مجزرة واحدة لا تكفي لإحياء ذكرى الثورة !

السبت 14 فبراير 2015 06:02 ص

عطفا على حديث الذكرى الرابعة للثورة في القاهرة. 

أولا،  كان صديقي الذي خرج ضد النظام للمرة الأولى في حياته في 28 يناير 2011، لكنه لا يزعم، مثل البعض، أنه من زعماء الثورة أو صناعها، يضحك في مرارة، وهو يروي لي كيف أن المنطقة الشعبية التي يعيش فيها بالقاهرة، استعادت صورتها القديمة: مرشح الحزب الوطني المنحل الذي صنع ثروته من تجارة المخدرات، كما سيخبرك أي طفل في الحي، وظل يفوز بمقعد البرلمان، «من منازلهم» أي بدون جهد يذكر، لسنوات طويلة، خرج مؤخرا من السجن الذي كان دخله بعد الثورة مباشرة بتهمة «الكسب غير المشروع».

وبدأ أنصاره يعلقون اليافطات الانتخابية في الشوارع، مع بعض الاختلافات، إذ انها لا تحمل صور حسني مبارك، كما انه خصص ميزانية أكبر للحملة الانتخابية فيما يبدو هذه المرة لشراء الاصوات الانتخابية، وهو لا يستثني من ذلك الذين لا يملكون أصواتا أصلا، أو من يعرف يقينا أنهم لم ولن يشاركوا في انتخابات، كما أنه لا يحاول ان يخفي «المزاج الاحتفالي» الذي يخوض به الانتخابات. وينهي صديقي ضحكه الذي أصبح يشبه البكاء في النهاية بالقول» شخصيا أتوقع ان يفوز صاحبنا ده بالمقعد هذه المرة بدون تزوير. للمرة الاولى في حياته، سيكون نائبا شرعيا حسب الديمقراطية (بتاعتك)». 

هذا الإحباط الذي يلامس حدود اليأس، ويدك في هدوء القواعد الشعبية للنظام هو الخطر الأكبر على وجوده ومستقبله. هؤلاء الأبطال الحقيقيون للثورة الذين قرروا أن يرفضوا الظلم والقمع، فاذا بهم يعاقبون بالفوضى والمعاناة الاقتصادية والأمنية، ناهيك عن شعورهم بالقهر وهم يشهدون على محاولات سرقة الثورة، بل والدولة نفسها، من هذا الطرف أو ذاك خلال السنوات الأربع الماضية.

هؤلاء لا يجدون من يوصل أصواتهم أو يعبر عنهم في ظل هذا السيرك الإعلامي والانسداد السياسي، بينما مازالوا يدفعون الثمن يوميا من أمنهم وقوت أولادهم، فيما يواصل البعض كسب الثروات، وامتلاك القصور داخل مصر وخارجها من الاتجار في الثورة ودماء ضحاياها. 

هؤلاء الذين شاركوا في 30 يونيو 2013، لكنهم لم يمنحوا النظام أبدا شيكا على بياض، ولن يسمحوا له بأن يجير انتفاضتهم الصادقة لمصلحة الماضي. كما انهم لا يلتفتون الى من أعمتهم الرغبة في الثأر، فاصبحوا يسعون الى ان يهدموا المعبد على رؤوس من فيه انتقاما لفقدهم السلطة.

هؤلاء الذين لاينتمون إلى أي جماعة او حزب، لكن يعتزون بهوية وطنية فطروا عليها، وكانوا دائما وراء كافة التحولات التاريخية التي غيرت مصر، بل والاقليم احيانا، فقط من يملكون القدرة على التغيير، مهما حاول البعض الاستعانة باستطلاعات رأي قديمة لرسم صورة وهمية حول «شعبيته». 

ثانيا: في بلاد لا تعتبر الأظمة «قوية» الا بعد ان تتلطخ أيديها بالدم، كانت الذكرى الرابعة للثورة مناسبة مثالية، ليستعرض النظام الجديد – القديم عضلاته. نعم كانت الحياة تسير تماما كما تفعل دائما. لكن ثمة غضبا وتساؤلات ثقيلة جاثمة على الصدور. لقد ضبط النظام هذه المرة متلبسا. حاول أن يجد متهما، لكنه فشل. تماما كما حدث في مشهد قتل شيماء الصباغ. من عساه أن يكون القاتل؟ 

لقد عرفت بنبأ شيماء بعد ساعتين فقط من استشهادها، ذهبت الى ميدان طلعت حرب لشراء كتب من إحدى المكتبات المعروفة هناك. لكن فوجئت بأن الرصيف تحول الى «ثكنة أمنية» لا يمكن دخولها. كانت سيارتان من الأمن المركزي وعدد من الجنود الملثمين يتمركزون هناك.

شرحت لاحد الجنود انني ذاهب الى المكتبة، فقال كلمة واحدة: ممنوع. انصرفت مستغربا، خاصة ان حركة السير بدت طبيعية، لكن أحد المارة قال لي بصوت مسموع: قتلوها. لحقت به في وسط الميدان تماما، حيث روى لي ما حدث.

وكأن مجزرة واحدة لا تكفي للاحتفال بذكرى الثورة، جاءت مجزرة مشجعي الزمالك لتعلن عودة أسوأ ما ثار ضده المصريون في النظام القديم: الاستهانة بدمائهم وكرامتهم. لابد ان الرئيس عبد الفتاح السيسي كان يستشعر هذا الغضب المكتوم عندما طلب من وزير الداخلية في لقاء علني تقديم قاتل شيماء أيا كان للعدالة.

وحسب تقارير صحافية فقد طلبت النيابة من الشرطة تحديد شخصية جندي ملثم اطلق الخرطوش على شيماء. فيما يصر كثيرون على أن إقالة وزير الداخلية هي أقل ما يجب ان يحصل بعد المجزرة الاخيرة. الواقع ان القاتل الحقيقي في جرائم النظام لم يكن أبدا مجرد شخص. إننا امام دولة راسخة تملك تراثا عريقا من القمع الأمني القائم على الاستهانة بالدم والحياة الانسانية. وهي تملك كل ما تحتاج من ثقافة وادوات لتحصين نفسها من المحاسبة.

وربما يصبر المصريون على تأخر التحسن الاقتصادي، أو العدالة الاجتماعية او الثورية، لكنهم لن يقبلوا بعودة الوجه الاكثر قبحا لنظام مبارك. لقد وعد الرئيس السيسي اثناء زيارته الاخيرة الى الكويت بأنه سيجري «تغييرات»، فهم أنها تشير الى تعديل حكومي، لكن التغيير المطلوب أكبر من هذا.

لم يعد المصريون يحتاجون الى من يغمر مشاعرهم بخطاب عاطفي، بل من يحفظ كرامتهم ويعصم دماءهم، ويلحقهم بعصر يستطيع ان يحقق الامن بدون التضحية بحقوق الانسان.

٭ خالد الشامي كاتب مصري

 

المصدر | خالد الشامي | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر ذكرى ثورة يناير السيسي مذبحة الزمالك ميدان طلعت حرب 30 يونيو شيماء الصباغ

مجزرة «الدفاع الجوي»: صدام «الألتراس» والأمن له ما بعده

مجزرة جديدة للألتراس .. ونشطاء: الداخلية تواصل سيناريو الانتقام من فرقاء ثورة يناير

مصر.. ارتفاع ضحايا مجزرة الدفاع الجوي إلى 40 قتيلا وإدانات سياسية وشعبية واسعة

في الذكرى الرابعة لـ«ثورة 25 يناير»: رموز النظام يغادرون السجون بينما يرزح الثوار داخلها!

«هآرتس»:مصر تنتظر ثورة ونسبة الـ96% التي فاز بها «السيسي» يخجل منها «مبارك»