استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

2014 عربيا عام تفكك الدولة الوطنية وتونس الاستثناء

الجمعة 9 يناير 2015 03:01 ص

كم زمانِ بكيتُ منه قديمـاَ ثم لما مضى بكيتُ عليـهِ. 

استحضرني بيت أبي العتاهية عندما تذكرت ما كتبته في نهاية عام 2013 في مقال مراجعة نهاية العام وقلت في نهايته:

«دعني أجتهد وأقول منذ البداية إن التاريخ المعاصر لم يشهد وقد لا يشهد أسوأ من عام 2013 على مجمل المواطنين العرب من تونس غربا إلى العراق شرقا مرورا بليبيا ومصر والسودان واليمن وفلسطين ولبنان وسوريا، أي ثلاثة أرباع الشعوب العربية.»،

كم تبدو الآن تلك الرؤية قاصرة عندما نقارن بين مصائب 2013 وكوارث 2014. ولا أريد أن أتنبأ بأن يكون العام الذي يرخي سدوله الآن قد ضرب رقما قياسيا في السوء، فربما يكون القادم من الأيام أكثر سوءا وأعمق جراحا وأوسع مصائب. لقد سميت مراجعة عام 2011 «عام التحولات الكبرى وعام الشباب العربي بامتياز» ومراجعة نهاية عام 2012 «عام الصراع بين المواطن والطاغية والسلطان»، ومراجعة نهاية عام 2013 سميتها «المواطن العربي بين مطرقة الطاغية وسندان التكفيري». 

أما عام 2014 فقد احترت في البحث عن عنوان يلخص حجم الكوارث التي شهدها الوطن العربي، فلم أجد أفضل من تفكيك الدولة الوطنية، لكن تونس العزيزة ذكرتني أن هذا القول لا ينطبق عليها ولذا أضفت أنها الاستثناء. 

إن أكثر ما ميز العام المنصرم هو شبه الانهيار لعدد من منظومات الدولة الوطنية، مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن وإلى حد ما لبنان ودخول مصر في فصل من الصراع الداخلي، مع من تسميهم الإرهابيين الذين يهددون استقرار «الدولة العميقة». انتخابات الجزائر والعراق ومصر وليبيا والبحرين لا تغيظ حاسدا ولا تروي ظمأ عطشان، بينما لبنان يعجز عن انتخاب رئيس بعد أكثر من خمسة أشهر.

رحلات خاصة بدأت تنتظم بين تل أبيب وبعض العواصم العربية للتآمر أو التنسيق الأمني أو للمجون أو لكلها مجتمعة، بينما غزة تذبح وتدمر ولا من يصرخ ولا من يحتج ولا من يتظاهر، وفي رام الله سلطة فلسطينية راهنت وما زالت على أعداء الأمة ليقيموا دولتها المستقلة فتمخض جبل جون كيري بعد حمل دام تسعة أشهر وإذا به يلد المزيد من المستوطنات والحروب وهدم البيوت والاعتقالات وقرار يهودية الدولة.

فكان رد السلطة العتيدة على طريقة «أشبعتهم سبا وأودوا بالإبل» بتقديم مشروع قرار تافه حول إنهاء الاحتلال خلال ثلاث سنوات فيه من التنازلات الاستراتيجية ما لا يمكن قبوله أو تسويقه للغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني.

نعم تونس كانت وما زالت الوردة الوحيدة الطالعة من جراح الأمة. وبين ياسمين تونس وخرائب غزة يتم تهميش أمة تزيد عن الثلاثمئة وخمسين مليونا لو قدر لشعوبها أن تتضامن وتتناهض وتتبادل الخبرات والإمكانيات وتتحرر من كماشة الطاغية والإمبريالي والتكفيري الجزار، لأصبحت الأعرق والأعظم والأغنى والأهم في العالم.

غزة بين فكي الكماشة – الحرب والحصار

غزة فريدة من نوعها. لا يوجد لها مثيل في قدرتها على الحياة والتكيف مع الحرب والحصار والموت والخروج من كل أزمة أقوى من قبل. مصيبة غزة أنها تدفع ثمن الخنوع العربي. لا أحد يريدها صامدة. كل الأنظمة تعمل على تركيعها. هناك تناوب في الأدوار.

إسرائيل تشن حرب إبادة ويقف النظام العربي متفرجا أو مساهما، والمجتمع الدولي شاهد زور «لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم». أربع حروب في ثماني سنوات: غيوم الصيف (2006) والرصاص المصبوب (2008/2009) وأعمدة السحاب (2012) والجرف الصامد (2014). 

لكن الحرب الأخيرة كانت مختلفة تماما عن كل الحروب العربية الإسرائيلية، فهي الأطول والأكثر تدميرا والأكثر إصابات بين المدنيين، خاصة الأطفال واستهداف عائلات بأكملها، حيث ارتكبت إسرائيل نحو 90 مجزرة بحق 142 عائلة أبيد بعضها تماما ليصل مجموع خسائر هذه العائلات 739 ضحية كلهم من المدنيين.

الحرب الإسرائيلية هذه كانت مصحوبة بالحصار المصري الخانق والمحكم والمتواصل قبل وأثناء وبعد الحرب، الذي جاء بعد عملية تدمير الأنفاق والذي كان له أكبر الأثر على تردى الأحوال المعيشية في قطاع غزة.

صمود الشعب الفلسطيني في غزة أمام الحصار والعدوان شهادة إدانة لكل من قصف أو حاصر أو صمت أو تآمر. إن صمود غزة سيظل يشكل لعنة أبدية تلاحق أنصار حزب «إسرائيل بيتنا» العرب الذين يتمنون أن ينشق البحر ويبلع غزة كما تمنى ذلك رابين في ما مضى من الأيام.

أما سلطة رام الله فلا علاقة لها بما يجري فلا هي فعـّلت حكومة الوحدة الوطنية ولا تقدمت بطلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية ولا أوقفت التنسيق الأمني ولا احتجت على إغلاق معبر رفح وكل ما قامت به بعد تطبيل وتزمير وجعجعة تشبه تلك التي قامت بها عام 2011 تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن لإنهاء الاحتلال بعد ثلاث سنوات وهي تعرف مسبقا أن مشروع القرار لن يمر إما بالفيتو أو بعدم توفير تسعة أصوات إيجابية أو بعد تفريغه من محتواه ليتحول إلى تنازلات إستراتيجية لصالح إسرائيل.

السلطة تعرف قبل غيرها أن الاحتلال لا ينتهي بقرار من مجلس الأمن، بل بقرار من الشعب الفلسطيني المدعوم من أمته بالنضال ضد الاحتلال إلى أن يصبح الاحتلال باهظ التكاليف ولا تستطيع الدولة المارقة أن تتحمل دفعها.

ماذا بقي من سوريا والعراق

ما زالت سوريا تحتل الموقع الأول في حجم الكوارث الإنسانية العالمية لعمق ما تعرض له الشعب السوري في السنوات الاربع الأخيرة. فقد وصل عدد المشردين داخليا وخارجيا نحو 11 مليون إنسان أي ما يعادل 40٪ من السكان وزاد عدد القتلى عن 200000 وعدد السجناء زاد عن الـ 80000 وعدد الأطفال الذين انقطعوا عن المدارس أكثر من مليونين. تخردقت الخريطة السورية وأصبحت أشبه بقطعة جبنة سويسرية صفراء. «داعش» يسيطر على إقليمي دير الزور والرقة و»النصرة» تسيطر على أجزاء واسعة من محافظة القنيطرة وصولا إلى درعا.

والنظام الذي رفع شعارا وظل مخلصا له «الأسد أو نحرق البلد» يسيطر على أقل من ثلث سوريا، وهناك عشرات بل مئات الفصائل المسلحة المنتشرة بين الأطراف الثلاثة. المأساة أن سوريا الوطن تتقلص وسوريا الشعب تتبعثر كثيرا وسوريا المعارضة الوطنية تختفي وسوريا النظام تعتمد على دعم إيران وحزب الله وإلا لحدث الانهيار منذ زمن. الآن لا النظام قادر على إعادة السيطرة على البلاد ولا توجد معارضة ذات رؤية موحدة تعمل على إعادة تفعيل موقف سياسي موحد تحاول الآن روسيا ومصر أن تدخلا على خط المبادرات لبلورة حل سياسي. 

نتوقع أن يكون عام 2015 عام نهاية الأزمة السورية بطريقة أو بأخرى، فقد تم تدمير القدرة العسكرية لسوريا وإرجاعها ثلاثة عقود من التنمية، كما أكدت الأمم المتحدة ولم يبق إلا أن تحسم الأمور باتجاه الحل الذي يبقي على النظام وليس بالضرورة على رموز النظام من أجل أن يصطف الجيش السوري أو ما تبقى منه مع أطراف المعارضة غير المتطرفة لهزيمة «داعش» وأقرانه على أساس أن «عدو عدوي في هذه المرحلة هو صديقي».

أما العراق فقد أثمرت سنوات المالكي العجاف دولة مفككة أصلا قائمة على الفساد والطائفية وتغول الأجهزة الأمنية. فلا يعجبن أحد من سرعة انهيار تلك الدولة الهشة التي أورثها المحتل للمالكي مع أول تحدٍ حقيقي تمثل في قيام «داعش» باحتلال الأنبار ونينوى وأجزاء من صلاح الدين وديالى وهروب الجيش بطريقة مذلة. لقد عجزت الدولة العراقية عن حماية الحدود والشعب والسيادة الوطنية، فماذا بقي من الدولة؟

كما أن المصيبة الإنسانية التي أصابت سوريا لحقت بالعراق أيضا فقد تشرد نحو مليونين غالبيتهم التجأ إلى شمال البلاد في منطقة كردستان العراق وبدأت الأمم المتحدة عملية إغاثة كبرى لجزء من الشعب العراقي ما كان يمكن أن يحدث لو أن الدولة بنيت على أسس متينة بعد انسحاب المحتل.

إن ظهور «داعش» أعاد وأنتج عراقا يعتمد على المساعدات الخارجية من الناحية الإنسانية، وعلى عودة الحذاء الأمريكي العسكري الذي حاول «منتظرالزيدي» أن يرد عليه بحذاء أكبر منه حجما، ويعمق السيطرة الإيرانية على كل مفاصل ما تبقى من الدولة. لعل الانتخابات الأخيرة تمنح فرصة أخيرة لرئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي بطي صفحة الطائفية وبناء دولة لكل أبناء الشعب العراقي… دولة يمتشق الشعب بكل أطيافه السلاح لحماية بلدهم عندما يوفر للجميع العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والقضاء العادل والاستمتاع بخيرات البلاد ودفن التمييز القائم على الدين أو المذهب أو المعتقد أو العرق أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية.

اليمن وليبيا حروب بالوكالة

أستغرب بقاء السيد جمال بن عمر، المستشار الخاص للأمين العام في اليمن، في منصبه، فلم يعد له شيء يعمله بعد أن رأى أن الجهات التي وقعت الاتفاقيات سواء المبادرة الخليجية أو مؤتمر الحوار الوطني أو اتفاق السلم والشراكة الوطنية أو البروتوكول الأمني، قد غيرت مواقعها في خريطة الانهيار اليمني الفظيع، خاصة بعد سقوط العاصمة في أيدي الحوثيين (أنصار الله) بتاريخ 21 أيلول/سبتمبر. 

لقد قام الشعب بكافة أطيافه عام 2011 ضد نظام الطاغية الفاسد علي عبد الله صالح، وعندما اضطر صالح أن ينحني أمام العاصفة العاتية قرر أن ينتقم من الشعب اليمني مدعوما بقوى إقليمية أخذت على عاتقها تفكيك كل ثورات الربيع العربي كي تحمي نفسها من الطوفان.

لقد لعب صالح اللعبة الدموية بالتحالف مع الحوثيين وتمكينهم من تدمير بنية الدولة والاستيلاء على العاصمة، ولما تمكن الحوثيون من السيطرة على العديد من المحافظات اليمينة تغيرت التحالفات ودخلت إيران على الخط لدعم سيطرتهم على البلاد من جهة، ومن جهة أخرى وجد الحوثيون أنفسهم أمام مقاتلي القاعدة وأمام تجمعات القبائل اليمنية التي لا تنكسر لأحد.

عام 2014 كان الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث وما زالت قوى أربع تتصارع في اليمن كل يشد الحبال إلى جهته: الحوثيون والقبائل وجماعات «القاعدة» والحراك الجنوبي المتجه نحو الانفصال.

أما الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه خالد البحاح وقرارات مجلس الأمن بفرض عقــــوبات على الرئيس السابق واثنين من قيادات الـحـــوثيين أصبحـــت غير ذات شأن في معمعة الفوضى غير الخلاقة التي تغمر اليمن شمالا وجنوبا. 

ليبيا الآن نموذج ساطع لتفكك الدولة الوطنية حيث تتنازعها حكومتان وبرلمانان وشرعيتان واحدة في طرابلس وأخرى في طبرق. ودخلت القوى الإقليمية على الخط لتصطف خلف المتحاربين وتحول الصراع الداخلي إلى حرب بالوكالة. ورغم محاولات ممثل الأمين العام برناردينو ليون أن يعقد جلسات حوار على طريقة الإبراهيمي في سوريا إلا أن جهوده ما زالت متعثرة بسبب الشروط التعجيزية التي يطرحها كل طرف في جوهرها تلغي الآخر. ولذا لا نرى نهاية للصراع على المدى المنظور.

تونس- ستعيش رغم الداء والأعداء

أهمية تونس في كونها النموذج الأرقى في هذا الوطن المكبل الممزق. كان المخاض عسيرا إلا أن حرص أبناء تونس على حل الإشكاليات بالحوار بعيدا عن العنف والاستحواذ والإقصاء والتخوين ورفع تهمة الإرهاب على كل من يخالف رأي من في السلطة أدى إلى نجاة تونس.

لم تستطع تخريبات البترول أن تلتهم تونس كما فعلت في غيرها. تونس أضاءت شعلة أولمبياد الربيع العربي… لحق بها الكثير بعضهم سقط على الطريق وبعضهم وقع في كمين أعده أعداء الأمة وبعضهم تعرض لانقلاب عسكري أو طائفي أو إغراق بالدم وبعضهم فتح المجال عن قصد أو غير قصد لسرقة الثورة من قبل عناصر متطرفة جاءت من عصور الجاهلية لتفرض أيديولوجية جز الرؤوس على أبناء القرن الواحد والعشرين.

رغم كل هذه الانتكاسات إلا أن تونس ظلت متمسكة بالنبراس الذي أضاءه محمد بوعزيزي بدمه.. لم يسقط النبراس من أيادي التوانســة لأن تونس كانت وتود أن تبقى النموذج ومسؤوليتنا جميعا أن نحافظ عليه ليعيش فينا وفي أمتنا «رغم الداء والأعداء كالنسر فوق القمة الشماء». فهنيئا لتونس تجربتها الديمقراطية الرائدة وكل عام وأمتنا على أمل.

٭ د. عبد الحميد صيام أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

 

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

اليمن ليبيا غزة السلطة الفلسطينية تفكك الدولة الوطنية الاستثناء التونسي الحصار المصري سوريا العراق داعش

وزير الداخلية التونسي يؤكد منع أكثر من 9 آلاف شاب من السفر للقتال في سوريا

«فريدوم هاوس»: تونس أول دولة عربية «حرة» .. والسعودية في قائمة «أسوأ السيئ»

بعد وضع قطارها على سكة الديمقراطية.. تونس تلتفت لاقتصادها العليل

تونس في قبضة اليمين

البنتاجون: عام 2014 كان الأكثر تعقيدا منذ 1968

‏رئيس حكومة تونس يخفض رواتب وزرائه 30% في خطوة تمهد للتقشف ⁦‪