أسبوع الدم من «سيناء» إلى «الواحات».. لماذا يتفاقم مأزق الأمن المصري؟!

السبت 21 أكتوبر 2017 01:10 ص

أكثر من 120 قتيلا وجريحا، حصيلة أسبوع دام، شهدته الأراضي المصرية، من «العريش»، بمحافظة شمال سيناء، شمال شرقي البلاد، إلى «الواحات»، الواقعة في الصحراء الغربية، جنوب غرب القاهرة.

العديد من علامات الاستفهام، باتت تحوم حول أداء الأمن المصري، الذي توسع منذ الانقلاب العسكري منتصف عام 2013، في بناء السجون (نحو 20 سجنا)، وقمع آلاف المعارضين (أكثر من 60 ألف معتقل)، وفق تقارير حقوقية، في حين يواجه مأزقا صعبا أمام تنظيمات مسلحة، باتت قادرة على تكبيده خسائر فادحة خلال أيام قلائل.

الملفت والخطير في آن واحد، أن هجوم «الواحات»، على بعد 365 كيلو مترا من محافظة الجيزة، والذي وقع الجمعة، وأسفر بحسب ثلاثة مصادر أمنية لـ«رويترز» عن سقوط 58 قتيلا وستة مصابين، جاء بعد حالة استنفار قصوى رفعتها الأجهزة الأمنية بعد سلسلة هجمات دامية طالت مدينة «العريش» على مدار عدة أيام، أسفرت عن مقتل وإصابة نحو 50 من قوات الأمن المصري، وسرقة بنك حكومي (الأهلي المصري) في وضح النهار، والاستيلاء على 16 مليون جنيه (قرابة مليون دولار).

وهذه أكبر خسائر في صفوف الشرطة المصرية منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 1981، حينما سقط 106 شرطيين في أحداث أسيوط (جنوبي البلاد).

حالة الاستنفار القصوى، التي جاءت بعد أيام من تمديد حالة «الطوارئ» في البلاد، يبدو أنها لم تتجاوز بيانات «الداخلية» المصرية، ولم تمثل واقعا حقيقيا على الأرض، خاصة يوم الجمعة، وهو من أكثر أيام الأسبوع التي تشهد بشكل شبه دوري هجمات دامية ضد الجيش والشرطة في مصر، كونه يوم عطلة رسمية، عادة ما يصاحبه استرخاء أمني، وأجازات للضباط والأفراد.

هجوم الجمعة الدامي على بعد 135 كيلومترا من القاهرة، يؤكد أن خريطة العنف تتمدد وتتسع بقوة في مصر، وأن الأمن المصري يتعرض لضربات دامية شرقا (هجوم العريش)، وغربا (هجوم الواحات) أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وشمالا (هجوم الإسكندرية)، ودلتا النيل (هجوم طنطا)، أبريل/نيسان الماضي، وجنوبا (هجوم المنيا)، مايو/ أيار الماضي.

ماذا حدث في الواحات؟!

وفق روايات أمنية، وسيناريو سبق تكراره، تعرضت قوات تضم أفرادا من الجيش والشرطة، لـ«كمين» أثناء مداهمة مخبأ بالقرب من الواحات البحرية، إلى الجنوب الغربي من العاصمة القاهرة، بدعوى تسريب خط سيرها على ما يبدو.

وبحسب بيان وزارة الداخلية المصرية، الذي لم يذكر أعدادا للضحايا، فإن «معلومات وردت لقطاع الأمن الوطني باتخاذ بعض العناصر الإرهابية للمنطقة المتاخمة للكيلو 135 بطريق الواحات بعمق الصحراء مكانا لاختبائها».

وأضافت الوزارة، أنه «تم إعداد مأمورية لمداهمة تلك العناصر، وحال اقتراب القوات واستشعار تلك العناصر بها، أطلقت أعيرة نارية تجاهها، حيث قامت القوات بمبادلتها إطلاق النيران، مما أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من رجال الشرطة، ومقتل عدد من هذه العناصر، وتمشط القوات المناطق المتاخمة لمحل الواقعة».

ثمة اعتقاد بأن قوات الأمن تحركت في الصحراء الغربية بعدما وردت معلومات بشأن وجود مخبأ محتمل للمسلحين هناك، لكن بحسب مصدر أمني، تعرض رتل القوات لهجوم شنه المسلحون باستخدام قذائف صاروخية وعبوات ناسفة.

وما زاد الوضع سوءا أن المسلحين كانوا على دراية جيدة بالمنطقة، بينما لم يتمكن قائد القوات من طلب تعزيزات برية أو جوية بسبب رداءة الاتصالات في الصحراء، بحسب «بي بي سي».

ووفق رواية الكاتب الصحفي والبرلماني المصري «مصطفى بكري»، فإن نحو 100 من عناصر تنظيم «المرابطون» الذي يتزعمه ضابط الجيش السابق «هشام عشماوي»، هم من نفذوا «مذبحة الواحات».

و«عشماوي» أو «أبو عمر المهاجر»، ضابط سابق بالجيش، أسس تنظيم سماه «المرابطون» ونفذ عدة عمليات ضد قوات الجيش والشرطة (طالع المزيد).

وكشف «بكري» المعروف بقربه من الأجهزة الأمنية، عبر صفحته على «تويتر»، عن وجود «معلومات تقول إنه تم خطف بعض الضباط والجنود»، دون أن يحدد عددهم.

الخسائر فادحة، والقتلى وفق مصدر بوزارة الداخلية هم 35 مجندا، و23 ضابطا، من بينهم 10 ضباط عمليات خاصة، و7 ضباط بالأمن الوطني (جهاز استخبارات داخلي)، و6 ضباط أمن مركزي، وضابط بالمباحث، وسط تكتم على ما إذا كان منفذو الهجوم، تمكنوا من الاستيلاء على مركبات شرطية وأسلحة وذخائر أم لا.

ومن بين القتلى العميد «امتياز كامل» الضابط بالعمليات الخاصة، الذي سبق أن شارك في فض اعتصام «رابعة»، ومطلوب للشهادة أمام المحكمة، خلال جلسة محاكمة 739 شخصا، الثلاثاء المقبل، في القضية المعروفة إعلاميا بـ«فض اعتصام رابعة».

والجنود القتلى (35 مجندا)، في الأغلب هم خريجون جدد لا خبرة لهم، يؤدون خدمة التجنيد الإلزامية (3 سنوات لغير حاملي الشهادات الدراسية، وعام ونصف العام لحملة المؤهلات المتوسطة، وعام واحد لذوي المؤهلات العليا)، ويدفع بهم الجيش المصري إلى مناطق ساخنة، دون دراية بطبيعة الموقع، أو خبرة قتالية، أو تدريب نوعي، وفق مصادر عسكرية، تحدثت لـ«الخليج الجديد»(طالع المزيد).

وهجوم الواحات ليس الأول من نوعه، ففي 29 يوليو/تموز 2014، قتل 28 ضابطا ومجندا، أثناء الهجوم على كمين لحرس الحدود المصري التابع للكتيبة رقم 14 بمنطقة «الدهوس» بالوادي الجديد، وذلك أثناء تواجد أفراد الكمين بالكيلو 100 بالمنطقة الواقعة بين «واحة الفرافرة» و«الواحات البحرية».

فشل ذريع لـ«الطوارئ»

مصر بصدد المعاناة من واقع جديد، يتمثل في تمدد خريطة العنف، واتساعها في أنحاء البلاد، وربما استنساخ مستنقع جديد، غربي البلاد، على غرار المستنقع السيناوي، الذي يعد أحد أبرز البؤر الملتهبة منذ سنوات، دون حلول.

ولم تفلح حالة الطوارئ التي أعلنت السلطات تمديدها مطلع الشهر الحالي مجددا، بعد استمرار دام 6 أشهر، منذ العاشر من أبريل/ نيسان الماضي، في تهدئة الوضع الأمني في البلاد.

خلال «الطوارئ» سقط أكثر من 50 قتيلا ومصابا في الهجوم الإرهابي على «حافلة الأقباط» بمحافظة المنيا، جنوبي مصر، وبعدها بأيام، قتل ثلاثة ضباط من الجيش المصري، خلال مواجهات مع عدد من المشتبه بتورطهم في الهجوم، على طريق الواحات.

ويوليو/تموز الماضي، استهدف هجوم مسلح دورية للشرطة، بمركز «البدرشين»، جنوب القاهرة، ما أسفر عن مقتل 5 من عناصر الشرطة.

وفي الشهر ذاته، تمكن مسلح بسكين من قتل سائحتين ألمانيتين، وتشيكية، وإصابة سائحة أخرى، على شاطئ فندق في منتجع الغردقة على البحر الأحمر، شرقي مصر.

وضرب هجوم عنيف في يوليو/تموز أيضا، الكتيبة 103 صاعقة التابعة للجيش المصري، بمدينة «رفح» شمال سيناء،  ما أسفر عن مقتل 26 عسكرياً وإصابة 33 آخرين، وتبنى لاحقا تنظيم «الدولة الإسلامية» المسؤولية عن الهجوم.

والشهر الجاري، قُتل رجل دين مسيحي مصري، إثر اعتداء عليه بـ«ساطور» من قبل مجهول، شمالي القاهرة.

ويشهد معدل عمليات تنظيم «ولاية سيناء» الفرع المصري لتنظيم «الدولة الإسلامية» تصاعدا في الآونة الأخيرة ضد قوات الجيش والشرطة، وكذلك ضد تجمعات قبطية ودور عبادة كنسية.

وتنوعت هذه العمليات بين هجمات انتحارية، وسيارات مفخخة، وأحزمة ناسفة، واستهداف المدرعات والآليات العسكرية، فضلا عن عمليات قنص وهجمات طعن، راح ضحيتها المئات بين قتلى وجرحى.

إذن بات من المؤكد أن الفشل كان مصير الحلول الأمنية التي يعتمد عليها نظام الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، بشكل ممنهج، في تصفية معارضيه، وملاحقة موجات العنف التي تضرب البلاد، وليس مبالغا القول أن الجيش المصري فقد السيطرة على الأوضاع في «سيناء» شرقا، ويتجه لذات المصير في «الواحات» غربا.

ويبدو أن وعود الأمن والأمان التي قدمها «السيسي» للمصريين في خطاب الانقلاب 3 يوليو/تموز، وكررها في خطاب التفويض 26 يوليو/تموز 2013، ويعيد تكرارها تدشينا للترشح لدورة رئاسية ثانية العام المقبل، ذهبت أدراج الرياح، ومن آن لآخر فرض مشهد نعي الضحايا، وإعلان الحداد، وتشييع الجنائز، نفسه على المشهد المصري.

إزاء غياب الحلول السياسية والتنموية، وتجاهل المعايير الحقوقية والإنسانية، ولجوء النظام المصري إلى أحكام الطوارئ في أرجاء البلاد، وممارسة سياسة العنف والتهجيرفي سيناء، وفرض نمط التصفية خارج إطار القانون في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية)، وتنامي التجاوزات الشرطية، والانتهاكات الحقوقية، واتساع الفقر والتهميش في محافظات الوسط والصعيد، فإن مصر أمام موجات قادمة من العنف المضاد، وحرب العصابات، بما يشكل في المجمل معركة استنزاف دامية تخوضها تنظيمات مسلحة (ولاية سيناء، المرابطون، حسم، لواء الثورة، ذئاب منفردة)، وجدت مبتغاها في نظام يوفر بيئة خصبة لحرب طويلة الأمد، لا تبدو في الأفق بادرة لوضع أوزارها.

  كلمات مفتاحية

مصر هجوم الواحات وزارة الداخلية المصرية هشام عشماوي ولاية سيناء

مقتل 6 مدنيين وإصابة 8 بقذيفة للجيش المصري بـ«العريش»

مقتل ضابط مصري برصاص قناصة في سيناء

85 قتيلا.. حصيلة أولية لهجوم دموي استهدف مسجدا بسيناء