السينما في السعودية.. عودة لاستعادة تاريخ توقف منذ عقود

الاثنين 11 ديسمبر 2017 12:12 م

«من المتوقع افتتاح أول دور سينما في مارس/آذار 2018».. بهذه الكلمات التي صدرت عن وزير الإعلام السعودي «عواد العواد»، أنهت المملكة حقبة امتدت لأكثر من 35 عاما، من حظر دور السينما.

الخطوة السعودية، لم تأت مفاجأة، كما أنها لم تكن وليدة مطالبات، بقدر ما كانت ضمن مجموعة من الخطوات الاجتماعية التي كسرت الكثير من التابوهات التي كان محرما الحديث فيها قبل وصول ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» إلى قيادة المملكة.

فخلال الشهور الماضية، وعدت الحكومة بتغيير المشهد الثقافي في إطار إصلاحات «رؤية السعودية 2030»، التي أعلنها «بن سلمان» العام الماضي، ومن ضمن تلك الإصلاحات كان إنشاء هيئة حكومية تعنى بالترفيه، قامت بتنظيم عدة فاعليات وحفلات غنائية وموسيقية، لم يكن مسموحا لها من قبل.

تاريخ السينما

وكان أول من أدخل دور العرض السينمائية إلى السعودية، هم الموظفون الغربيون في شركة كاليفورنيا العربية للزيت القياسي التي تحول اسمها إلى شركة «أرامكو»، وذلك في مجمعاتهم السكنية الخاصة بهم في السعودية خلال فترة الثلاثينيات الميلادية، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى فترة بداية السبعينيات.

خلال السبعينات حدث تطور مهم، فبعد أن كانت دور العرض السينمائية مقتصرة على الموظفين الغربيين في شركة «أرامكو» في تجمعاتهم السكنية الخاصة في السعودية، أصبحت متاحة للمواطنين السعوديين، ثم تحولت الصالات السينمائية إلي الأندية الرياضية السعودية على وجه التحديد، وكان عرضا عشوائيا يفتقد التنظيم والتهيئة اللازمة للمشاهدة والتسويق المناسب، والاختيار الجاد.

ومن داخل المجمعات السكنية للموظفين الأجانب، انتشرت دور السينما إلى 4 مدن سعودية، هي الرياض وجدة والطائف وأبها، حتى وصل عدد دور العرض في جدة وحدها إلى 30 دارا، بأسعار تذاكر تتراوح بين 3 إلى 10 ريالات، بحسب عدد الأفلام المشاهدة في كل حفلة.

كما كانت «حارة السينما»، كما يسميها أهل الرياض، في حي المربع، تجمع عددا كبيرا من أماكن عرض الأفلام، وسجلت أعلى أرقام للإقبال على «تأجير آلاتها».

واقتصر الجمهور في المرحلة الأولى، على الرجال فقط، ثم دخلت العوائل، كجمهور أساسي بمقاعدها الخلفية، في مراحل لاحقة.

وفي مطلع الثمانينات، وبعد شهرين من أحداث الحرم المكي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1979، قامت الحكومة السعودية بإغلاق دور العرض السينمائية المتاحة للمواطنين السعوديين في محاولة منها لاحتواء غضب التيار الإسلامي السعودي بعد أحداث احتلال الحرم المكي من قبل مجموعة متطرفة.

الترفيه بداية

وتعد «رؤية السعودية 2030»، التي أعلن عنها في أبريل/نيسان 2016، وما تبعها من إنشاءهيئة الترفيه، في مايو/أيار 2016، برئاسة «أحمد بن عقيل الخطيب»، أولى الخطوات الحقيقة لاستعادة دور العرض السينمائي بالمملكة من جديد.

حتى أن «بن سلمان»، أشار حينها، إلى أن مستوى دخل الفرد السعودي يعد من أفضل الدخول بين دول العالم، «لكن المشكلة تكمن في إنفاق الفرد بمستوى ينعكس على رفاهيته في الحياة»، مؤكدا أن «الترفيه كفيل بتغيير مستوى معيشة الفرد السعودي خلال فترة وجيزة».

وحينها، ذكرت صحيفة «ذا تلغراف» البريطانية، أن هواة السينما ومحللين سياسيين، يرون أن الإصلاحات التي يخطط لها «بن سلمان»، تنذر بأن هناك تحريرا واسعا في قواعد تقييد الترفيه على نحو يوحي بأن «السينما يمكن أن تشاهد قريبا في المملكة».

وبدعوى، جذب الشباب والأسرة السعودية، بدلا من للسفر لدول مجاورة (البحرين وقطر والكويت والإمارات) لدخول السينما، والسعي نحو إحداث أثر اقتصادي يؤدي إلى زيادة حجم السوق الإعلامي، وتحفيز النمو والتنوع الاقتصادي، زادت الدعوات نحو السماح بافتتاح دور السينما.

تهئية المجتمع

ظل الوضع على هذا الحال، حتى كشف مدير تنظيم الإعلام المرئي والمسموع بهيئة الإعلام المرئي والمسموع فرع مكة سابقا، «حمزة الغبيشي»، أن «السينما بالسعودية قادمة في ظل دراسة جادة تتم خلال الفترة الحالية لعدد من العروض التي تقدم بها مستثمرون لإنشاء صالات سينما داخل المملكة».

وذلك قبل أن يقترح مدير فرع «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في مكة المكرمة (غربي السعودية) سابقا، «أحمد الغامدي»، إنشاء دور سينما مجاورة للمعالم الدينية والإسلامية في مكة، مثل: جبل ثور، وجبل النور، ومكان مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبئر طوى؛ بهدف «تقديم معلومات تاريخية عن المعلم الديني قبل زيارته».

وبين فترة وأخرى، تداول مغردون وكتاب سعوديون، الحديث أن قرابة 200 ألف مسافر سعودي يعبرون الجسر الواصل بين السعودية والبحرين في المناسبات المختلفة، خاصة الأعياد لحضور الأفلام بالسينما المعروضة في البحرين، لعدم وجود دور عرض في السعودية، وأنه كثيرا ما ترفع لافتة «نفذت تذاكر السينما» في جميع صالات سينما البحرين خلال أيام العيد بسبب السعوديين.

كما نشرت صحف بحرينية، خبرا يؤكد أن «مبيعات دور السينما في البحرين تجاوزت حاجز 50 ألف تذكرة خلال أول يومين فقط من أيام العيد، ونصيب السعوديين منها ما يقارب 95%»،

واعتبر نشطاء أن هذا يعني أن 95% من المجتمع السعودي يريد إنشاء دور للسينما، خاصة بعد ظهور أفلام سعودية ومشاركتها في مهرجانات دولية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، كشف «الخطيب»، لأول مرة أن «السينما تعتبر من الترفيه ومشروعها تحت النظر، ولكنها حتى الآن ممنوعة ولم يتخذ قرار بشأنها».

وذلك بعد أن توقع رئيس مجلس إدارة «الجمعية السعودية للثقافة والفنون» (حكومية)، «سلطان البازعي»، «افتتاح دور السينما في المملكة».

وفي أبريل/نيسان الماضي، أثار «الخطيب» أزمة حين قال إن السعودية ستفتح دور سينما وستبني دار أوبرا عالمية يوما ما، مضيفا أنه «يمكن للمحافظين ببساطة التزام منازلهم إذا لم يهتموا بالفعاليات»، وهو ما أثار قطاعات سعودية ضده، دفعته للتأكيد أنه لم يكن يقصد الإساءة لأي تيار.

حركة فنية

وكان أول فيلم أنتجه التلفزيون السعودي، عام 1975، بشكل رسمي، عن تطوير مدينة الرياض، قبل أن يقدم من جديد عام 1977 فيلما سينمائيا أكثر أهمية وحضورا وحسا فنيا وهو الفيلم الوثائقي «اغتيال مدينة» في عرض درامي حول الحرب الأهلية اللبنانية.

ومن أبرز الأفلام السعودية التي أنتجت لاحقا، «موعد مع المجهول» في عام 1980، وفيلم «الإسلام جسر المستقبل» في عام 1982، الذي يصور فيه المخرج السعودي «عبدالله المحيسن» المراحل التاريخية للقضايا العربية والإسلامية بداية من هجمات التتار والمغول، مرورا بالاستعمار الإنجليزي والفرنسي، وتسلل اليهود إلى المنطقة العربية، وانتهاء ببروز القوتين العظيمتين في العالم، حيث يجسد الفيلم المعاناة العربية والإسلامية بشكل مؤثر، وقد شارك المخرج بالفيلم في مهرجان القاهرة السادس، ونال الجائزة الذهبية.

وفي التسعينات ظهر فيلم «الصدمة» عام 1991، الذي قدم أحداث غزو الكويت، ومن ثم تحريرها في حرب الخليج الثانية، والأثر الذي أحدثته هذه الأزمة على المنطقة.

وهناك فيلم «ظلال الصمت» من إنتاج عام 2006، وأفلام «تمرد»، و«مطر»، و«حلم الصحراء»، «السينما 500 كلم» في ذات العام.

وفي عام 2009، ظهر فيلم «كيف الحال»، كما أنتجت بعض الجهات الخاصة فيلم «هيفا» الذي عرضته بعض المهرجانات بنجاح، غير أن عرضه لم يستمر لوقت طويل بعد تدخل جهات دينية لوقفه.

بيد أن النجاح الأكبر كان لفيلم «وجدة»، للمخرجة السعودية «هيفاء المنصور»، الذي شكل نقلة كبيرة لهذه السينما الناشئة، بعدما حصد ثلاث جوائز عالمية في مهرجان البندقية، وكان أول فيلم سعودي يدخل ضمن الأفلام المرشحة لجائزة «الأوسكار» عن «أفضل فيلم بلغة أجنبية».

كما كان أول فيلم روائي يصور كاملا في السعودية، واعتبر بداية مشجعة للسينما في المملكة.

وشهدت جدة أول مهرجان سينمائي محلي بالمملكة في 2006، حمل مسمى «مهرجان جدة للأفلام»، وسجله المراقبون كأبرز حدث ثقافي على الساحة العربية.

كما استضافت جدة، في عام 2010، مهرجان الأفلام الآسيوية بمشاركة 28 فيلما روائيا طويلا، وتسجيليا قصيرا، ووثائقيا متوسط الطول من 13 دولة.

ويبلغ عدد الأفلام السعودية التي تم إنتاجها منذ عام 1975 وحتى عام 2012 حوالي (255) فيلما سعوديا، تنوعت ما بين أفلام وثائقية، وقصيرة، وروائية، ورعب، وأكشن وكوميدية، وصامتة، وخيال علمي، ورسوم متحركة و«يوتيوب».

ويتوقع أن يكون إعلان افتتاح دور السينما في المملكة، خطوة من شأنها، أن تفتح الأبواب الموصدة أمام صناعة سينمائية ما زال المستثمرون وشركات الإنتاج عازفين عنها حتى يتحقق شرط الربحية الذي يحتم وجود صالات عرض.

رفض ديني

وتواجه السينما، أزمة واحدة في السعودية حاليا، هي فتاوى علمائها وعلى رأسهم مفتى المملكة الشيخ «عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ»، الذي حرمها، قائلا إنه «لا خير فيها وضرر وفساد كله مفسد للأخلاق ومدمر للقيم ومدعاة لاختلاط الجنسين».

وأضاف أن «الغنائية والسينما فساد.. السينما قد تعرض أفلاما ماجنة وخليعة وفاسدة وإلحادية، فهي تعتمد على أفلام تستورد من خارج البلاد لتغير من ثقافتنا».

بيد أن الرفض الديني لقيادة المرأة للسيارة، لم يمنع من إصدار أمرا ملكيا في سبتمبر/أيلول الماضي، بالسماح لها بالقيادة.

ومنذ سنوات طويلة، تشهد السعودية جدلا واسعا حول إقامة دور للسينما بها، ويتنازع الجدل حول الأمر تياران؛ الأول محافظ يرفض أي مسعى لإقامة هذه الدور، والثاني ليبرالي يدفع باتجاه إقامتها، انتصر فيه الأخير كما انتصر من قبل في الحفلات الغنائية والأنشطة الترفيهية والسماح للعوائل بدخول الاستاد.

  كلمات مفتاحية

السينما الترفيه السعودية بن سلمان تاريخ رفض ديني

صحف السعودية تبرز إنهاء الحظر على السينما وتترقب «حساب المواطن»

بالصور.. تركيا أسست أول سينما صامتة في مكة عام 1881

أول فيلم سينمائي بالسعودية يحقق عوائد ضخمة متخطيا «تايتنيك»