتمتع بفوائض مالية واستثمارات عالمية ضخمة، تجعل مشاريعها المستقبلية بمنأى عن التأثير بنتائج انخفاض الأسعار.
ووفق إحصائيات صندوق النقد الدولي، فقد ارتفعت عائدات دول مجلس التعاون الخليجي من 366 مليار دولار في العام 2009، إلى 729 مليار دولار في العام 2013. وجمعت هذه الدول احتياطيات مالية تقدر بـ 2.45 تريليون دولار، راكمتها خلال السنوات الأخيرة بفضل ارتفاع أسعار النفط، وفق معهد «المالية الدولية»، وهي تدير نحو 2.28 تريليون دولار عبر صناديقها السيادية، لذلك فهي قادرة على الصمود عدة سنوات قادمة في حال استمرار تراجع الأسعار.
وفي رأي وحدة الأبحاث الدولية في بنك «اتش اس بي سي» أن المملكة العربية السعودية تملك ما يكفي من الاحتياطات المالية للاستمرار في نفس مستوى الإنفاق الحالي لثلاث سنوات قادمة (2015-2016ـ2017 )، أما صندوق النقد الدولي فقد اعتبر في تقرير أصدره اخيراً أن «دول الخليج قادرة على الاستمرار في برامج الإنفاق على المدى القصير، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن الأسعار الحالية قريبة من السعر المرجعي الذي تعتمده هذه الدول لاحتساب موازناتها، وبالتالي فإن أي انخفاض إضافي سيدخلها في دائرة العجز، مع العلم أنه توقع أن تستمر اقتصاداتها في تحقيق نموي قوي بنسبة 4.5% في عامي 2014 ـ 2015 .
وتبرز أهمية دول الخليج في ضخامة حصتها الإنتاجية المؤثرة في أسواق النفط العالمية، حيث تنتج أربع دول منها : (السعودية، الإمارات، الكويت، وقطر) نحو 16 مليون برميل يومياً، أي أكثر من نصف إنتاج دول «أوبك» الذي يصل إلى 30.5 مليون برميل يومياً، وتصدر منها نحو 13 مليون برميل يومياً.
السعودية
حققت المملكة العربية السعودية خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي إيرادات نفطية تجاوزت 829 مليار ريال (221 مليار دولار) ويتوقع أن تبلغ 1.14 تريليون ريال (304 مليارات دولار ) بنهاية العام، أي بفائض 315 مليار ريال من الميزانية التقديرية، ونحو 215 مليار ريال من الميزانية الفعلية، وبذلك لن تكون بحاجة لاستخدام احتياطياتها النقدية، مع الإشارة إلى أن الميزانية التقديرية للعام 2014، اعتمدت رقماً تتساوى فيه الإيرادات والنفقات وهو 855 مليار ريال، وعلى أساس سعر البرميل 90 دولار. أما توقعات موازنة العام 2015 ، فهي تشير بتحفظ إلى إيرادات بـ 900 مليار ريال (240 مليار دولار) وبفائض 25 مليار دولار كتقديرات أولية.
الكويت
وفق تقرير لبنك الكويت الوطني، فقد قدر الفائض في الموازنة للسنة المالية 2014/2015 بنحو 9 مليارات دينار، وبما يعادل 20% من الناتج المحلى الاجمالي، وذلك خلافاً لما تتوقعه تقديرات الحكومة بتسجيل عجز بقيمة 1.6 مليار دينار، على أساس تقدير الإنفاق بـ 21.7 مليار دينار، مقابل الايرادات 20.1 مليار دينار، وقدرت الإيرادات النفطية بـ 18.8 مليار دينار، بافتراض متوسط أسعار النفط عند 75 دولار للبرميل، مقارنة بسعر 70 دولاراً للسنة المالية 2013 ـ 2014، في حين يقدر تقرير بنك الكويت الوطني أن تبلغ إيرادات النفط نحو 30 مليار دينار.
الإمارات
اعتمدت دولة الامارات الموازنة العامة للاتحاد لعام 2015، وتبلغ 49.1 مليار درهم (13.4 مليار دولار) بزيادة 3 مليارات درهم عن موازنة العام 2014، وسيخصص نصفها للمشروعات والتنمية الاجتماعية . وتوقع خبراء اقتصاديون أن تسجل الموازنة فائضاً 7% من الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي، وتوقعوا أن يتقلص إلي 5.8% في العام المقبل، نتيجة هبوط أسعار النفط، مع العلم أن سعر التعادل اللازم لتحقيق التوازن في الموازنة هو 70 دولار للبرميل.
وتحرص الامارات على استمرار دورها في السوق العالمية للطاقة، وستوظف لهذا الهدف استثمارات ضخمة في قطاعي النفط والغاز، وهي ماضية في تنفيذ مشاريع لزيادة انتاجها النفطي إلى 3.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2017، وقد خصصت 25 مليار دولار لتطوير مشاريع الغاز وإنشاء شبكة على مستوى البلد، وستنجز أبو ظبي بنهاية العام الحالي مشروع تطوير “شاه” للغاز الحامضي الذي تديره شركة الحصن للغاز بتكلفة 10 مليارات دولار، وطاقته الانتاجية في البداية مليار قدم مكعب يومياً.
وتمتلك دولة الامارات وحدها ثروة تفوق التريليون دولار، أو ما يعادل نحو 16 في المئة من الثروة السيادية العالمية.
قطر
تتمتع دولة قطر بفوائض مالية كبيرة واستثمارات عالمية ضخمة تجعل موازنتها ومشاريعها المستقبلية بمنأى عن التأثر بموجب الانخفاض في أسعار النفط، وقد اعتمدت موازنتها للعام 2013 ـ 2014 على سعر نفط متحفظ وفي حدود 65 دولاراً للبرميل، مع العلم أنها تعتمد اعتماداً كبيراً على صادرات الغاز والغاز المسال، وأكد نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر محمد الكواري أنه لا خوف على مشاريع دولة قطر ولا قلق على تحقيق أهداف رؤية البلاد للعام 2030 .
وتنتج قطر نحو 825 ألف برميل يومياً من النفط، ونحو 77 مليون طن من الغاز الطبيعي، وهي تتوقع تحقيق فائض في الموازنة بـ 7.3 مليار ريال للعام المالي الحالي.
ومع اشادته بسعر التوازن المنخفض لقطر البالغ 65 دولار للبرميل، وتوقعه أن يرتفع إلى 77.6 دولار عام 2015، فقد حذر صندوق النقد من تأثير الاضطرابات التي تشهدها أسواق النفط على عائدات الغاز التي ترتبط أسعاره بأسعار النفط العالمية.
الاستثمار الصناعي
ويشكل النفط نحو 49% من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي، عدا الأهمية النسبية لإيرادات الخزينة والتصدير، وهو سلعة استراتيجية تتأثر أسعارها بعوامل عدة لا تقتصر على مستويات الانتاج فقط، بل تخضع لتطورات أمنية وسياسية واقتصادية، فضلاً عن عوامل نفسية لدى المتعاملين في الأسواق، إضافة إلى متغيرات خارج سيطرة الدول المنتجة، لذلك فان تقليص الاعتماد على القطاع النفطي يخرج اقتصادات دول الخليج من تحت رحمة التطورات في أسواق النفط العالمية، خصوصاً وأن لدى دول المجلس إمكانيات مالية ضخمة تؤهلها لاحتضان برنامج للتنويع الاقتصادي.