المجتمعات الخليجية بين الاستهلاك والثقافة

الاثنين 5 يناير 2015 06:01 ص

تشكل الثقافة في بعض أشكالها السلبية عائقاً ومشكلة أمام النهوض والتنمية ، فليس كل ثقافة يمكن وصفها بأنها إحيائية وباعثة ؛ وبتتبع مسيرة ثقافة الاستهلاك في الخليج يفجعنا أنها بدلاً من أن تكون سبباً رئيساً لتنمية المجتمع العربي الخليجي، فقد أسهمت في عكس أولوياته، وصار الإنتاج في ذيلها مقابل تصاعد الاستهلاك والاستيراد لحدود تشكل خطراً على التوازن الطبيعي ، وإذ تشكل روح الإنتاج والاعتماد الذاتي سمة أساسية للمجتمعات الحاضرة في التأثير العالمي؛ كان المجتمع الخليجي أيضاً فيما قبل اكتشاف النفط حريصاً على التحصيل والثقافة وتطوير القدرات مع تواضع إمكاناته حينها.

 وحسب الباحث «أحمد مجدي» المتابع لحالة الديمقراطية في العالم العربي، فإن الاستهلاك يرتبط بالعولمة ، ففى ظل هذا المناخ العالمى غير المتوازن تحولت سلوكيات البشر - خاصة فى الجزء السفلي من «القرية الكونية» - إلى أفعال تميل بصورة كبرى نحو الوجدان والعاطفة التلقائية فى التعامل مع السلع المعروضة أو المعلن عنها، حيث ينزع المتلقى (المستهلك) نحو الرغبة فى الامتلاك، والارتباط العاطفى بالسلعة دون إدراك أو وعى بمدى حاجته إلى تلك السلعة.

نزعة استهلاكية

 وعليه تبدلت قيم العمل والإنتاج وتحولت إلى قيم استهلاكية تنزع نحو الرغبة فى التملك أو ما يعرف بـ«النزعة الاستهلاكية»، حيث تخلق رموزا ومعانى تثير التعطش إلى الاستهلاك والجوع إلى المتعة فى التملك، وهنا يصبح امتلاك السلعة هو هدف فى حد ذاته يضفى على الفرد مكانة ومركزا اجتماعيا يصنعه لنفسه أو يتوقعه من الآخرين داخل الجماعة التى ينتمى إليها. لقد تشكلت نزعات استهلاكية ترفيهية، وهرول الناس نحو الأسواق، أو هرولت الأسواق إليهم، وأضحى التسوق فى حد ذاته هدفا يسعى إليه أفراد بعض المجتمعات، راغبين فى الحصول على ما يتم الإعلان عنه، مترقبين بشغف الحصول على السلع التى يعلن عن اقتراب موعد طرحها في الأسواق.

والسؤال المثار، كيف يحدث ذلك وكيف تتحول ثقافة الإنتاج، فى مجتمعاتنا العربية، إلى ثقافة استهلاكية تتسم بمتعة التسوق ونزعة الامتلاك؟ ومن المستفيد من نشر ثقافة الاستهلاك فى تلك الدول؟ وماذا حدث فى الواقع العربى من تغيرات شملت كافة الأنساق الاجتماعية رغم التباينات بينها؟ وما موقفنا من قضايا الإنتاج والاستهلاك والتنمية والتحديث وكيف نواجه تحديات الاستهلاك الترفى فى ظل عالم غير متوازن يدعم من ثقافة الاستهلاك ويعممها على كافة الشرائح الاجتماعية؟

للإجابة عن التساؤلات المطروحة، والتى تعبر عن إشكاليات مثارة يعانى منها أبناء شعوب العالم، وعلى الأخص فى الدول العربية ومثيلاتها، أو ما يحلو للبعض تسميتها بمصطلح «أشباه الدول»، رأينا أهمية تحليل ظاهرة تنامى الاستهلاك فى ظل عالمنا المعاصر والتى تعكس سيادة ثقافة من نوع جديد تأثرت بها الشعوب العربية قاطبة، هى نزعة نحو الاستهلاك التفاخرى أو الترفى، فى علاقتها بقضايا التنمية والتحديث فى واقعنا العربى، باعتبارها نوعا من الثقافة المصاحبة للعملية الاستهلاكية تضفى عليها دلالات ومعان تخترق نمط الحياة اليومية وتتأصل فى ثقافة المواطن بل تحدد مكانته ومركزه الاجتماعى بين أبناء المجتمع الذي ينتمى إليه.

دور المثقف

ويُتهم مثقفو عصر النفط بمجاراة ثقافة الاستهلاك السائدة ؛ فتقول الكاتبة السعودية «ثريا الشهري» أن «مثقفي بلاد النفط يقع على عاتقهم جزء كبير من مسؤولية هذه الأزمة الإستهلاكية، فكم يا ترى أنتجوا لبلادهم من الأبحاث والدراسات المدركة للواقع بشكل نقدي هادف؟، وكم قدموا من إنتاج أدبي أو فني يدعو إلى تحفيز بذرة التساؤل والتفكير لدى المتلقي؟».

وتضيف قائلة: «إن الإنتاجية تعني أن تكون مشاركاً لغيرك في عمليات التبادل، إن قدم لك ابتكاراً قدمت له اختراعاً، وإن أبدع لك فناً، أبدعت له فكراً، مع مراعاة التقيد في البعد عن الطابع السلبي الذي من شأنه حماية المجتمع من مظاهر الثقافة الرخيصة، فالرواية التي تمس قضايا النفس والمجتمع لا تقارن بتلك المحرضة على الجهل المعرفي والاخلاقي، أو المحشوة بحوداث المبالغة في الضحك والتهريج البعيد عن الترفيه بمعناه الحضاري، التي لا يسفر عنها إلا ضياع الجهد والوقت، وأحياناً العقل».

 ونحن إذ سمعنا عن أمة سعت لتحقيق اكتفائها الذاتي، علمنا أنها قد قررت أن تزيد من قدرتها الإنتاجية والتخفيف من ترفها الإستهلاكي، ومع هذا، وكما كرر غاندي في قوله «ان الإنسان لا يملك إمكانية تحقيق الممكنات كلها»، فليس من المتوقع أن تتحرر«بالكلية» مجتمعات استهلاكية ألفت وضعاً اتكالياً إلى آخر مستقل مادياً وفكرياً، ولكن إن حدث وجاء من يريد أن يتجاوز هذا الامتداد المستهلك في قالب لا يخلو من مظاهر الاستقلال عنه، فليس أنفع لهذه الحركة الإنمائية من وعي ثقافي اجتماعي يصاحبه إيمان مواطنيه، واقتناعهم بالخطوة فيعطونها من كدهم وإخلاصهم وحماسهم، فالتقدم على صعيد الإنتاج إنما يكون هكذا ..المهم أن نبدأ.

نموذج لبادرة ثقافية خليجية

ويقدم الكاتب «شوقي بزيع» فكرة لعمل برنامج تحت مسمى «على خطى العرب»، يهدف إلى إحياء التراث المكاني للثقافة العربية للتأكد من كون «الدخول» و«حومل» ليسا تضاريس عابرة ذرتها رياح الماضي، ولا أماكن متوهمة وماثلة في الأساطير وحدها، بل هما شاهدان أبديان على أكثر معلقات العرب شهرة وذيوعاً، فالربوع التي سكنها الشعراء، قبل الإسلام وبعده بقليل، قد باتت نزيلة الأحلام وحدها والجيولوجيا الصحراوية المتبدلة جعلتها أثراً بعد عين،  وربما، إضافة إلى ذلك، تكون أسماء الأماكن نفسها قد تغيرت عبر القرون .

فكرة برنامج «على خطى العرب»، بما تحمله من جرأة وابتكار والتفاتة إلى كنوز الماضي، ينبغي أن تحمل وزارتي الثقافة والسياحة في المملكة العربية السعودية على إخراج أماكن الشعراء الأقدمين من المجهول، وتحويلها إلى متاحف ومزارات ومعالم حضارية يقصدها السياح وعشاق الأدب والشعر من كل حدب وصوب . وإذا كان «سوق عكاظ» الشهير قد انبعث إلى الحياة من جديد، وتم تسليط الضوء على موقعه الجغرافي الذي يحتضن منذ سنوات مهرجاناً للشعر والفن، فإن أماكن كثيرة في الخليج والعالم تنتظر مبادرات مماثلة لإخراجها من العتمة.

الإعلام العربي وجدلية الربح والثقافة

تبدو الثقافة والفنون على أنواعها في صدارة اهتمامات الإعلام العربي، وبخاصة المرئي منه ،لكن يبدو معظم الفضائيات العربية تنشغل  في استدراج عروض مدرة للربح المادي، بصرف النظر عن مستوى البرامج التي تقدمها . لم تعد ثمة فسحة للمعرفة أو لتنمية الذائقة الأدبية والفنية وسط غثاء البرامج السقيمة التي تتوزع بين اللعب على الغرائز والفكاهة السمجة والخالية من الذكاء . هكذا يفرض علينا بطريقة شبه قسرية أن نتحمل ما لا يحتمل من وجوه السطحية والابتذال والغناء الهابط والمسلسلات التي لا نهاية لحلقاتها الممطوطة حتى الإملال، لأسباب تجارية ليس أكثر ، فيما يبدو رغم كل ذلك أن ثمة روح شبابية وثقافية وإنتلجنسيا خليجية جديدة تحاول أن تناضل ثقافياً لتغير هذا الموروث الذي لاقى رواجاً في العقود الأخيرة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الثقافة الاستهلاك النزعة الاستهلاكية اجتماع

أين المجتمعات المدنية في النظام العربي ؟

دراسة: المواطن العربي لا يقرأ سوى ربع صفحة سنويا

الثقافة العربية وقول الحقيقة

«غفوة» الرقيب بالخليج ونداء .. «دعوه يمر»

السعودية.. تباطؤ نمو إنفاق المستهلكين بسبب تراجع أسعار النفط

دبي تستعد لتشييد مكتبة عالمية تضم 4.5 مليون كتاب بحلول 2017