العملاق الصيني في أفريقيا.. من السيطرة الاقتصادية للنفوذ السياسي والعسكري

الخميس 30 يوليو 2015 03:07 ص

بعد أن استطاعت الصين أن تصبح، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أكبر مستثمر تجاري في أفريقيا، تمكّنت أيضا من استثمار ثقلها الاقتصادي الاستثنائي لتصبح شريكا مؤثّرا على الصعيد السياسي والعسكري في القارة السمراء، وقد تصل هذه الشراكة إلى مرحلة النفوذ، وفق تقرير لوكالة «الأناضول» للأنباء.

ونقلت الوكالة عن المحلل السياسي التشادي والباحث بجامعة نجامينا، «إيفاريست نغارليم تولدي»، قوله إنّ «بروز الصين كشريك اقتصادي مميّز للبلدان الأفريقية، منحها إمكانية تطوير علاقاتها معها، سواء على المستوى العسكري أو الدبلوماسي، في مرحلة أولى، قبل أن تدرك السياسي».

وكنموذج على هذا الدور السياسي المتعاظم، وفق «تولدي»، فإن «الصين التي تعدّ أهمّ المستثمرين وأبرز مستوردي النفط من جنوب السودان على سبيل المثال، تضطلع أيضا بدور الوساطة في النزاع المندلع فيه»، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2013، والذي من المنتظر أن ينتهي بتوقيع اتفاق، في 17 أغسطس/ آب المقبل، لوضع حدّ لحرب أهلية تجتاح البلاد منذ أكثر من عام ونصف.

وأشار الخبير التشادي، في هذا الصدد، إلى أنّ «الصين وجدت نفسها، في غضون بضع سنوات، في موقع قوّة تؤهّلها للتأثير بشكل مباشر في القرارات السياسية لشركائها من البلدان الأفريقية، بما أنّ اليد التي تعطي تكون دائما هي الأعلى».

وتابع: «بكين استطاعت اجتياح المساحة التي كان الغرب يهيمن عليها في السابق، وليس أدل على ذلك من أن تشاد وجدت نفسها في 2006، مرغمة على استبعاد تايوان من مجال علاقاتها، لتطبيعها مع الصين التي بدأت بالتغلغل تدريجيا في القارة السمراء».

ولفت إلى أن «هذا القرار (استبعاد تايوان) كان على نجامينا اتخاذه بناءً على طلب صريح من بكين التي شعرت بالخطر بسبب التقارب الذي بدأت ملامحه تتشكّل مع عدوّها، بما أن الصين تعتبر تايوان إقليماً متمرّداً يجب أن يعود إلى الوطن الأم (الصّين)».

جولة «أوباما» الأفريقية أقلقت الصين 

وذهب الخبير التشادي إلى أن «الصين، وخوفا من فقدان نفوذها السياسي، وسعيا منها للتذكير بوجودها، لم تتردّد في انتقاد الولايات المتحدة إعلاميا، حيث روّجت لأخبار مفادها أنّ الجولة الأفريقية الأخيرة للرئيس باراك أوباما، والتي شملت كينيا، إنما تغذّيها مخاوف واشنطن من الحضور الصيني في القارة السمراء».

وكانت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، التابعة للحزب الشيوعي، قالت في عددها الصادر، الاثنين الماضي، إن هذه الزيارة تهدف إلى «خلق توازن» أو ثقل مضاد للنفوذ الصيني، و«تدارك» اللامبالاة والتجاهل التاريخي الذي أبدته الولايات المتحدة تجاه قارة أفريقيا.

فيما قال «أوباما» للصحفيين، خلال زيارته للعاصمة الكينية نيروبي، في تصريحات لوسائل الإعلام، إنّ أفريقيا تعدّ مكانا ديناميكيا لا مثيل له»، وأن «هذه القارة ينبغي أن تكون المركز المستقبلي للنمو العالمي»، وهو  تصريح يؤكّد الأطماع التي تبديها القوى العظمى تجاه القارة السمراء، وأبرزها الصين، والتي عرفت جيدا كيف تزيح منافسيها، وتتربّع على عرش الشراكة  للبلدان الأفريقية، متقدّمة على الولايات المتحدة بأشواط، وفق وكالة «الأناضول».

وعلاوة على المجالين الدبلوماسي والسياسي، تستثمر الصين أيضا في القطاع العسكري للقارة السمراء؛ حيث يقول الخبير السياسي التشادي، «إيفاريست نغارليم تولدي»، إن «هذا الإخطبوط الأحمر (يقصد: الصين) يعدّ شريكا مميّزا لبلدان هذه القارة الغارقة في نزاعات مسلّحة، والتي تتزوّد بالسلاح من الأسواق الصينية مثل الكونغو وأفريقيا الوسطى».

وفي مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، في عددها الصادر أوائل الشهر الجاري، أكّد السفير الأمريكي السابق في كل من الصومال وبوركينا فاسو، «دافيد شين»، التوسّع العسكري الصيني في أفريقيا، مشيرا إلى أنّ 25% من الأسلحة التقليدية الموجودة في القارة السمراء صينية الصنع، مقابل نسبة تتراوح بين 3 إلى 5% خلال ستينيات القرن الماضي.

وفي السياق ذاته، لفت «شين» إلى أنّ الصين منخرطة بشكل كبير في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مشيرا إلى أن بكين تعتبر أول المساهمين بالرجال في بعثات القبعات الزرق (قوات حفظ السلام الأممية)؛ حيث بلغت قواتها ألفين و664 عنصرا مشاركين في كل من مالي وجنوب السودان، ضمن 7 عمليات لحفظ السلام بأفريقيا.

وتعقيبا على الموضوع، قال «تولدي» إنّ «الصين عرفت كيف تفرض قواعد لعبة اقتصادية وسياسية داعمة لمصالحها في أفريقيا، وتحصل بموجبها على حصتها من الثروات المنجمية ومن أسواق أشغال البنية التحتية الضخمة»، مضيفا أنها «أدركت جيدا أنه يتعيّن عليها الاستثمار اقتصاديا في العديد من المجالات، إلى درجة أصبح معها حكام القارة يشعرون بأنهم مرتبطون سياسيا بهذا العملاق الجديد الذي اجتاح الكثير من بلدانها».

وأضاف: «أصبحت الصين قوة اجتاحت أفريقيا وفرضت هيمنتها على جميع القطاعات تقريبا في طرح بديل للاستعمار الذي قادته القوى الغربية، والذي يمكن اعتباره أحد العوامل التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام بكين»، مشيرا إلى أنه «يبدو أنّه لا يوجد أحد قادر على كبح جماح تقدّم الصين، ليس في الوقت الحاضر على الأقلّ».

التعليم والتجارة

يشار إلى أن الصين استطاعت أيضا تطوير إستراتيجيتها في القارة السمراء، عبر انخراطها في مجال التعليم، حيث يمتلك معهد «كونفيشيوس»، فروع في ما لا يقل عن 22 بلدا أفريقيا، وهو عبارة عن مؤسسة ثقافية تمنح الأجانب إمكانية تعلّم اللغة الصينية، والإطلاع على ثقافة شعبها، ويعد من أبرز روافد «القوة الناعمة» الصينية، حسب وكالة الأنباء الصينية الرسمية،«شينخوا».

الوكالة نفسها، أشارت أيضا إلى أنّ الآلاف من الطلبة الأفارقة يحصلون سنويا على منح لمواصلة دراستهم في الصين، تيسيرا لطرق التواصل مع شركائهم الصينيين، وتعزيزا لعلاقات التعاون الثنائية بين الجانبين.

ووفقا لبيانات البنك الدولي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا في 2014، حوالي 222 مليار دولار، ومن المنتظر أن يناهز الـ 400 مليار دولار بحلول العام 2020.

ومنذ 2012، قدمت الصين قرابة الـ 30 مليار دولار بعنوان قروض تفضيلية لعدد من البلدان الأفريقية، لدعم نمو المشاريع ذات الأولوية فيها، شملت مجالات متعدّدة أبرزها البنى التحتية والزراعة وغيرها.

 كما أنشأت، بين عامي 2001 و2009، «صندوق التنمية الصيني الأفريقي»، بقيمة 605 مليارات من الدولارات، وألغت ديون 35 بلدا أفريقيا من بين الأكثر تداينا، تجاوزت قيمتها الإجمالية 3 مليارات دولار، وفقا للمصدر نفسه.

وتمتلك الصين ألف و43 مشروعا في أفريقيا، وألفي و500 شركة كبيرة ومتوسّطة، إضافة إلى أنها قامت ببناء ألفين و233 كم من الخطوط الحديدية و3 آلاف و530 كم من الطرقات، بينها خط حديدي بصدد الإنجاز في كينيا للربط بين بلدان شرق أفريقيا.

  كلمات مفتاحية

الصين أفريقيا التبادل التجاري أمريكا أوباما صندوق النقد الدولي

مخزونات النفط التجارية في الصين تنخفض 2.1% خلال الشهر الماضي

نمو الصين: حقائق وتحديات!

صندوق النقد الدولي يحذر من تضرر اقتصادات أفريقيا جراء تباطؤ النمو الصيني

عندما يتباطأ نمو الصين

و. ستريت جورنال: الصين تجهز لقاعدة عسكرية بغينيا الاستوائية هي الثانية بأفريقيا

هل تستعيد أمريكا نفوذها في أفريقيا؟.. هكذا تطارد الصين وروسيا