عندما يتباطأ نمو الصين

الثلاثاء 30 ديسمبر 2014 11:12 ص

 التضخم في الصين يتباطأ، وكذلك النمو. ما تظهره الأرقام ليس استنتاجاً عابراً. أثره في الاقتصاد العالمي استدعى نقاشات في الغرف المغلقة، أوروبياً وأميركياً... وآسيوياً. كان الأمر سيمرّ مرور الكرام في بلد كبير آخر. العالم اعتاد هذه الأنباء بعد عام 2008. لكننا أمام ضعف واضح في أداء ما أصبح يعتبر «سوق العالم». ضغوط انكماشية بدأت تلوح في الأفق.

المعدل (التضخم) الذي حددته بكين لنفسها هذه السنة - 3.5 في المئة - كان بعيد المنال ولم يتعدَّ الاثنين. أسعار الجملة تراجعت 2.3 في المئة منذ شهرين، والتجزئة 1.6. المتهم الرئيسي في هذه النتائج تراجعُ أسعار المواد الأولية، بدءاً بالنفط، بمؤازرة من أسعار المواد الغذائية. هذا الضعف لم تنفعه إجراءات تيسير اتخذها «المركزي».

الوضع الحالي دفع المسؤولين إلى اتخاذ إجراءات كانت تعتبر «لا وطنية» بالأمس القريب. أهمها تسهيل الاستثمار في عدد من القطاعات من دون إذن مسبق من القيادة المركزية، أو بالاتفاق مع الحكومات المحلية في المناطق (السكك الحديد، المطارات، الطاقة، المناجم...). قرار يهدف إلى إزالة العراقيل أمام نمو الاقتصاد. فاعليته بقيت محدودة جداً، مع تراجع الطلب الداخلي على الاستهلاك. انخفاض الصادرات وتراجع الواردات فاقما المشكلة. تسهيل الاقتراض لم يعطِ الجدوى المنتظرة لصعوبة الوصول إلى التمويل الذي تحتكره شركات كبرى مملوكة للدولة. كما أن الحكومة نجحت بصعوبة، حتى الآن، في الإبقاء على هدفها للنمو فوق 7 في المئة (7.3).

رغم الأوضاع المتردية، تبقى آسيا، وفي طليعتها الصين، قاطرة الاقتصاد العالمي. دول «بريكس» شهدت إخفاقات لم تكن منتظرة. لم يكن منتظراً كذلك تحولها إلى رأسمالية الدولة، ولو على طريقتها: دور أكبر للمؤسسات العامة على حساب القطاع الخاص وزيادة إنتاجيته، ومزيد من الحماية للمنتجات الوطنية. ارتباطها بالاقتصاد الصيني لا يحميها من مفاجآت في المستقبل.

أي تردٍّ للاقتصاد الصيني سينعكس عليها بشدة، وهي ليست محضرة لذلك. القادة الصينيون لم يخفوا هذه الحقائق، كما كانت العادة مع الحزب الشيوعي الحاكم المتشدد. أقروا بصعوبات على الصعيدين المحلي والدولي، وبإجراءات لضبط الأوضاع الاقتصادية. الرئيس شي جينبينغ تسلّم الدفة مع رئيس وزرائه لي كيجيانغ. الضربة الأولى طاولت الفساد، وأسقطت رؤوساً، تبعها تشدّد الرقابة على المالية العامة وفي المقاطعات.

بموازاة ذلك، حاولت الحكومة خفض الإنفاق وتشجيع الاستهلاك العائلي. نجحت في الأول وتعمل ببطء وحذر وصعوبة لإنجاح الثاني. النتائج أقل من متواضعة حتى الآن. السوق المصرفية ضالعة، رغماً عنها، في هذا التأخير. تنقصها السيولة التي أرغمت «المركزي» على التدخل مرتين الأسبوع الماضي، لضخ سيولة في النظام المصرفي (نحو 40 مليار دولار).

فاقم الوضع ارتفاع في سعر الفائدة، لم ينجح تدخل «بنك الشعب» في لجمه. زاد الحذر لدى المستثمرين الذين أقلقهم هذا التطور، خصوصاً أن القلق امتد إلى بورصة شنغهاي لتسجل أداء ضعيفاً متواصلاً لم تشهده منذ عقدين. هذه التطورات دفعت «المركزي»، بعد محاولات غير ناجحة لتنشيط الاقتصاد، إلى خفض الفائدة، وهو أمر ظل يتفاداه حتى الأسبوع الماضي.

محاولات الطمأنة من «بنك الشعب» لم تنطلِ على المستثمرين. الخلل بين العرض والطلب في سوق التمويل واضح. هو ليس موقتاً كما يدعي المصرف، وليس ناتجاً من حاجات تمولية تفرضها نهاية السنة. مراقبون يرون أخطاراً في الأفق: انخفاض عدد الشركات التي حصلت على تمويل جديد في الشهور الأخيرة، وارتفاع ما يسمى «رول أوفر»، أي تسديد قرض قديم عبر آخر جديد. المصارف الصينية قد تكون أيضاً عمدت إلى نوع من المواربة لإخفاء ضعف القطاع.

الوضع المتأزم امتد إلى سوق الأسهم. السلطات المسؤولة عن شفافية الأسواق فتحت تحقيقاً في تلاعب محتمل بالأسعار. اتهمت أفراداً ومؤسسات بشراء كميات ضخمة من مجموعة شركات مدرجة. الهدف من ذلك؟ ارتفاع اصطناعي للأسهم، أرباح ثم انهيار عند التصحيح، قد يفعل فعل كرة الثلج. ما يخيف أكثر من ذلك، أن الاستدانة لشراء الأسهم عملية متزايدة، لكن أخطارها قد تكون كارثية عند الانهيارات.

التباطؤ الصيني لا يعني نهاية المد الأصفر. المارد لم يعد إلى قمقمه. يحاول قدر الإمكان، الخروج من الأزمة بأقل مقدار من الخسائر. بكين بدأت بحزم إصلاحات مالية وفي أسواق الأسهم. هدفها الأول خلق جو من الثقة لجذب المستثمرين وتمويل الشركات المحلية. كثر يعتبرون الأزمة كبوة مرحلية. حتى لو أخفقت القيادات في تعزيز الاستهلاك العائلي، حتى الآن. محاولات التمركز المضبوطة أصبحت مرحلياً أيضاً في يد الرئيس. صحيح أن النمو لم يحقق أهدافه المرجوة، لكنه ما زال أقوى كثيراً من اقتصادات كانت تعتبر في الطليعة، ليس أقلها في أوروبا.

يمكن الجزم بأن العالم تغير مع بروز القوة الاقتصادية الصينية. دولة اليوان ساهمت بقوة في العولمة. غيرت موازين الثقل الاقتصادي وأخافت إمبراطوريات تربعت طويلاً على هذا العرش. اشترت بفوائضها التجارية سندات بتريلوينات الدولارات في عقر دار الإمبراطورية الأميركية، وفي غيرها من العالم الرأسمالي. استفادت وأفادت بضخ هذه السيولة في أسواق العالم. بضائعها تغزو الدول.

قوتها المالية تسعى إلى ترتيب الأوضاع المالية لدى جاراتها الآسيوية. استثماراتها وعلاقاتها الوثيقة امتدت إلى أفريقيا وأوروبا. مشاريعها الداخلية تباطأت لكن، لم تتوقف. أصبحت أكبر سوق للسيارات في العالم. «فولكسفاغن» التي باعت 10 ملايين سيارة هذه السنة، ثلثها استقطبته أسواق الصين. دول كثيرة تتنافس على استقطاب سياح صينيين. عددهم قد يوازي قريباً عدد سياح دول العالم مجتمعة.

النمو الصيني فقد بعض زخمه. التوقعات تشير إلى أنه سينهض بعد جهد. وفي كل الأحوال، لن يكون ممكناً بعد اليوم أن نتصور مستقبلاً للعالم من دون دور رئيسي للصين فيه.

 

المصدر | الحياة | جورج أسطفان

  كلمات مفتاحية

الصين النمو الاقتصادي معدل التضخم الصادرات الواردات البنك المركزي

ارتفاع صادرات النفط الخام الكويتي إلى الصين بنسبة 8.8% فى نوفمبر

السياسة الصينية في الشرق الأوسط عقب الثورات العربية

قطر للغاز: الصين قد تصبح أكبر مستورد للغاز المسال في العالم

الصين تريد تعزيز العلاقات العسكرية مع إيران

البنك الصناعي والتجاري الصيني يفتتح أول فروعه بالكويت

العملاق الصيني في أفريقيا.. من السيطرة الاقتصادية للنفوذ السياسي والعسكري