حكومات الخليج تبحث عن استراتيجية موحدة لمواجهة تقارير حقوق الإنسان

الثلاثاء 20 يناير 2015 10:01 ص

تسبب تقارير المنظمات الغربية الدولية عن حالة حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون الخليجي حالة من القلق والتوتر لدى حكومات هذه الدول، وربما عكرت صفو علاقاتها مع الدول الأوروبية التي تصدر منها تلك التقارير التي تنتقد ما قد يقع من انتهاكات، وتطالب بتوسيع مساحة الحريات السياسية ومنح الحق في ممارستها.

من هنا بدا في الآونة الأخيرة اتجاه لدى حكومات دول التعاون الخليجي للتصدي لما تعتبره تقارير مغلوطة عن أوضاع حقوق الإنسان، في محاولة منها لمنع تشويه صورتها في المحافل الدولية وتغيير الصورة الذهنية المعبرة عن نهج سياساتها واعتبارها دولاً تضرب عرض الحائط بالحقوق والحريات من أجل حماية عروشها وأنظمة الحكم التي تسيطر على السلطة منذ عقود.

ولذلك جاءت مبادرة المنظمة الدولية الخليجية لحقوق الإنسان (جنيف - دبي) التي دعت إلى إنشاء مفوضية خليجية عليا لحقوق الإنسان داخل مجلس التعاون الخليجي لوضع استراتيجيات خليجية موحدة في العمل الحقوقي، والتصدي لكافة التقارير «المغلوطة» عن حالة حقوق الإنسان بدول المجلس، وذلك في المؤتمر العام الأول لـ «حقوق الإنسان بدول مجلس التعاون الخليجي.. السياسات والممارسات البناءة وغير البناءة»، والذي عقد بالتعاون مع جمعية «معا» لحقوق الإنسان (البحرين) بالعاصمة المنامة.

مفوضية وتواصل دبلوماسي

المؤتمر كان قد أكد في ختام اجتماعه اتفاق الجميع على أن الوضع العام في مجال حقوق الإنسان مختلف تمامًا عن الذي يتم الترويج له من خلال بعض وسائل الإعلام التي يعتبرونها ( مغرضة ) وكذا المنظمات ( المسيسة ) ، وأوصوا بوجوب التصدي للتقارير المغلوطة والمبنية على معلومات غير صحيحة عن واقع حقوق الإنسان بدول مجلس التعاون الخليجي، والتأكيد على أن الكثير من المنظمات تؤسس تقاريرها على غير المعايير المعتمدة في مجال حقوق الإنسان.

وكان من أبرز توصيات المؤتمر إنشاء مفوضية خليجية عليا لحقوق الإنسان داخل مجلس التعاون لوضع استراتيجيات خليجية موحدة في العمل الحقوقي، والتصدي لكافة التقارير المغلوطة عن حالة حقوق الإنسان بدول المجلس، ودعوة دول مجلس التعاون للاستفادة من مراكز البحوث والدراسات وخبراء حقوق الإنسان والقانون الدولي لتقديم رؤاهم وتصوراتهم في هذا الشأن، مع إعداد قائمة بالعناصر البشرية التي يمكن الاستفادة منها والتنسيق معها في مجال حقوق الإنسان دول مجلس التعاون (منظمات غير حكومية، مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، خبراء، أساتذة جامعات ).

المسئولون الخليجيون أكدوا في ختام المؤتمر على ضرورة الحاجة إلى تواصل وزارات الخارجية الخليجية وبعثاتها الدبلوماسية مع المنظمات الحقوقية الدولية وأعضاء مجلس حقوق الإنسان والدول الصديقة وفق خطة مدروسة وبرنامج واضح لاطلاعهم على حقيقة الوضع الإنساني والحقوقي في دول الخليج، وتصحيح ما تتعرض له من تشويه، والتواصل مع وسائل الإعلام الدولية والإقليمية بشكل فعال للترويج لما أنجزته وما تنجزه المنظمات الحقوقية الخليجية في مجال حقوق الإنسان، وعقد ندوات وورش عمل مشتركة.

انتهاكات .. ومبالغات

من جانبه وخلال المؤتمر أكد المستشار «منصور عيسى لوتاه» رئيس المنظمة الدولية الخليجية لحقوق الإنسان في كلمته أن المنظمة الدولية الخليجية حرصت على تنظيم هذا المؤتمر لتؤكد على أن دول مجلس التعاون الخليجي تتعامل مع ملف حقوق الإنسان بشفافية، ولا تجد حرجًا في التعرض لتفاصيله على كافة المستويات وانتهاج أسلوب النقد الذاتي، مشيرًا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تتعرض لحملة غير منصفة من منظمات حقوقية ووسائل إعلام، وحتى من دول تتلقى معلوماتها من جهات لا تريد الخير لدول المجلس.

أما رئيسة جمعية «معا» لحقوق الإنسان في البحرين «منى هجرس» : « فاعترفت بوقوع تجاوزات وانتهاكات لحقوق الإنسان بدول مجلس التعاون، وفي نفس الوقت وجود مبالغات في التقارير المنظمات عن أوضاع حقوق الإنسان فقالت: هناك العديد من القضايا الحقوقية التي تستحق منا جميعا أن نوليها الاهتمام البالغ، فلا يجب أن تستمر الانتهاكات بأوطاننا دون معالجة أو محاسبة، كما لا يمكن أن يسمح للبعض بأن يفسدوا الأوطان ويرهبوا المجتمعات ويستحوذوا على الحقوق ويصادروا الحريات، كلاهما لا يمكن السكوت عنه أو الرضا به، وكلاهما مسؤولية تقع على الدولة التي هي حامية للحريات والحقوق، وضامنة للأمن والسلم والعدالة للجميع».

ومن الوسائل التي تلجأ إليها حكومات دول التعاون الخليجي لتصحيح ما تعتبره تقارير مغلوطة عن أوضاع حقوق الإنسان لديها هو تجييش بعض الكتاب لإبراز مساحة الحريات الممنوحة في بلادهم ، والتأكيد على عدم صحة التقارير فيقول الكاتب الإماراتي «محمد الشرياني» أنه من الضروري الحرص على عدم الخلط بين ناشطي حقوق الإنسان من ناحية والإرهابيين والمتطرفين أو المحرضين على العنف من ناحية أخرى، لأن هذا يحوّل الإرهابيين، زوراً وبهتاناً، إلى مدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان، في حين أنهم أكثر من يهدد هذه الحقوق ويسيء إليها سواء بأقوالهم أو أفعالهم، فضلاً عن سعيهم للنيل من استقرار دولهم ومجتمعاتهم وتهديد مكتسبات التنمية في أوطانهم ، بحسب زعمه.

ويضيف الكاتب الإماراتي أن حقوق الإنسان ليست بعداً واحداً أو جانباً واحداً، وإنما هي منظومة شاملة ومتكاملة، وهذا ما أشارت إليه الرسالة الإماراتية إلى وزارة الخارجية الأميركية، حيث أكدت هذه الرسالة الرؤية الشاملة التي تتبناها الإمارات لقضية حقوق الإنسان، حيث لا يقتصر الأمر على الحقوق السياسية فقط، وإنما يمتد إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أيضاً، حيث تحتل الإمارات المراتب الأولى في التنمية البشرية ومؤشرات الرضا والسعادة، وتعتبر جهة مفضلة للعيش والعمل والسياحة بالنسبة إلى شعوب العالم كلها، ويتسم مجتمعها بالانفتاح والتسامح والوسطية؛ ولذلك تعيش فيها نحو مائتي جنسية في وئام وسلام ، فضلاً عن ذلك فإنها تحتل المركز الأول عربياً والرابع عشر عالمياً في مؤشر المساواة بين الجنسين بحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتقود العالم الإسلامي إلى بناء نموذج وسطي إسلامي، بحسب قوله.

قمع وعنف ممنهج

ولكن على عكس ما تحاول أن تدعيه معظم دول التعاون الخليجي من احترام للحريات وحقوق الإنسان ، تأتي كتابات وتقارير مقابلة لتكشف الوجه الآخر من الحقيقة فيقول الكاتب السعودي «علي فردان» : «إن المواطن السعودي حيدر على المزرع من القطيف كان مسجوناً في سجن أبو غريب مع آخرين، وتناولت الصحف المحلية حالته وكيف تم سجنه وإنه سيتحدث عن أمور كثيرة حال وصوله أرض الوط»ن، وتقول الصحف على لسانه بأن «وضع المسجونين في حالة يُرثى لها ، طبعاً لا أحد ينكر ذلك، وأول من اعترف بذلك الأمريكيين أنفسهم، ولكن هل حاولت صحفنا التحدث مع من يخرج من السجن في السعودية ونشر ما حصل له بداخلها؟ هل تستطيع نشر ما حدث لأشخاص سُلخت جلودهم وأظافرهم وهم أحياء؟ هل تستطيع صحفنا نشر عمليات التعذيب بالكهرباء والتهديد بالاعتداء الجنسي في السجون السعودية؟ هل تستطيع نشر مأساة أكثر من شخص، رجال ونساء ماتوا تحت التعذيب ولم يتم تسليم أجسادهم إلى ذويهم لدفنهم؟». 

وبالنسبة للإمارات فقد سجلت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأمريكية في التقرير السنوي لعام 2013 أن الامارات قد سجلت أعلى معدل انتهاك حقوق الانسان في الدول العربية، واستمرت في انتهاك حقوق مواطنيها، من خلال حملات القمع والتعذيب والوقوف ضد الحريات بشكل صارخ وقمع أهل الرأي والتعبير، وعرقلة الأدوار الرئيسية لمؤسسات المجتمع المدني.

والغريب في الأمر أن العديد من الدول العربية التي تربطها علاقات استراتيجية واقتصادية مع الإمارات عملت على التستر على الانتهاكات الحقوقية التي تقوم بها الإمارات في مجال حرية التعبير وقمع منظمات المجتمع المدني.

ولعل من أهم أسباب لجوء دولة الامارات لمثل هذ العنف الممنهج هو خوفها من انتقال الثورات التي حدثت في دول الربيع العربي، وبما أنها أحد الأنظمة المستبدة في المنطقة التي تعتمد على التوريث في الحكم، فإنها صارت مناهضة ومعادية لأى ثورة أو استقلال سياسي لدول المنطقة العربية، وعمدت على قمع الحقوق والحريات بحسب رأي الكثير من المنظمات المتابعة للشأن الحقوقي في الإمارات.

أما عن الكويت فقد كشف تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن الكويت تستمر في استبعاد آلاف الأفراد من فئة البدون (بدون جنسية) من حقوق المواطنة الكاملة، رغم أن لهم جذور في الأراضي الكويتية تعود إلى فترات بعيدة ، كما تستمر الحكومة في تفريق مظاهرات البدون باستخدام العنف، كما لاحقت السلطات جنائياً أفراداً ونوابا سابقين أبدوا آراء سياسية لا عنفية في عدد من القضايا، بما في ذلك مقالات على الإنترنت ، فضلا عما تتخذه من إجراءات تتنافى مع صحيح القانون بسحب جنسيات أبناءها ممن يسطرون أو يرفعون عقيرتهم بكشف مظاهر الظلم والطغيان.

كما تمتلئ مواقع الانترنت بتقارير فاضحة كاشفة لما يجري من انتهاكات بحق المعارضين والإصلاحيين لسياسات حكومات دول الخليج في كل من البحرين وسلطنة عمان .

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حقوق الإنسان في الخليج السعودية الإمارات انتهاكات الإمارات إعلان حقوق الإنسان

قمة الدوحة تصدر إعـلانا لحقوق الإنسان: حرية الرأي وحظر التعذيب والإتجار بالبشر وتجريم الإرهاب

«البحرين لحقوق الإنسان» يندد بالتجاهل الطبي للمعتقلين المرضى

"الخليج لحقوق الإنسان" يدين مضايقات السلطات السعودية لناشطات "حق القيادة"

اعتقال مدونين في سلطنة عُمان بسبب شجب انتهاكات حقوق الإنسان

"سجون الإمارات بين الواقع والإعلام"..حملة لفضح انتهاكات السجون الإماراتية