كيف ستؤثر الحرب في أوكرانيا على منتجي النفط في الخليج؟

الأحد 6 مارس 2022 11:46 م

في حين يسارع العالم لاحتواء آثار الأزمة، يوفر الغزو الروسي لأوكرانيا فرصا لصناعة النفط في الخليج.

وفي الواقع، في أواخر فبراير/شباط 2022، زاد الطلب على النفط السعودي والإماراتي بشكل كبير؛ حيث يمكنهما توفير بديل للإمدادات الروسية في كل من أوروبا وآسيا.

وتعود أسعار النفط المرتفعة بشكل عام بالفائدة على دول مجلس التعاون الخليجي أيضا، ما يسمح لها بإعادة ملء خزائنها التي أفرغها وباء "كوفيد-19"، بالرغم من أن الأسعار المرتفعة للغاية تخلق دائما خطر اضطراب السوق وعدم استقرارها.

بالإضافة إلى ذلك، تحاول موسكو أيضا إعادة توجيه تدفقات صادراتها إلى آسيا، السوق الاستهلاكية التقليدية لمجلس التعاون الخليجي.

ويزيد هذا بدوره من حدة المنافسة هناك.

واجتذب النفط الخام الروسي الرخيص من جبال الأورال، الذي يتم تداوله بخصم تاريخي كبير، انتباه المستهلكين الهنود بالفعل، مع جميع التحفظات على شروط التسليم، ويمكن أن يجذب العملاء الصينيين أيضا، وبذلك يهدد نظريا حصة السعودية في السوق الصينية.

  • شبح العقوبات

ولم يتضح بعد مقدار النفط الروسي الذي خضع للعقوبات بالفعل.

وتختلف التقديرات وتتراوح حتى 70%، بما يشمل المنتجات البترولية.

وحتى الآن، فرضت كندا وحدها حظرا على شراء النفط الروسي، وكان هذا مجرد إجراء رمزي؛ واعتبارا من نهاية عام 2021، لم تكن هذه الدولة تشتري النفط الروسي بشكل مباشر، وكانت الكميات التي اشترتها في الماضي ضئيلة للغاية.

وكان فصل البنوك الروسية الذي طال انتظاره عن نظام "سويفت" انتقائيا أيضا.

وحتى في حالة تلك البنوك الروسية التي تخضع لها، تم استبعاد تمويل معاملات الطاقة من قائمة العمليات الخاضعة للعقوبات حتى 24 يونيو/حزيران على الأقل.

وحتى الآن، تمكن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" من خلق انطباع بحتمية معاقبة روسيا على عدوانها في أوكرانيا، ما أجبر مستهلكي النفط الروسي على القلق بشأن إيجاد مصادر بديلة للإمداد.

وتواجه روسيا بالفعل مشاكل في العثور على مشترين وتجار وناقلين لنفطها.

كما ضربت مخاوف العقوبات الأسواق الآسيوية، التي كانت تعتبر أكثر مقاومة للعقوبات.

وبحلول 1 مارس/آذار، رفضت مؤسسة النفط الهندية شراء النفط الروسي بنظام "التسليم على ظهر السفينة"، ما يستبعد مشاركة تجار النفط من عملية البيع، في حين أن الشركات الروسية لديها خبرة قليلة في العمل وفق شروط "التكلفة والتأمين والشحن" والتجارة المباشرة.

نتيجة لذلك، تضررت مصالح موسكو في سوق النفط، لكن روسيا لم تخرج تماما من اللعبة، حتى لا يشكل ذلك تهديدا أكبر للسوق العالمية مع منح اللاعبين فرصة للتكيف.

وتم تقدير صادرات النفط الروسية قبل الحرب بنحو 5 ملايين برميل يوميا، إلى جانب 2.85 مليون برميل يوميا من المنتجات النفطية.

بالإضافة إلى ذلك، يتم تصدير النفط الخام من كازاخستان أيضا إلى أوروبا عبر نظام خطوط الأنابيب الروسي بنحو مليون برميل يوميا.

وبالنظر إلى استمرار عدم الاستقرار في سوق النفط العالمية، فإن الانسحاب الفوري لمثل هذا الحجم لن يؤدي إلى أي شيء جيد.

نتيجة لذلك، لا يزال بإمكان موسكو تلقي بعض الدخل النفطي لتمويل مساعيها العسكرية.

واقترح بعض الباحثين أن هناك طاقة إنتاجية فائضة في أماكن أخرى لتحل محل روسيا، لكن من الصعب الاستفادة منها على الفور.

  • من مستعد للمساعدة؟

وبالرغم من أن دول الخليج يمكنها نظريا زيادة الإنتاج للتعويض عن انسحاب النفط الروسي، فإنها ليست في عجلة من أمرها للقيام بذلك.

وهناك عدة أسباب لعدم الاستعجال هذا.

أولا، يحاول أعضاء "أوبك +" عدم استغلال المشاكل السياسية والاقتصادية لبعضهم البعض بتوسيع أحجام إنتاجهم.

ويعاني أعضاء "أوبك +" من مشاكل في زيادة حجم الإنتاج لمدة 6 أشهر على الأقل.

وتمتلك السعودية والإمارات فقط طاقة إنتاجية احتياطية كبيرة نسبيا؛ ومع ذلك، لم يحاولا أبدا إعادة توزيع حصص الإنتاج لصالحهما.

ومن نواح عديدة، يُفسر هذا السلوك بعدم الرغبة في تقويض الانضباط الداخلي لـ "أوبك +"، الذي يعاني بالفعل.

علاوة على ذلك، تحتاج الكتلة أيضا إلى الاستعداد لزيادة إنتاج بعض أعضائها، خاصة إيران، نتيجة للتغيرات في الحقائق السياسية أو الاقتصادية التي أعاقت إنتاجهم سابقا.

وفي ظل هذه الظروف، من الأفضل دائما أن يكون لديك هامش معين من نقص الإنتاج، بدلا من زيادة الإنتاج، حتى لا تزعزع استقرار السوق.

ثانيا، هناك أسئلة مفتوحة حول الطاقة الإنتاجية الإضافية الحقيقية للسعودية.

ورسميا، تقول زعيم "أوبك" إن لديها القدرة على إنتاج ما يصل إلى 12 إلى 12.3 مليون برميل يوميا مقابل 9.91 مليون برميل يوميا في الربع الرابع من عام 2021، وتخطط لزيادة هذا إلى 13 مليون برميل يوميا بحلول عام 2027.

ومع ذلك، من الناحية العملية، لم تظهر السعودية أبدا تلك القدرات.

ويتفق المحللون على أنه خلال حرب الأسعار لعام 2020، تمكنت المملكة من زيادة إنتاجها إلى 11.64 إلى 11.87 مليون برميل في اليوم.

وحتى هنا، كانت هناك شكوك حول تضخيم الإجمالي من خلال الإدماج المزعوم للنفط المنتج سابقا المستخرج من الاحتياطيات، وأن الإنتاج الفعلي للمملكة لم يتجاوز 10.5 مليون برميل في اليوم.

ومع ذلك، هناك شيء واحد معروف على وجه اليقين، ستواجه السعودية مشاكل في الحفاظ على إنتاج 12 مليون برميل في اليوم على المدى الطويل.

ولقد أُجبر السعوديون على تقليل الاستثمارات في تطوير الأصول الثابتة خلال "كوفيد-19"، والآن يجب توجيه النفقات الرأسمالية الرئيسية لمنع حدوث انخفاض في الإنتاج.

والسعوديون ليسوا مستعدين للاعتراف بمشاكلهم بصوت عال، بالنظر إلى الطرح العام الأولي المخطط له لأسهم أرامكو السعودية.

علاوة على ذلك، وكجزء من برنامج التنويع الخاص بها، كانت السعودية تستثمر بنشاط في تطوير إنتاج البتروكيماويات، وهو القطاع الذي نما حجم صادراته في الأعوام الأخيرة.

وستؤدي زيادة حجم تجارة النفط الخام بشكل طبيعي إلى حرمان قطاع البتروكيماويات من هذه الأموال.

  • منفعة متبادلة

ومع كل هذا لا تزال موسكو شريكا مهمًا للرياض في "أوبك +".

وكان انضمام روسيا إلى المنظمة هو الذي سمح لها بزيادة نفوذها في السوق بشكل كبير وسط ثورة النفط الصخري وعواقبها السلبية.

بالإضافة إلى ذلك، على مدار العامين الماضيين، تم تشكيل مثلث "روسي - أمريكي - سعودي" لتحديد عدد من الاتجاهات في سوق النفط.

وكجزء من هذه الديناميكية، غالبا ما تساعد العلاقات مع روسيا السعوديين على موازنة نفوذ الولايات المتحدة، التي طالبت سلطاتها بشكل دوري "أوبك" بزيادة إمدادات النفط في عام 2021.

وأخيرا، هناك عامل سياسي يمنع منتجي النفط في الخليج العربي من إخراج روسيا من سوق النفط.

وحتى يوم 4 مارس/آذار، باستثناء الكويت، امتنعت دول مجلس التعاون الخليجي عن انتقاد روسيا لعدوانها على أوكرانيا.

ومع ذلك، لم يكن ذلك من أجل روسيا نفسها، بالرغم من أن موسكو فعلت الكثير لتقوية علاقاتها مع الخليج.

وبدلا من ذلك، كان مدفوعا إلى حد كبير بخيبة الأمل الإقليمية في الولايات المتحدة كحامية لمجلس التعاون الخليجي وعدم اليقين المرتبط بكل من تحول السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير ومسألة تأثير انتخابات الكونجرس الأمريكية والانتخابات الرئاسية اللاحقة في المستقبل.

وفي ظل هذه الظروف، تريد دول الخليج العربي تعزيز العلاقات مع روسيا كجزء من جهودها لتنويع علاقاتها الدولية.

  • طريق السعودية إلى أوروبا يبدأ من بولندا

ومع ذلك، قد تكون الصورة مختلفة بعض الشيء على المدى الطويل.

وتعمل الأزمة الحالية على تغيير سلوك مستهلكي النفط الأوروبيين بشكل كبير، الذين يحاولون تقليل اعتمادهم على روسيا بأي ثمن.

ولن يحدث هذا بين عشية وضحاها، لكن الاتجاه واضح وتسارع مع الحرب في أوكرانيا.

ويوفر هذا للأنظمة الملكية الخليجية خيار زيادة تواجدها في سوق النفط الأوروبية تدريجيا، لتجنب التوترات مع موسكو.

ومنذ عام 2017 على الأقل، دأبت السعودية على زيادة تواجدها في السوق البولندية.

ولقد طغت المواجهة الحالية بين روسيا والغرب إلى حد ما على ما يمكن أن يكون نقطة تحول في تعاون الطاقة السعودي مع أوروبا الشرقية.

وفي أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت "أرامكو" السعودية عملية الاستحواذ على حصة 30% في مصفاة التكرير البولندية في "جدانسك"، واتفقت أيضا مع شركة "أورلين" البولندية على إمدادات إضافية من 200 ألف إلى 337 ألف برميل يوميا إلى بولندا، ما أدى إلى إزاحة النفط الروسي بشكل كبير في المستقبل القريب.

علاوة على ذلك، وافقت "أورلين" على مساعدة الشركة السعودية في الوصول إلى أسواق أوروبا الوسطى والشرقية أيضا.

وبالنظر إلى أن "أورلين" لديها 6 مصافي في بولندا وجمهورية التشيك وليتوانيا، بإجمالي حجم إنتاج يبلغ 600 ألف برميل في اليوم، فلن يكون من الصعب القيام بذلك.

يشار إلى أن السعودية دخلت بولندا باستخدام نهجها الكلاسيكي، أي من خلال الحصول على حصة في المستهلك النهائي للنفط، وبالتالي ضمان الطلب على النفط السعودي وضمان وجوده على المدى الطويل في السوق.

وبالإضافة إلى الصفقة مع بولندا، في يناير/كانون الثاني 2022، وقعت شركة "أرامكو" السعودية اتفاقية مع مجموعة "كليش" لتوريد حصري للمواد الأولية لمصفاة "كالوندبورج" في الدنمارك.

ويشير كل هذا إلى أن المملكة لديها خطط جادة طويلة الأجل فيما يتعلق بأوروبا الوسطى والشرقية.

وفي هذه الحالة، ستستفيد الرياض برغبة الاتحاد الأوروبي في الابتعاد عن النفط الروسي، وهو اتجاه طويل الأمد تسارع بفعل الأحداث الجارية في أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، من الضروري مراعاة ليس فقط خطط السعودية لزيادة الإنتاج بحلول عام 2027، ولكن أيضا حقيقة أن العقوبات الحالية ستضعف بشكل كبير قدرة روسيا على الحفاظ على إنتاجها النفطي من الانخفاض على المدى الطويل.

وسيجعل هذا بدوره روسيا أقل أهمية بالنسبة لـ "أوبك +" بمرور الوقت.

بعبارة أخرى، سيستمر صدى أزمة الحرب في أوكرانيا بالنسبة لمنتجي النفط في روسيا والخليج لأعوام عديدة قادمة.

المصدر | نيكولاي كوزانوف/معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

منتجي النفط مجلس التعاون الخليجي أرامكو السعودية النفط الروسي النفط السعودي النفط الإماراتي بولندا غزو أوكرانيا

السعودية تنحاز إلى بوتين ضد بايدن بمعركة النفط وسط حرب أوكرانيا

الإمارات تدعو لزيادة استثمارات الوقود الأحفوري لتفادي اضطرابات السوق

حرب أوكرانيا تجبر دول المنطقة على إعادة حساباتها الإقليمية والدولية

دروس الأزمة الخليجية.. هذا ما لم يتعلمه بوتين من حصار قطر