«فورين بوليسي»: الصراعات والأزمات التي سيواجهها العالم خلال العام المقبل «2-2»

الأحد 4 يناير 2015 07:01 ص

في الجزء الأول من هذا المقال، تناولنا بإيجاز أهم الخطوط والدروس العامة التي يخبرنا بها العام 2014 حول أخطاء القوى الكبرى في إدارة الصراعات العنيفة والغير متوقعة التي تفجرت خلال العام، في هذا الجزء سنفرد قائمة بأهم الصراعات التي يتوقع تفجرها خلال العام الحالي.

بالنسبة للقائمة أدناه فإنها عشوائية كأي قائمة أخرى. وتتضمن القائمة أشد المناطق اشتعالاً. وقمنا بحذف السودان - على سبيل المثال - والتي لا تزال تستعر الحروب في محيطها بشكل متزايد؛ نظرا لتوقف الإصلاح في الخرطوم. كما لم تشمل مستويات غير عادية من العنف المرتبط بالاتجار بالمخدرات في المكسيك وأجزاء من أمريكا الوسطى. كما لا يظهر الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هنا والذي من المنتظر أن يشتعل مجددًا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس أو حتى إسرائيل نفسها. وباكستان أيضًا خارج قائمة هذا العام للمرة الثانية على التوالي وإن كان الهجوم المروع في بيشاور في ديسمبر يُظهر أنها لا تزال تواجه تهديدات متعددة متشابكة؛  سواءً من الجهاديين أو العنف الطائفي في المناطق الحضرية أو جيشها الذي لا يعرف للهدوء طعمًا.

مع أخذ هذه المؤهلات في الاعتبار، فإنّ هناك عشرة حروب عليك أن تنتظرها في العام الجديد:

1. سوريا والعراق والدولة الإسلامية

 أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية» محل التركيز الأساسي للسياسات الإقليمية منذ سيطرته على مناطق واسعة في شمال العراق يونيو الماضي. ولكن نجاح التنظيم هو عَرَض من أعراض مشاكل أعمق غير قابلة للحل بالطريقة العسكرية، وتشمل هذه الأعراض الحكومات الطائفية في سوريا والعراق، والاستراتيجيات العسكرية التي تعتمد على المليشيات التي تضم السكان المحليين إلى خطها المتشدد، وانحسار القوى السنية السائدة.

وفي الفترة التي سبقت الانتخابات العراقية في شهر إبريل، انتهج رئيس الوزراء آنذاك «نوري المالكي» مسار الرئيس السوري بشار الأسد من خلال استخدام فزاعة التهديد الجهادي لحشد قاعدته الشيعية وكسب الدعم الدولي من خلال تقديم نفسه حصنًا منيعًا ضد الإرهاب. وكانت تكتيكاته ناجحة بقدر ما كانت ضارة؛ فقد فاز في الانتخابات لكن على حساب إقصاء معظم السنة في البلاد.

وفي الوقت الذي تمنى فيه الكثير من العراقيين والساسة الأمريكيين أن تكون الإطاحة بالمالكي لصالح «حيدر العبادي» بمثابة تعبيد الطريق لحكم أكثر شمولية، فقد مُني الجميع بخيبة أمل حتى الآن. وما زالت القوات الشيعية التابعة لإيران تؤثر على عملية صنع القرار في بغداد. وفي الوقت نفسه؛ فإنه على الرغم من تحفيز الحرب ضد «الدولة الإسلامية» للتقارب الناشئ بين حكومة إقليم كردستان وبغداد، إلا إن الدعم الغربي للفصائل الكردية أضحى يغذي التوترات داخل العراق والمنافسات الكردية الداخلية.

وتسببت الحملة الجوية الأمريكية ضد «الدولة الإسلامية» في تباطؤ حركتها وخفض تقدمها إلى حد ما. ومع ذلك؛ فإن الديناميكيات الواسعة للصراع على كلا الجانبين من الحدود السورية العراقية تميل تدريجيًا إلى صالح «الدولة الإسلامية»، في الوقت الذي تعلن المجموعة أنها الخصم الجاد الوحيد لنظام الأسد – المستفيد من الضربات الجوية الأمريكية - والمدافع الحقيقي الوحيد عن المصالح السنية في العراق وسوريا.

وتستمر القدرة القتالية والروح المعنوية للمعارضة السورية المسلحة المدعومة من الغرب في التراجع. وأجبرت «جبهة النصرة» - التابعة لتنظيم «القاعدة» - بالفعل الفصائل الأكثر اعتدالاً على مغادرة محافظة إدلب التي كان يسيطر عليها المتمردون، بينما يواصل نظام الأسد خطواته الواثقة لسحق تلك الفصائل عسكريًا. ولا تزال المجموعات المدعومة من الغرب هي اللاعب الرئيسي في حلب، ولكنها في الوقت ذاته تحارب لمنع تطويق النظام لها في الوقت الذي تسدّ فيه «الدولة الإسلامية»عليها الطريق في الريف المجاور. وتعني هزيمة المتمردين أنه لا بقاء لقوات غير جهادية في الشمال ككل، وربما يكون ذلك سببًا في استحالة نهاية النزاع عبر وساطة. الحفاظ على إمكانية وجود عملية سلام في المستقبل هو أمر ضروري.

2. أوكرانيا

وعلى الرغم من أن أزمة أوكرانيا ليست الأعنف فى العالم لكنها ضربت العلاقات بين روسيا والغرب ودفعتها نحو الأسوأ. وسقط ما يزيد على خمسة آلاف قتيل في شرق أوكرانيا منذ بدء الصراع في مارس الماضي؛ منهم حوالي ألف بعد إعلان وقف إطلاق النار في 5 سبتمبر. ويفاقم دخول فصل الشتاء من حدة الأزمة؛ حيث إن السكان في المناطق التي يسيطر الانفصاليون الشرقيون من «دونيتسك ولوهانسك» لن يجدوا سوى القليل من احتياجات التدفئة أو الطب أو الغذاء أو المال بسسب نقص المعروض الذي أحدثه انهيار الاقتصاد المحلي وتشديد الخناق المالي من كييف. وقام الانفصاليون بإنشاء مؤسسات حكومية تؤدي دورها في خدمة المواطنين لكن ينقصها العمالة المدربة، ولن تكون قادرة على التعامل مع أي حالة طواريء إنسانية من دون مساعدة.

هناك بصيص من الأمل. فعلى الرغم من مواصلة موسكو دعم الجمهوريات الانفصالية الصغيرة التي تم إنشاؤها في أجزاء من دونيتسك ولوهانسك، إلا إن حماستها تجاه الانفصاليين في تضاؤل مستمر. إنها لم تعترف بهم، وتؤكد الآن صراحة أن مستقبلهم يكمن داخل حدود أوكرانيا.

وعلى المدى القصير؛ فإن المهام الرئيسية للمجتمع الدولي هي الفصل بين الأطراف المتحاربة، وتشجيع كييف للوصول إلى المواطنين في الشرق، ووضع الحدود الأوكرانية الروسية تحت سيطرة المراقبين الدوليين بالكامل، وتحويل الصراع تدريجيًا من مواجهة مسلحة إلى مفاوضات سياسية. ظهور صراع مجمد آخر على أطراف أوروبا لا يزال من الممكن تجنبه بقليل من الحظ مع كثير من الجهد وسياسة تجاه موسكو تجمع بين ضغط متواصل مع حوافز محتملة لنزع فتيل الأزمة.

3. جنوب السودان

ويدخل جنوب السودان عامه الثاني من حرب أهلية وحشية تبدو من معالمها في الوقت الراهن أنها ستصبح أشد وطيسًا.

وانفجرت في ديسمبر الماضي النزاعات المستعرة منذ فترة طويلة داخل الحزب الحاكم والجيش إلى حرب بين القوات الموالية للرئيس «سلفا كير» والموالية لنائبه السابق «رياك مشار». وانقسمت الحاميات العسكرية – في معظم الأحيان - على أسس عرقية عنيفة. وسرعان ما خرجت الاشتباكات خارج نطاق العاصمة لتدمر المدن الكبرى والبنية التحتية للنفط. وتقاتل القوات الأوغندية والمتمردين السودانيين جنبًا إلى جنب مع القوات الحكومية، وامتدت الحرب إلى الدول المجاورة مهددة بمزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة مضطربة بالفعل. وتدمر الحكومة المستقبل المالي للبلاد لدفع ثمن الحرب تاركة إياها على حافة الإفلاس.

وتشير بعض التقديرات إلى أن الحرب خلّفت حوالي50 ألف قتيل، وما يقرب من مليوني نازح. ونجحت المنظمات الإنسانية في تجنب حدوث مجاعة لكنها تواجه عداءًا كبيرًا. ومن المتوقع أن يجلب نهاية موسم الأمطار في ديسمبر مزيدًا من العنف.

ولم تنجح الجهود المبذولة في وضع نهاية للحرب. وتولت الهيئة الحكومية للتنمية بدول شرق إفريقيا (إيغاد) زمام المبادرة في جهود الوساطة، ولكن من دون تأثير يُذكر. ويتم انتهاك وقف إطلاق النار باستمرار. ولا تستطيع الولايات المتحدة ولا الصين إلقاء ثقلهما الكامل وراء عملية السلام لأن الجماعات المسلحة مُنقسمة ومفككة، والكثير منها الآن خرج عن سيطرة كير ومشار، ما يؤجج الصراعات الثانوية التي تتطور في ظل الحرب الأهلية.

كيف يمكن للعالم أن يوقف هذا النزيف؟ مجلس الأمن الدولي - وخاصة الولايات المتحدة والصين التي تحافظ على علاقات وثيقة مع القوى الإقليمية – بحاجة إلى تدخل أكثر فاعلية. وإذا تمت مراقبة الحظر المفروض على الأسلحة بالشكل المطلوب فسيكون ذلك أكثر تأثيرًا على جميع الاطراف. بذل ضغوط أمريكية على أوغندا إلى جانب الضغوط الصينية على السودان بالتزامن مع الضغط المحلي والإقليمي على كير ومشار من شأنه أن يكسر الجمود. كما ينبغي عدم تجاهل آلية تضمن أن عائدات النفط لا تؤجج الصراع بالتزامن مع الضغط على خطوط إمداد المعارضة. ويتعين على الوسطاء أيضا توسيع الحوار مع الجماعات المسلحة والمتشددين في جميع أنحاء البلاد.

جنوب السودان من بين أخطر الأزمات في العالم. ورغم ذلك؛ فإنه خلافًا لما يحدث في سوريا وأوكرانيا فإن هناك قدر أكبر من الأمل لعمل دولي مُنسق؛ حيث إنه لا يوجد انقسام بشأن القضية في مجلس الأمن الدولي. وفي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة الانقسام، فقد حان الوقت للقوى الكبرى أن تُحدث التوازن بشكل أقوى.

4. نيجيريا

وتواجه نيجيريا عاصفة في عام 2015م. أولاً: تمرد وحشي من قبل الحركة الاسلامية «بوكو حرام» التي تواصل تخريب أجزاء من الشمال؛ وخصوصًا منطقة الشمال الشرقي الأشد بؤسًا. واستولت الحركة على مزيد من الآراضي هذا الصيف، ومنذ ذلك الحين امتدت هجماتها إلى الكاميرون المجاورة، وقد تصل إلى النيجر وتشاد. وفي عامها الخامس لا تظهر الحركة أي علامة على التراجع، وقد خلّف الصراع أكثر من 13 ألف قتيل وتشريد ما يزيد على 800 ألف شخص.

وقد اعتمدت استجابة الرئيس «جودلاك جوناثان» إلى حد كبير على التدابير العسكرية. وفي الوقت الذي حققت حملاته بعض الانتصارات، فإنها لم تنجح في دحر التمرد، وخلقت في بعض الأحيان المزيد من الأعداء للحكومة؛ وكانت العمليات الحكومية مفتقرة إلى البراعة واتسمت بالعشوائية، فضلاً عن تورط قوات الأمن والمليشيات المحلية المتحالفة معها في عمليات قتل وتعذيب خارج نطاق القضاء. وقد أدت الخسائر الكبيرة في بعض المعارك إلى رفض الجنود القتال أو الفرار من وحداتهم.

ثانيا: أضعف الانخفاض العالمي في أسعار النفط الحكومة؛ والتي تعتمد على مبيعات النفط الخام في توفير نحو 70% من دخلها. وخلال نوفمبر وديسمبر من عام 2014؛ خفضت نيجيريا سعر النفط مرتين لضبط ميزانيتها، في الوقت الذي تعهدت فيه بعدم اللجوء إلى تدابير تضخمية. كما تراجعت قيمة النيرة النيجيرية للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.

ثالثًا: يمكن أيضًا للانتخابات المقرر إجراؤها في فبراير 2015 أن تزيد من زعزعة استقرار البلاد؛ حيث إن الانتخابات في نيجيريا دائمًا ما تكون حامية الوطيس، ولكن فرص العنف هذه المرة مرتفعة بشكل استثنائي. ولأول مرة منذ عودة الحكم المدني عام 1999، يواجه حزب الشعب الديمقراطي الحاكم تحديًا حقيقيًا بعد توحد المعارضة «المؤتمر التقدمي الشامل» خلف مرشح رئاسي واحد هو الجنرال المتقاعد «محمدو بوهاري»، الذي سينافس الرئيس جوناثان.

وكما هو الحال مع الانتخابات السابقة؛ فإن الحملات الانتخابية والتصويت ستؤدي من المؤكد إلى عنف يغطي أنحاء الدولة. وأيًا كانت النتائج فالأمر يدعو للقلق كما حدث عام 2011م. إذا خسر «بوهاري»؛ فسينزل الغوغاء إلى الشوارع في المدن الشمالية، بينما تستعد بوكوحرام لسفك مزيد من الدماء. وإذا خسر «جوناثان»؛ فإن أنصاره في دلتا هددوا بالفعل بإشعال العنف هناك.

5. الصومال

في الوقت الذي أسفرت فيه العمليات المشتركة التي تنفذها قوات الاتحاد الأفريقي والجيش الصومالي عن مكاسب مثيرة للإعجاب ضد حركة الشباب، إلا إن الحكومة الاتحادية لا تُمسك بزمام الأمور. ورغم وجود دستور اتحادي مؤقت، إلا إن حدة التوتر بين الرئيس ورئيس الوزراء تطورت إلى صراع سيئ أواخر عام 2014، ما أسفر عن الاطاحة بالأخير. ويهدد الخلاف السياسي على المستويين الاتحادي والإقليمي الآن خطة الحكومة إجراء انتخابات واستفتاء على الدستور بحلول عام 2016م.

ورغم أن الكثير من المناطق تخضع اسميًا لسيطرة الحكومة المركزية، إلا إن الواقع يشير إلى النفوذ الكبير للعشائر المسلحة المحلية. الهدفان الرئيسيان المتمثلان في تشكيل دولة اتحادية وإجراء انتخابات وطنية من المرجح أن يتسببا في مزيد من الصراعات. وفي هذه البيئة؛ ستحارب بعثة الاتحاد الإفريقي من أجل الحفاظ على حيادها. ولا تزال حركة «الشباب» قادرة على شن عملياتها داخليًا وخارجيا – امتدت عملياتها إلى كينيا - رغم مقتل زعيمها وتكبدها الكثير من الخسائر نتيجة غارات الطائرة الأمريكية بدون طيار في سبتمبر.

ويحتاج أصحاب المصلحة في الصومال – داخليًا وخارجيًا – إلى تحويل أولوياتهم لتتماشى مع التحديات التي تواجهها البلاد. كما ينبغي التركيز على الاستقرار المحلي وإنشاء المؤسسات السياسية الشعبية، علاوة على إجراء الانتخابات المحلية قبل الانتخابات الوطنية لتشجيع الجهات المانحة مواصلة دعمها للحكومة.

6. جمهورية الكونغو الديمقراطية

لقد بدد العام الماضي الكثير من الآمال التي أثارها التقدم في جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال عام 2013م

لقد تعثرت الإصلاحات التي وعد بها الرئيس «جوزيف كابيلا»؛ وخاصة فيما يتعلق بقطاع الأمن. وفي الوقت الذي شهد فيه عام 2013 هزيمة «حركة 23 مارس» – المليشات المدعومة من رواندا – على يد القوات الكونغولية ولواء التدخل السريع التابع للأمم المتحدة، فإن الجهود المبذولة لتسريح المليشيات الأخرى تعثرت. وشنت القوات الكونغولية عمليات ضد تحالف القوى الديمقراطية من أجل تحرير الكونغو، ولكن لا تزال قيادتها مستمرة على نطاق واسع والمقاتلون المتحدون يواصلون ذبح القرويين في منطقة عملياتها.

ولا تقل المشكلات في الكونغو عن نظيراتها في نيجيريا حتى مع ترقب الانتخابات المقبلة التي من المتوقع ألا تفعل شيئًا لبلد هشّ.

7. أفغانستان

شهدت أفغانستان للمرة الأولى في تاريخها تداول سلمي إلى حد كبير في السلطة خلال العام المنصرم؛ حيث ترك الرئيس الافغاني «حامد كرزاي» منصبه، وأدى اليمين الدستورية «أشرف غاني» خلفا له، وحلّ في مركز الوصيف في الانتخابات «عبد الله عبد الله» وتم عقد اتفاق تقاسم للسلطة بين الكتلتين.

وتقع الحكومة الحالية تحت براثن خطرين مُحدقين؛ أولهما خطر حركة طالبان التي يزداد تمردها يومًا تلو الآخر رغم توقيع غاني على اتفاق مع الولايات المتحدة يمهد الطريق لــ 12 ألف جندي – غالبيتهم أمريكيين – للبقاء في البلاد العام الجديد للقيام بمهام مكافحة الإرهاب، وتقديم المشورة والتدريب للقوات المحلية الموجودة على خط النار مع طالبان.

ثانيهما؛ الخلاف مع معسكر «عبدالله عبدالله» بشأن تقاسم السلطة؛ حيث إن العلاقات بين المعسكرين ما تزال متوترة، ولم يتفقا بعد على المناصب الرئيسية في الوزارة، وتفتقد عملية تقاسم السلطة إلى آليات حل الخلافات.

8. اليمن

تعطلت العملية الانتقالية، وسقطت العملية السياسية ضحية التنافس بين النخبة، وتحول ميزان القوى لصالح الحوثيين الذين اجتاحوا معظم أنحاء البلاد من معقلهم الشمالي الغربي، بالإضافة إلى وجود حركة انفصالية في الجنوب. وتدهورت الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وفُقدت الثقة في الدولة والرئيس «عبد ربه منصور هادي» كوسيط نزيه بين الفصائل.

وسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م بعد استغلال دعم جبهة مُحبطة من الركود السياسي. وتمّ الاتفاق على خطة لتعيين حكومة جديدة، واتفاق السلام والشراكة الوطنية، ولكن سرعان ما انتهكته المليشيات الحوثية التي أحكمت قبضتها على العاصمة ووسعت نطاق سيطرتها الإقليمية جنوبًا وغربًا في معقل السنة، بالإضافة إلى المنطقة المنتجة للنفط في مأرب.

وفي الوقت الذي لا يمتلك فيه اليمن تاريخًا من العنف الطائفي، إلا إن الدلائل تشير أن هناك واحد في الأفق. وأدى استيلاء الحوثيين على السلطة إلى مزيد من الصراع مع «التجمع اليمني للإصلاح» وكذلك مع «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية». وأثار زحف الحوثيين المخاوف في الجنوب من عرقلة الحكم الذاتي الفيدرالي الذي نوقش عقب الإطاحة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح.

وسارعت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي للتوفيق بين الأطراف بعد اضطرابات 2011م. كما دعم السعوديون اليمن بمليارات الدولارات لدعم الموازنة العامة للدولة. ولكن بعد دخول الحوثيين صنعاء أوقفت السعودية دعمها نظرًا لسيطرة الحوثيين الذين تصفهم بوكلاء إيران. اليمن على شفا حافة الانهيار بعد أن أوقفت السعودية تشجيع الدعم وسحبت الدعم المالي. ولمنع حدوث ذلك؛ ينبغي على إيران و السعودية – اللذان يملكان عدوا مشتركا هناك هو تنظيم القاعدة - أن يتعاونا بدلاً من السماح بانزلاق اليمن إلى حرب أخرى بالوكالة.

وجاء تدخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بنتائج عكسية؛ حيث تسببت عقوباته التي فرضها على بعض الأفراد والكيانات في إضعاف المؤتمر الوطني للحوار بعد أن انسحب بعض المشاركين فيه نتيجة لتلك العقوبات، كما سعى «صالح» ومؤيدوه إلى إزاحة «هادي» عن رئاسة حزب المرتمر الشعبي العام، ورحب الحوثيون بالعقوبات التي اعتبروها وسام شرف. لكن على أية حال؛ فإنه من غير المحتمل أن يقوم أحد هذه الأطراف بتبني حل وسط في وقت قريب.

9. ليبيا

لقد خرجت العملية الانتقالية في ليبيا عن القضبان هي الأخرى، ما ترتب على ذلك من تدفق الفوضى عبر حدودها. وقد تمخض الجمود السياسي عن مجلسين تشريعيين؛ برلمان معترف بها دوليًا في طبرق والمؤتمر الوطني العام الذي يهيمن عليه الإسلاميون في طرابلس. ولم تعد الحكومة الليبية تمتلك أي سلطة حقيقية، وانهارت الثقة في مؤسسات الدولة. وتعكس اغتيالات المسئولين ومحاولات الانقلاب بقيادة الجنرال «حفتر» المناهض للإسلاميين في البلاد حالة الاستقطاب الإقليمي. ولا تكمن أزمة البلاد في الانقسامات المعقدة بين الإسلاميين ومناهضيهم، بل تشمل أيضًا الصراعات على الثروة النفطية والغاز، والتنافس بين المليشيات والقبائل، والمصالح المتضاربة بين قوى أجنبية، وخلافات حول كيفية تنظيم دولة ما بعد القذافي والتي جميعها تهدد بتمزيق البلاد.

ما يحدث في ليبيا ليس مشكلة لها وحدها ولكنها تمتد لجيرانها. ويفسر تدفق الأسلحة والمرتزقة إلى حد ما انهيار دولة مالي في عام 2012م عندما سيطر المتمردون الطوارق والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة على الشمال وأسقطوا حكومة باماكو بانقلاب عسكري. ونجحت العملية الفرنسية في صدّ الجهاديين، ولكن الكثير لا يزال يقطن الصحراء أو المجتمعات المحلية النائية. كما ازداد النشاط الإرهابي في النيجر مثله مثل مالي، وتكافح السلطات لبسط سيطرتها على الصحراء الشاسعة في ظل تعقّد جهودهم بسبب الصراعات الإقليمية؛ لا سيما بين الجزائر والمغرب.

وبجانب تلك الحالة من انعدام الأمن الإقليمي فقد ترددت أصداء انقسامات شديدة في الجنوب الليبي. وشهدت منطقة «فزان» المهملة في الجنوب الغربي تدفق المقاتلين الطوارق؛ بما في ذلك الإسلاميين المتشددين، وأصبحت ملاذًا للجماعات المتطرفة.

ويظهر قادة ليبيا عاجزين عن وقف تفكك البلاد. وكبحت التدخلات من قبل فرنسا والولايات المتحدة تقدم الجهاديين في منطقة الساحل. ولكن الجهود العسكرية تحتاج لأن يرافقها سياسة شاملة وتنمية اجتماعية واقتصادية لازمة لتحقيق الاستقرار الحقيقي. وحتى الآن؛ تقبع الاستراتيجيات السياسية بشكل سيئ وراء العمليات العسكرية.

10. فنزويلا

أمّا الحرب العاشرة المُنتظر حدوثها خلال العام الجديد فهي الحرب داخل فنزويلا بسبب موجة الاحتجاجات الأخيرة ضد السلطة. ورغم أن الأزمة سكنت في عام 2014م، وعاد الهدوء لشوارع كاراكاس، إلا إن الأسباب وراء الأزمة لم تنتهي، وفنزويلا مُعرضة لنوبة جديدة من عدم الاستقرار هذا العام.

وتواجه حكومة الرئيس «نيكولاس مادورو» أزمة الاقتصادية تفاقمت نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط؛ حيث تعتمد فنزويلا في 96% من عائداتها على صادرات النفط. وقد كانت البلاد بطبيعة الحال في وضع مزري حتى قبل انخفاض أسعار النفط؛ حيث يعاني البلد بالفعل من ارتفاع التضخم وندرة الغذاء والدواء والسلع الأساسية الأخرى، وانهيار الخدمات العامة، فضلاً عن كونها واحدة من أعلى معدلات الجريمة العنيفة في العالم.

المصدر | فورين بوليسي - جان ماري جيهينو

  كلمات مفتاحية

الصراعات 2015 ليبيا اليمن سوريا العراق الدولة الإسلامية

«فورين بوليسي»: الصراعات والأزمات التي سيواجهها العالم خلال العام المقبل «1-2»

«تايم»: «الدولة الإسلامية» وأسعار النفط مخاطر جيوسياسية لا ينبغي الخوف منها في 2015

2015 في عيون «ستراتفور» (1\2): تقارب أمريكي إيراني .. و«الدولة» مستمرة .. وتركيا مهددة بالعزلة

2015 في عيون «ستراتفور» (2\2): الخليج إلى الأمام .. اليمن مشتعل .. و«السيسي» في مواجهة الجهاديين