أوروبا تختبر «العجز الأمني»: مراقبة كل «الجهاديين» غير ممكنة

الثلاثاء 20 يناير 2015 07:01 ص

حالة التأهب الأمني تعمّ العواصم الأوروبية، والأنظار تتجه إلى بروكسل، التي عادت البزات المموّهة إلى شوارعها بعد ثلاثة عقود من الغياب.

المارة في عاصمة القرار الأوروبي باتوا يصادفون عربات الجيش، وهي تقوم بمؤازرة رمزية لقوات الشرطة خلال حراستها المواقع الحساسة.

لكن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيكون لهم شرف رؤية هذا المشهد، في طريقهم لأول اجتماع رسمي سيناقش اليوم استراتيجية مكافحة الإرهاب بعد واقعة «شارلي إيبدو» في باريس. هنا سيختلط البعد الداخلي للقضية، بعدما صار «العجز الأمني» على كل لسان، مع بعده الخارجي حيث بات العراق وسوريا «عش الدبابير».

من عاصمة الاتحاد الأوروبي صار كل شيء يُرى بدلالة زلزال المفاجأة الباريسية، حتى لو كان منفصلاً عنها، سياقاً وتخطيطاً. السلطات البلجيكية قررت نشر 300 جندي، نصفهم أصبح في الميدان وآخرون سينشرون في الأيام المقبلة. هذا القرار جاء بالتزامن مع رفع درجة التأهب الأمني إلى المستوى الثالث، من أصل أربعة مستويات، ما يعني أن خطر الهجمات الإرهابية بات «جدياً ومرجحاً».

الاستنفار الأمني انطلق مساء الأربعاء، بعد العملية الأمنية التي أحبطت مخططاً لمهاجمة مقار للشرطة. وأدت العملية إلى مقتل اثنين من المخططين، وهما «جهاديان» عائدان من سوريا، واعتقال ثالث في مدينة فرفييه. وتلت ذلك سلسلة مداهمات امتدت إلى فرنسا، اعتقل على أثرها 15 شخصاً.

وسط كل ذلك لم يعد «العجز الأمني» يُقال همساً في مناسبات متفرقة. أصبح الأمر أشبه ببيان حال، ومحاولة استباقية لإخلاء الذمة، ورفع المسؤولية، أمام جدية مستوى التهديد الإرهابي. وبات العنوان الأبرز لهذا العجز هو «استحالة» مراقبة كل «الجهاديين» العائدين من سوريا، كما ورد على لسان رؤساء بلديات بلجيكية تعمل الشرطة تحت توجيهاتهم.

بلجيكا هي أكبر دولة لتجنيد «الجهاديين» الغربيين قياساً بعدد السكان، إذ انطلق منها نحو 400 «جهادي»، عاد منهم ما يقارب المئة. ويؤكد المسؤولون الأمنيون أن مراقبة كل «جهادي»، على مدار الساعة، تقتضي تخصيص 24 موظفاً أمنياً. لكن القلق يزداد أيضاً لأن المراقبة باتت ضرورية، برأي الأمنيين، أيضاً لمئات المتطرفين، حتى لو لم يكونوا «جهاديين». أما مَن يخطط من تلقاء نفسه، ويصقل غضبه وكراهيته معزولاً على هيئة «ذئب منفرد»، فهو أمر يبقى في علم الغيب ورحمته.

وجعل هذا الواقع هانس بونتا، رئيس بلدية فيلفوردا المدينة الصغيرة المتاخمة لبروكسل، يتحدث بلغة عجز الأرقام. واشتكى للإعلام البلجيكي أن لديه فقط ثمانية «جهاديين» عادوا إلى مدينته، ستة منهم في الاحتجاز، لكن جهاز الشرطة المحلية غير قادر على توفير 48 موظفاً لمراقبة اثنين لا يزالان طليقين.

هذا المثال يمكن القياس عليه، والتعميم أيضاً، وفق ما أكد سابقاً المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف خلال حديث مع «السفير». وقال وقتها إن تطويق هذا التهديد يقع حالياً فوق القدرات الأمنية للأوروبيين، وهم الآن يختبرون هذا الواقع بالفعل.

وجاء مقتل 17 شخصاً في هجمات باريس، مباشرة، نتيجة فشل فاقع للأجهزة الأمنية الفرنسية، التي لم تحسن مراقبة هدفين واضحين على رادارتها، فتمكنا من مهاجمة مقر صحيفة، رغم أنها هدف متوقع سلفاً بدوره. إنه الفشل الثاني، بعدما أفلت سابقاً من الفرنسيين «الجهادي» مهدي نموش، ليقتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل ربيع العام الماضي.

خلل التنسيق الأوروبي ظهر أمس أيضاً. اتضح أن الشرطة اليونانية ألقت القبض على الأشخاص الخطأ (أربعة أشخاص)، لم يتضمنوا الهدف الذي أبلغتها به نظيرتها البلجيكية، أي «العقل المخطط» للهجمات التي أفشلتها قبل أيام. لذلك لا يزال عبد الحميد أباعود، «الجهادي» البلجيكي المعروف، طليقاً، ولا دليل عليه سوى رقم هاتف يوناني اتصل عبره بمن كان يديرهم في بلجيكا، وبينهم للمفارقة رجل يقبع أصلاً في السجن.

لذلك كان نشر الجيش في بلجيكا مجرد إجراء رمزي، أريد منه الإيحاء بجدية عملية مكافحة الإرهاب، وترك انطباعاً لدى الجمهور بأن الدولة ستحمي هيبتها بكل الطرق. 300 جندي هم لا شيء قياساً بحوالي 40 ألف شرطي، هم من يتنكبون عملياً هذه المهمة.

البعض انتقد الخطوة، ومنهم اتحاد نقابيي الشرطة، الذي احتجّ بأن الجيش يتعدّى على صلاحيتهم، لأنه «تدرب على مهمات أخرى». وركزت انتقادات أخرى على أن الخطوة تأتي لتناقض مسعى الحكومة التي تخطب لطمأنة المواطنين.

ومع ذلك، فإن عودة الجنود إلى الحيز العام أجراء له رمزيته، بعد ثلاثة عقود من غيابه، حين كانت الهجمات الممنهجة تقع على أيدي «إرهابيين» آخرين. كان ذلك أواسط الثمانينيات، حين قامت «الخلايا الشيوعية المقاتلة» بسلسلة اعتداءات بالمتفجرات، طالت مصارف ومرافق، أحدها لحلف شمال الأطلسي - «الناتو»، لكنها لم توقع سوى قتيلين.

العابرون في شوارع بروكسل، ومدينة أنتويرب عاصمة الشمال البلجيكي، يمكن أن يمروا فيهما من دون أن يلمحوا هذا التأهب. الجنود والشرطة منتشرون في مواقع حكومية حساسة، في محطات القطارات المركزية، وحول بعض السفارات الغربية. لكن حالة الترقب العالية تبدو واضحة من إجراءات تفتيش مشددة، يخضع لها حتى الصحافيون خلال دخولهم المؤسسات الأوروبية. ويجري تفتيش الحقائب النسائية، وأجهزة الكمبيوتر يجب فتحها أمام أعين الشرطة.

ويأتي في قلب هذا الترقب اجتماع وزراء الخارجية. سابقاً كانت مكافحة الإرهاب ملفاً محصوراً تقريباً بوزراء الداخلية، لكن الوزراء اليوم سيتعرضون للجوانب الخارجية للملف. سيجتمعون لذلك مع المفوض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية ديمتريس افراموبولس، وسيستمعون لعرض تفصيلي يقدمه المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب.

أحد أبرز محددات الأفق السياسي الخارجي لهذا النقاش، تلخصه جملة سحرية صارت تتصدر الأولويات الأوروبية: «المساهمة باستعادة الظروف التي تفضي إلى استقرار سياسي في المنطقة، يمكنه المساعدة في تقليل المخاطر التي يشكلها الإرهاب المنبثق من سوريا والعراق». هذه الخلاصة عرضتها الخارجية الأوروبية خلال تقديمها للاجتماع، أما ترجمتها فتخضع لانقسام بين مَن يريدون انفتاحاً على النظام السوري، ودول أخرى، أبرزها فرنسا وبريطانيا، تقف مع واشنطن لإبقاء تغيير النظام أولوية موازية.

لن يكون هناك قرارات الآن، بل استعراض لمجمل الاستراتيجية الأوروبية ونواقصها، كما قال مسؤول أوروبي للصحافيين في بروكسل. خلاصات هذا النقاش ستراجع في اجتماع آخر يوم 9 شباط، ليتم صقل قرارات تقدّم للزعماء الأوروبيين خلال قمتهم في 12 شباط.

اللقاء الأوروبي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي سيمرّ على الملف الأمني، لكنه سيركّز على التحرك العربي للعودة إلى مجلس الأمن بقرار لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى تبعــــات انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، كما سيشمل النقاش أزمات سوريا والعـراق وليبيا.

 

المصدر | وسيم ابراهيم | السفير

  كلمات مفتاحية

فرنسا السجن أوروبا «العجز الأمني» مراقبة «الجهاديين» حالة التأهب الأمني العواصم الأوروبية بروكسل البزات المموّهة عربات الجيش مؤازرة رمزية قوات الشرطة المواقع الحساسة.

هل يشكل تمدد «الدولة الإسلامية» في شمال إفريقيا خطرا على أوروبا؟

أوروبا الشرقية.. على حافة الهاوية

أكثر من 5000 جهادي أوروبي ينشطون في الشرق الأوسط

سجن ألماني 3 سنوات بتهمة الانضمام لـ«جبهة النصرة»