إقالة وزير الداخلية… اعتذار متأخر من السيسي ؟

الأحد 8 مارس 2015 05:03 ص

أخيرا اتخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القرار الذي طالما حاول تفاديه، أو تأجيله، ربما عرفانا بدور اللواء محمد إبراهيم في المرحلة الحاسمة التي شهدت عزل الرئيس السابق محمد مرسي. نعم لم تكن إقالة وزير الداخلية المصري أمس مفاجئة بالنسبة لكثير من المراقبين، بل أنها تأخرت، في ظل تراكم من الأخطاء بل والجرائم التي ارتكبت في عهده، ناهيك عن عوامل التقصير أو الضعف أو الفشل التي وضعت البلاد في مرمى هجمات إرهابية يومية غير مسبوقة، وأعادت شبح الدولة البوليسية، لكن بدون حالة الأمن والاستقرار التي عرفها المصريون في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
اضطر الى اتخاذ القرار بعد ان أصبحت حالة التدهور الأمني، تشكل عبئا، بل تهديدا ليس فقط لصورته، بل لمصداقيته وشرعيته امام الشعب والعالم في آن. إلا ان ثمة ابعادا اكثر عمقا يحملها التعديل الوزاري، الذي جاء في معظمه مجرد غطاء لإقالة وزير الداخلية، ومنها: 

أولا، بدأت الارهاصات بإقالة اللواء ابراهيم بقرار السيسي العام الماضي تعيين وزير الداخلية الاسبق اللوء أحمد جمال الدين، مستشارا لرئيس الجمهورية للشؤون الامنية. وكان مرسي قد أقال اللواء جمال الدين من الحكومة، ما جعل البعض يعتبر أن السيسي أراد مكافأته، إلا أنه في الحقيقة كان تعبيرا عن عدم الرضى على أداء اللواء إبراهيم. وبالفعل كرس التعيين حالة من الارتباك والازدواجية في معالجة الملف الامني، انعكست في تصاعد الهجمات الارهابية، بل تكرارها احيانا في الاماكن نفسها وبالاساليب ذاتها، ما يشير الى تقصير أمني فادح. 

ومن دون شك فإن جمال الدين ليس بعيدا عن اختيار اللواء مجدي عبد الغفار وزيرا جديدا للداخلية، وهو الذي قضى أكثر من ثلاثين عاما في جهاز أمن الدولة، ما يشير الى استراتيجية جديدة – قديمة يقودها رجل يتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع الجماعات الإسلامية، ومنها الإخوان.

ثانيا، ساعدت الأحداث الأمنية الخطيرة التي شهدتها البلاد مؤخرا السيسي على حسم تردده، خاصة بعد مقتل المتظاهرتين السلميتين رضا سندس وشيماء الصباغ، عشية الذكرى الرابعة للثورة في شهر يناير الماضي. وعلى الرغم من تعهد السيسي بتقديم المتهمين للعدالة، أيا كانوا، فشل اللواء ابراهيم في تحقيقه، حتى بعد أن طالبه السيسي بذلك في اجتماع علني، ثم جاءت كارثة مقتل عشرات من مشجعي الزمالك، في ما عرف بـ«مجزرة الدفاع الجوي» عشية زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للقاهرة الشهر الماضي، ما سبب إحراجا واسعا للسيسي.

أما القشة التي قصمت ظهره فربما كانت مقتل المحامي كريم حمدي في قسم المطرية بالقاهرة الاسبوع الماضي. وعلى الرغم من احتجاز الضابطين المتهمين، إلا ان النظام أدرك انه لن يتحمل عواقب عودة هذه الجرائم التي كانت سببا مباشرا في اندلاع الثورة قبل اربعة اعوام. 

ثالثا، اراد السيسي باقالة وزير داخليته في هذا التوقيت، أن يوجه رسائل متعددة للداخل والخارج، منها أنه يعترف بالانتهاكات التي ارتكبتها وزارة الداخلية خلال المرحلة الماضية، ويعتذر عنها عمليا بتغيير الوزير، إلا انه اعتذار متأخر، حيث أنه ضيع فرصة سياسية مهمة عندما تقاعس عن اتخاذ هذا القرار في اعقاب صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق بشأن أحداث رابعة العدوية في شهر نوفمبر الماضي، وهو الذي حمل الشرطة جزئيا مسؤولية وقوع عدد كبير من القتلى اثناء فض الاعتصام وقال حرفيا «قوات الشرطة وإن كانت اضطرت إلى الرد على اطلاق النار، إلا أنها أخفقت في التركيز على مصادر إطلاق النار المتحركة بين المتجمعين مما زاد من أعداد الضحايا»، وكان واجبا، بالاضافة الى اقالة الوزير ومحاسبة المسؤولين حينئذ، ان تعتذر الدولة للضحايا وتقرر تعويضات مناسبة لهم، ما كان يمكن أن يسهم في تهدئة النفوس واحتواء الشعور بالظلم لدى عائلاتهم.

وتبقى هذه الخطوة ضرورية حتى الآن ضمن أي رؤية سياسية للتعامل مع وضع متأزم يحتاج الى ما هو أكثر من مجرد معالجة امنية. وبالطبع اراد السيسي كذلك ان يطمئن المشاركين في المؤتمر الاقتصادي إلى أن التدهور الأمني المتمثل في انتهاكات حقوقية او تفجيرات يومية في القاهرة والعديد من المحافظات، اصبحت اخبارها تغطي على ما سواها، ليس «قدرا محتوما» من وجهة النظر الدولة، بل أنها عازمة على مواجهته. 

رابعا، ان إقالة وزير الداخلية تعبر في حقيقتها عن مواجهة مكتومة، لكنها بدأت تخرج الى العلن مؤخرا، إذ ان فلول مبارك، بعد حصوله ورموز نظامه على أحكام البراءة، تحولوا الى «مراكز قوى» في عدد من أهم المؤسسات، وبينها الأمنية، ودخلوا في اختبار للقوة مع نظام السيسي، بل أن بعضهم أعلن الحرب عليه علنيا وبدأ يطالب بعودة الفريق احمد شفيق من الامارات. 

ومن هذا المنطلق يمكن تفسير عدد من التطورات السياسية والامنية والقضائية التي حدثت مؤخرا، واستهدفت قطع الطريق على أي إمكانية للسيسي للمناورة في ملفات داخلية وخارجية. 

ومع احتياج النظام لبعض اولئك الفلول، خاصة من رجال الاعمال، او ما يتمتع به اخرون من حصانة، يقف النظام عاجزا عن تطبيق القانون. ولا يمكن فصل قرار إقالة وزير الداخلية، ومن قبله قيادات امنية اخرى عن هذه المواجهة المرشحة الى التصاعد. ولهذا الحديث الشائك بقية.

٭ خالد الشامي كاتب مصري

  كلمات مفتاحية

مصر إقالة وزير الداخلية  السيسي محمد إبراهيم اعتذار متأخر مجدي عبد الغفار

مصر: تعديل حكومي مفاجئ «يطيح» بوزير الداخلية «محمد إبراهيم»

إقالة وزير الداخلية المصري «محمد إبراهيم» ضمن تعديل شمل 8 وزراء

«السيسي» يصدر قانونا للإرهاب يعطي للسلطات صلاحيات واسعة

تسريبات «الجزيرة» لوزير الداخلية المصري تكتب شهادة وفاة المصالحة المصرية القطرية

«الإخوان» .. الحاضر ـ الغائب في إقالة وزير الداخلية المصري