الأفارقة العرب في السعودية.. قصة 150 عاما لأبناء المهاجرين الهوسا

الأحد 4 ديسمبر 2022 06:07 ص

سلط موقع "ميدل إيست آي" الضوء على فيلم وثائقي يحكي قصة سكان شبه الجزيرة العربية من ذوي الأصول الأفريقية، لافتا إلى أن المنطقة، المعروفة بكونها موطن القبائل البدوية العربية، اجتذبت منذ نحو 150 عاما المهاجرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك المجتمعات المسلمة في أقصى الغرب الأفريقي.

وذكر الموقع البريطاني، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن الفيلم من إخراج الفنان النيجيري "سادا مالومفاشي"، وهو متخصص في ثقافة وتاريخ مجتمع "الهوسا" الأفريقي، بما في ذلك "هوسا الشتات في العالم العربي"، الذين هم محور فيلمه الوثائقي "هوساوي".

وأضاف أن عدد المنتمين لعرقية الهوسا في غرب أفريقيا المسلمة يبلغ أكثر من 50 مليونًا، وينتشرون في عدد من البلدان، رغم وجودها بشكل أساسي في نيجيريا والنيجر.

عدد الهوسا في السعودية صغير نسبيًا، لكن قصة أصلهم تقدم لمحة عن حلقة مهمة في تاريخ الأفارقة العرب، وهي ردود الفعل بين مسلمي غرب أفريقيا تجاه الاستعمار البريطاني.

وقال مخرج الفيلم إنه قرأ الأدب المكتوب بلغة الهوسا من الثلاثينيات والأربعينيات، لأن والده كان أستاذاً لتاريخ الهوسا الأدبي، مشيرا إلى أن رواياتهم كانت ملهمة له.

وأضاف "مالومفاشي" أنه في مايو/أيار 2022، كان واحدًا من عشرات الفنانين العالميين الذين فازوا بإقامة فنية في السعودية، برعاية وزارة الثقافة، وكان تصوره عن المملكة آنذاك نابع من الحجاج الذين زاروا مكة والمدينة بشكل أساسي.

وخلال هذه الإقامة، التقى لأول مرة بمواطنين سعوديين ليسوا من أصول عربية، وهو ما عبر عنه قائلا: "كنت مهتمًا بفهم شتات الهوسا الذين كانوا هناك منذ قرون، وأردت معرفة جوهر ذلك".

وأضاف: "لم أكن أعرف كيف سيتشكل هذا البحث، لكنني اعتقدت أن الفيلم الوثائقي سيكون فكرة جيدة (..) علمت أن السعودية لا تقتصر على الأماكن المقدسة وأن هناك أشخاصًا ملونين آخرين من غير العرب".

فالهجرات من غرب أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى إلى منطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية تحدث منذ فجر الإسلام، ووصل الكثير من المهاجرين كحجاج وقرروا البقاء، فيما تم جلب آخرين من قبل تجار الرقيق، واندمج أحفاد كلا المجموعتين في النهاية مع السكان المحليين.

ويمكن فهم العلاقة الأخيرة بين السعودية والأفارقة العرب على خلفية الاستعمار البريطاني في غرب أفريقيا أواخر القرن التاسع عشر، حيث تزامنت الدوريات البحرية البريطانية، التي تمنع تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، باعتبارها تجارة غير قانونية في الإمبراطورية منذ عام 1807، مع رغبة بريطانيا المتزايدة في التجارة بزيت النخيل والقطن في غرب أفريقيا.

ارتبطت بريطانيا بعلاقة مع مثل "خلافة صكتو" (دولة إسلامية تأسست في شمال نيجيريا من 1804 إلى 1903)، ولكن سرعان ما أصبحت داعما إمبرياليا لإزاحة الحكام المحليين ودعم حكام دمى في المنطقة.

وإزاء ذلك، ظهرت مقاومة مسلحة للاستعمار البريطاني، كتلك التي قادها الباحث الإسلامي "عثمان دان فوديو"، ومن ثم بدأت موجة من الهجرة "الدينية" إلى شبه الجزيرة العربية، عبر عنها "مالومفاشي" بقوله: "قرر الكثير من علماء الدين محاكاة النبي محمد والهجرة إلى مكان اعتقدوا أنه أكثر قداسة".

وبينما جاء البريطانيون بأدوات الاستعمار، مثل المبشرين المسيحيين، كانت فكرة المهاجرين المسلمين هي السفر شرقا، إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة. 

ولذا فإن "الهوساويون السعوديون هم من نسل الموجة الأولى من المهاجرين الهوسا إلى منطقة الحجاز"، بحسب "مالومفاشي"، الذي نوه أيضا إلى أن بعض المهاجرين الهوسا لم يصلوا أبدًا إلى الحجاز، بل استقروا في منتصف الطريق، وبأعداد كبيرة، في السودان، وفي جنوب غرب إريتريا.

كما نوه المخرج النيجيري إلى أن أحد أكثر اكتشافاته إثارة للاهتمام، أثناء إنتاج فيلمه الوثائقي، هو "الحنين الجماعي الذي يشعر به الهوسا العرب تجاه وطنهم في غرب أفريقيا، حتى هؤلاء المتعربين منهم"، موضحا: "نشأ هذا الشعور من رابطة طويلة الأمد تدعمها الثقافة الشفهية".

وتابع: "فكرة أحفاد الهوسا عن أصلهم تأتي من الحكايات الشفوية. كثير منهم لم يذهبوا إلى نيجيريا. بالنسبة للبعض هناك حنين. وبالنسبة للآخرين، أفريقيا هي مجرد مكان يأتي منه أجدادهم".

وأشار إلى أن الأشخاص الأكبر سنًا، في مقابلاته، كانت لديهم ذكريات جماعية أقوى عن هجرات الهوسا المبكرة، وكانوا أكثر اهتمامًا بأصولهم.

من هؤلاء رجل يبلغ من العمر 50 عامًا، يدعى "أنور يوسف آدم عمر هوساوي"، الذي تحدث لـ "مالومفاشي" بحرارة عن وطنه الأفريقي الأم، معبرا عن حنينه لزيارة أرض أجداده.

ويعلق مخرج فيلم "هوساوي" على لقاء "أنور" قائلا: "عندما يأتي الحجاج من نيجيريا، يتفاعل معهم (..) على مر السنين، لم يتخل عن ذلك الحنين الأفريقي، الذي يغذيه الحجاج".

وأضاف: "أول شيء سألني (أنور) عنه هو ما إذا كان لدي ملابس تقليدية أو تذكارات. يريد معرفة المزيد عن هويته".

لكن الأجيال الشابة من الهوسا لديها موقف أكثر تنوعًا فيما يتعلق بهويتها، بحسب "مالومفاشي"، موضحا: "إنهم يرون أنفسهم عربًا وهذه هي الهوية التي اختاروها (..) لديهم إمكانية أكبر للوصول إلى التكنولوجيا، ويهتمون بالثقافة الشعبية وكرة القدم والسياسة المعاصرة، وليس بالحنين إلى الماضي".

وساهم في ذلك، حسب المخرج، تعريب الهوسا في شبه الجزيرة العربية التي أضعفت من حضور لغتهم الأم، ولم يتم نقلها إلى أطفالهم بسهولة.

وهنا نوه "مالومفاشي" إلى مفارقة، وهي أن مهاجري الهوسا فروا من وطنهم للحفاظ على ثقافتهم، غير أنهم تخلوا عن جوانب مهمة منها في شبه الجزيرة العربية، مشيرا إلى أن الدين يفسير سبب عدم نظر الهوسا إلى هذه العملية بشكل سلبي.

وأوضح مخرج "هوساوي": "حتى أثناء نشأتك في شمال نيجيريا، لا نعتبر من يتكلم العربية مستعمرا لأنها لغة القرآن"، مشيرا إلى أن المهاجرين الأوائل اهتموا بتعليم اللغة العربية لأطفالهم لأن الفرار من الاستعمار البريطاني كان مرتبطا لديهم بالتحرر الديني.

والهوسا اليوم هم جزء من مجتمع عربي أسود أكبر بكثير يضم مواطنين سعوديين من أصل أفريقي، بما في ذلك لاجئون ومهاجرون من جنوب الصحراء، وصلوا المملكة مؤخرًا.

وكما هو الحال في أي مكان آخر، يقع السود في العالم العربي عند تقاطعات مختلفة للهويات، فهم عرب ومن أصول أفريقية، وقد يتعرض بعضهم للتمييز، بل ولما هو أكبر، كما كشف تقرير لشبكة CNN عن مزادات العبيد في ليبيا عام 2017.

ومع ذلك، فإن التضامن العرقي ليس الشغل الشاغل للهوسا في السعودية وغيرها من البلدان العربية، وهذا أثر على "مالومفاشي" شخصيًا.

قال مخرج الفيلم الوثائقي: "تجد أيضًا حالات يرى فيها السعوديون السود أنفسهم مختلفين عن الأفارقة السود. لا أعرف من أين يأتي ذلك، لكنهم يشعرون أنهم عرب أولاً ثم سود. الأمر مختلف بالنسبة لي، وهذا اختلاف جذري، لأنني في أي مكان أذهب إليه، أنا أسود أولاً".

كان صعبا على "مالومفاشي" أن يفهم رؤية أبناء مجموعتين من نفس الأصل الأفريقي لأنفسهم بطرق مختلفة تمامًا، وهو ما عبر عنه قائلا: "لدينا نفس لون البشرة ولكن لدينا وجهات نظر مختلفة تمامًا عن العالم".

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية الأفارقة العرب الهوسا الجزيرة العربية نيجيريا سادا مالومفاشي