آفاق التعاون بين حلف الأطلسي ومجلس التعاون الخليجي

الأربعاء 4 فبراير 2015 07:02 ص

على مدى السنوات العشر الماضية؛ دعا حلف شمال الأطلسي «الناتو» المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان للانضمام إلى مبادرة اسطنبول للتعاون؛ والتي أُطلقت في عام 2004 كإطار للتعاون بين «الناتو» ودول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول. وحتى الآن؛ فإن «مبادرة اسطنبول للتعاون» تشمل فقط أربعة شركاء خليجيين - البحرين وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة - ولم تقبل الرياض ولا مسقط الدعوة.

ورغم ذلك؛ فقد أرسلتا وفودًا للمشاركة في ندوة الناتو التي عقدت في الدوحة في 11 ديسمبر/كانون الأول عام 2014 لإحياء الذكرى السنوية العاشرة لإطلاق المبادرة. علاوة على ذلك؛ نقلت الصحيفة عن «محمد عبد الله الرميحي» - مساعد وزير الخارجية القطري - قوله إن دول مجلس التعاون الخليجي قد اقترحت توسيع شراكتها مع الناتو لتشمل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.

إمكانية انضمام كلا البلدين - اللتين تمثلان معًا ما يقرب من 70% من نفقات الدفاع في دول الخليج - إلى «مبادرة اسطنبول للتعاون» ليس هو التغيير الفارق الوحيد في الترتيبات الدفاعية لدول مجلس التعاون الخليجي والتي تجري على قدم وساق في الوقت الحالي. في الواقع؛ هناك تغيرات أوسع وشيكة وفقًا لما جاء في البيان الختامي لقمة دول مجلس التعاون الخليجي رقم 35؛ والتي انعقدت في الدوحة قبل أيام قليلة من ندوة حلف شمال الأطلسي.

وفي هذا البيان؛ أشاد المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي بالخطوات التي اتُخذت بالفعل نحو قيادة عسكرية موحدة، واقترح أيضًا تسريع عملية التكامل الدفاعي بين دول مجلس التعاون الخليجي. وحتى اللحظة لا توجد أي تفاصيل جديدة بخصوص الأمر. كما لم يتم الإعلان رسميًا عن أي شيء يتعلق بميزانيتها أو نوع العلاقة مع القوة المعروفة باسم درع الجزيرة؛ القوة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي حاليًا.

ومع ذلك؛ فقد تم نشر تسريبات صحفية حول القيادة الجديدة في الصحف العربية المُمولة سعوديًا مثل «الحياة» و«الشرق الأوسط». وصرح أحد كبار المسئوليين الخليجيين - طلب عدم الكشف عن هويته - لهذه الصحف بأن القيادة الجديدة سوف تنسق بين دول مجلس التعاون الخليجي والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد الإرهاب، مُضيفًا أن التعاون العسكري بين الدول الأعضاء هو تطور إيجابي. وأبدى بعض المعلقين بالفعل توقعاتهم بأن دول مجلس التعاون الخليجي ستشكل «ناتو عربي» لمواجهة التحديات الأمنية الجديدة في المنطقة.

زيادة مشاركة الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي في ندوة «مبادرة اسطنبول للتعاون» في الدوحة تشير إلى تنسيق أكثر نحو توسيع العلاقة مع «الناتو» كجزء من تغيير في الترتيبات الدفاعية على نطاق أوسع. ومع ذلك؛ فقد ألمح البيان الختامي للقمة الخليجية الـ35، ولم يشر صراحة إلى هذا التحول المنسق.

مبادرة اسطنبول

وبصفة عامة؛ فإن إنجازات «مبادرة اسطنبول للتعاون» خلال العقد الماضي لم تكن واعدة جدًا. وهذا ربما راجع إلى هيكلها - والذي يقوم على أساس اتفاقات ثنائية بين حلف شمال الأطلسي وكل شريك على حدة داخل دول مجلس التعاون الخليجي بدلاً من الاتفاقات المتعددة الأطراف - والتي حالت دون وضع رؤية موحدة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي من خلال شراكة استراتيجية مع منظمة حلف شمال الأطلسي.

وفي ضوء التطورات الأخيرة - احتمالية انضمام الرياض ومسقط واقتراحات دول مجلس التعاون الخليجي بوجود استراتيجية دفاع مشتركة - فإنّ نسخة جديدة من «مبادرة اسطنبول للتعاون» قد تؤدي إلى نتائج مختلفة في السنوات العشر المقبلة.

ومع ذلك؛ قد يكون هناك بعض العقبات التي لا تزال قائمة، مثل عدم وجود توافق بين الدول الأعضاء بشأن القضايا الاستراتيجية الرئيسية. وعلى سبيل المثال؛ يجعل دعم قطر للجماعات المعارضة السورية نهجها في التعامل مع الصراع السوري مُختلفًا عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. والدوحة هي العاصمة الوحيدة في عواصم مجلس التعاون الخليجي التي تستضيف سفارة تمثّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية والمعارضة، في حين أن سفارات نظام «الأسد» لا تزال تعمل في الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة. تغير طبيعة التهديد الإرهابي والخلافات المستمرة حول تعريف مصطلح «الإرهاب» أيضًا بمثابة أدوات تعيق التعاون بين شركاء دول مجلس التعاون الخليجي.

تعريف الإرهاب

التعريف الواضح لمصطلح «الإرهاب» هو أمرٌ مهم لإنجاح التعاون بين الناتو ودول الخليج. والسؤال الآن: من هو العدو؟ وأي نوع من الاستراتيجية يستخدم هذا العدو؟ في السنوات التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011، كان هناك ادعاء داخل «الناتو» أن أعداء التحالف الأساسيين لم يعودوا دولاً لكنهم أصبحوا جهات فاعلة غير حكومية وغير تقليدية على شاكلة تنظيم القاعدة. والآن في عصر ما بعد الربيع العربي؛ لا يمكن اعتبار «الدولة الإسلامية» لاعبًا ولا دولة. وهذا يمثل تحديًا جديدًا لمنظمة حلف شمال الأطلسي وشركائها الذين هم بحاجة الآن لتحديد هدفهم بكل دقة.

وعلاوة على ذلك؛ فقد أعلنت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وكان تلك الخطوة أحد أبرز الأسباب الرئيسية وراء الخلافات بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وعلى الرغم من أن بيان قمة مجلس التعاون الخليجي الـ35 لم يذكر جماعة الإخوان بالاسم، إلا إنه ذكر كلمة «الإرهاب»، وليس من المعروف كيف سيتم تعيين الأجندة الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي؛ نظرا لعدم وجود إجماع عربي وحتى دولي على ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أم لا.

وفي سياق الشرق الأوسط المترامي الأطراف؛ فإن التدخل العسكري الدولي في المنطقة على مدى السنوات القليلة الماضية يشير إلى أن الولايات المتحدة تفضل العمل تحت مظلة دولية واسعة مثل التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، أو التحالف الذي شاركت فيه في عام 2011م جنبًا إلى جنب مع الناتو في الحملة العسكرية في ليبيا. وتحدث الأمين العام للحلف «ينس شتولتنبرج» عن ذلك بكل وضوح في افتتاحية «مبادرة اسطنبول للتعاون» في الدوحة مُشيرًا أن التعاون بين دول الحلف ودول مجلس التعاون الخليجي في ليبيا كان مثمرًا. واعتبر أن الحملة في ليبيا كانت نموذجًا لشراكة «الناتو» ودول الخليج على نحو بنّاء.

الناتو في الخليج 

ومع أخذ هذه القضايا بعين الاعتبار؛ فإنه يمكن للناتو أن يعزز دوره في الخليج عن طريق عاملين؛ أولاً: انخفضت مصلحة الولايات المتحدة في تلك المنطقة بسبب تحول التركيز نحو المحيط الهادئ والرغبة في الحد من التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج. ثانيًا: يمكن لتعزيز الوجود العسكري الأوروبي في الخليج مُؤخرًا أن يُسهّل مشاركة حلف شمال الأطلسي في المنطقة. وهناك بالفعل قاعدة عسكرية بريطانية أُنشئت حديثًا في البحرين، كما افتتحت قاعدة فرنسية في دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2009م.

وهناك ثلاثة متغيرات أخرى من شأنها أن تؤثر أيضًا على دور الناتو في الخليج بطرق غير واضحة المعالم حتى اللحظة.

أولاً؛ سوف تؤثر المحادثات النووية الإيرانية - فضلاً عن نتائجها في نهاية المطاف - على الاستراتيجية الغربية تجاه دول الخليج وإيران. ثانيًا؛ نتائج الحملة العسكرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» - وخصوصا المعارك البرية – ربما تؤثر على نهج حلف الناتو في المنطقة. وأخيرًا؛ من الممكن أيضًا أن تؤثر تحولات السلطة المحلية في المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان على المواقف الأمنية لدول الخليج.

ولا يزال السلطان «قابوس» - سلطان عمان - في حالة صحية حرجة، وقد بدأ الحديث عن خلافته بالفعل، بينما عززت وفاة العاهل السعودي الملك «عبد الله بن عبدالعزيز» تحولات في السياسة والسلطة في البلاد. وبعد ساعات فقط من وفاة شقيقه، فإن الملك المتوّج حديثًا - سلمان بن عبدالعزيز – أعلن عن تعيينات جديدة شملت منصب وزير الدفاع ونائب الأمير ولي العهد ورئيس الديوان الملكي. وقد تؤدي هذه العوامل الثلاثة إلى اضطرابات في بعض دول الخليج. وبموجب هذا السيناريو؛ فإن حلف شمال الأطلسي والقيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي على حد سواء أمامهما الكثير من الأدوار لتلعبها، وسوف تعتمد طبيعة أدوارهم إلى حد كبير على طبيعة العلاقة بين الطرفين.

وفي الوقت الراهن؛ فإنه من غير المرجح أن «الناتو» سوف يقوم بإنشاء قاعدة عسكرية دائمة في دول الخليج على طريقة القواعد العسكرية للدول الأعضاء في حلف الناتو الموجودة بالفعل. ويمكن لــ «مبادرة اسطنبول للتعاون» - في مرحلتها الجديدة - أن تعزز دور «الناتو» باعتبارها مورد «الأمن الناعم» الذي يعمل على تقديم المساعدة في مجالات تبادل المعلومات الاستخباراتية وفرص التدريب والاستشارات الاستراتيجية للدول الأعضاء. العرض الكويتي باستضافة المركز الإقليمي لـ«مبادرة اسطنبول للتعاون» هو الأول من نوعه في منطقة الخليج، ويمكن اعتباره مثالاً جيدًا لهذا النوع من التعاون. وأعلنت الكويت عن عرضها في عام 2011م، ولكنه لم يشهد أي تقدم منذ ذلك الحين. وقد تُعطي تطورات الأسابيع الأخيرة زخمًا إضافيا لهذه المشروعات.

المصدر | هاني بشر، ميدل إيست إنستتيوت

  كلمات مفتاحية

الناتو مجلس التعاون الخليجي مبادرة اسطنبول تعاون عسكري

وأخيرا ... ”الجيش العربي“ قادم؟!

الناتو يجدد حرصه على استقرار الخليج وحماية خطوطه البحرية وضمان أمن الطاقة

دول الخليج تطلق قيادة مشتركة لمواجهة «الدولة الإسلامية» و«إيران»

عندما يقود الخليج

«الزياني»: العمل لا زال مستمرا من أجل إصدار «عملة خليجية موحدة»

حلف «الناتو» يعتزم تقديم خطة لحكومة العراق بشأن إصلاح قواتها الأمنية

فريق منظومة الدفاع ضد الصواريخ البالستية في الخليج يجتمع بالكويت

أمير الكويت يستقبل الأمين العام لـ«الناتو» وتوقيع اتفاقية «تسهيل العبور»