لعبة السلطة الجريئة من العاهل السعودي الجديد «سلمان»

الخميس 5 فبراير 2015 12:02 ص

«أنتم تستحقون أكثر من ذلك»؛ بهذه الكلمات المقتضبات غرد العاهل السعودي الجديد الملك «سلمان بن عبدالعزيز» لشعبه بعد وقت قصير من سلسلة من المراسيم الملكية يوم الخميس الماضي أعاد بها تشكيل النظام السعودي عن بكرة أبيه. وهذا هو تحديدًا ما أعطاه لهم؛ تثبيت الدعائم التي عفا عليها الزمن لحكم عائلته أكثر وأكثر برجال دين متعصبين وسلطة مركزية عشائرية وسياسة نفطية مُسيسة وصدقات قصيرة النظر تغلق الطريق على المعارضة.

وعن طريق إعادة الالتزام بهذه الميزات الكلاسيكية المعهودة في السياسة السعودية، فإن الملك «سلمان» لا يوفر الكثير من الأسباب التي تتيح الفرصة لأولائك الذين يرغبون في تصويره باعتباره مُعتدلًا وإصلاحيًا، وبدلاً من ذلك؛ فإنه يُعيد استثمار نفس الاستراتيجيات غير المُستدامة التي وُضعت لتصل بالمملكة إلى مزيد من عدم الاستقرار على الطريق.

لذلك دعونا نستقبل النظام الجديد بقيادة «سلمان، إنه لن يختلف عن النظام القديم بل ربما سيكون أسوأ.

أولا: لقد قام الملك بوضع رجال دين رجعيين على رأس أعلى المناصب الدينية، ما يشير إلى أنه من غير المرجح الدخول في عهد جديد من التسامح الديني السعودي الذي هناك حاجة ماسّة له الآن.

لقد اختار الملك «سلمان» لوزارة الشئون الدينية «صالح بن عبدالعزيز الشيخ»؛ والذي أقيل من منصبه في ديسمبر/كانون الأول بعد قيادته للوزارة منذ عام 1996م، وفي إبريل/نيسان الماضي؛ تحدث الشيخ عن «الهجوم الذي يتعرض له الإسلام والمسلمين من ثالوث خطير يشكله اليهود والنصارى والمشركين».

كما أدلى بتصريحات مماثلة أثناء ترأسه مسابقة تلاوة القرآن الكريم تحمل اسم العاهل الجديد «سلمان»، وبعد ذلك؛ شبّه الملك «سلمان صالح الشيخ» بالمرساة التي ستعيد تأكيد رعايته لهذا الحدث وعبر عن عميق امتنانه «للمشاعر الجيدة»، وينشر الشيخ معلومات مُضللة عن الشيعة - الأقلية السعودية البارزة - مُدّعيًا أن «عليّ هو إلاههم»، وأن شعائرهم الدينية تشمل «عبادة الموتى من دون الله».

كما اختار الملك واعظًا بارزًا يُدعى «سعد بن ناصر الشثري» لتقديم المشورة والنصح لمحكمته الخاصة، واعتاد هذا الواعظ العمل كعضو في مجلس كبار العلماء - أعلى هيئة دينية في المملكة - حتى أُقيل في عام 2009 عقب إدانة التعليم المُختلط في «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا»، ومطالبته بلجنة من الزعماء الدينيين للإشراف على المناهج الدراسية بالجامعة.

لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا وجُهدًا مريرًا ليتم فصله من هذا المجلس، وقد جادل الأعضاء الحاليين ما أثبته العلم الحديث بأن الأرض تدور حول الشمس، وأن أصحاب وسائل الإعلام التي تنشر الرذيلة ينبغي إعدامهم، لكن بعض المراقبين وصف إقالة «الشثري» بالميزة التي لن تُنسَ من إرث الملك «عبدالله».

لذلك؛ فما الذي فعله «الشثري» منذ عام 2009 لتبرير تأييد الملك «سلمان»؟ حسنًا، لسبب واحد؛ لقد أدان ما يُسمى بتنظيم «الدولة الإسلامية»، ولكن الطريقة التي فعل بها ذلك أثارت الدهشة؛ لأنه أدان المجموعة عن طريق وصفها بأنها «مارقة من الدين» وأنها «أكثر كفرًا من اليهود والنصارى».

ومن الذين لا يزالون في السلطة مفتي المملكة الذي دعا لهدم جميع الكنائس في شبه الجزيرة العربية.

وقام «سلمان» بعزل أحد أعضاء هيئة كبار العلماء غير المصنف ضمن كبار الشخصيات التي تنتمي إلى المعسكر الرجعي، وبدلاً من ذلك؛ فقد تم عزل رجل الدين «محمد عيسى» الذي كان يدير أيضًا وزارة العدل، وكان معروفًا بقربه الوثيق من محكمة الملك «عبدالله».

وفي الوقت نفسه؛ عزل «سلمان» الرئيس العام للشرطة الدينية المتشددة في المملكة؛ والتي تُعرف باسم «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وكان رئيس الهيئة المنتهية ولايته مكروهًا من موظفيه المتشددين لتصديه لهم في تجاوزاتهم؛ والتي تشير التقارير أن هناك أعضاء قادوا سياراتهم في مواكب احتفالية وسجدوا في الشوارع واستأجروا قاعات للاحتفالات واستقبال المهنئين.

وبدلاً من ذلك؛ فإن الذي اختاره الملك سلمان لرئاسة شرطة الأخلاق قد أطلق تصريحات بأن الإغراء بارتكاب الخطيئة ينشأ من أعداء الإسلام في الخارج، ومن ثم يجب على المواطنين السعوديين أن يطيعوا بإخلاص حاكمهم ويتبعوا «النهج القويم». وقد أشرف على هيئة أكاديمية مُكرسة لتعزيز الفضيلة والنهي عن المنكر سُميت باسم بطل الشرطة الدينية المتشدد الراحل الأمير نايف، ومؤخرًا ساعد في إطلاق هيئةٍ أكاديمية لــ«الاعتدال» سُميت باسم مؤسس الوهابية.

كما أشاد أيضًا بلوائح الإرهاب الجديدة في المملكة العربية السعودية كنموذج يحتذي به العالم، على الرغم من أن هذه القواعد الصارمة تُجرّم الاحتجاجات والدعوة إلى الإلحاد أو أي شيء يعطل الوحدة العامة كعمل محتمل أن يؤدي إلى الإرهاب.

ثانيًا: ساعدت سلسلة المراسيم الملكية التي أصدرها الملك «سلمان» يوم الخميس على توفير خارطة طريق لكيفية ممارسة السلطة في ظل نظامه الجديد، ويبدو من غير المرجح حاليًا أن المملكة العربية السعودية سوف يحكمها بالتراضي فريق من المنافسين أو أنها عُرضة لجمود استثنائي بحسب ما يقترحه بعض المحللين.

وبدلاً من ذلك؛ يبدو أن السلطة سوف ترتكز في أيدي زمرة من أقارب الدرجة الأولى المقربين من الملك الجديد في صورة وصفها المحلل الخليجي «تيودور كاراسيك» أسماها «الانتقام السديري»؛ وهو اسم فرع من فروع عائلة «آل سعود» التي ينتمي إليها الملك «سلمان» وإخوته الأشقاء ونسلهم.

ويجدر أيضًا التذكير بأن الملك جاء في واحدة من أسوأ الفترات التي تواجه فيها المملكة العربية السعودية حالة من عدم الاستقرار الداخلي منذ أواخر الخمسينات وأوائل الستينات عندما اشتبك فصيلين في العائلة المالكة أملًا في تأمين السلطة لأنفسهم.

ابتداء من يوم الخميس؛ بدأ «سلمان» التراجع عن العديد من التعيينات الأساسية على يد أخيه الراحل الملك «عبدالله»، فقد أزال أبنائه من على رأس أهم محافظتين في المملكة العربية السعودية؛ العاصمة السياسية الرياض والعاصمة الدينية مكة، ولي العهد الأمير «مقرن» - الذي أرغم «عبدالله»، «سلمان» لقبوله خلفًا له في المستقبل تمّ تهميشه يوم الخميس بمراسيم تخطته لتُعطي سلطات جديدة على مرؤوسيه بدلاً من أن تستقر عنده، أما الأمير «بندر» سيئ السمعة والذي كان مسئولًا عن العديد من المغامرات الخارجية التي لا تُنسَ في المملكة العربية السعودية فقد صار خاوي الوفاض؛ بما في ذلك أمانة مجلس الأمن القومي.

وذهب الملك «سليمان» إلى أبعد من ذلك؛ فقد قام بحل مجلس الأمن القومي وأحد عشر مجلس سياسي كبير آخر من أجل تركيز سلطة اتخاذ القرار في يد كيانين جديدة: مجلس الشئون السياسية والأمنية ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وتم تسليم المجلسين إلى الموالين لـ«سلمان».

لقد تم تسليم المجلس الاقتصادي السعودي الجديد لابن الملك «محمد»؛ والذي يلعب أيضا دور حارس البوابة بصفته رئيسًا لديوان والده، وأُسندت إليه  أيضًا يوم الجمعة الماضي حقيبة وزارة الدفاع في المملكة. ومن الصعب أن نصدق أن الأمير «محمد بن سلمان» مُنح هذه المواقف بحكم سجله الطويل في الحكومة حيث إن عمره لا يتجاوز سنّ الــ35.

وفي الوقت نفسه؛ فإن القائد السياسي والأمني الجديد في المملكة العربية السعودية هو ابن الأخ الشقيق لـ«سلمان»، «محمد بن نايف»، وكما هو معروف لدى الغرب؛ فإن «محمد بن نايف» يشغل منصب وزير الداخلية في المملكة منذ عام 2012م، ويُشرف على حملة منظمة ليست فقط ضد المتطرفين المنتهجين للعنف، ولكن أيضًا الناشطين السلميين في مجال حقوق الإنسان الذين يرغبون في الانتقال بالمملكة إلى اتجاه أكثر اعتدالا، وبعد وقت قصير من وصوله إلى السلطة، خلع «سلمان» على «محمد بن نايف» صفة النائب الثاني لرئيس الوزراء حتى يتمكن من إدارة اجتماعات مجلس الوزراء ويكون في خط الخلافة في نهاية المطاف كنائب لولي العهد.

كما رقّى الملك ابنه «عبدالعزيز» من مساعد وزير النفط والثروة المعدنية إلى نائب وزير برتبة وزير في مجلس الوزراء. وبالتالي فإن جمع «عبدالعزيز» للأمرين يعكس حقيقة أن المجلس الأعلى لشئون النفط والثروة المعدنية قد ضُمّنت وظائفه في المجلس الاقتصادي والذي يرفع الآن التقارير إلى مجلس الوزراء والأمير «محمد» ابن الملك، وتشير هذه التحركات إلى تفريغ سلطة وزير البترول المخضرم «علي النعيمي»، وحتى إذا واصل الملك «سلمان» دفعه خلف استراتيجية «النعيمي» المثيرة للجدل بإفلاس منتجي النفط أصحاب التكلفة في الخارج، فإنه على ما يبدو أن «عبدالعزيز يتم تجهيزه ليرأس هيئة الطاقة لمنتج النفط المرجح في العالم مستقبلا.

وأخيرًا؛ فإن الملك «سلمان» يستخدم بعض مدخرات بلاده من مبيعات النفط لرشوة المواطنين في المملكة على أمل أن تبقى الأمور هادئة في مواجهة تجدد الاستبداد.

وكما تعهد الملك «عبدالله» بنفقات عامة جديدة ضخمة لإبعاد الربيع العربي أن يحل ببلاده، فكذلك عرض «سلمان» حوالي 30 مليار دولار كمعونات وعطايا إلى مجموعة واسعة من الفئات الاجتماعية في السعودية؛ بما في ذلك ضباط الجيش وموظفي القطاع العام والطلاب والمتقاعدين والفقراء والمعاقين، ووصل الأمر إلى إدخاله الفرق الرياضية والنوادي الكتاب والجمعيات المهنية في دائرة هباته وعطاياه.

وبالتالي؛ فإنه بعد لعب المملكة العربية السعودية مناورتها في انهيار أسعار النفط، فإن هناك احتمالية أن يواجه المستهلكون الأجانب ارتفاعًا في أسعار البنزين أكثر من أي وقت مضى، وسوف يضطر السعوديون إلى دفع فاتورة أكبر من النفقات عن ذي قبل، ما يدفع سعر التعادل في الرياض لبرميل النفط الواحد إلى أعلى بكثير.

وفي طريقه إلى المملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء؛ لاحظ الرئيس «أوباما» أن السعوديين والأنظمة المُشابهة «ستكون بحاجة لتغيير الطريقة التي تتعامل» للبقاء على قيد الحياة في العصر الحديث، وتوحي إدارة الملك «سلمان» القصيرة للنظر أنه ليس على استعداد لاتخاذ الخطوات الصعبة المطلوبة لتثبيت استقرار مملكته بشكل أكثر استدامة.

ولكن إذا كنت تحب النظام السعودي القديم، فإنك ستحب النظام الجديد أيضًا.

المصدر | ديفيد أندرو وينبرج - ذا ناشيونال انترست

  كلمات مفتاحية

السعودية الملك سلمان وفاة الملك عبدالله الأمير مقرن الأمير محمد بن نايف بندر بن سلطان محمد بن سلمان عبدالعزيز بن سلمان

الإعلامي المصري «إبراهيم عيسى» يهاجم سياسات السعودية في عهد «الملك سلمان»

«الغنوشي» يدعو «الملك سلمان» لرعاية مصالحة «تحقن الدماء» في مصر

الملك «سلمان» يترأس أولى جلسات مجلس الوزراء ويؤكد التزامه بالأمن الدولي وتنمية الاقتصاد

الملك سلمان.. وأسئلة المرحلة

هل ابتعد الأمير «بندر بن سلطان» عن المشهد السعودي؟

الداعية السعودي «محسن العواجي» يدعو لدعم «الملك سلمان» وأولياء العهد

«مجتهد»: الرياح تسير بما لا تشتهي سفن الأمير «متعب»

الملك «عبدالله بن عبدالعزيز» في ذمة الله ... ومبايعة الأمير «سلمان» ملكا للسعودية

رياض الصيداوي: مخطط خالد التويجري لإيصال الأمير متعب لحكم السعودية بات واضحا