أسرار عودة «قوش» إلى رئاسة جهاز المخابرات السودانية

الأربعاء 14 فبراير 2018 08:02 ص

أثار تعيين الفريق أول «صلاح محمد عبد الله قوش» مديرا لجهاز الأمن والمخابرات السودانية، الأحد الماضي، ردود أفعال متباينة، وفتح أبواب التأويل بشأن أسباب هذه الخطوة وتوقيتها.

وفي 15 أغسطس/ آب 2009، أقال الرئيس السوداني، «عمر البشير»، «قوش» من منصب مدير عام جهاز الأمن والمخابرات، الذي كان يتولاه منذ عام 2004، وعين محله نائبه الفريق «محمد عطا المولى»، قبل أن يتم إعادة «قوش» إلى رأس الجهاز، الأحد الماضي.

ورصدت وكالة «الأناضول» الأسباب المحتملة وراء لإعادة «قوش»، الملقب في الأوساط السياسية السودانية بـ«رجل البشير القوي»، إلى رئاسة جهاز المخابرات السودانية.

ويأتي في مقدمة تلك الأسباب تزايد الاحتقان بين الحكومة والمعارضة، خاصة مع التطورات الأخيرة، بعد تطبيق الحكومة، منذ مطلع العام الجاري، إجراءات اقتصادية قاسية، أعقبتها احتجاجات شعبية واعتقالات طالت قادة أحزاب المعارضة.

ويراهن كل من المعارضة والحكومة على أن الشعب السوداني يؤيده، وترى الحكومة أن الأزمة الاقتصادية والاحتجاجات تأتي في اطار مؤامرة خارجية تستهدف نسف الاستقرار والأمن في البلاد.

وقال أمين التعبئة السياسية بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، «عمار باشري»، في تصريح سابق، إن «مخابرات دول (لم يسمها) تعمل على إثارة الخوف والهلع بين السودانيين للخروج عن النظام».

فيما قال الرئيس السوداني، الخميس الماضي، إن حكومته «عازمة على قطع الطريق أمام المتربصين والمتاجرين ومروجي الأزمات بين الشعب السوداني».

بينما ترى المعارضة أن أوان التغير قد حان، بعد أن فشلت السلطة في حل أزمات البلاد المتلاحقة، ودعت المواطنين للخروج إلى الشارع في مظاهرات سلمية ضد الحكومة.

فيما يدفع كثيرون بأن السبب الرئيس في عودة «قوش» هي الأزمة الاقتصادية، التي جعلت «البشير»، يتوعد، في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، بتعامل أجهزة الدولة بشدة وصرامة مع تجار العملة وملاحقتهم خارج البلاد، وإعادتهم إلى السودان، ومحاكتهم بتهمة الإرهاب وتخريب الاقتصاد.

ووفق مراقبين، فإن هذا الحسم في الشأن الاقتصادي لن يتحقق إلا برجل مثل «قوش»، فهو ذو عقلية أمنية، ولديه قدرة على فرض إجراءات الدولة كما ينبغي لإيقاف التدهور الاقتصادي، ومكافحة التلاعب والتزوير، وضبط الأسواق، وحل أزمة البنوك، التي ألقت عليها الحكومة، مؤخرا، المسئولية في بعض التدهور الاقتصادي.

وقرر بنك السودان المركزي، أواخر الشهر الماضي، فصل نائب مدير عام وثلاثة مدراء فروع أحد المصارف العاملة في البلاد، وحرمانهم من العمل بالجهاز المصرفي في السودان، إثر «مخالفات، وعدم التقيد بضوابط البنك المركزي المتعلقه بالنقد الأجنبي».

خلاف مكتوم

مما زاد من صخب عودة «قوش» إلى رئاسة جهاز الأمن والمخابرات، وإقالة سلفه «محمد عطا»، هو أن هذه الخطوة تتزامن مع إرهاصات خلاف مكتوم داخل الحزب الحاكم.

وربط البعض الأمر بتصريحات ناقمة تناولتها وسائل إعلام محلية لأعضاء في الحزب ونواب له في البرلمان بلغت حد المطالبة بإقالة وزراء القطاع الاقتصادي.

ونقلت وسائل أعلام محلية، الأسبوع الماضي، عن مدير الإعلام السابق في الرئاسة السودانية، «أبي عز الدين»، تأكيده وجود تحركات لإقالة مسؤولي الاقتصاد في الحكومة والحزب.

بينما شدد الحزب الحاكم على «استمرار وزراء القطاع الاقتصادي بالحزب، دعماً للسياسات الاقتصادية التي تتطلب مواصلة الجهود من جميع أبناء السودان خدمة للشعب السوداني».

كل هذا الحراك السياسي داخل حزب «البشير» يدور في ظل غضب شعبي عارم مندد ورافض للغلاء، الذي اجتاح الأسواق، لاسيما بشأن السلع الأساسية، وفي مقدمتها القمح، والدقيق.

ويرى مراقبون جانبا آخر في عودة «قوش» بعد غيبة طويلة عن المشهد السياسي، لاسيما وأن عهد «عطا» المُقال لم يشهد اختراقا كبيرا في الأمن الداخلي للسودان، ما يجعل إقالته غامضة.

ويربط هؤلاء عودة «قوش» برغبة في إعادة ما يُعرف بـ«الحرس القديم»، ويرون أن «قوش» ما هو إلا بداية سيتبعها آخرون، استناداً إلى تغيير في مفاصل السلطة والحزب الحاكم، يجب أن تسبقه سيطرة كاملة على مكامن القوة في أجهزة السلطة.

ويرون أن السيطرة التي يمكن أن يحققها «قوش» قد تسهم بشكل كبير في أحداث تغيير في الحكومة وأجهزتها دون اعتراض.

هذا التمهيد بـ«قوش» يقود إلى قائمة طويلة من الإسلاميين الذين ابتعدوا أو أُبعدوا عن المشهد في السنوات الماضية.

ويدعم هذا الرأي ظهور نائب الرئيس السابق، «على عثمان طه» مع «البشير» مرتين، مؤخرا.

وجلس «طه» بجوار «البشير» في اجتماع مجلس شورى الحزب، يوم 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، كما تواجد معه، الأربعاء الماضي، خلال افتتاح مصنع لإنتاج «ملح اليود» في مدينة بورتسودان (شرق).

و«طه» هو النائب السابق لـ«البشير»، قبل أن يقدم استقالة مثيرة، في ديسمبر/ كانون أول 2013، وسط اختلاف حول دوافعها، إذ أرجعها البعض إلى خلاف بين «البشير» ونائبه، فيما قال «طه» إنه قدم استقالته لإفساح المجال أمام جيال جديدة لقيادة البلاد.

وبعد عودة «قوش»، دعا كتاب محسوبون على الحكومة إلى إعادة كل من «طه» ومساعد «البشير»، «عوض الجاز»، رئيس لجنة التعاون السودانية- التركية، في مناصب تنفيذية ذات تأثير أكبر.

انتخابات مرتقبة

على مستوى آخر يرى خبراء أن عودة «قوش» تستهدف التمهيد لإعادة ترشيح «البشير» في انتخابات عام 2020، دون انتظار الحزب الحاكم، الذي لم يعلن حتى الآن موقفه الرسمي بشأن ترشيح «البشير».

ويتردد أن ثمة رأي رافض داخل الحزب أن يكون «البشير»، الذي وصل إلى السلطة عام 1989، رئيسا لفترة جديدة تتطلب تعديل الدستور، ليتسنى له الترشح.

يدعم هذا الرأي أحداث مؤتمر شورى الحزب الحاكم، في يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث تم رفض إدراج بند في الاجتماعات بترشيح «البشير».

لكن نائب رئيس مجلس شورى الحزب الحاكم، «محمد يوسف كبر»، قال آنذاك إن «إعادة ترشيح الرئيس البشير ليست بين أجندة اجتماع مجلس شورى الحزب»، وإن «الصلاة تقام بوقتها، وهناك مؤسسات متخصصة في هذا الأمر وستحسمه في الوقت المناسب».

ويمثل وجود «قوش» سندا لـ«البشير» في هذا التوقيت دعما قويا للرئيس السوداني، في مواجهة أية معركة مرتقبة لترشحه لفترة رئاسة ثالثة في انتخابات 2020.

يضاف إلى ذلك أن «قوش» له أدوار سياسية، حيث كان عضوا في مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، برئاسة «جون قرنق»، والتي أقرت تقرير المصير، ما أدى إلى انفصال جنوب السودان، عام 2011.

كما سعى «قوش»، خلال رئاسته مستشارية الأمن القومي (2009- 2011)، إلى إدارة حوار مع أحزاب سياسية معارضة، وهو ما أقلق كثيرون حينها، باعتبار أنه تغول من المستشارية الأمنية على العمل السياسي. 

  كلمات مفتاحية

صلاح قوش المخابرات السودانية عمر البشير المعارضة السودانية

«صلاح قوش».. «عدو البشير التائب» يعود للمخابرات السودانية

ملف العلاقات المصرية يقف وراء إقالة رئيس المخابرات السوداني

في خطوة مفاجئة.. «البشير» يقيل مدير المخابرات ويعيد السابق