بعد وضع قطارها على سكة الديمقراطية.. تونس تلتفت لاقتصادها العليل

الجمعة 13 فبراير 2015 06:02 ص

في أول ظهور له تعهد رئيس الوزراء التونسي الجديد الحبيب الصيد الاسبوع الماضي بإصلاحات اقتصادية سريعة تمكن بلاده من انعاش الاقتصاد العليل وتحقيق طفرة اقتصادية ترافق نجاح البلاد في الانتقال إلى ديمقراطية كاملة بعد أربع سنوات من الثورة.

ولكن أولى خطوات حكومة الصيد جاءت متعثرة بعد أول امتحان. فبعد يومين فقط من تسلم حكومة ائتلاف جديدة السلطة في تونس، خرج آلاف التونسيين في جنوب البلاد للاحتجاج ضد ضريبة على السفر انتهت بمقتل شاب برصاص الشرطة وأجبرت الحكومة على التعهد بإلغاء الضريبة.

وتسلمت حكومة ائتلاف تضم علمانيين واسلاميين الحكم لتنقل تونس الى مرحلة الديمقراطية الكاملة بعد المصادقة على دستور جديد وانتخابات حرة العام الماضي. وحظي انتقال تونس الديمقراطي بإشادة واسعة وأصبح ينظر إليها على أنها مثال للتوافق بين الخصوم السياسيين في المنطقة المضطربة. 

لكن بعد أربع سنوات من الثورة مازال كثير من التونسيين يشعرون بالضيق في ظل غلاء الأسعار وتفاقم معدلات البطالة في البلد الذي يعتمد أساسا على صناعة السياحة مع موارد طبيعية شحيحة عكس جارتيه ليبيا والجزائر.

ومنذ 2011 يحث المقرضون تونس باستمرار على اصلاحات اقتصادية لانعاش نمو اقتصادها وتقليص عجز الميزانية عبر خفض الدعم لكثير من المواد الأساسية والبنزين.

وقبل أشهر فرضت الحكومة الانتقالية ضريبة مغادرة على المسافرين الأجانب قيمتها 20 دولارا للفرد.

ولكن هذه الضريبة أثارت غضب سكان المناطق الحدودية مع ليبيا التي فرضت بدورها ضريبة مماثلة على المسافرين التونسيين إليها مما أثار غضبهم ودفع بالالاف من التجار للخروج في احتجاجات عنيفة ضد قوات الأمن وانتهت بمقتل شاب برصاص الشرطة وإصابة أخرين.

وفي أول خطاب له الاسبوع الماضي أمام البرلمان تعهد رئيس الوزراء الحبيب الصيد بان يبدأ فورا اصلاحات هيكلية للاقتصاد يطالب بها المقرضون.

وقال الصيد ‭‭‭‭‭‬‬‬"‭‭‭‬‬‬‬‬بعد نجاح الانتقال الديمقراطي يتعين أن ننجح الانتقال الاقتصادي ودفع النمو ومحاربة الفقر وايجاد نوافذ أمل جديدة للشبان اليائسين."

وأضاف " يتعين وقف الحلول المؤقتة والمسكنات والبدء فورا في اصلاحات هيكلية للاقتصاد بمخططات تنمية جديدة"‭‭‭‭‭.‬‬‬‬‬

وعلى الرغم من أن حكومة الصيد تضم الأحزاب الرئيسية وتحظى بدعم قوي في البرلمان إلا أن الطريق لا تبدو سالكة أمامها لتنفيذ الاصلاحات التي تعهدت بها.

وقال سامي مجدوب وهو شاب عمره 30 عام وعاطل عن العمل " ماذا يعنون بهذه الاصلاحات..طاعة صندوق النقد والغرب؟ الاصلاحات تعني مزيدا من البؤس والتضحيات من طرفنا نحن. أولويتهم يجب أن تكون ايجاد فرص عمل وليس رفع الأسعار."

ويظهر تراجع الحكومة عن فرض ضريبة السفر صعوبة تطبيق بعض الاصلاحات في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة وارتفاع البطالة التي زادت من حوالي 12 بالمئة في 2010 الى 15.2 بالمئة الآن.

لكن من بين الخطوات المتوقع فرضها بدعم من المقرضين مزيدا من الرسومات وخفض الدعم على الوقود وبعض المواد الغذائية.

والعام الماضي بدأت الحكومة الانتقالية بعض الاجراءات لكنها لم تكن كافية لتوقعات صندوق النقد والبنك الدولي الذي طالب بتسريع وتيرة الاصلاحات.

ويقول الصحفي زياد كريشان "الاصلاحات الاقتصادية أصبحت مثل الحلم المستحيل..الجميع يريد الاصلاحات ولكن لا أحد يريد التفريط في بعض مكاسبه."

وبينما تسعى الحكومة الجديدة لخفض الإنفاق فان اتحاد الشغل الذي يتمتع بتأثير قوي طالب الحكومة في بيان ببدء مفاوضات سريعة خلال وقت قريب بهدف زيادة رواتب أكثر من 800 ألف موظف في القطاع العام.

وقال الاتحاد إن هذه الخطوة ضرورية ولا يتعين التأخر عنها بعد مماطلة الحكومة الانتقالية.

ويلقى الطلب موافقة من البرلمان ولكن حكومة الصيد لم تقل كلمتها حتى الآن وقد تجد نفسها مضطرة لتحقيق مطلب الاتحاد عبر زيادة نفقات أخرى.

وقالت مصادر إن الاتحاد سيطالب بزيادة لا تقل عن 6 بالمئة في أجور الموظفين. ويبلغ حجم كتلة الأجور في تونس في 2015 حوالي 11 مليار دينار من اجمالي ميزانية قميتها 29 مليار دينار.

وقد يجد اتحاد الشغل الذي يضم حوالي مليون عضو نفسه مضطرا لتنظيم اضرابات عامة ربما تكلف الاقتصاد مئات ملايين الدولارات في حال عدم الاستجابة لمطالبه.

والعام الماضي قالت الحكومة الانتقالية إنها تدرس رفع سن التقاعد لخفض عجز الصناديق الاجتماعية ولكن القرار لقي رفضا كاسحا من اتحاد الشغل.

وفي الشهر الماضي لجأت تونس لاصدار سندات بقيمة مليار دولار على السوق المالية بدون ضمانات لأول مرة منذ 2007. وفي 2012 منح صندوق النقد الدولي قرضا لتونس بقيمة 1.74 مليار دولار وتعهدت تونس في المقابل بالضغط على العجز وخفض الإنفاق. لكن يخشى خبراء من أن الأموال المقترضة قد تصرف على الرواتب والزيادات.

وتخطط تونس أيضا لمراجعة نظام الضرائب بهدف حث الكثير من المهن مثل الأطباء والمحامين على دفع ضرائب أكثر لتكريس العدالة الجبائية. ومثل هذه الخطوات قد تدفع قطاعات الاطباء إلى تنظيم اضرابات عن العمل.

وقال الصيد إنه سيتم كذلك مكافحة التهريب لدعم مداخيل الدولة وهو أمر لا يبدو بسيطا خصوصا في المدن الحدودية مع ليبيا التي تعودت لعشرات السنين على هذه التجارة. وحتى خلال حكم بن علي كان هناك تساهل مع التهريب في هذه المناطق التي تفتقر لمشاريع تنموية أخرى.

ويطالب أهالي هذه المناطق بمشاريع لوقف التهريب.

وقال محمد عماري وهو مواطن من بلدة الذهيبة الحدودية لرويترز "نريد مشاريع وفرص شغل وسنترك تهريب البنزين وبعض المواد الالكترونية من ليبيا.‭‭‭ ‬‬‬تجارة التهريب هي تجارة موت ونحن لسنا فرحين بها ولكن مضطرين لها..من يوقف تجارتنا سنتصدى له سواء كان اسلاميا أو علمانيا.. نظام قديم أو نظام جديد".

ولكن رغم كل الصعوبات فان هناك بعض المؤشرات الأخرى المشجعة التي قد تسهل على حكومة الصيد اجراء جزء من الاصلاحات خصوصا في قطاع الطاقة تزامنا مع هبوط أسعار النفط إلى أقل من التوقعات.

وسيكون الاستقرار السياسي أمرا مهما للمستثمرين الأجانب للعودة لتونس وتوفير مزيد من فرص العمل داخل البلاد. ومن شأن خفض البطالة في المناطق الداخلية أن يساعد الحكومة على تنفيذ بعض اصلاحاتها دون الخوف من احتجاجات عنيفة شبيهة بتلك التي قتل خلالها شاب في الذهيبة.

يقول الخبير الاقتصادي معز الجودي "الاصلاحات قد تكون مؤلمة بدون شك لكن ليس هناك الكثير من الخيارات المتاحة..نحن أمام حتمية البدء فيها وبسرعة أيضا."

ويضيف " يتعين الاستفادة أيضا من تراجع أسعار البنزين في السوق العالمية والذي قد يستمر لأشهر اضافة الى انتعاش نسبي للنمو في أوروبا واستقرار سياسي في تونس".

المصدر | طارق عمارة | رويترز

  كلمات مفتاحية

تونس الديمقراطية الاقتصاد الحكومة التونسية رئيس وزراء تونس الإصلاح

«راشد الغنوشي»: تعلمنا من مصر .. ونداء تونس قدم تنازلات أكبر من النهضة

«فريدوم هاوس»: تونس أول دولة عربية «حرة» .. والسعودية في قائمة «أسوأ السيئ»

«النهضة»: «نداء تونس» رفضت مشاركتنا في حكومة «الحبيب الصيد»

آفاق إيجابية لتونس لو أمكنها استقطاب الاستثمار الأجنبي

2014 عربيا عام تفكك الدولة الوطنية وتونس الاستثناء

انفصام في «نداء تونس»

تونس تهدد بسحب مشروع «الباب المتوسط» من شركة «سما دبي»

تونس تدشّن أول باخرة عسكرية محلية الصنع

لماذا تونس ليست مصر؟