صندوق مصر الأسود للتعذيب بالوكالة معروف قبل تقرير استخبارات الكونجرس بـ 7 أعوام

الخميس 11 ديسمبر 2014 07:12 ص

برغم أن تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي قد كشف عن  استخدام وكالة الاستخبارات الأمريكية أساليب تعذيب وحشية لتعذيب معتقلين، وأن مصر - بجانب 12 دولة عربية أخري منها السعودية والإمارات - كانت وجهة رئيسية للولايات المتحدة لنقل السجناء لاستجوابهم في سجونها، فقد كانت المعلومات التي أوردها التقرير عن قيام الاستخبارات الأمريكية بالتعاون لسنوات مع نظام مبارك، باستخدام أساليب تعذيب قاسية، منذ عام 1995 بمثابة تحصيل حاصل باعتبار أن هذا الأمر معروف منذ 2007 عندما صدر كتاب «الطائرة الشبح» وكشف تفاصيل مذهلة عن رحلات نقل المعتقلين لتعذيبهم، وأثار السؤال مرة أخري: متي يحاسب هؤلاء الحكام؟.

فرغم أن مجلة فورين بوليسي الأمريكية منحته لقب «أقوى أشباح التجسس في منطقة الشرق الأوسط» وحصوله على المركز الأول فى قائمة أفضل مديرى المخابرات فى المنطقة، إلا أن الصحفى البريطانى «ستيفن غراي» الحائز على جوائز دولية في الصحافة الاستقصائية، كان له رأى آخر حيال اللواء «عمر سليمان» مدير جهاز المخابرات السابق ونائب الرئيس «مبارك» في أيام الثورة الأخيرة، حيث يصفه بأنه «جلاد تعذيب دولى».

«غراى» أعد كتابا عن «عمر سليمان» حمل عنوان «الطائرة الشبح» تحدث فيه عن حقيقة الدور الذى يلعبه مدير المخابرات السابق مع الولايات المتحدة، قال فيه: «إن سليمان كان ومازال - وقتها- الطرف المصري الأساسي في التعامل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والقناة الأساسية للتواصل بين الإدارة الأمريكية ومبارك حتى في قضايا لا علاقة لها بالاستخبارات والأمن»، مشيرا لدوره في تلقي معتقلين من الولايات المتحدة لتعذيبهم في مصر.

الكتاب الذي صدر عام 2007 ومنع من دخول مصر، أوضح أن أول حالة ترحيل قسري إلي مصر كانت واقعة ترحيل «أحمد عجيزة» و«محمد الذري» المتهمين بانضمامهما للجناح العسكري لتنظيم الجهاد المصري، وتم ترحيلهما من السويد إلي مصر يوم 18 ديسمبر 2001 علي متن طائرة طراز (N379P) مسجلة في سلطة نيويورك للطيران تحت اسم «جولف ستريم».

وقال إنه فى يونيو 1995 وقّع الرئيس الأمريكي السابق «بيل كلينتون» توجيهه الرئاسي لاختطاف وتعذيب كل مشتبه به بممارسة الإرهاب حول العالم واستمع «ساندي بيرغر» مستشار الرئيس الأمريكى لشئون الأمن القومي إلى التوجيه ونفذه بشكل سريع وأطلق عملاءه عبر العالم لتنفيذ مهام محددة ووجه «بيرغر» تعليمات لـ«عمر سليمان» الذي تلقى إشارة واشنطن ومد رجاله مع رفاقه الأمريكيين إلى كرواتيا في 13 سبتمبر 1995 ليخطفوا «طلعت فؤاد قاسم» إلى سجن أبو زعبل شرقي القاهرة ومن ثم تصفيته هناك.

وكشف الكتاب عن تعذيب «سليمان» شخصيا للمعتقل الأسترالي الجنسية «ممدوح حبيب» في القاهرة حيث نقلته إحدى طائرات الشبح من باكستان إلى مبنى المخابرات وهناك مارس معه «سليمان» أبشع أنواع التعذيب وفشل في إرغامه على الاعتراف بارتكاب جرائم إرهاب بعينها ولم يكن أمام مدير المخابرات سوى أن يقتله.

ورصد الكتاب 48 رحلة طيران بين مطارات مصرية أبرزها القاهرة والأقصر وشرم الشيخ لنقل السجناء في الفترة من 18 يناير 2001 إلي 2 أغسطس 2005.

ووصف «ستيفن غراي» في الكتاب اختيار مصر مبارك كمحطة لتعذيب المختطفين بأنه «لم يأتي بمحض المصادفة»، فهنا تراث من التعذيب وأقبية التعذيب يعودا في عصرهما الحديث إلى اليوم الذي ساق فيه «عبد الناصر» مناضلي الشعب المصري إلى زنازين أبو زعبل وليمان طرة. أما الميزة الأخرى فهي وجود ضابط دموي جلاد على رأس المخابرات العامة يدعى «عمر سليمان» يهوى رؤية القتل والتصفيات الجسدية بعينيه ، بل وحتى ممارستها بيديه.

وتقول مصادر إعلامية اميركية إن «عمر سليمان» كان يدير، بتفويض من وكالة الاستخبارات الاميركية CIA، برنامج «التسليم غير الاعتيادي» وهو البرنامج الذي بدأ في العام 1995 والذي قامت الولايات المتحدة الأميركية بموجبه باعتقال او اختطاف أشخاص متهمين بالإرهاب ثم القيام بتحويلهم إلى بلدان مختلفة حيث عانوا هناك في سجون سرية من التعذيب الشديد، وكانت الولايات المتحدة تريد أن تنتزع منهم معلومات تفيدها في حروبها في الخليج ولاحقا في أفغانستان.

وحسب مصادر أميركية فقد تم تحويل أكثر من 70 شخصا من أولئك الإرهابيين المفترضين ومن بينهم الإمام «أبو عمر» - إمام مسجد مدينة ميلانو في ايطاليا - والذي تم اختطافه في شهر شباط/فبراير من عام 2003 حيث قامت مجموعة من رجال الاستخبارات الأميركية «CIA» بالوصول الى مدينة ميلانو بدون علم الحكومة الإيطالية رسميا، وبالاتفاق مع رئيس الحكومة الايطالية «سيلفيو برلسكوني» ورئيس جهاز الاستخبارات الايطالية «SISMI» بشكل شخصي، حيث قاموا باختطاف إمام المسجد من الشارع العام وتخديره ونقله إلى مطار ميلانو بحسب مصادر استخبارية ايطالية، ثم تحميله على طائرة خاصة ونقله إلى مصر حيث قام «عمر سليمان» بالايعاز الى جهاز المخابرات المصرية بتعذيبه وانتزاع الاعترافات منه.

وفي كتابه كشف «جراي» هوية طائرة غولفستريم التي نقلت المصريان «الذري وعجيزة» على متنها، وكتشف أن لدى مراجعة سجلات إدارة الطيران الفدرالية الأميركية «أف أي أي» أن الطائرة المسجلة باسم شركة في ولاية ماساتشوستس، وهي في الحقيقة تابعة للـ«سي آي إيه». وقادته هذه المعلومة إلى تقصي سجلات وبيانات كثيرة ينتهي البحث معها بأن الوكالة الاستخباراتية تملك أسطولا مؤلفا من 26 طائرة ساهمت في اختطاف ونقل مشتبه بهم (على خلفية تهم إرهابية) من دول مثل أفغانستان والعراق والبوسنة وكرواتيا ومقدونيا وألبانيا والصومال وكينيا وزامبيا وغامبيا وباكستان وأندونيسيا وماليزيا، وتم تسليمهم لدول مثل مصر وسوريا والمغرب والأردن وأفغانستان وأوزبكستان وتايلاند.

ويورد الكاتب أن أكثر من مائة شخص تم نقلهم إلى السجون المصرية، وكان من بينهم المعتقل الأسترالي السابق ممدوح حبيب الذي ألقي القبض عليه في باكستان في نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2001، كما تم تسليم ابن الشيخ «الليبي» للمخابرات المصرية التي حصلت منه -تحت التعذيب- على اعترافات تفيد بوجود علاقات بين تنظيم القاعدة ونظام الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين»، وقد استعمل مسؤولون أميركيون رسميون اعترافات «الليبي» (التي تراجع عنها لاحقا) في إطار التمهيد لغزو العراق في العام 2003.

وتفيد المعلومات في الكتاب أن مصر أصبحت مركزا للتعذيب (بالوكالة) منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث تظهر الوثائق أن طائرات الـ«سي آي إيه" قد زارت القاهرة لأكثر من عشرين مرة. وينقل «غراي» عن عميل الـ"سي آي أي" في الشرق الأوسط «روبرت بيير» قوله «إن عمليات النقل والتسليم غير العادي هي عمليات تضمن إرسال إرهابيين لسجنهم في بلدان مثل مصر. والمسألة هي.. جعلهم يتكلمون. فلكل بلد من البلدان أساليبها الخاصة، فإذا أرسلت سجينا إلى الأردن فسوف تحصل على أفضل استجواب وإذا أرسلته إلى مصر، مثلا، فمن المحتمل ألا تراه أبدا، وكذلك يحصل الشيء نفسه إذا أرسلته إلى سوريا» (ص42).

كما يضم الفصل الأول قصصا مفصلة حول أشخاص آخرين مثل السوري الكندي «ماهر عرار» الذي خضع بدوره للتعذيب على أيدي أجهزة الأمن السورية مع اثنين آخرين، وكذلك حيثيات حادثة اختطاف البريطاني من أصل أثيوبي «نيبام محمد» ومآلاتها، إضافة إلى عشرات من المتهمين الآخرين.

كان تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي الصادر مؤخراً قد وصف بمصر بأنها «الدولة التي استقبلت أكبر عدد من المعتقلين الذين أرسلتهم الولايات المتحدة»، حتى أن رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف اعترف في 2005 أن الولايات المتحدة منذ 2001 أرسلت حوالي من 60-70 فردًا إلى مصر بدعوى «الحرب على الإرهاب»، وأكد التقرير أنه تكاد تكون الـ14 عملية نقل معتقلين المرصودة خلال ولاية كلينتون– قبل جورج بوش الابن- اتجهت جميعها لمصر.

منذ 11 سبتمبر 2001 سلمت الولايات المتحدة بشكل استثنائي إلى مصر العديد من المعتقلين أشهرهم «محمد عمر عبدالرحمن»، و«أحمد عجيزة»، و«علي محمد عبدالعزيز الفخيري» (ابن الشيخ الليبي)، و«ممدوح حبيب»، و«عبدالسلام الحلة»، و«محمد سعد إقبال مدني»، و«سيف الإسلام المصري»، و«أبو عمر حسن مصطفى أسامة نصر»، و«ياسر تيناوي»، و«محمد الزيري».

ويقدم التقرير رصدًا للسجون المصرية ومرافقها التي استخدمت في احتجاز واستجواب وتعذيب المعتقلين، حيث تضمنت العمليات سجون طرة، واستقبال طرة، ومزرعة طرة وملحق المزرعة، وليمان طرة ومستشفاه، وسجن العقرب المشدد.

يضيف التقرير أن مصر سمحت باستخدام مطاراتها ومجالها الجوي لرحلات طيران مرتبطة ببرنامج الاستخبارات الأمريكية للاعتقال، حيث سمحت مصر لرحلات طيران تديرها شركة «جيبسين داتبلان» باستخدام مطاراتها ومجالها الجوي، بالإضافة إلى رصد خمس رحلات على الأقل تديرها شركة «ريكمور» للطيران، سمحت مصر بدخولها إلى مطاراتها من ضمنهم مطارات القاهرة وشرم الشيخ لنفس الغرض.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انتهاكات عمر سليمان التسليم غير الاعتيادي تقرير الكونجرس

بعد نشر ممارسات الاستخبارات المركزية أبشع التعذيب .. مطالب بكشف دول عربية قدمت خدمات التعذيب

اتفاق لرفع الحظر عن تقرير يدين الـ«سي آي ايه» بتعذيب معتقلين أثناء استجوابهم

«التعذيب» في مصر.. سلاح الدولة الذي ينقلب عليها