استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

هل يمكن التخلص من العروبة؟

الثلاثاء 16 ديسمبر 2014 03:12 ص

عندما تتعالى الدعوات المطالبة باتخاذ مواقف حازمة وصارمة، باتجاه العدوان الصهيوني ضد الفلسطينيين، نجد بعض الكتاب يرفع شعار «القطريّة»، مبرراً لاعتبار القضية الفلسطينية قضيّة ثانوية أو هامشية أو يطالب بتجاهلها، أو النظر لما يحدث في فلسطين باعتباره مشكلة للفلسطينيين، وأن كل دعوى قائمة على تجاهل الحدود الفاصلة بيننا وبين الفلسطينيين، كالمواقف العروبية، إنما هي دعوى خطرة وواهمة وخيالية تجب مقاومتها.

هذا النوع من الطرح يمكن نقده من جهتين، الأولى: توجه نحو مجموعة القيم الثانوية خلفه، أما الثانية: فنحو إمكانيته. لنركز على الجهة الثانية، -أي- لنفرض أن هذا الخيار هو المناسب، هل من الممكن تجاوز الروابط المتجاوزة لحدود الدولة القُطْرية والالتزامات التي تفرضها عليها؟ أو بصيغة أخرى: هل من الممكن تجاوز البعد العربي للدول العربية، البعد الذي يسمح لنا أن نسميها «العربية»؟

هذا البعد ليس كلاماً مجرداً لا معنى -واقعي- له، بل هو بُعد يوجد بأشكال وأنماط متنوعة. فعلى السبيل الرمزي، أسماء هذه الدول وأعلامها ولغاتها كلها مرتبطة بالعروبة، فالألوان التي تجمع أعلام دول مثل الإمارات والكويت والأردن وفلسطين وسورية والعراق كلها مرتبطة بالعلم القديم للثورة العربية. وأسماء بعض هذه الدول يؤكد البعد العربي، فمصر «العربية»، والإمارات «العربية» المتحدة، والمملكة «العربية» السعودية، ودساتير هذه الدول تؤكد طبيعتها القطرية، فالدستور المصري يؤكد أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية، وكذلك بالنسبة إلى الدستور التونسي الذي يؤكد أن تونس جزء من المغرب العربي.

والأهم من ذلك هو أن كل هذه الدول أسهمت وتسهم في بناء سردية تاريخية مشتركة، تؤكد -باستمرار- أن الروابط السياسية التي تجمعها بعضها مع بعض يعطي الحدود الفاصلة بينها معنى مختلف عن المعنى الذي كانت تكتسبه الحدود الأوروبية، قبل الحرب العالمية الثانية ونشوء الاتحاد الأوروبي.

أما على مستوى المؤسسات فهذه الدول كلها منتظمة داخل جامعة الدول العربية، وهناك الكثير من المجالس الوزارية العربية المشتركة، كمجلس وزراء الداخلية العرب، ووزراء النقل، ووزراء الإسكان، والتعليم العالي، والاتصالات، والصحة...إلخ. هذه المجالس تلعب دوراً مهماً في تنسيق السياسات المشتركة، وتوحيد المعايير العامة، وتشارك التجارب والخبرات، وغيرها.

إلى جانب هذه المؤسسات الرسمية، هناك منظمات عربية أشهرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو)، وصندوق النقد العربي، ومنظمة المرأة العربية، ومنظمة العمل العربية، وغيرها. أما مؤسسات المجتمع المدني العربية فمتعددة وتمتد من اتحاد المحامين العرب، مروراً بالمنظمة العربية لذوي الاحتياجات الخاصة، ومنتدى الفكر العربي، والمنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر، والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، والمجلس العربي للطفل والبيئة.

وإضافة إلى هذه المؤسسات المتنوعة والمتعددة، هناك فضاء إعلامي وثقافي عربي عابر للدولة القطرية. فالقنوات الفضائية الأشهر إنما هي قنوات موجهة للمواطن العربي، فقنوات العربية والجزيرة وباقة إم بي سي وباقة روتانا وغيرها، بل حتى تلك البرامج الاستهلاكية تحمل اسم «عرب» في عنوانها. وعلى المستوى الثقافي، ما زال المفكرون العرب يتناقشون ويتداولون أطروحاتهم في ما بينهم باعتبار أن ثم فضاء مشتركاً يجمعهم.

هل يمكن تجاهل هذا كله وتجاوزه والقول بأن علينا الانطواء والاقتصار على الروابط القطرية الضيقة؟ من يجيب بالإيجاب عن هذا السؤال فهو عادة ما يحمل تصوراً أداتياً للمؤسسات والأعراق والقيم، ويتعامل معها باعتبارها مجرد أدوات لتنسيق العمل الجماعي. وأن المصالح والهويات يمكن صناعتها وبنائها خارج هذه المؤسسات، ويمكن استبدال هذه، كما يستبدل الإنسان ملابسه.

هذا التصوّر سطحي، مقتصر على بعد واحد فقط من عمل المؤسسات، فالدراسات التي تسمى «المؤسساتية التاريخية» تحمل نظرة مختلفة لدور المؤسسات في حياتنا. فهذه تتعامل مع المؤسسات باعتبارها مولِّدة للمعنى بالمقدار نفسه التي تقوم به بحل مشكلات العمل الجماعي وإنجاز المصالح. وكونها مولدة للمعنى يعني أنها تلعب دوراً رئيساً في تحديد ماهية الهويات والمصالح التي يتنافس الأفراد عبرها من أجل تحصيلها.

قد يعترض أحدهم بأنه وإن كانت المؤسسات تسهم بتشكيل المعنى فهذا لا يعني أنه من غير الممكن استبدالها بأخرى تولد معنى مغايراً، وهذا الكلام ممكن لولا أن استبدال المؤسسات ليس مسألة سهلة. فالمؤسسات لها تاريخ، وهي عندما تؤسس في فترة تاريخية ما، تبدأ باتخاذ مسار تاريخي خاص بها، تعيد إنتاجه وتوليده بشكل مستمر، بحيث يصبح تحويلها إلى مسار آخر أمراً مكلفاً رمزياً وقيمياً ومصلحياً، -أي- يصبح خياراً غير عقلاني.

فالدول العربية عندما أُسست على أنها «عربية» بدأت باتخاذ مسار خاص بهذا الاتجاه، يعيد إنتاجها بشكل مستمر، ينتج مؤسسات وارتباطات والتزامات مختلفة، تشكل في مجموعها إرثاً تاريخياً لا يمكن التخلص منه بشخطة قلم، كما ينادي بذلك القطريون الضيقون، -أي- أنه تصبح المطالبة بالتخلص من هذا المسار أقرب إلى الخيال والوهم، من كونها خياراً واقعياً ممكناً.

من هنا بدلا من التفكير في الأوهام، تجب مواجهة هذا الإرث العربي والتفكير من خلاله، كيف نستفيد منه؟ كيف نحوله إلى إرث ورابطة مفيدة لجميع العرب؟ كيف نمنع استغلاله لأغراض تتنافى مع العدل والحرية؟ هذه هي الأسئلة الملحة، وهي أسئلة «عروبية» بامتياز.

* سلطان العامر كاتب سعودي.

 

المصدر | الحياة

  كلمات مفتاحية

العروبة الدولة العربية القطرية فلسطين مجلس وزراء الداخلية العرب

القضية «الإسرائيلية» .. !

ليبرمان و"التسوية الشاملة": تصفية "القضية" بمساعدة "المعتدلين"

"إسرائيل" ستقبل المبادرة العربية لتتحالف مع السعودية ودول الخليج

زفرات مواطن عربي حزين

مـــآلات الـعـــروبة

الحرب والأخلاق

عودة الدولة العربيّة إلى الأمة

الحاجة إلى ممارسة نظرية

«أبطال» الأرض الخراب!

العروبة بين الحاضر والخيال السياسي