«فورين بوليسي»: الصراعات والأزمات التي سيواجهها العالم خلال العام المقبل «1-2»

الأحد 4 يناير 2015 07:01 ص

كان العام الماضي سيئًا بالنسبة للسلام والأمن على الصعيد الدولي. ومن دون شك؛ كانت هناك نقاط مُضيئة في عام 2014م؛ فعملية السلام في كولومبيا تبدو واعدة، الجولة الأخيرة من المحادثات النووية الايرانية وُصفت بكونها أكثر نجاحًا، وتونس رغم عدم خروجها حتى الآن من الغابة المظلمة إلا أنها أظهرت أن الحوار أقوى من العنف، وخالفت أفغانستان تاريخها على الرغم من العديد من التحديات وأضحت تمتلك حكومة وحدة وطنية، كما استعاد الرئيس «باراك أوباما» العلاقات الدبلوماسية مع كوبا؛ وهذا في حد ذاته إيجابيًا.

ولكن بالنسبة للجزء الأكبر؛ فقد كان عام 2014م هو عام تحطيم المعنويات. فالصراع يتزايد بعد انخفاض ملحوظ في أعقاب انتهاء الحرب الباردة. وأبرز ملامح حروب اليوم أنها تقتل وتشرد المزيد من الناس، وأصبح إنهائها أصعب مما كان عليه في السنوات الماضية.

لقد ازدادت اضطرابات العالم العربي عُمقًا؛ فــ «الدولة الإسلامية» بسطت سيطرتها على مساحات واسعة من العراق وسوريا، ودُمرت مساحات أكثر من قطاع غزة مُجددًا، ونكصت مصر على عقبيها نحو الاستبداد والقمع، وجنحت ليبيا واليمن نحو حرب أهلية. وفي إفريقيا راقب العالم قادة جنوب السودان وهم يهوون ببلدهم الجديد إلى باطن الأرض، فضلاً عن ظهور إيبولا القاتل في غرب القارة السمراء، وتوالي هجمات «بوكوحرام» الإرهابية في شمال نيجيريا، وعودة الحرب إلى القارة الأوروبية مع استمرار القتال في شرق أوكرانيا.

إذاً؛ ما الذي يود العام الماضي أن يخبرنا به عن سيره في الطريق الخطأ؟

لم تصل علاقة روسيا بالغرب إلى العلاقة الصفرية؛ حيث إن ما زال هناك تعاون بشأن ملف إيران النووي، والتهديد القادم من المحاربين الأجانب، وبصورة أكبر حفظ السلام في إفريقيا. وفي المقابل تمثل سياسة روسيا في محيطها تحدي حقيقي أسهم في توتر العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة.

وتظل علاقات الصين مع جيرانها أيضًا متوترة ويمكن أن يؤدي إلى أزمة في الشرق أو بحر الصين الجنوبي. ويرسم الصراع بين إيران والمملكة العربية السعودية معالم العنف بين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط. القوى السنية الرئيسية نفسها منقسمة؛ التنافس بين السعوديين والإماراتيين والمصريين من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى يدور رحاه على مستوى شمال إفريقيا. وفي أماكن أخرى في القارة السمراء، تتزاحم القوى في الصومال والحرب ذات الطابع الأقاليمي في جنوب السودان.

ولا يُعدُّ التنافس بين القوى الكبرى والإقليمية بالحدث الجديد، لكن العداء بين القوى الكبرى عرقل إجراءات كان من المفترض لمجلس الأمن أن يتخذها بشأن أوكرانيا وسوريا، ما فتح الباب أمام رأس المال السياسي للاستثمار في أزمات أخرى. لقد اشتعل العداء بين القوى الإقليمية بشكل ملحوظ، وقادت المنافسة بين الدول القوية إلى إضفاء لون إقليمي أو دولي على حروب أهلية، ما يجعل حلها أكثر تعقيدًا.

وأصبحت الحروب وحالة عدم الاستقرار أيضًا مُركزة بشكل أكثر جغرافيّة؛ حيث تنتشر من أجزاء في ليبيا والساحل وشمال نيجيريا عبر البحيرات العظمى الإفريقية والقرن الإفريقي إلى سوريا والعراق واليمن، بالإضافة إلى أفغانستان وباكستان. ويتحتم على العالم السعي لتحقيق الاستقرار بالمعنى الشمولي؛ نظرًا لأن تلك المناطق دائماً ما تكون ملاذًا للإرهابيين والمجرمين الذين يعبرون الحدود.

ويضاف إلى ذلك وجود اتجاه مقلق نحو العنف في البلدان التي تحاول الانتقال إلى الديمقراطية. بعض من أكثر الأماكن اضطرابًا في العالم هي تلك التي تحاول الابتعاد عن الحكم الاستبدادي مثل ليبيا واليمن وأفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوكرانيا. ويشكّل صياغة إجماع جديد على تقسيم السلطة والموارد تحديًا كبيرًا، والفشل في ذلك يجنح بالبلاد إلى تجدد الصراع.

وهذا يطرح معضلات لكل من النخب المحلية والقوى الأجنبية. فمن ناحية؛ نحن نعلم أن سلوك العديد من الحكام المستبدين ببساطة يخزن المشكلات التي تظهر تباعًا في وقت لاحق؛ فهم يفرغون المؤسسات من مضمونها، ويقمعون خصومهم، ويهملون الكثير من السكان، وغالبًا ما يتركون آليات الخلافة غامضة. ومن ناحية أخرى؛ فإن التخلص منهم على المدى القصير - في كثير من الأحيان – يجعل الأمور أسوأ؛ لأنه حكمهم لم يترك أي نظام لإدارة عملية التغيير.

ويبين العام الماضي أيضًا بوضوح أن الجماعات الجهادية لا تزال تشكل تهديدًا متزايدًا لا يُرى لنهايته أفق. «الدولة الإسلامية» وفروعها في سيناء وشمال أفريقيا وبوكوحرام في نيجيريا وحركة الشباب في الصومال وكينيا والقاعدة في جنوب آسيا وآسيا الوسطى والقوقاز واليمن ومنطقة الساحل تزعزع استقرار الحكومات وتقتل المدنيين وتغرس التطرف في السكان المحليين.

وتستخدم هذه الجماعات الجهادية التكتيكات الإرهابية المروعة بينما هي تسعى إلى السيطرة على أراضيها، وغالبًا ما تمزج الأساليب الوحشية مع التوعية السياسية أو الاجتماعية الماكرة. كما أن بعضها يطرح نفسه كبدائل للدولة الفاسدة والظالمة، ويوفر السلع العامة الأساسية - وخاصة الأمن والعدالة – عندما تفشل الحكومة في القيام بذلك. والقليل من الحروب التي يخوضونها تكون في البداية مدفوعة من قبل الجهاد الدولي.

دروس مستفادة

وبوضوح؛ فإن هذه المشاكل المتنوعة لا تناسبها وصفة طبية عامة. فالحلول تتطلب فهمًا دقيقًا لكل صراع ودوافعه وأبطاله، بالإضافة إلى دوافع أبطاله ومصالحهم. وتحتاج أي استجابة أن تكون متسقة مع السياق. ولكن يمكننا أن نقدم بعض الأفكار العامة المستقاة من العام الماضي.

أولاً: افتقر العام الماضي في كثير من الأحيان إلى سياسة استراتيجية سياسية. وهذا ينطبق بشكل كبير على الحملة الأمريكية ضد «الدولة الإسلامية» كما هو الحال في نيجيريا ضد «بوكوحرام». والعمل العسكري لا يؤدي الدور الكامل عندما يعمل بمفرده، لكنه غالبًا ما يطيل الدوافع الكامنة وراء الصراع، مثل عدم المساواة في السلطة والتخلف واستبداد الدولة وسياسيات الهوية وهكذا دواليك. إن ما يبقي الدول مع بعضها هي التسويات السياسية، ويتطلب إنهاء الحروب أو تجنب الأزمات عملية تقود نحو تحقيق ذلك.

ثانيًا: الحوار قد يكون هو الطريق في كثير من الأحيان. فمن أبرز النقاط المضيئة في هذا العام؛ الملف النووي الإيراني، ومحادثات السلام في كولومبيا، والانتقال في تونس، والعلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا؛ وهي جميعها تُظهر قيمة الحوار، حتى وإن كانت تسبب إحراجًا أو لا تحظى بالشعبية. بالطبع هناك مخاطر؛ ولا سيما في التحدث إلى مجموعات ذات أجندات إقصائية أو أن الدوافع الإجرامية تفوق نظيراتها السياسية. كل ما في الأمر أن صانعي السياسة بحاجة إلى مرونة أكثر، وتجنب التصريحات المتعصبة حول من يمكنهم أو لا يمكنهم التحدث معه، ومتى تكون القوة ضرورية.

ثالثًا: ينبغي أن يكون هناك شمولية سياسية في كثير من الأحيان كمبدأ توجيهي بالنسبة لقادة اليوم. ومع مرور الوقت؛ فإن هذا يعني بناء مؤسسات تمثيلية وفاعلة تحمي جميع المواطنين. وفي البلدان الهشة؛ فإن الاندفاع نحو انتخابات تتيح للفائز الإضرار بالخاسر هو أمر خطير. الإقصاء هو المحرك الرئيسي في العديد من حروب اليوم؛ حيث إن كل مجموعة رئيسية تسعى لحماية مصالحها.

رابعًا: أفضل شيء هو منع الأزمات بدلاً من محاولة احتوائها في وقت لاحق. وهذا يعني – على سبيل المثال - التدخل قبل أن تكتسب الصراعات المحلية بعدًا جهاديًا. وهو ما يعني معالجة شكاوى المجتمعات قبل أن تضطر إلى حمل السلاح وتتعقد الأمور.

ومن الأهمية بمكان أن يكون هناك دعمٌ لتلك الدول في المناطق المضطربة والتي هي مستقرة إلى حد ما أو على الأقل لم تنهار بعد. وهذا يعني التأكد من أن المساعدات العسكرية المؤكدة لا ترسخ أقدام الحكام وتطيل العادات السيئة. كما أنه في الوقت ذاته يعني المزيد من الحذر في الدعوة إلى تغيير النظام، وبدلاً منه الضغط المتواصل على القادة نحو سياسات أكثر شمولاً، وتوفير أفضل للسلع والخدمات العامة الأساسية، ومعالجة الفساد، وتحسين العلاقات مع دول الجوار. لا يوجد شيء من هذا سهل لا سيما عند النظر إلى العديد من الأزمات التي تشغل زعماء العالم، ولكنه أفضل بكثير من لملمة ما يتبقى بعد ذلك. وستكون النتائج كارثية إذا انهارت قدرة إدارة الأزمات في مناطق مثل آسيا الوسطى أو الخليج  على سبيل المثال.

في الجزء الثاني من هذا التقرير سنتناول الصراعات العشرة الأهم التي تنتظر أن تصعد إلى دائرة الضوء خلال عام 2014، وفقاً لتقديرات مجلة «فورين بوليسي».

المصدر | فورين بوليسي - جان ماري جيهينو

  كلمات مفتاحية

صراعات وأزمات

«فورين بوليسي»: الصراعات والأزمات التي سيواجهها العالم خلال العام المقبل «2-2»

«تايم»: «الدولة الإسلامية» وأسعار النفط مخاطر جيوسياسية لا ينبغي الخوف منها في 2015

2015 في عيون «ستراتفور» (1\2): تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

2015 في عيون «ستراتفور» (2\2): الخليج إلى الأمام .. اليمن مشتعل .. و«السيسي» في مواجهة الجهاديين