تجميد أموال الضرائب يعمق أزمة السلطة و"شبكة الأمان" خيارها الوحيد

السبت 17 يناير 2015 03:01 ص

رام الله، فلسطين - انقضى الثلث الأوّل من شهر كانون الثاني/يناير، من دون أن تتمكّن السلطة الفلسطينيّة من صرف رواتب موظّفيها والإيفاء بالتزاماتها الماليّة، بسبب تجميد إسرائيل تحويل عائدات الضرائب في الثالث من الشهر الجاري، ردّاً على انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدوليّة.

واعتبرت السلطة على لسان كبير المفاوضين صائب عريقات، القرار الإسرائيليّ "جريمة حرب".

وتعوّل السلطة في شكل كبير على عائدات الضرائب التي يبلغ متوسّطها 170 مليون دولار شهريّاً، كونها تساهم في 65% من فاتورة الرواتب وفق وزارة المالية والمتحدث باسم الحكومة إيهاب بسيسو، تحصّلها إسرائيل نيابة عن السلطة على البضائع الواردة والصادرة مقابل 3%، وهو ما يعني أنّ صمودها اقتصاديّاً في ظلّ التجميد سيكون ضعيفاً إذا لم تتوافر البدائل.

وتعتبر الحكومة الفلسطينيّة قرار إسرائيل قرصنة وعقاباً جماعيّاً، إذ قال الناطق باسمها إيهاب بسيسو لـ"المونيتور": "أيّ قرار إسرائيليّ بحجب أموال المقاصة هو سياسة عقاب جماعيّ".

وأضاف بسيسو أنّ "القرار الإسرائيليّ سيؤثّر على مناحي الحياة والقطاعات المختلفة وليس على الموظّفين".

وتبدو قدرة السلطة على الصمود هشّة، إذ قال وزير العمل السابق أحمد المجدلاني لـ"المونيتور" إنّه "في حال استمرار تجميد عائدات الضرائب من دون توفير شبكة أمان عربيّة، فإنّ وضع السلطة سيكون صعباً للغاية".

وفي ظلّ ما تشكّله أموال الضرائب من مصدر رئيسيّ لرفد خزينة السلطة، فإنّ وقفها، وفق ما قالته عضو اللجنة التنفيذيّة لمنظّمة التحرير حنان عشراوي لـ"المونيتور" يعني أنّ "الكثير من المؤسّسات المختلفة لن تستطيع العمل، وهذا سيمثّل بداية انهيار".

ويتّفق أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت نصر عبد الكريم مع هذا التوجّه قائلاً لـ"المونيتور": "من الناحية الاقتصاديّة، يجب ألّا نفترض أنّ الخطوة الإسرائيليّة ستصمد، بسبب قناعة العالم أنّ هذه ليست مساعدات وإنّما حقوق، وأنّ استقرار المنطقة والسلام يتطلّبان استمرار قدرة السلطة على تأدية وظائفها تجاه مواطنيها".

ومن المتوقّع أن يؤثّر تجميد الأموال على وظائف السلطة وعملها، إذ قال عبد الكريم: "تجميد أموال الضرائب هو تهديد لقدرة السلطة على العمل ودفعها إلى الانهيار أو الشلل، لما يسبّبه من ضرر مباشر بعدم دفع رواتب الموظّفين، وغير مباشر على الاقتصاد الذي يعتمد على الإنفاق الحكوميّ كمحرّك أساسيّ له، ممّا يزيد ركوده".

وتتّسع تأثيرات تجميد أموال الضرائب على قطاعات مختلفة، إذ يقول وزير التخطيط السابق، ومدير البحوث الحاليّ في معهد أبحاث السياسات الاقتصاديّة سمير عبد الله لـ"المونيتور" إنّ استمرار تجميد الأموال سيضرّ بالخدمات الصحيّة والرعاية الاجتماعيّة المقدّمة إلى المواطنين، ويضعهم في دائرة انعدام الأمن الغذائيّ وتردّي الوضع الصحّي، خصوصاً في غزّة.

كما سيطال التأثير مؤسّسات السلطة وأجهزتها المختلفة وفق عبد الله، الذي قال: "لن تستطيع السلطة دفع ثمن التوريدات الطبيّة والمستلزمات الأساسيّة والوقود لتشغيل مركباتها ومكاتبها. الوضع سيكون صعباً".

شبكة الأمان العربيّة الحلّ الوحيد

وإزاء قرار إسرائيل التي تلوّح بفرض عقوبات إضافيّة على السلطة، تبدو الخيارات أمامها قليلة بل معدومة لتجاوز الأزمة، وتكاد تنحصر بطلب تفعيل شبكة الأمان العربيّة.

وعلمت "المونيتور" من مسؤول في الحكومة أنّ هناك اتّصالات مع جامعة الدول العربيّة لتفعيل الشبكة، من دون تلقّي تأكيدات على ذلك.

وحول الخيارات المتاحة أمام الحكومة، قال بسيسو: "إنّ خياراتنا السياسيّة والاقتصاديّة والقانونيّة مفتوحة لمواجهة أيّ قرار إسرائيليّ يمسّ حياة المواطنين"، مضيفاً: "أحد الإجراءات التي نطالب بها هو تعزيز العلاقات العربيّة وتفعيل شبكة الأمان".

ومن المقرّر أن يعقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربيّة على المستوى الوزاريّ في 15 كانون ثاني/يناير الجاري في حضور الرئيس محمود عبّاس، حيث سيكون ملفّ تفعيل شبكة الأمان مطروحاً للتنفيذ، وليس البحث وفق ما قاله المجدلاني لـ"المونيتور".

وأوضح المجدلاني أنّ هناك اتّصالات مع الأمين العام لجامعة الدول العربيّة المكلّف بمتابعة تطبيق القرارات وبعض الدول العربيّة، لتفعيل الشبكة التي من دونها، سيكون وضع السلطة في غاية الصعوبة.

من جانبها، طالبت عشراوي العرب باتّخاذ موقف إزاء الابتزاز السياسيّ الأميركيّ-الإسرائيليّ، بتفعيل شبكة الأمان، قائلة: "تلقّينا وعوداً مختلفة من أجل تفعيلها".

وأقرّت الجامعة العربيّة في قمة الكويت التي عقدت في 2010، والتي اقرت بصرف المبلغ في حال تم الضغط على السلطة ماليا وتجميد اسرائيل تحويل اموال الضرائب لها شبكة أمان ماليّة للسلطة بقيمة 100 مليون دولار شهريّاً.

لكنّ مجدلاني وعشراوي يعتقدان أن عدم تفعيلها يعود إلى ضغوط أميركيّة تمارس على الدول العربيّة.

وحول الخيارات الأخرى، يقول عبد الكريم إنّ الخيارات التي كانت متوافرة أمام السلطة سابقاً تلاشت، اذ لم يعد في مقدورها الاقتراض من المصارف، ولا التقشّف الماليّ بسبب مصاريف مؤسّساتها، كما أّنّها لا تستطيع رفع الإيرادات والجباية الضريبيّة، في ظل عدم نموّ الاقتصاد وسوء الظروف المعيشيّة.

وتأتي هذه الأزمة في ظلّ التشاؤم الذي سيطر على الاقتصاد الفلسطينيّ في النصف الثاني من عام 2014، واستمرّ مع بداية العام الجاريّ.

وأشارت سلطة النقد في تقرير لها في اب الماضي رصدت فيه التطورات الاقتصادية للربع الأول من عام أن الاقتصاد الفلسطيني شهد خلال الربع الأول 2014 نمواً بنسبة 7.1% مقارنة مع الربع المناظر من عام 2013 غير أن هذا التحسن جاء في ظل مسارين متباينين للنمو.

وحسب مركز الاحصاء المركزي الفلسطيني فقد شهد الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين تراجعا 2.5% خلال عام 2014 مقارنة مع عام 2013، نتج عن ذلك انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تجاوزت 5% خلال عام 2014 مقارنة مع عام 2013.

وأوضح عبد الكريم أنّ التشاؤم برز في النصف الثاني بسبب العدوان على غزّة والإجراءات الإسرائيليّة في الضفّة من شن حملة مداهمات واعتقالات كبيرة عقب اختفاء 3 مستوطنين في الخليل وتشديد الحواجز العسكرية على مخارج المدن ومنع العمال من الوصول الى مكان عملهم، واعاقة حركة التنقلات بين المدن، وارتفاع نسبة البطالة حسب جهاز الاحصاء المركزي خلال العالم الجاري الى 27% والعجز في المساعدات الدوليّة بنسبة 40%، ليبلغ العجز الفعليّ في الموازنة نحو 500 مليون دولار.

استمرار الوضع الاقتصادي والسياسي كما كان عليه خلال العام 2014، واستمرار الدول المانحة بتوفير الدعم المالي لتمويل الموازنة بنفس مستوياتها، واستمرار تحويل الأموال الخاصة بإيرادات المقاصة من الجانب الاسرائيلي، إضافة إلى تحسن جباية الضرائب و ثبات عدد العاملين في القطاع الحكومي، فأنه من المتوقع ارتفاع قيمة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.8% خلال عام 2015، وارتفاع قيمة إجمالي الاستثمارات بنسبة 7.1%، كما انه من المتوقع ارتفاع قيمة إجمالي الإيرادات الحكومية بنسبة 0.7% نتيجة التحسن في جباية الضرائب، وزيادة قيمة النفقات الحكومية بنسبة 1.8%، وبالتالي ارتفاع قيمة عجز الموازنة العامة (الحكومة المركزية) بنسبة 3.5%.

ورغم ضعف السلطة اقتصاديّاً، إلّا أنّ المتحدّثين أكّدوا أنّ السلطة لن تتراجع عن موقفها السياسيّ بالانضمام إلى المعاهدات الدوليّة، برغم ابتزاز إسرائيل بتجميدها أموال الفلسطينيّين التي تجنيها وفق اتّفاقية موقّعة بين الطرفين. 

المصدر | أحمد ملحم | المونيتور

  كلمات مفتاحية

إسرائيل السلطة الفلسطينية تجميد أموال الضرائب أزمة السلطة الحكومة الفلسطينية

خبراء: الاحتلال سيستهدف كافة القطاعات الاقتصادية حال إلغاء «أوسلو»

الإمارات الأولى عالميا في سهولة تسديد الضرائب