انضمام فلسطين إلى لاهاي: إسرائيل في الطريق إلى ورطة قضائية محرجة

السبت 3 يناير 2015 05:01 ص

عندما قررت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية، باتو بنسودا، عدم استمرار التحقيق في حادثة الاسطول ومقتل المدنيين في سفينة “مرمرة”، فعلت ذلك رغم أنها توصلت الى الاستنتاج بأنه يوجد أساس للاعتقاد بأنه ارتكبت على متن السفينة جرائم حرب، وفقط استنادا الى حقيقة أن مستوى خطورة الحالة لا يبرر تفعيل صلاحية المحكمة.

بعض الأقوال – حتى وإن كانت ظاهرا – التي قالتها المدعية العامة لغرض هذا القرار تدل على المخاطر على اسرائيل، ولا سيما الآن عندما أعلنت فلسطين انضمامها الى المحكمة. فقد أصرت المدعية العامة مثلا على أنه بينما تدعي اسرائيل بأنها لم تعد تحتل غزة، فان الموقف الثابت في الاسرة الدولية هو أن درجة وحجم السيطرة التي تواصل اسرائيل الاحتفاظ بها في غزة حتى بعد “فك الارتباط” يجعلها لا تزال قوة احتلال في المنطقة.

أما إغلاق ملف "مرمرة" بسبب مسألة الخطورة فقد نبعت من أن نظام المحكمة يقضي بأن يكون للمحكمة صلاحية بشأن جرائم الحرب ولا سيما حين يكون ارتكابها جزءا من خطة أو سياسة، أو كجزء من ارتكاب واسع النطاق للجرائم.

في هذه الحالة، قضت المدعية العامة، بأن الدعوى المحتملة التي ستأتي من تحقيق الحدث لن تكون خطيرة بما يكفي لتبرير تفعيل صلاحية المحكمة في ضوء حقيقة أن الحديث يدور عن حدث وحيد وقع فيه عدد قليل من الضحايا. وشددت المدعية العامة بأن المحكمة ليست ذات صلاحية في أحداث اخرى ارتكبت في سياق أوسع للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني. فوضع السكان المدنيين في غزة، كما أشارت، هو موضع اهتمام الاسرة الدولية، ولكن ليس للمحكمة صلاحية في هذا السياق.

أما انضمام فلسطين هذا الاسبوع الى دستور المحكمة فيغير الصورة تماما. وسيتعين على المدعية العامة أن تقرر الآن اذا كانت ستتعاطى مع فلسطين كدولة يمكنها بالفعل أن تنضم الى المحكمة، وثمة احتمال طيب لأن تفعل ذلك:

فحين قرر في أبريل/ نيسان 2012 مدعي عام المحكمة عدم الشروع في فحص ادعاءات فلسطينية في شأن ارتكاب جرائم حرب، حسب الادعاء، في زمن حملة “الجرف الصامد”، فقد فعل ذلك بعد أن قضى بأن ليس واضحا اذا كانت فلسطين هي دولة وأنه حسب دستور المحكمة فان الدولة وحدها يمكنها أن تعطي موافقة للمحاكمة على جرائم ارتكبت ظاهرا في ارضها (الشاذ الوحيد لهذه القاعدة هو في الملفات الموجهة الى المحكمة من مجلس الامن في الامم المتحدة).

وأشار المدعي العام في حينه الى أن فلسطين يعترف بها في الجمعية العمومية كـ"مراقب" وليس كدولة غير عضو، ولكن اذا ما تغير الأمر فسيفتح الباب أمامه لفحص ادعاءات بشأن جرائم ارتكبت في فلسطين.

منذئذ تغيرت الامور بالفعل: ففي تشرين الثاني 2012 اعترفت بفلسطين كـ “دولة غير عضو” في الامم المتحدة. ولما كان قبولها كعضو يتطلب توصية من مجلس الامن وهناك متوقع فيتو امريكي فلا تقبل فلسطين كعضو في الامم المتحدة، ولكن الامر لا يستبعد الاعتراف بها كدولة غير عضو في ضوء قول سابق، أعطى وزنا كبيرا لقرارات الامم المتحدة في الموضوع يبدو أن في هذا ما يكون كافيا من اجل أن تتمكن منسودا من أن تفتح ملفات ضد اسرائيليين – وكذا ضد فلسطينيين – على شبهات لجرائم حرب.

وهكذا تتغير الصورة من حالة “مرمرة”، التي وصلت الى المدعي العام كون السفينة كانت مسجلة في جزر كوموروس، التي وجهت الملف الى المحكمة. أما الآن فسيكون صعبا أكثر على المدعية العامة القول إن مصير السكان الفلسطينيين يوجد خارج صلاحية المحكمة. فالاعتراف بفلسطين كدولة، الى جانب انضمامها الى دستور روما من المتوقع أن يفسر كشأن يوسع صلاحية المحكمة الى كل الاراضي الفلسطينية – في الضفة وغزة. وحجم الاحداث في الضفة وغزة سيجعل من الصعب اكثر اغلاق الملف بسبب “الخطورة”.

أي موضوع كفيل بأن يصل الى المحكمة؟ قتل مدنيين فلسطينيين على أيدي اسرائيل كفيل بأن يثير تحقيقات، وكذا قتل مدنيين اسرائيليين على أيدي فلسطينيين، كاطلاق الصواريخ من قبل حماس. وصحيح بالفعل أن الخطوة الفلسطينية تحمل خطرا ايضا على الفلسطينيين، ولكن يجب أن نتذكر أنه عندما يدور الحديث عن فلسطينيين يهاجمون اسرائيليين، فانهم منذ اليوم في خطر كبير: فهو عرضة لسياسة التصفية من اسرائيل أو المحاكمة والسجن الطويل. وبالمقابل فان الاسرائيليين حظوا حتى اليوم بحصانة بحكم الامر الواقع على افعال تقوم بها اسرائيل للفلسطينيين، والخطوة الفلسطينية تأتي لالغاء هذه الحصانة.

ولكن ينبغي ايضا أن نتذكر بأن دستور المحكمة يحظر، مثل ميثاق جنيف الرابع، نقل السكان المدنيين من دولة الاحتلال الى الارض المحتلة، ويقضي بأن مثل هذا الحظر يشكل جريمة حرب. والثغرة فتحت الآن لاجراءات ضد زعماء اسرائيليين مسؤولين عن البناء في المستوطنات.

فقد ادعت اسرائيل في الماضي بأن المستوطنات غير محظورة حسب القانون الدولي، وذلك لأن ميثاق جنيف لا ينطبق على المناطق لأنه لم يكن لها أي صاحب سيادة من قبل، ولكن هذا الادعاء ردته الأسرة الدولية وبخاصة محكمة العدل الدولية في لاهاي (ليست تلك الجنائية الفردية بل التي تعنى بالدعاوى بين الدول وبالفتاوى الاستشارية) في فتواها الاستشارية التي اصدرتها في مسألة السور الذي بني في المناطق.

من الصعب التوقع أن تقرر محكمة الجنايات الدولية – والتي تتخذ من لاهاي ايضا مقرا لها – خلاف ذلك. هناك من يعتقد بأن المدعية العامة والمحكمة لن يرغبا في العناية بالموضوع كون الحديث لا يدور عن جرائم حرب خطيرة كقتل مدنيين. ومع ذلك فقد أُدخل البند في ميثاق روما رغم احتجاج اسرائيل، بعلم تام، والمحكمة لا يمكنها أن تتجاهله.

كما أنه يحتمل أن تعتقد المدعية العامة والمحكمة بأن المستوطنات بالذات – ليس أقل من قتل المدنيين – توجد في قلب نظام الاحتلال الاسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من تقرير المصير، ولهذا فان هذه حالة جيدة للتركيز عليها. وذلك ايضا عقب كونها حالة سهلة نسبيا من ناحية قانونية: في حالات الشكاوى بقتل مدنيين، كفيلة بأن تطرح مسائل معقدة حول تفسير مباديء “التوازن”.

وإضافة الى ذلك، ففي هذه الحالات قد توليها صلاحية المحكمة لمبدأ “الاكتمال” الذي يقضي بأن المحكمة لن تبحث في موضوع اذا كانت الدولة ذات الصلة حققت فيه بنفسها تحقيقا صادقا. وفي كل ما يتعلق بالشكاوى المتعلقة بقتل المدنيين على أيدي اسرائيل في اثناء القتال في غزة واحداث اخرى، كفيلة اسرائيل بأن تدعي أنها نفذت تحقيقات كهذه. ولكن في كل ما يتعلق بالمستوطنات فان مبدأ الاكتمال غير ذي صلة، وذلك لأن الحديث يدور عن سياسة حكومية معلنة.

لا يزال الطريق طويلا، بالتالي، عن الدعوى ضد اسرائيل. فالمدعية العامة كفيلة بأن تحاول التخلص من كل ملف يتعلق بالنزاع الاسرائيلي الفلسطيني كما يتخلص المرء من حبة بطاطا ساخنة، وذلك كي لا تصعد الى مسار الصدام مع الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية. وبالمقابل، فان كل الملفات التي تجري اليوم في المحكمة هي ضد متهمين من افريقيا، ومكتب المدعية العامة، الذي يفحص اليوم عددا واسعا من الحالات (بما في ذلك تلك المتعلقة بدول كثيرة القوة كالولايات المتحدة وروسيا) سيسرها ملف يدحض الادعاء بأن المحكمة تلاحق القارة السوداء.

حتى لو رفعت دعوى ضد اسرائيليين، فان المحاكمة ضدهم لا يمكنها ان تخرج الى حيز التنفيذ إلا إذا سلموا إلى المحكمة، الأمر الذي احتمالاته في أن يتحقق ضعيفة للغاية.

لكن الى جانب ذلك يبدو أن الطريق مفتوح على الاقل امام ورطة قانونية – دبلوماسية محرجة، فالقرار الاكثر اشكالية لمحكمة العدل العليا هذا الاسبوع، والذي صادق على سياسة هدم المنازل العقابية للجيش الاسرائيلي كحالة قانونية، يدل على الفجوة بين المواقف القضائية الاسرائيلية – بما فيها تلك التي تقرها محكمة العدل العليا – وبين المعايير الدولية المقبولة:

هدم منازل المدنيين كفيل بأن يعتبر جريمة حرب في اطار دستور روما. هذا مجرد مثال واحد على المخاطر القانونية الجديدة التي يمكن للخطوة الفلسطينية أن تقود اسرائيل اليها.

المصدر | إيال غروس | هارتس العبرية - ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

إسرائيل فلسطين ميثاق روما المحكمة الجنائية الدولية ورطة قانونية دبلوماسية

«فيتو» واشنطن لصالح «إسرائيل» و”وحشية“ «داعش» في افتتاحيات صحف الإمارات

كفى فيتو!

نتنياهو يطالب كيري بـ«فيتو» ضد إنهاء الاحتلال

مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون: العلاقات بين واشنطن وتل أبيب وصلت حضيضا غير مسبوق

«السيسي» يعلن استعداده إرسال قوات إلى فلسطين لطمأنة إسرائيل

«إسرائيل» تجمد 127 مليون دولار للسلطة الفلسطينية ردا على طلب الانضمام للمحكمة الجنائية