إسرائيل تتصور قيام نظام عربي جديد من مصر والسعودية والأردن والمغرب

الأحد 4 يناير 2015 03:01 ص

احتفال تغيير رئيس المخابرات المصري كان قصيرا وموضوعيا. الجنرال محمد فريد التهامي، 67 سنة، احيل الاسبوع الماضي على نحو مفاجيء على التقاعد، بعد سنة فقط من استلام المنصب الذي يتحمل المسؤولية عن الجهازي الموازيين للموساد والشاباك في القاهرة.

ففي مكتب الرئيس السيسي في قصر الاتحادية بطنوا انصرافه الى بيته بمنحه الوسام الوطني الرفيع، وعلى الفور جاء أيضا دور التفسير غير المقنع لخبير شؤون المخابرات، المحلل الدائم سامح سيف اليازل، الذي أصر على أن "التهامي يعاني من مشاكل صحية ويحتاج الى علاج في الخارج".

من أجل صورة غير كبيرة وعنوان غير بارز، اختفى التهامي من الساحة. فهو لم يحظَ حتى بمنصب تعويضي كسفير في دولة ما أو مكانة غير ملزمة كمستشار للرئيس. واحتل موقعه نائبه، الجنرال خالد فوزي، الذي يكتفي حاليا بلقب "المسؤول المؤقت، عن جهازي المخابرات. "اذا ما أظهر السلوك السليم فسيرفع إلى تعيين دائم"، كما يشرح الخبراء في القاهرة، وإلا سيأتي رئيس جديد من الخارج.

أكوام من التحليلات طرحت علامات استفهام حول التغيير السريع في قيادة الاجهزة. نعم، في وسائل الاعلام المصرية يتجرأون اليوم على تناول المواضيع الاكثر خفاء عن العين ايضا.

اضافة الى حفظ الامن الداخلي وجمع المعلومات من جهات خارج الدولة، يعنى "سيد المخابرات" بشؤون السياسة الخارجية المصرية ايضا.

على طاولة المسؤول الجديد يوجد منذ الان ملف المصالحة مع قطر، ملف المصالحة (على الورق فقط) بين فتح وحماس والوضع في غزة، وملف التقارب الجديد مع إدارة أوباما مع واشنطن.

وأسهل الملفات هو بالذات "ملف إسرائيل".

يقول مصدر أمني اسرائيلي كبير ان "العلاقات السرية بيننا تعمل على نحو ممتاز. توجد تفاهمات، توجد ثقة، يوجد عمل مشترك وتوجد نتائج. المشكلة هي أن في الجانب المصري لا ينقلون طبيعة هذه العلاقات الطيبة الى المستوى المدني ايضا. ليس لدينا حتى مبنى سفارة في القاهرة، وهذا لا يزعج المصريين. بل العكس. فهم يتدبرون أمرهم على نحو ممتاز في هذا الوضع: لا يرون عندهم بصمات اسرائيليين والسلام يكنس تحت البساط".

 

مشعل تحت الرقابة

مبعوثان من إمارة قطر هبطا في الايام الاخيرة في القاهرة. الاول، في زيارة علنية، محمد بن عبد العال، رئيس المكتب والمستشار الكبير لحاكم قطر الشيخ تميم، الذي دفعه القصر الملكي السعودي ليبشر السيسي بان القطريين يدخلون أخيرا في المصالحة وتطبيع العلاقات مع مصر، والتي دخلت في أزمة عميقة في ضوء دعم قطر للرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي و "الاخوان المسلمين".

والآن، مع وصول المبعوث القطري إلى القاهرة، في استعرض للنية الطيبة، أغلق القطريون استديوهات قناة "الجزيرة مباشر مصر" والتي بثت على مدى أربع سنوات، 24 ساعة على مدار الساعة في اليوم، تحريضات لاذعة ودعت الى اسقاط السيسي من الحكم.

المبعوث الثاني، الذي تلف السرية بزيارته، هو رئيس المخابرات القطري، الذي وصل لاجمال صفقة المصالحة. ويتبين بان التفاصيل تتعلق باسرائيل ايضا: قطر تتعهد بوقف نقل التمويل غير المباشر الى حماس في غزة؛ قطر تلتزم بمواصلة طرد قيادة الاخوان المسلمين، 170 من زعماء المنظمة التي اخرجت عن القانون في مصر؛ كما أن قطر "تميل" (لا تلتزم حاليا) الى التقييد على خطى الامين العام لحماس خالد مشعل – لن يطردوه من الإمارة، لن يأخذوا منه جواز السفر المحلي، ولكن "سيتفق على أن يكون تحت الرقابة".

وتتقدم الاتصالات في هذه الاثناء ببطء، حيث لا تزال بضع عقبات تفصل بين الطرفين. فقد رفضت قطر بشدة طلب تسليم قادة الاخوان لمصر، أما السيسي، بشكه العميق في القطريين، فلا يسارع الى تحرير صحفيي "الجزيرة" الثلاثة الذين اعتقلوا بالضبط قبل سنة في فندق ماريوت على النيل. احدهم، محمد فهمي، يحمل جنسية كندية، يكتب كتابا عن ملابسات اعتقاله ويوجه اتهامات شديدة بالذات الى مسؤوليه، محرري النشرات، ممن حرفوا عن قصد التقارير من القاهرة، ضد السيسي. والد بيتر غريست، احد الثلاثة، ممن حكموا بالسجن لسبع سنوات، أعلن منذ الان من استراليا بانه "سعيد جيدا" من المصالحة القريبة مع قطر، "وأنا اصلي لان يحرروا أبني من السجن الاسبوع القادم".

وفي هذه الاثناء جمدت الخطط الكبرى لمستشاري الملك في الرياض، ولا يوجد موعد جديد للقمة الثلاثة التي تقررت للأسبوع القادم تحت مظلة سعودية. "ولكن 200 مليون دولار تعهدت قطر بنقلها بالتدريج الى خطط الاعمار في غزة لم تنطلق على الدرب، رغم الوعود"، كما تلاحظ برضى محافل أمنية رفيعة المستوى في اسرائيل.

"بسبب النقص في السيولة النقدية توقفوا عن تفعيل محطة توليد الطاقة، واسرائيل هي التي توفر للغزيين الماء والكهرباء. وحرصت اسرائيل على أن تنقل لمن ينبغي ان تنقل له الاشتباه الشديد في أن حتى مواد البناء التي تحصل عليها حماس في غزة بالرقابة، يحرصون على فرزها نحو اهداف غير مدنية".

من جهته، يصر السيسي على فتح معبر الحدود في رفح في احيان نادرة فقط وللحالات الانسانية فقط. ولا تنقل البضائع من مصر، والاسمنت يأتي من اسرائيل فقط. وسور الفصل امام غزة يعلو مرتفعا. وتفيد آخر الانباء من الميدان بان مصر تفعل الان كل شيء، بالقوة ايضا، لقطع الارتباط ولرفع المسؤولية واعمار غزة عالق.

الملح أكثر بكثير للسيسي اعادة بناء العلاقات مع الرئيس اوباما ومع الادارة في واشنطن. والامريكيون ايضا بدأوا يصحون من وهم طهران.

"الادارة الامريكية توصلت من جديد الى الاستنتاج بان مصر هامة لها، وان استقرار الحكم في القاهرة هو موضوع يجب الحفاظ عليه، حتى لو لم يستطيبوا الطريقة غير الديمقراطية التي عزل فيها الرئيس السابق مرسي"، يقول الخبير الاسرائيلي الكبير.

"نحن نشخص مؤشرات تدل على أن واشنطن قررت العودة الى النظام القديم في العالم العربي. ويركب الخبراء مرة اخرى قائمة دول المحور المعتدل: مصر في المكان الاول، السعودية، الاردن والمغرب".

"كل ظواهر منظمات الإرهاب العنيفة مثل داعش وجبهة النصرة أدت بأجهزة الاستخبارات الامريكية إلى الاستنتاج بانه ينبغي العمل مع الأنظمة المستقرة. الأمريكيون لا يحبون السعوديين، ولهذا فانهم يأخذون بالورقة المصرية. والان، بهدوء، بخطى سلحفاة، يتأقلمون. وقصة الغرام العابرة مع طهران أخذت تخبو، وروسيا تبدو لمصر في ميل ضعف، والامريكيون يأخذون بما يعرفون وبما يجري بشكل مقبول على العقل الى هذا الحد أو ذاك".

من الطرف الاخر ايضا، كما يتبين، يجري خلف الكواليس جهد سياسي مكثف لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر. وقد هرع الملك عبدالله لمساعدة السيسي، وهو يجري حملات مكوكية بين القاهرة والبيت الابيض، "ولاسرائيل ايضا كان دور لا بأس به في رفع الوعي بشأن مركزية مصر"، كما يكشف المصدر الامني الكبير.

وحسب تلميح شديد الوضوح نقلته شخصية رفيعة المستوى في القاهرة لموازيها في اسرائيل، فان رئيس المخابرات التهامي ضحي به على مذبح تحسين العلاقات مع واشنطن. "توجد رغبة مصرية بإدخل دم جديد والتخلي عن شخصيات تتماثل مع حكم مبارك"، يقول الخبير الاسرائيلي. كما أن وزير الخارجية السابق، نبيل فهمي، أرسل إلى بيته، ليخلي مكانا للدبلوماسي الكبير سامح شكري، الذي قام بعمل مكثف في تلة الكابيتول.

المال لغزة؟ عبر رام الله فقط

ينشغل الرئيس السيسي الان بتجنيد الدول التي يمكنها ان تسمح لنفسها بالمشاركة في الاعمار الاقتصادي لمصر. فقد سافر هذا الاسبوع الى الكويت، والباب في قصور الرياض مفتوح على مصراعيه، وتوجد جهود لاثارة اهتمام الصين بالمشاريع، والمانيا ايضا. واذا ما نجح في التغلب على رواسب الماضي مع قطر، فان الامارة الاغنى في العالم يمكنها بسهولة أن تستثمر مئات مليارات الدولارات التي تتوق لها مصر.

بعيون اسرائيلية، فان المفتاح للتحول الدراماتيكي يوجد في جيب حاكم قطر الشاب، الشيخ تميم. "رغم الصورة التي اكتسبها لنفسه باستقامة كاسلامي متطرف، فانه يتصرف الان باسلوب اكثر اعتدالا من أبيه، الشيخ حمد بن خليفة"، يقول المصدر الاسرائيلي.

"السعوديون – الذين يحاولون خلق تحالف معتدلين في الخليج ضد التهديد الايراني، أفزعوه بتهديدات اجتياح قطر اذا ما واصل ادارة حملة في صالح الإخوان المسلمين عبر شاشات الجزيرة. وقطعت ثلاث دول في الخليج العلاقات مع قطر بسبب الملايين التي تمطرها على منظمات ارهابية وحشية. ومن جهة اخرى بدأ الإيرانيون يضغطون ويهددون قطر اذا ما اختارت الوقوف الى جانب السعوديين. وفهم الشيخ تميم بان عليه ان يخرج من العزلة وان ينضم الى المعسكر المتوازن".

وانطلاقا من محاولة كسر العزلة، فان القطريين يمدون اليد للدولة التي هي ايضا تعرب عن المعارضة. فقبل اسبوعين وقف الشيخ تميم على بساط أحمر مد في مدخل قصر الرئيس التركي أردوغان وأطلق عبارات التمجيد للتحالف الاستراتيجي بين قطر وأنقرة.

"رغم ما يُعتقد ويُكتب، فان تركيا ليست هامة في العالم العربي"، يصر الخبير الاسرائيلي. "شيء لا يهم اردوغان حقا من إطاحة بشار الاسد. كل ما تبقى، هو حماس واقوال فارغة. وحتى تدخلهم الحقيقي في غزة طفيف".

ويقدر هذا الخبير بان عملية انضمام قطر الى المعسكر المتزن، "توجد الان على نار هادئة. اذا ما نجحت، فانها ستعمل ايضا في صالح اسرائيل".

وحسب الترتيب الجديد، فان التنقيط المالي الذي يصل مع ذلك "بدفعات" من قطر الى غزة، لا يمر الا عبر مكتب ابو مازن في رام الله. ومن هناك يحرصون على أن يستغلوا بتهكم التبرعات بداية لتغطية الرواتب لموظفي حكومة فتح في غزة. "تحت حكم حماس وان كانوا عاطلين عن العمل منذ اشهر طويلة، الا انه يوجد على الاقل من يحرص لهم على الرواتب".

هل يوجد تخوف من أن يعمل التقارب بين القاهرة والدوحة كالسهم المرتد في غير صالح اسرائيل؟

"مصر السيسي لن تغير نهجها الحازم من الإخوان المسلمين وموقفها السلبي من حماس"، يقدر المصدر الاسرائيلي الكبير.

ويروي دبلوماسي غربي بأن أجهزة المخابرات المصرية لها مكتب في غزة للتبليغ عن خطوات شاذة. "كما أنهم يحرصون، من خلال العلاقة الطيبة مع ابو مازن، على أن تنقل أموال التبرعات من قطر والاتحاد الاوروبي الى غزة فقط عبر غلاف الدفعات الذي يفترض محطة انتقالية أولى في رام الله ومحطة ثانية في اسرائيل. هذا لا يمنع مساعدة ايران للجهاد الاسلامي، لكن على الاقل صعب عليهم نقل السلاح والوسائل القتالية الى غزة عبر أنفاق سيناء، التي اغلقت".

في مقابلة مع صحيفة "الاهرام" كشف السيسي عن أن قوات الجيش المصري تخوض في الأسابيع الاخيرة الثلاثة "أم كل العمليات" في سيناء ضد منظمات الإرهاب المحلية والتنظيمات التي ترفع الاعلام السوداء لداعش.

"وهم يعملون بقوة على الحملة لإبادة أعشاش الارهاب ولا سيما على محور شمال سيناء بين العريش ورفح"، كما يكشف المصدر الاسرائيلي الكبير. "محادثونا طلبوا وحصلوا على الاذن لادخال قوات عسكرية وسلاح كبيرة الى هذه المنطقة". 

كما أن السيسي حدد لنفسه تاريخ موعد: لانهاء "تطهير" سيناء من الارهاب حتى 15 مارس/آذار. ولعلنا نعرف في حينه اذا كانت المصالحة مع قطر صعدت الى المسارات الصحيحة، وماذا سيكون مصير قيادة حماس في غزة المخنوقة وفي الدوحة، اذا ما انتظم النظام الجديد "للعالم العربي المعتدل" كقوة في مواجهة الارهاب الاسلامي، وأين توجد ادارة اوباما في صورة النظام العربي الجديد الذي سينتظر الحكومة الجديدة التي ستقوم في القدس.

المصدر | سمدار بيري | يديعوت أحرونوت العبرية - ترجمة المصدر السياسي

  كلمات مفتاحية

عندما تسير مصر عكس مصالحها الاستراتيجية

رئيس المجلس الإسلامي المغربي يدعو إلى «تجفيف منابع التشيع» في المغرب

انتقادات داخلية بعد اعتراف الأردن بـ(إسرائيل) في المناهج وترحيب صهيوني واسع

الأردن ينفي توقيع أي اتفاق لاستيراد الغاز الطبيعي من (إسرائيل)

من «6+2» إلى «5+2»