انتقادات حقوقية لمرسوم رئاسي تونسي يقضي بسجن من ينشر أخبارا كاذبة

الاثنين 19 سبتمبر 2022 12:39 م

أثار مرسوم رئاسي تونسي، يقضي بفرض عقوبات بالسجن على من ينشر أخبار ومعلومات كاذبة أو إشاعات عبر شبكة الاتصال وأنظمة المعلومات، انتقادات من قبل حقوقيين وناشطين وصحفيين في البلاد.

وينص الفصل الـ(24) من قانون جرائم المعلومات والاتصال الذي صدر الجمعة، على عقوبة بالسجن 5 سنوات لنشر أخبار أو معلومات كاذبة أو إشاعات بهدف الاعتداء على الآخرين أو الإضرار بالأمن العام أو بث الذعر.

ويضيف أن عقوبة السجن تصل إلى 10 سنوات، إذا كان المستهدف موظفا عاما.

واعتبر رئيس نقابة الصحفيين "مهدي الجلاصي"،  المرسوم "انتكاسة جديدة للحقوق والحريات".

وقال إن "عقوبات النشر في أي شبكة هي ضربة قوية لقيم الثورة التي منحت الحرية للصحفيين ولعموم التونسيين".

وأشار إلى أن "العقوبات التي تضمنها ذكّرت التونسيين بالقوانين التي كان يستخدمها نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي قبل الثورة لإسكات معارضيه".

في وقت تخشى الصحفية التونسية "وحيدة قادر"، أن "يتحوّل هذا المرسوم إلى أداة تستخدمها السلطة في وجه الإعلاميين والصحفيين لإسكات أصواتهم وتوجيهها نحو الرأي الواحد".

وأضافت أن "هذا المرسوم خطر حقيقي على حرية الإعلام التي يلاحظ الجميع أنها تراجعت بفعل التضييقات التي تمارسها الأجهزة الرسمية على الصحفيين وخاصة منها أجهزة الأمن".

وأشارت "وحيدة" إلى "وجود توجه واضح نحو طمس حرية الإعلام وحق المواطنين في المعلومة. وذكّرت بمرسوم سابق يمنع المسؤولين من تقديم تصريحات صحفية إلا بعد أخذ الإذن من مرؤوسيهم".

وقالت: "لا أحد يعارض تشديد العقوبات على من ينشر أخبارا زائفة أو يقوم بهتك أعراض الناس، ولكن هناك مخاوف من كيفية تطبيق هذا المرسوم وطريقة تكييف المعلومات".

وفي تعليقها، وصفت منسقة مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف "سلوى غريسة"، المرسوم بـ"التعسفي".

واعتبرت أن "الهدف من هذا المرسوم هو تكميم الأفواه وإسكات المعارضين"، مشيرة إلى أن "فرض عقوبة السجن من 5 إلى 10 سنوات وفرض غرامة مالية كبيرة هي عقوبة مبالغ فيها، والغاية منها تخويف الناس وإجبارهم على الصمت".

ونقلت "غريسة" مخاوفها من طريقة تطبيق هذا المرسوم على أرض الواقع، ومن المعايير التي سيتم اعتمادها للمحاسبة، مضيفة: "تخيل لو أن شخصا سجن لأنه كتب تدوينة قال فيها إن سعر البطاطا 5 دنانير، بينما تباع في السوق بـ4 دنانير".

وأشارت الحقوقية إلى أنه "سبق وأن عرض هذا المرسوم على أنظار البرلمان السابق، ولكن لم يقع تمريره لأنه كان سيفتح المجال للظلم".

وأضافت: "القضاء كفيل بمحاسبة من ينشر أخبارا كاذبة أو يهتك أعراض الناس بعد التثبت وعرضه على المحاكمة العادلة".

وتساءلت "غريسة" ساخرة: "هل سيطبق هذا القانون على المواطنين فقط؟ أم أنه سيشمل أعضاء الحكومة الذين امتهنوا الكذب على الشعب ونشر الأخبار الكاذبة؟، من قبيل حديثهم مؤخرا عن حجز 18 ألف طن من السكر تم احتكاره، ليتبين لاحقا أن الكمية لا تتجاوز 3600 طن وتم تسليمها بطرق قانونية".

وطالبت الحقوقية التونسية، بسحب هذا المرسوم ومراجعته بصفة جدية "لأنه يمثل خطرا على حرية التعبير التي تتعرض سلفا لمضايقات كبيرة"، وفقا لقولها.

وتوقعت تصاعد منسوب التضييقات بعد إصدار قانون الجمعيات والأحزاب الجديد، قائلة: "لقد أغلق قوس الديمقراطية منذ فترة، فبعد القانون الانتخابي ها نحن نطالع مرسوما تعسفيا آخرا يعود بنا إلى ما قبل 2010".

في وقت قال المحامي الحقوقي عضو جبهة الخلاص "سمير ديلو"، إن المرسوم الأخير "يمثل كارثة تونسية وجريمة ضد حرية التعبير".

وأضاف أن "هذا المرسوم يطرح إشكالا أخلاقيا على الرئيس التونسي الذي لا يزال مصرا على تمرير مزيد من المراسيم، على الرغم من أن تونس لديها دستور تم التصويت عليه مؤخرا وتم اعتماده من قبل الدولة".

وتابع "ديلو" قائلا: "يبدو أن هذا المرسوم صيغ على عجل، لأن هناك الفصل (68) من الدستور التونسي الأخير حول الإساءة للأشخاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي".

وكشف عضو جبهة الخلاص التونسية، أن الهدف من هذا المرسوم وغيره من المراسيم السابقة التي سنها النظام "يتحدد في كون سعيد يريد للانتخابات التشريعية المقبلة أن تمضي بدون إزعاج وبعيدا عن الرأي المضاد للحكومة".

وقال: "في قضايا الرأي لا مجال للعقوبات الكبرى، لأن الأمر يتعلق برأي يقتضي مواجهته برأي آخر، لا أن ترمي بصاحبه في السجن".

ولفت "ديلو" إلى أن هذه المرسوم الجديد يضاف إلى المراسيم التي تهدف لتكريس "قاعدة الحكم الفردي من خلال إعداد نصوص ومقتضيات قانونية على المقاس".

وذكر أن المنطق التبريري الذي قدم به هذا المرسوم "يؤكد أن سعيد يعاني عجزا واضحا في التعاطي الديمقراطي مع الجماعات والمؤسسات والأفراد الذين يمتلكون رأيا مخالفا لرأيه".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، انتقد ناشطون مرسوم "سعيد"، ووصفوه بأنه محاولة لتدمير الحريات التي تم الحصول عليها بشق الأنفس بعد الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس الراحل "زين العابدين بن علي".

وسخر آخرون من المرسوم الجديد، قائلين إنهم منذ هذه اللحظة لن ينشروا إلا الأخبار الرياضية أو مشاهير الفن على حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان "سعيد" قال إنه سيدعم الحقوق والحريات التي نالها التونسيون في ثورة 2011، التي جلبت الديمقراطية بعد أن تحرك صيف 2021، للسيطرة على معظم السلطات وإغلاق البرلمان المنتخب.

وأعربت منظمات غير حكومية محلية ودولية عدة عن أسفها لـ"تراجع" الحريات في تونس منذ تولي "سعيد" كامل السلطات في 25 يوليو/تموز 2021، في خطوة أدت إلى زعزعة الديمقراطية في البلاد.

ويتهم البعض "سعيد" بالقيام بانقلاب في الصيف الماضي، عندما تولى السلطة التنفيذية، والانتقال إلى حكم الرجل الواحد بسلسلة من المراسيم التي كرسها في دستور أقره استفتاء في يوليو/تموز.

لكن "سعيد" نفى التصرف بشكل غير قانوني، وقال إن أفعاله كانت ضرورية لإنقاذ تونس من سنوات من الركود والشلل السياسي وتفشي الفساد بين الطبقة السياسية.

ومنذ ثورة 2011، أصبح الإعلام في تونس من أكثر وسائل الإعلام انفتاحا في أي دولة عربية، حتى أن وكالة الأنباء المملوكة للدولة، تنقل أخبارا منتقدة للسلطات وتعطي مساحة للمعارضة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس أخبار كاذبة انقلاب تونس قيس سعيد

مطالبة أممية للسلطات التونسية بوقف مضايقة القضاة

اتحاد الشغل التونسي يعلن فشل مفاوضات زيادة الأجور مع الحكومة