3 تداعيات للصراع العسكري بين أوكرانيا وروسيا على منطقة الشرق الأوسط

الأربعاء 9 فبراير 2022 12:38 ص

أصبح حوض البحر الأسود نقطة اشتعال بسبب تدخلات روسيا في جورجيا وأوكرانيا. ولا تقتصر آثار هذا الأمر على أمن أوروبا فقط، ولكن أيضًا على أمن البحر الأبيض المتوسط. ومع تصاعد احتمال الصدام العسكري بين أوكرانيا وروسيا، ينبغي إيلاء اهتمام وثيق لتأثيراته المحتملة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتعد العلاقة بين النزاع في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا مما يبدو للوهلة الأولى، فهناك 3 مجالات رئيسية ستتأثر بها المنطقة في حال اندلاع مواجهة واسعة بين البلدين.

أولا: الطاقة بسبب الانقطاعات المتوقعة لتدفقات الطاقة العالمية.

ثانيا: الزراعة بسبب الاضطرابات المحتملة في التجارة الزراعية وإنتاج الحبوب في حوض البحر الأسود.

ثالثا: اللاجئين بسبب الأزمة الإنسانية التي ستخلفها الحرب؛ مما يضغط على نظام المساعدة العالمي الذي يعاني بالفعل من نقص التمويل.

الطاقة

تعد الانقطاعات المحتملة لإمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، في حالة الصراع بين روسيا وأوكرانيا، مصدر قلق كبير للولايات المتحدة. ومن الممكن أيضًا حدوث اضطرابات في سوق النفط، إما بسبب العقوبات المالية (حيث لن يتمكن المشترون من شراء منتجات الطاقة الروسية) أو بسبب المخاطر المتعلقة بنقل منتجات الطاقة الروسية، لا سيما عبر البحر الأسود والأراضي الأوكرانية.

ويلبي الغاز الطبيعي الروسي حوالي 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي، ولن يكون تعويض هذه الإمدادات سهلاً، لذلك تدرس واشنطن إمكانية قيام قطر بتزويد أوروبا بشحنات الغاز في حال الغزو الروسي لأوكرانيا؛ وكان الموضوع على جدول الأعمال الذي ناقشه الرئيس "جو بايدن" وأمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" خلال زيارة الأخير للبيت الأبيض في 31 يناير/كانون الثاني.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها قطر للتخفيف من أزمة طاقة مفاجئة. ففي أعقاب حادثة فوكوشيما عام 2011، وجهت قطر - بموافقة المشترين الأوروبيين - الشحنات إلى اليابان، وفي عام 2013 ساعدت مصر على سد النقص في الغاز. ويمكن لقطر توفير المزيد من الغاز لأوروبا، والعمل مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمشترين الآسيويين لإيجاد طرق لتحويل الشحنات من آسيا إلى أوروبا في حالة الطوارئ.

وتشهد قطر توسعة كبيرة في قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال. وستكون مساعدة أوروبا فرصة لتعزيز صورة قطر وفرصها في توقيع عقود طويلة الأجل مع المشترين الأوروبيين. ومن شأن ذلك أن يحقق هدف الدولة، كما صرح وزير الطاقة القطري: "تسييل حقول الغاز بأسرع طريقة ممكنة".

وبالإضافة إلى قطر، هناك دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكنها اغتنام الفرصة لمساعدة أوروبا على تقليل اعتمادها على روسيا، حيث زادت مصر بالفعل من إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، ويمكن أن توفر الجزائر 7 مليارات متر مكعب إضافية سنويًا إلى الاتحاد الأوروبي. ويمكن لمنتجي الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن يكونوا جزءًا من الحل مع زيادة حصتهم في السوق، كما أن إظهار حسن النية في الوضع الحالي يمكن أن يجلب لهم عقودًا مربحة في المستقبل.

ويمكن لمنتجي الطاقة الإقليميين المساعدة أيضًا في حال حدوث أزمة في إمدادات النفط. وتمتلك السعودية والعراق والكويت منتجات نفطية مماثلة لروسيا. وتمتلك هذه الدول حاليًا قدرات فائضة (نحو 4 ملايين برميل يوميًا وفقًا لوكالة الطاقة الدولية) ولوجستيات يمكن استخدامها لاستبدال بعض النفط الذي توفره روسيا على الأقل. وفي عام 2021، كانت صادرات تلك الدول الثلاث إلى الاتحاد الأوروبي أقل بثلاث مرات من صادرات روسيا.

ومن شأن تقديم يد العون إلى القارة الأوروبية عبر إرسال المزيد من النفط أن يعزز سمعة هذه الدول كمنتجين موثوقين، كما يمكن أن يؤمن عقودًا طويلة الأجل في سوق النفط الأوروبية على حساب حصة روسيا.

الزراعة

تعتبر منطقة البحر الأسود من أهم مناطق العالم لتصدير الحبوب والصادرات الزراعية. ويمر نحو 12% من إجمالي تجارة الحبوب العالمية عبر مضيق البوسفور كل عام، وتتجه العديد من هذه الشحنات إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المجاورة. وتصدر أوكرانيا 95% من حبوبها عبر البحر الأسود، ويذهب أكثر من 50% من صادراتها من القمح إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويمثل القمح الأوكراني نصف واردات لبنان و43% من واردات ليبيا من القمح. وتعتمد مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، بشكل كبير على الواردات من منطقة البحر الأسود. بالإضافة إلى ذلك، تعد أوكرانيا هي المورد الرئيسي للذرة إلى مصر. ومن شأن الصراع الممتد أو الحصار المفروض على البحر الأسود أن يحد من المنتجات الزراعية المتاحة لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤدي إلى أزمة غذائية محتملة.

ويجب استبدال الإمدادات من أوكرانيا بأخرى من مصدر آخر، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي بلغت بالفعل أعلى مستوى لها منذ 10 سنوات، حيث وصلت إلى مستويات مماثلة لتلك التي حدثت خلال الربيع العربي.

ويعد ذلك حافزا قويا لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمحاولة إقناع روسيا بوقف التصعيد، وقد أظهرت تركيا بالفعل استعدادها للمساعدة في نزع فتيل التوترات، لكن الدول الأخرى التي تربطها علاقات جيدة مع الرئيس "فلاديمير بوتين"، مثل مصر، والتي ستتأثر بانخفاض تدفق البضائع من منطقة البحر الأسود، يمكن أن تشارك بشكل أكبر في إقناع الزعيم الروسي.

وبعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، حاولت روسيا تحسين علاقاتها مع جميع دول الشرق الأوسط وجذب الاستثمار الأجنبي من المنطقة للحد من تأثير العقوبات الغربية وتجنب العزلة. وقد نجحت في القيام بذلك، لكن أغلب الاستثمارات جاءت من إنشاء صناديق استثمار مشتركة وحصص في مشاريع نفطية.

ويمكن لقادة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إقناع "بوتين" بوقف التصعيد من خلال التأكيد على أنه في بيئة عقوبات أشد، سوف يضطرون إلى سحب استثماراتهم من الصناديق المشتركة.

وسيؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا إلى وضع هذه الدول في موقف صعب يتمثل في الاختيار بين التعامل مع الغرب أو مع موسكو، وسيجعل ذلك من المستحيل الحفاظ على التوازن الإقليمي الحالي الذي يخدم الكرملين. وبالتالي، فإن وجود روسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيصبح أكثر تكلفة وصعوبة، لا سيما في البلدان التي توجد فيها صراعات تشارك فيها موسكو.

الأزمة الإنسانية

يعاني التمويل الدولي للمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار من ضغوط بالفعل، حيث تقدر الأمم المتحدة أن عددًا قياسيًا من الأشخاص سيحتاجون إلى المساعدة في عام 2022. وسيزيد الصراع في أوكرانيا من عبء النظام الذي بلغ الحد الأقصى.

ولا تزال دول الشرق الأوسط تعاني من النزاعات وتحتاج إلى المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار وصناديق التنمية. كما تكافح دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لحل أزمات اللاجئين الخاصة بها.

ومن مصلحة المنطقة أن تفعل ما في وسعها لمنع المزيد من التصعيد للصراع بين أوكرانيا وروسيا، الأمر الذي قد يتسبب في مزيد من المعاناة والدمار ويتطلب المزيد من الموارد للتخفيف من آثاره.

ويمكن لدول المنطقة، وخاصة منتجي النفط والغاز، أن تساعد في التخفيف من بعض الآثار، ولكن من الأفضل لهم أن يفعلوا كل ما في وسعهم لمنع ذلك في المقام الأول.

المصدر | كريستيان دان تاتارو/ معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحرب في أوكرانيا النزاع الروسي الأوكراني الغاز الروسي الأزمة الانسانية الطاقة

أبرزها مصر والجزائر والمغرب.. الحرب في أوكرانيا تهدد مخزونات القمح في دول عربية

أردوغان: تركيا لا تريد حربا بين روسيا وأوكرانيا

الكرملين: هناك حاجة إلى وقف التصعيد بشأن الأزمة بين موسكو وكييف

قمة ثلاثية من برلين: هدفنا منع اندلاع حرب في أوروبا

رومانيا تتلقى أول دفعة من التعزيزات العسكرية الأمريكية

تداعيات خطيرة.. الأزمة الأوكرانية تهدد إمدادات القمح إلى مصر وتونس والجزائر

بعد مصر وتونس والجزائر.. الكويت تتحسب لأزمة قمح بسبب أزمة روسيا وأوكرانيا

هل تسرع حرب أوكرانيا الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط؟

كيف تعيد حرب أوكرانيا تشكيل القواعد في سياسة الشرق الأوسط؟