السياسة الصينية في الشرق الأوسط عقب الثورات العربية

الاثنين 8 ديسمبر 2014 09:12 ص

حتى في الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى تحقيق مشاركة اقتصادية أكبر مع الشرق الأوسط لتلبية احتياجاتها من الطاقة، ليس من الواضح إطلاقاً ما إذا كانت بكين راغبة في توسيع نطاق مشاركتها السياسية والأمنية في المنطقة أو قادرة على ذلك. بيد أنه قد تتغيّر حساباتها إذا استمرت الأحداث على مسارها الحالي.

فإذا استمرت الولايات المتحدة في فك ارتباطها بالمنطقة، ليس مرجحا أن تتراجع نسبة عدم الاستقرار فيها، وبالتالي قد تشعر الصين بأنها مجبرة على اعتماد - أو ربما ترى فرصة في اعتماد - منهجية أكثر فعالية في تطوير مصالحها الإقليمية، لا سيما أمن الطاقة.

كما يمكن لدول المنطقة أن تجذب الصين إلى مشاركة أعمق، حيث تميل هذه الدول إلى البحث عن الدعم الخارجي في صراعاتها الإقليمية. وفي الواقع، تتكاثر علامات تشير إلى تزايد مشاركة الصين في المنطقة، سواء من خلال بعثات "قوات البحرية لجيش التحرير الشعبي الصيني" التي تهدف إلى مكافحة القرصنة وإخلاء المواطنين الصينيين من ليبيا، أو تعيين المبعوث الصيني الخاص للمنطقة في عام 2002 (على نحو مماثل لمناصب في الولايات المتحدة واليابان والعديد من الدول الأوروبية)، أو تزايد عدد الزيارات الصينية الرسمية رفيعة المستوى إلى المنطقة والعكس وبالعكس.

ومع ذلك، فإن مشاركة الصين بشكل أعمق في منطقة الشرق الأوسط ليست أمراً حتمياً، بل ستعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل، أهمها ما يحمله المستقبل لها داخليّاً وفي جوارها.

من الصعب التنبؤ بكيفية تأثير هذه العوامل على سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط على وجه التحديد، لكن يُرجح أنه كلما ازدادت الصعوبات الاقتصادية الخاصة بالصين، وكلما اتّسع السياق الذي في إطاره عليها أن تكرّس الموارد الدبلوماسية والأمنية للصراعات الآسيوية، قّل سعيها للمشاركة في الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى ذلك، قد لا تتنافس آسيا الوسطى على جذب اهتمام الصين الدبلوماسي فحسب، بل إنها إذا وفّرت طريقاً برياً لنقل واردات الطاقة الصينية، فستُقلل من اعتماد بكين على الممرات البحرية في الشرق الأوسط.

كما سيتأثر مدى مشاركة الصين في منطقة الشرق الأوسط بمعرفة ما إذا ما كان فك الارتباط الأمريكي الواضح بالمنطقة أمراً مؤقتاً أو دائماً. ومن شأن قيام دور أمريكي أقوى في المنطقة أن "يعيق" على الأرجح المشاركة الصينية.

يعتمد مدى صحة هذا الأمر أيضاً على مسار العلاقات الصينية الأمريكية، خاصة إذا ما كان احتدام التوتر بين الولايات المتحدة والصين في شرق آسيا سيمتد ليطال علاقاتهما بمناطق أخرى، أو إذا ما كانت بكين وواشنطن تنظران إلى التعاون في مجالات مثل الشرق الأوسط على أنه يشكّل توازناً للصراعات في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي.

تبرز من الآن مؤشرات مقلقة على أن الشراكة الصينية مع إيران تحركها الرغبة في مواجهة قوة الولايات المتحدة في المنطقة. وبالمثل، قد يكون الانخراط الصيني في المنطقة مدفوعاً جزئياً بمدى مشاركة منافساتها الآسيوية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند، فيها.

كما أن مدى زيادة انخراط الصين في الشؤون السياسية والأمنية في المنطقة سيعتمد أيضاً على نجاح خطواتها الأولى في هذا الاتجاه.

فمثلا، إن لم تدفع الصين، في إطار علاقاتها مع دول الخليج العربي، ثمن دعمها الدبلوماسي القوي لنظام الأسد أو إيران، قد تُشجَّع على الاعتقاد بأنه يمكنها إدارة الصراع بين مصالحها في المنطقة بنجاح.

إلى جانب ذلك، ستعتمد المشاركة الصينية في المنطقة على الأحداث التي ستطرأ؛  وعلى وجه التحديد، إن الاتفاق النووي بين «مجموعة خمسة زائد واحد» وإيران سيفتح الباب لقيام علاقة استراتيجية أعمق بين الصين وإيران.

وحتى إذا اختارت الصين تكثيف مشاركتها في المنطقة، فمن المرجح أن تفعل ذلك ببطء، وستسعى لتحقيق التوازن في رهاناتها عوضا عن اعتماد توجه واضح في سياستها أو اتخاذ طرف ما في الصراعات الإقليمية بشكل صريح.

ورغم العقبات المتعددة، يمكن للتعاون البنّاء بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط حول تعزيز المصالح المشتركة أن يكون مفيدا للبلدين وللمنطقة ككل.

أما إذا كان من الممكن تحقيق تعاون مماثل، فالأمر يعتمد إلى حد كبير على المسار الذي يختاره كل بلد ليس في المنطقة فحسب بل في العالم بأسره: إذ يعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة تعي كلفة فك ارتباطها بالشرق الأوسط وتعيد بناء دورها القيادي والبنية الأمنية التي تشكل أساسها، وما إذا كان بإمكان الصين التخلي عن مقاربة المعادلة الصفرية ( نهج الخسائر أو الأرباح المتعادلة) في الشؤون الخارجية والتي لا تؤدي إلى أي نتيجة، والبروز كشريك مسؤول لواشنطن والدول الأخرى.

 

* مايكل سينغ    باحث ومدير إداري بمعهد واشنطن.لسياسات الشرق الأدنى، الذراع البحثي للوبي الإسرائيلي بالعاصمة الأمريكية

** هذا التحليل مقتطفات من مخطوطة غير منشورة عن دور الصين الحالي والمستقبلي في المنطقة.

 

المصدر | معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

  كلمات مفتاحية

الصين بشار الأسد إيران الشؤون الأمنية مجلس التعاون الخليجي

الصين تعتزم دفع محادثات التجارة الحرة مع مجلس التعاون الخليجي

عندما يتباطأ نمو الصين

السعودية تشارك في تأسيس بنك استثماري تدعمه الصين

سفير الصين لدى الرياض: حاجتنا للنفط السعودي في تزايد مستمر

دروس من مسارات ثورات العالم

«أوباما» ينتقد بشدة خطط الصين لفرض قواعد جديدة على شركات التكنولوجيا الأمريكية

مسؤول بالأمم المتحدة ينتقد تصرفات الصين مع الويغور في تركستان الشرقية

57 دولة يوقعون اتفاقية تأسيس البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية