استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ماذا يعني فوز اليسار اليوناني؟

السبت 14 فبراير 2015 03:02 ص

كانت اليونان بالنسبة للغرب إحدى استعصاءات التحوّل الديمقراطي ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثلها مثل البرتغال في عهد الجنرال سالازار وإسبانيا في عهد فرانكو، فبعد أن تنازعتها التقسيمات والصفقات بين دول الحلفاء، ولاسيّما في مؤتمر يالطا وأصبحت من حصة الغرب، شهدت انقلابات ودكتاتوريات عسكرية، ولاسيّما من العام 1967 ولغاية العام ،1974 حيث بدأ الانتقال الديمقراطي التدريجي، مع بقاء المواجهة مع تركيا بسبب العداء التاريخي، الذي زاده الصراع حول قبرص، على الرغم من أن الدولتين عضوتان في حلف شمال الأطلسي الذي تأسس العام 1949.

لكن اليونان التي شهدت انتقالاً نحو الديمقراطية، بإجراء انتخابات حرّة واختيار الشعب لممثليه وتشريع دستور ديمقراطي للبلاد وإطلاق الحريات، لم تستطع إنقاذ نفسها ونظامها الرأسمالي من أزماته المتلاحقة، وكانت قد أعلنت إفلاسها أكثر من مرّة في السابق خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين، إلاّ أن الأزمة اليونانية الراهنة هي الأكثر تعقيداً منذ انتماء اليونان للاتحاد الأوروبي، وسيادة العملة الأوروبية اليورو على حساب العملة المحلية القديمة "الدراخما"، والتي أدت إلى ارتفاع فاحش للأسعار وزيادة البطالة، على الرغم من محاولة امتصاصها من خلال المساعدات والقروض التي حصلت عليها، ولكن يبدو أنها من دون جدوى حتى الآن، إذْ لم تستطع تلبية شروط الاتحاد الأوروبي، فماذا يعني فوز اليسار وهل سيتمكن من التملص من استحقاقات الأزمة؟

بعد انهيار النظام الاشتراكي العالمي، توجّهت العديد من دول أمريكا اللاتينية، لتغيير أساليب كفاحها من الأساليب العنفية إلى الوسائل السلمية، طارحة فكرة "الثورة في صندوق الاقتراع"، وقد فاز اليسار في العديد من دولها مثل تشيلي ونيكاراغوا والبرازيل والإكوادور وفنزويلا وأروغواي والأرجنتين وغيرها، ولكن فوز اليسار في أوروبا له دلالات أعمق ومعان أكثر، لاسيّما في اليونان بالتحديد، الأمر الذي رفع من درجة الاستنفار الأوروبي في ظل الموجة العنصرية الفاشية الصاعدة، خصوصاً وإن تصريحات زعيم اليسار الراديكالي "سيريزا" أليكسيس تسيبرايس في أول ظهور له بعد الفوز في الانتخابات قال: "إن الشعب اليوناني كتب التاريخ، وأنه ترك التقشف وراء ظهره"، وهذا يعني رفض سياسات الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

إن فوز حزب "سيريزا" وترجمته "باتجاه الجذور" أو "نحو الجذور" يعني أن اليسار تمكّن من تنحية حزبين تقليديين كبيرين هما: حزب الديمقراطية الجديدة (الذي يمثّل المحافظين) وحزب الباسوك الاشتراكي، وقد دخل حزب سيريزا البرلمان منذ الانتخابات التشريعية العام ،2004 حين حصل على ستة مقاعد فقط، وفي انتخابات العام 2009 أصبحت مقاعده 13 مقعداً، أما انتخابات العام 2012 الاستثنائية فقد حصل على 71 مقعداً ليصبح القوة اليسارية الأولى، وكانت الانتخابات الأخيرة في مطلع هذا العام 2015 انعطافة تاريخية في مسار الحزب بشكل خاص واليونان بشكل عام، فقد نال الحزب 149 مقعداً من مجموع 300 مقعد، أي نحو نصف أعضاء البرلمان أصبحوا من حزب " سيريزا"، وهو الأمر الذي دفعه للتحالف مع حزب "اليونانيين المستقلين" (13 مقعداً) الذي يشاطره الرؤية السياسية بشأن الأزمة الراهنة، علماً بأنه من اليمين الوسط، وبذلك حصل على الأغلبية في البرلمان.

ما وعد به تسيبرايس هو برنامج مطلبي إصلاحي يقوم على:

1- رفع الحد الأدنى للأجور.

2- إلغاء بعض الرسوم والضرائب التي ترهق كاهل المواطن الكادح.

3- تخفيض نسبة الديون التي تكبّل اليونان فمنذ العام 2004 ولغاية العام 2009 زادت ديونها على 70 مليار يورو إضافية، وتبلغ مجمل ديونها أكثر من 300 مليار يورو في حين إن بعض التقديرات تقول إنها تجاوزت التريليون يورو.

4- فكّ الارتباط مع حلف الناتو وإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية على الأراضي اليونانية.

وكان الاتحاد الأوروبي قد قدّم مساعدات كبيرة لليونان خوفاً من أن العجز الاقتصادي سيدفعها للخروج منه، الأمر الذي سيلقي تبعاته السلبية على مجمل الاتحاد، وذلك بانخفاض عملته "اليورو"، فضلاً عن انعكاساته الأمنية والعسكرية، ولهذا تقدّمت أوروبا بشكل عام، وألمانيا بشكل خاص، تتبعهما فرنسا على تقديم قروض كبيرة لخفض العجز في الموازنة العامة للدولة، وهو الأمر الذي يسبّب صداعاً اليوم للاتحاد الأوروبي، فيما إذا قرّر حزب سيريزا بعد كل ذلك، إفساد هذه الخطة وإطاحة مشروع الاتحاد، لاسيّما إذا اتجهت اليونان إلى روسيا والصين.

الديون في اليونان معتّقة، والبلد مدمن على الاستدانة، وهناك الكثير من مظاهر الفساد المالي والإداري، كما أن أوروبا تعاملت مع اليونان كجزء من الحديقة الخلفية التي يمكن أن تجري فيها تجارب متنوعة، واضعة عليها نسبة فوائد بلغت 6% على القروض التي تمنحها إياه، الأمر الذي زاد في انهيار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأدى إلى انخفاض نسبة النمو، مع زيادة الانكماش الاقتصادي والبطالة.

إن خشية أوروبا من انسحاب اليونان يعني خروج مستثمرين إلى أسواق أخرى (مثل اليابان أو حتى الولايات المتحدة) وسيؤدي ذلك إلى خسارة أوروبا لسنوات تبلغ عشرات المليارات من اليورو، فألمانيا وحدها حسب بعض التقديرات ستكون خسارتها تتراوح بين 60-80 مليار يورو، كما أن الشركات والقطاع الخاص ورؤوس الأموال ستنسحب من اليونان، وهذا يؤدي إلى إفلاس بنوكها وبالتالي البنوك الأوروبية، وفي حالة عجزها عن ديونها ستتأثر قدرتها في الإقراض، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي لعموم أوروبا.

وهناك مخاوف من العودة إلى العملة اليونانية "الدراخما" بدلاً من اليورو، وسيؤدي ذلك إلى هبوط سعر اليورو، فضلاً عن أن مثل هذا التوجّه اليساري قد يصل إلى أوروبا، كما هي إسبانيا والبرتغال وإيرلندا وقبرص، وهي الأخرى كانت قد حصلت على مساعدات من الاتحاد الأوروبي، ولعلّ ترحيب بعض الأحزاب اليسارية الأوروبية بفوز حزب سيريزا له أكثر من معنى ودلالة، وأولها عدم وضع بلدانها رهينة للاتحاد الأوروبي، لاسيّما لألمانيا وفرنسا، القوتين الكبيرتين في الاتحاد، مع تحفظ بريطانيا على العديد من السياسات.

إن فوز حزب سيريزا بقدر إزعاجه للاتحاد الأوروبي، فإنه أزعج على نحو كبير الصهيونية و"إسرائيل"، فكما هو معروف عن الزعيم اليوناني تسيبرايس إنه مناهض للسياسات العنصرية "الإسرائيلية"، وسبق له أن شارك في "أسطول الحرية" الذي كان متوجهاً إلى غزة العام، 2009 وقامت "إسرائيل" بالتعرّض له وقتلت 9 من الذين كانوا على ظهره، وكان حزب تسيبرايس قد نظّم مسيرات عدة ضد الحرب "الإسرائيلية" على غزة، وبقدر مساعدة الحكومة السابقة "إسرائيل" ودعمها على مهاجمة الأسطول، فإن تسيبرايس يعتبر نضال الشعب العربي الفلسطيني من أجل حق تقرير المصير وإقامة الدولة الوطنية وعودة اللاجئين، مشروعاً لا بدّ من دعمه، مثلما يعتبر "الإسرائيليين" قتلة للأطفال، وارتكبوا خلال حربهم على غزة جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب العربي الفلسطيني وهي جرائم تستحق المساءلة.

فماذا يعني فوز اليسار بالنسبة لنا كعرب أو من أبناء المنطقة؟ وأقول ماذا يعني فوز اليسار اليوناني ليسارنا، فهل يمكننا إعادة النظر في الكثير من برامجنا وأطروحاتنا التي عفا عليها الزمن، وكيف السبيل لاستعادة ثقة الناس والناخبين؟ وهل يمكن استثمار هذا الفوز لتدعيم تكتل اليسار الراديكالي اليوناني، لمصلحة الأمة العربية والعلاقات اليونانية - العربية التي تحتاج إلى تصويب وتصحيح؟

أقول ذلك بهدف مساعدة اليونان للتخلّص من التأثيرات "الإسرائيلية" فيها، لا سيّما بوجود حزب يساري مناصر للقضايا العربية، والأمر له علاقة أيضاً بالاستثمارات العربية في اليونان، تلك التي يمكن تفعيلها وتجليسها على قاعدة صلبة، وإلاّ فإن انعكاساتها ستكون سلبية على الرأسمال العربي، خصوصاً بتأثيراتها في أسواق النفط الخليجية التي تعاني الآن انخفاض أكثر من 50% من أسعارها.

المصدر | عبدالحسين شعبان - الخليج

  كلمات مفتاحية

اليونان اليسار أزمة الديون سيريزا ألكسيس تسيبراس فلسطين أسطول الحرية القضايا العربية

خطة بريطانية لإخراج اليونان من منطقة اليورو

اليونان تهز منطقة اليورو لكنها لن تفككها

اليونان تنتفض على التقشف: هبوط ناعم في أحضان اليسار

اليونان و«اليورو».. مصاعب الخروج

من الفائز: اليونان أم أوروبا؟