«ثيوفيلوس غير مستحق» تهز كنائس فلسطين والأردن: «عصيان» عربي في الكنيسة المقدسية!

الخميس 25 ديسمبر 2014 07:12 ص

«ثيوفيلوس غير مستحق». بهذه الكلمات الثلاث صرخ أبناء الرعية العرب في الأردن وفلسطين داخل كنائسهم كلما ذُكر اسم البطريرك ثيوفيلوس خلال الصلاة.

قرار فصل الأرشمندريت خريستوفوروس من أخوية القبر المقدس هو السبب المباشر لهذا «العصيان»، إلا أن السبب الحقيقي يمكن فهمه انطلاقاً من المثل الشعبي: «القصة مش قصة رمانة، لكن القلوب مليانة»، ومن واقع أن 500 سنة من السيطرة اليونانية على الكنيسة المقدسية كفيلة بملء قلوب الرعية الارثوذكس في الأردن وفلسطين، تحريك حنينهم إلى بطريركية أنطاكية ذات الإدارة العربية.

حدث كهذا جرى قبل ما يقرب من مئة عام، عندما تم التوصل إلى تحقيق جزء معقول من المطالب الشرعية لأبناء الرعية العرب في عهد البطريرك دميانوس، وأهمّها تشكيل مجلس مختلط يضم أبناء الرعية الوطنيين ورجال الدين اليونانيين.

وبرغم أن هذه التسوية لم تحقق كامل مطالب أبناء الرعية العرب، إلا أن «المجمع المقدس» المكلّف من المطارنة ورجال الدين اليونانيين انقلب على هذا الاتفاق، وتم اتهام البطريرك اليوناني بمحاباة العرب وجرى عزله.

يومها واجه أبناء الرعية العرب هذه الخطوة بثورة، اذ شهدت كافة مدن فلسطين تظاهرات رفضت تصرفات «المجمع المقدس» اليوناني، وقد تواصلت تلك التظاهرات وسيطر العرب الأرثوذكس على دار البطريركية المقدسية، قبل ان تمتد تلك الانتفاضة لتشمل جميع المناطق، وتتم سيطرة «الثوار» على جميع الأديرة في العام 1909.

وبلغ هذا الحراك الارثوذكسي يومها ذروته حين وقعت اشتباكات عنيفة بين المحتجين والقوى الأمنية العثمانية، ما أدى إلى مقتل أربعة شبان عرب أرثوذكس مقدسيين، فيما تم إبعاد العديد من زعماء الحركة الوطنية الأرثوذكسية إلى بيروت «مركز الولاية» آنذاك.

وأثمرت هذه المقاومة تشكيل «المجلس المختلط» السالف الذكر، والذي عقد أول اجتماعاته في العام 1910. كما تمت إعادة البطريرك دميانوس إلى موقعه رغماً عن «المجمع المقدس» اليوناني. 

هذا السقف يعتبر مرفوضاً حتى من الاب خريستفوروس نفسه، الذي رفض، في حديث إلى «السفير» أن يكون هو القضية الرئيسية في تحرك الارثوذكس العرب.

ويرفض الاب خريستوفوروس اتهامه هو وأبناء الرعية العرب بأنهم يعادون الادارة اليونانية لأنها إدارة غير عربية فقط، ويشير إلى أنه سبق ان كتب إلى وزير الداخلية الأردني حسين المجالي يشرح له ظلم القرار الذي اتخذه البطريرك اليوناني ثيوفيلوس في شهر تشرين الأول الماضي بتجريد الأرشمندريت ذوسيثيوس من الكهنوت، وذوسيثيوس انما هو يوناني، لكن الأب خريستوفوروس مؤمن أن خطوة تجريده من الكهنوت تخالف القوانين الكنسية.

وبالعودة إلى موضوع تعريب الكنيسة فإن جميع المنضوين تحت راية رفض السياسات اليونانية في كنيسة الروم الارثوذكس على اختلاف توجهاتهم وأيديولوجياتهم يؤكدون انهم ليسوا ضد فكرة الإدارة اليونانية، لكنهم ضد سياسات تهمّش الرعية وتطلق يد البطريرك، وبالتالي تمكنه من ارتكاب الممارسات غير الوطنية، إذ يعتبر كثيرون أن بطريركاً عربياً غير وطني سيبقي على تلك السلوكيات ما لم يتم تفعيل القانون الكنسي، لذا فإنهم وعندما يصرخون «ثيوفيلوس غير مستحق» إنما يرفضون كل السياسات التي يرون أن البطريرك ثيوفيلوس يمثلها ويقوم بها.

وربما يتعاظم طوفان الرفض هذا، بحسب المراقبين، في حال أخذ الكهنة قراراً رسمياً بحذف اسم البطريرك من الصلوات، فحينها ستتعاظم ازمة الكنيسة، وستجد نفسها مجبرة على سماع صوت ابناء الرعية المهمشين.

لكن قبل التنبؤ بمستوى التصعيد، وقدرته على التغيير، لابد من الإشارة إلى أن المسألة الارثوذكسية في المنطقة العربية كانت محكومة على الدوام بالظرف السياسي، فلولا الحضور الروسي في نهاية القرن التاسع عشر لما تمكنت بطريركية أنطاكية من التحرر من الهيمنة اليونانية...

فهل الظرف السياسي والكنسي اليوم قريب من ذلك الظرف؟

بداية، يمكن القول إن فرص التفاؤل ترتفع كلما تقدمت روسيا خطوة باتجاه المنطقة العربية. مع ذلك، فإن الخطوات الروسية لم تقترب كثيرا بعد، وفد صرح ناشطون في القضية الارثوذكسية لــ»السفير» أنه قد تمت إعادة افتتاح «الجمعية الامبراطورية الارثوذكسية الفلسطينية» بعدما اغلقت في العام 1917 أثناء الثورة البولشفية.

وكان لهذه الجمعية قبل ما يزيد على المئة عام دور مهم في مد الجسور بين روسيا والعرب، والارثوذكس منهم على وجه الخصوص، وها هي تعود وتفتح ابوابها من جديد في الأردن، لكن حضورها ما زال غير فاعل في القضية بعد، حيث ان الحراك كله يقاد من قبل الشباب الارثوذكسي. 

أما في ما يتعلق بالظرف الكنسي، فيشير الأب خريستوفوروس إلى أنه، وبرغم الشبه الكبير بين ما يجري اليوم في كنيسة القدس وبين ما جرى قبل قرن في بطريركية أنطاكية، إلا أن ثمة فارقاً كنسياً مهماً، وهو أن نظام الأبرشيات في بطريركية أنطاكية كان موجوداً، فإذا تبنى أسقف الأبرشية الفكر النهضوي فإن كل الكنائس التابعة للأبرشيه ستنهض معه، أما في الكنيسة المقدسية، فقد تم الغاء الأبرشيات ما اسهم في تفتيت الرعية.

رغم ما سبق، ثمة قناة إمداد للأرثوذكس العرب في الأردن وفلسطين، وهي الدعم الذي يلقونه من القوى الوطنية، ما يخلق عوامل ضغط إضافية على البطريرك. ومن عوامل تعزيز التأييد العربي هو موقع المسألة الارثوذكسية من القضية الفلسطينية، إذ أن الكنيسة المقدسية تملك 75 في المئة من الاماكن المقدسة المسيحية، وخُمْس فلسطين التاريخية، وفق الأب خريستوفوروس الذي يشير إلى أن المخطط الحقيقي يقوم على تهديم هذه الكنيسة وافقادها هويتها المحلية الوطنية العربية.

موجز تاريخ بطريركية الروم الأرثوذكس

تأسست الكنيسة المقدسية في الأردن وفلسطين على يد الأسقف يعقوب الرسول ابن يوسف النجار الذي استشهد في العام نفسه على يد اليهود. 

في فترة حروب الفرنجة أو ما اصطُلح على تسميته «الحروب الصليبية»، كانت للفرنجة (الذين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية) أهداف اقتصادية استعمارية ألبسوها لبوساً دينياً، وكان من الأهداف المعلنة إخضاع الكنيسة الأرثوذكسية المشرقية، فاحتلوا بيت المقدس في العام 1099، وقتلوا العرب الأرثوذكس كما قتلوا العرب المسلمين، ونصّبوا البطاركة اللاتين على القدس.

وعندما فتح صلاح الدين الايوبي مدينة القدس في العام 1187، لقي معاونة وتأييداً كبيراً من الأرثوذكس العرب، بل إنهم حاربوا في جيش صلاح الدين، ومنهم القائد الكبير عيسى العوّام.

أثناء العهد العثماني بدأ الحضور اليوناني في الكنيسة، وباستقالة البطريرك العربي عطالله في العام 1534 انتهى عهد البطاركة العرب في البطريركية الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين حيث انتخب البطريرك الجديد ـ جرمانوس اليوناني ـ الذي كان يجيد اللغة العربية.

في العام 1908، صدر الدستور العثماني ومن أهم بنوده انتخاب مجالس مليّة في مناطق السلطنة كافة. وانتخبت أهم المجالس وأكبرها في مدينة القدس حيث قام المجلس بالتفاوض مع البطريرك اليوناني دميانوس وتم التوصل إلى تحقيق جزء معقول من المطالب الشرعية لأبناء الرعية العرب. وبالرغم من أن التسوية لم تحقق مطالب أبناء الرعية العرب، إلا أن «المجمع المقدس» انقلب على هذا الاتفاق متهماً البطريرك اليوناني بمحاباة العرب. 

لم يرضَ أبناء الرعية العرب بالانقلاب فثاروا وشهدت مدن فلسطين كافة تظاهرات رفضت تصرفات «المجمع المقدس» اليوناني، وتم تشكيل وفد رفيع المستوى من الشخصيات والزعماء توجّه إلى الآستانة مطالباً بعدم عزل البطريرك. استمرت التظاهرات واستولى العرب الأرثوذكس على دار البطريركية المقدسية، وامتدت الانتفاضة إلى جميع المناطق، وتمت السيطرة على جميع الأديرة في العام 1909. 

في الظروف الصعبة التي سادت أثناء احتلال بريطانيا لفلسطين والأردن والسيطرة اليونانية على الرئاسة الروحية، أصدرت سلطة الانتداب بواسطة مندوبها السامي «قانون البطريركية الأرثوذكسية لعام 1921»، والذي لم يراع حقوق الرعية العربية فكان محبطاً ومخالفاً لآمالها الوطنية. 

بعد حلول النكبة في العام 1948، والوحدة بين الأردن وفلسطين في العام 1950، أخذت الأمور تتأرجح بين مد وجزر حتى وفاة البطريرك تيماثاوس حيث عُقد المؤتمر الأرثوذكسي العربي الرابع في العام 1956 في القدس، وهو أول مؤتمر يُعقد بعد وحدة الضفتين تحت الحكم العربي الهاشمي. وفيه اعتُبرت القضية الأرثوذكسية جزءاً لا يتجزأ من القضية العربية الوطنية. 

 

المصدر | رانيا الجعبري، السفير

  كلمات مفتاحية

فلسطين الأردن روسيا الدين الأرشمندريت خريستوفوروس ثيوفيلوس الكنيسة المقدسية

للمرة الأولي .. تركيا تسمح ببناء كنيسة في اسطنبول

إذاعة الاحتلال: وفد أكاديمي أردني زار (إسرائيل) سرّا

تخصيص مواقع جديدة لإقامة كنائس في الكويت

ملك الأردن يأمر بترميم «قبر السيد المسيح» بكنيسة القيامة على نفقته الخاصة