«مالكوم إكس».. رسالة تنوير مستمرة بعد عقود من اغتياله

الأربعاء 21 فبراير 2018 12:02 م

بين عشية وضحاها، يتغير مسار الفرد بشكل يقلب مسار حياته رأسا على عقب في اتجاه تكون خاتمته طيبة، وإن كانت ملامح الحياة الأولى ترسمها خطى الشقاء، فالأعمال بالخواتيم.

هذا ما حدث بالفعل مع الأمريكي، «مالكوم إكس»، أو «الحاج مالك الشبّاز» الذي صار ذلك هو لقبه بعد أن اهتدى إلى الإسلام بعد حياة قضاها بين الجريمة والسجون.

فقبل أن تغتاله رصاصة غادرة في 21 فبراير/شباط عام 1965، كانت وسائل الإعلام الأمريكية تصور «مالكوم إكس» على أنه «قواد ومدمن للكوكايين ولص ودهمائي».

واشتهر عن «مالكولم إكس»، عبارته التي قالها في مقابلة صحفية قبل أسابيع من اغتياله، حين تلقى سؤالا عن التهديدات بالقتل، التي يتلقاها من مختلف الجهات العنصرية، سواء من البيض أو السود، فقال: «إن ثمن الحرية هو الموت».

لكن بعد 53 عاما من ذلك، تحولت الآراء والاتجاهات بشأنه بمقدار 180 درجة، ليصبح أيقونة للحقوق المدنية، ورمزا للتنوير على المستوى العالمي.

فالرجل الذي عطل الهرم السياسي والاجتماعي في بلاده، وبمستوى تعليمي متواضع للغاية، أصبح الآن يحظى بقبول عالمي ويعتبر مصدرا للفخر بالنسبة للسود والبيض والمسلمين وغير المسلمين على حد سواء.

ولد «مالكوم إكس» ذو الأصول الأفريقية، عام 1925 في ولاية نبراسكا الأمريكية في وقت كان التمييز ضد السود في أمريكا قائما بل في أوجه، واشتهر بدفاعه عن حقوق السود وناضل طوال حياته من أجل حقوقهم، وله العديد من المحاضرات واللقاءات والأقوال الشهيرة.

ولا تزال قدرة «مالكوم إكس» على تغيير مسار حياته وظروفه، هي الجانب الأكثر جاذبية في سيرته لأولئك الذين يقتدون به.

وأحد هؤلاء الأمريكي، «عبدالله عثمان»، الذي احتذى بمثال «مالكوم إكس»، لتغيير مسار حياته من مجرم مدان إلى شخص يحاول أن يُظهر للآخرين، كيف أنه يمكن استغلال الصعوبات والعراقيل الشخصية كوسيلة دفع لتغيير الذات والاستقلال اقتصاديا.

وقال «عثمان» في حديث لوكالة «الأناضول»: «أحب في سيرته أنه تحول من تاجر مخدرات ومن قواد ومن شارب للكحول، إلى شخص أصلح حياته».

وأضاف: «لقد عشت نمط حياة مشابها لذلك، لأنني سبق أن مررت بتجربة السجن، لذلك دأبت على الاطلاع عنه حتى غيرت حياتي نحو الأفضل».

وتابع: «الآن أحاول تعليم الناس طريقة أخرى للعيش؛ بدلا من السرقة والأشياء من هذا القبيل، فبإمكانك السعي والعمل وأن تحاول الكسب لتوفر حياة كريمة لنفسك، وتحسن من وضعك ووضع مجتمعك، وتتغير وتيرة العالم بهذه الطريقة».

وعلى غرار «مالكوم إكس»، حاول «عثمان» تثقيف نفسه بمفردات لغات أخرى لكي يستطيع التواصل مع الأشخاص الذين لا يتحدثون بلسانه.

رحلته مع الإسلام

في بداية حياته، لم يكن «مالكوم» مسلما بل كان مسيحيا، وقد جرب جميع أنواع الممنوعات من تجارة المخدرات وصولا إلى القيام بعمليات سطو مسلحة على منازل البيض سجن على أثرها لأكثر من 7 سنوات.

لاحقا، وأثناء فترة سجنه، أسلم إخوته وعرفوه على دين الإسلام وأرسلوا له العديد من الكتب، ثم اهتدى للإسلام لاحقا وهو في السجن.

وبعد خروجه من السجن، انضم «مالكوم إكس» لحركة «أمّة الإسلام»، التي أنشأها السود في أمريكا وأسسها «إليجاه محمد»، التي تبنت كما هائلا من المفاهيم الإسلامية المحرّفة والبعيدة عن منهج أهل السنّة والجماعة.

كما دعت هذه الحركة إلى تفوق الجنس الأسود على الأبيض وليس المساواة والعدل بينهما، وعملت على تصوير البيض على أنهم شياطين وأن السود هم ملائكة، بالإضافة إلى الكثير من الأفكار الخاطئة.

لكن «مالكوم إكس»، دأب على تصحيح تلك المفاهيم وتصحيح حركة المسيرة الإسلامية في الولايات المتحدة، واكتسب حينها شهرة واسعة.

وخاض «مالكوم إكس» رحلة طويلة إلى الدول العربية، التقى خلالها بالعاهل السعودي وقتها الملك «فيصل»، وعدد من الزعماء العرب والقادة، وفي طريقه قام بفريضة الحج، وكانت هذه الرحلة هي نقطة الولادة الجديدة له فقد تغيرت كل أفكاره ومعتقداته وآرائه بشكل جذري بعد رحلة الحج، كما أعلن إسلامه مرة أخرى، واعتنق مذهب أهل السنة والجماعة.

تأثيره على أتباعه

من جانبه، يقول «نيل شوميكر»، وهو أحد مواطني «هارلم» (أحد أحياء مدينة نيويورك ومركز الأمريكيين من أصل أفريقي)، واعتنق الإسلام ويقوم بجولات دعوية سيرا على قدميه في مانهاتن منذ عام 1998، إن الفضل يعود إلى «مالكوم إكس» في هداية الكثير من الأشخاص إلى الإسلام.

وأضاف أن هؤلاء الأشخاص أيضا استطاعوا تغيير حياة الكثيرين من خلال تعاليم النبي «محمد» صلى الله عليه وسلم.

وقال «شوميكر»، إن «مالكوم إكس» لا يزال يؤثر على السياسة الأمريكية حتى بعد وفاته.

وأشار إلى أن فيلما وثائقيا مدته ساعة عن حياة «مالكوم إكس» سيعرض على التليفزيونات الأمريكية بعد يوم من ذكرى وفاته، وأضاف: «أعتقد أن هذا يرجع إلى وجود دعوات مجددة للمطالبة بالحقوق المدنية حاليا».

وكان «مالكوم» يقوم بتوجيه السود إلى كيفية تمكين وتثقيف أنفسهم وكبح جماحها وتعليمهم كيف يحبون مجتمعاتهم.

وقد أثرت رسالته أيضا على «عائشة ماكبرايد»، منذ أن أعجبت للمرة الأولى بأسلوبه وأفكاره عندما كانت في أواخر سن المراهقة حين جاءت إلى مدينة نيويورك.

وتقول «عائشة» لوكالة «الأناضول»: «لقد أعجبت به، لأنه كان مسلما، وأسلوبه جعلني أكتشف المزيد عنه».

ونقلت «ماكبرايد» خبرتها عن «مالكوم إكس» لابنتها الصغيرة، من أجل الاستفادة من قصة حياته بكيفية التغلب على الصعوبات وتحويلها إلى شيء جيد.

وقالت: «لقد خرج من حالة ظلامية إلى أخرى من الوعي وازدهرت حياته منذ تلك اللحظة، كم كنت أتمنى أن يطول عمره لأنه كان سيُحدث تغييرات عظيمة في العالم».

ماذا لو كان حاضرا؟

من المستحيل أن نتوقع كيف كان سيتصرف «مالكوم إكس»، إذا طال به العمر حين يشهد أجواء السياسة الحالية وإذا مر بأحداث الستينات المضطربة، وأعمال الشغب التي طالت عموم البلاد في ذلك العقد وفترات الانكماش الاقتصادي، والحرب الباردة، وسقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وتوسع الحروب الخارجية، وانتخاب الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما»، والرئيس الحالي «دونالد ترامب».

وتردد أنه اعترف، للكاتب الشهير «أليكس هيلي»، الذي كتب سيرته الذاتية قائلا: «أنا رجل يكفي أن أقول لكم إنني لا أستطيع وضع أصبعي على ما تقدمه فلسفتي الآن بالضبط، ولكني مرن»، وقد نطق بتلك الكلمات قبل ثلاثة أيام من اغتياله.

وبغض النظر عن المسار الذي كان سيتخذه في السنوات التالية، لو أنه نجا من ذلك اليوم المشؤوم في عام 1965، فإنه ليس من الصعب أن نتصور أن «مالكوم إكس» كان سيظل قوة لا يستهان بها.

فبعض القضايا المثارة اليوم هي نفسها القضايا، التي كان يتصدى لها في الخمسينات والستينات ألا وهي التمييز العنصري، ووحشية الشرطة وحقوق الإنسان الأساسية، وغير ذلك.

ويقول «نوفا فولر»، أحد الباعة في «هارلم»: «لقد كان (مالكوم إكس) بمثابة قنبلة نووية فيما يتعلق بالطريقة التي ضرب فيها أمريكا بفكره، إنه لم يقض يومًا واحدًا في قاعات المحاضرات بالكليات، وكانت كليته هي تلك السجون التي قضى فيها وقتًا هنا في الولايات المتحدة».

وأضاف: «لدي صور له وهو يلقي دروسا في المسجد عن الرجولة والاعتناء بالأسرة والأطفال والزوجة.. تلك المبادئ وحدها، وإن تبدو بسيطة ولكن على وجه الخصوص، نحتاج إليها حتى في الوقت الحاضر، ونحن بحاجة إلى سماع ذلك بشكل أكثر».

ويشار إلى أنه بعد اغتيال «مالكوم إكس»، أقر الرئيس الأمريكي «ليندون جونسون» قانونا يسمح للسود بالمشاركة في الانتخابات والتصويت، كما تم إنهاء الاستخدام الرسمي لكلمة «Nigro»، التي تعني «زنجي» والتي كان يتم استخدامها كإهانة للسود.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

مالكوم إكس إسلام مسلمين إلهام ملهم سود بيض حرية أمريكا اغتيال

وثائقي لنتفليكس يحيي التحقيق في مقتل مالكوم إكس

وثائقي لـ"نتفليكس" يعيد التحقيق في اغتيال مالكوم إكس

نيويورك تنظم مراسم تأبين لمالكوم إكس بالذكرى 55 على رحيله

ابنة مالكوم إكس تحيي ذكرى والدها: حارب الظلم واللاإنسانية