«فورين بوليسي»: انتعاش كبير بـ«سوق الموت» في أبوظبي

الأحد 8 مارس 2015 04:03 ص

بالنسبة لأولئك الذين يفكرون في خوض حرب في المستقبل القريب، لن يكون هناك مكان أفضل من معرض الدفاع الدولي في أبو ظبي الذي يقام سنويًا والمعروف باسم «آيدكس». يوجد في هذا السوق كل ما تحتاجه من أقمار صناعية عالية الدقة، وبعض الذخيرة من العيار الثقيل، والكلاشينكوف، والسترات الواقية من الرصاص المصنوعة في الصين. كل ما عليك هو أن تقوم بجولة هادئة لتصل إلى بُغيتك.

بعد مرور 12 عامًا على وجوده، أصبح معرض «آيديكس» أحد أهم معارض الأسلحة التي لا غنى عنها في العالم. والتقى خلال هذا الحدث الذي استمر خمسة أيام الآلاف من المهندسين والبائعين وممثلي العلاقات العامة والمديريين التنفيذيين في مكان واحد ضم 1200 شركة من 56 دولة قاموا بعرض بضاعتهم، كما حضر وكلاؤهم. وقام 159 موفد و100 ألف زائر بجولات في ممرات تصطف فيها الدبابات في مركز أبو ظبي الوطني للمعارض. وتشمل بعد المحال الحكومية الأخرى في الجوار دولاً مثل الأردن وأوكرانيا من بين آخرين.

وقال «آيفور إيشيكويتز» - مؤسس مجموعة باراماونت في جنوب أفريقيا – إن «المعرض يظهر كيف أن صناع القرار الفعليين يتكلفون عناء المجيء إلى هنا». وخلال المعرض؛ أبرمت مجموعة باراماونت صفقة بيع لإنتاج 50 مركبة مشاة قتالية للقوات المسلحة الأردنية. وتعمل الدولة المُضيفة على جمع صناع القرار داخل حدودها ليبرموا الصفقات ويتبادلوا ما لديهم من بضاعة، كما تشجع ضيوفها على التحرك والتجول والقيام ببعض العمل.

وتزدهر الأعمال التجارية في هذه الأيام. وتُمزق الصراعات المنطقة - من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى أوكرانيا – ما ساعد في عملية رفع الميزانيات العسكرية في جميع أنحاء العالم. ووفقًا لتقديرات مجموعة باراماونت؛ فقد نما الإنفاق على الدفاع 12.1% في الشرق الأوسط العام الماضي مُحققًا 120.6 مليار دولار أمريكي. وفي ظل ما يمكن أن نسميه بمحاولة بعث روسيا، فإن دول حلف شمال الأطلسي أيضًا تقع تحت ضغط الوصول إلى مستهدف الحلف للإنفاق العسكري المتمثل في 2% من الناتج المحلي الإجمالي، حتى في أماكن مثل بلغاريا وإيطاليا حيث الاقتصادات الراكدة. كما تنضم الولايات المتحدة أيضًا إلى فورة الإنفاق؛ حيث طلب الرئيس «باراك أوباما» زيادة 7٪ في ميزانية الدفاع هذا العام.

حتى في غياب الخزائن المفتوحة من وزارة الدفاع الأمريكية، فإن السوق المدنية الأمريكية كافية لرفع الروح المعنوية لأصغر مصنّعي البنادق في باكستان في «آيدكس». وتبيع المصانع الحربية الباكستانية بنادق نصف آلية لقوات الأمن في البحرين، كما تحاول إدخال سلعها إلى بغداد، ولكن من خلال أسواق الولايات المتحدة التي تبدو في الغالب أكثر ربحًا. وخلال حديثه معي قال «عارف سعيد قاضي» - مدير عام التصدير – إن مكتب الولايات المتحدة للكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات وافق مؤخرًا على عرض حفنة من الأسلحة الشخصية التي قدمتها الشركة، مُضيفًا بفخر وسعادة: «هناك دائمًا من يطلب هذه الأمور».

وفي الواقع؛ فإنه في «آيدكس» لا يوجد صديق ولا عدو، كلهم رجال أعمال فقط. «إنه دفاع - قتال- لكننا ما زلنا نعرض كل منتجاتنا سويًا في مكان واحد يضم الأمريكيين والصينيين والروس»؛ هكذا قال وزير الدفاع السوداني الجنرال «عبدالرحيم محمد حسين» لي عندما قابلته صدفة في المعرض. «آيدكس كان قادرًا على جمع كل هؤلاء الناس هنا - كل هؤلاء الأعداء - في مكان واحد».

وتحدث «حسين» عن تجربته الشخصية؛ فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة تُعلّق أمر اعتقاله منذ عام 2012، عندما قال المدعي العام للمحكمة أنه كان هناك سبب للاعتقاد بأنه كان مسؤولاً عن ارتكاب جرائم حرب في دارفور.

المهمة الأولى عند الوصول إلى «آيدكس» هي تخفيف الحمل الزائد. تجولت في قاعات المعرض تحت دبابات تبدو مرعبة في شكلها ترتفع عن الأرض بعشرة أقدام وصواريخ أرض – جو شاهقة، وكنت أستمع بين الحين والآخر إلى أصوات العاملين المطالبة بمغادرة المنطقة إلا من العاملين بها بينما تدور نقاشات الاتفاق والصفقات. بدا من حجم كل كُشكٍ أنه يصوّر حصة الشركة السوقية، وكلما كان أكبر كلما كان ذلك أفضل. أجنحة كبرى شركات الدفاع لها عدة طوابق وقاعات اجتماعات بجدران زجاجية وخدمات إعاشة. وبدت مقصورات الشركات المبتدئة أشبه بأكشاك خدمات اشتراك الهاتف المحمول في مركز للتسوق.

لقد وجدت نفسي أمام رتل من ناقلات الجُند المُدرعة أمام كُشك تابع لشركة «إس آر بي سي» البيلاروسية ما دفعني للاقتراب ممن فيه. وأوضح مندوب مبيعات بيلاروسي ودود أن شركته تصنع نظام صواريخ مضاد للدبابات. وقال المندوب بثقة وهو يسلمني كُتيّبًا به منتجات الشركة: «كل بلد بها نزاعات مُسلحة تحتاج نظامًا مثل هذا». ومن باب جذب العملاء؛ فإن شركته تقدم النسخة الثقيلة والنسخة الخفيفة (200 دولار مقابل 44 دولار)، مُشيرًا «ذلك يعتمد فقط على ما تحتاج إليه».

قمتُ بجولة حول الجناح الروسي المُخصص لمكتب تصميم منظومات الدفاع الجوي، والذي كانت يعرض صواريخ مضادة للطائرات وعدد قليل من طائرات الهليكوبتر. «يُوري سافينكوف» - نائب مدير الشركة – لم تُجدِ معه ابتسامتي لتُمهد فتح حديث عندما علم أنني أمريكي. «نحن نصمم أسلحتنا كوسيلة دفاعية»؛ هكذا قال باقتضاب من خلال مُترجم. «وهنا نستطيع أن نقول إننا في الإمارات العربية المتحدة نعمل جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة؛ لأننا على حد سواء نعمل على توفير منتجات عسكرية للدفاع عن هذا البلد»؛ هكذا تابع بصوت غلب عليه الضحك. وأوضح أن الأسطول الجوي لدولة الإمارات العربية المُتحدة يتألف من طائرات أمريكية الصُنع، ولكن أنظمة الأسلحة القادرة على إسقاط طائرة من الأرض هي الروسية.

ولا يريد أحد أن يتحدث تحديدًا عن أن الصراعات في أوكرانيا وضد الجهاديين في منطقة الشرق الأوسط كانت السبب في جمع كل البائعين في نفس الملعب تقريبًا. هل لديك حدود مع اليمن؟ لدينا أنظمة الكشف الحرارية للقبض على المهربين. هل تخاف من تسلل «الدولة الإسلامية»؟ ربما طائرات الاستطلاع بدون طيار الخاصة بك تحتاج إلى تطوير. الأفضل لك أن تشتري كلا النظامين الروسيين المتوافقين مع الناتو.

وكان للتوترات الجغرافية السياسية أثر في انتعاش العديد من التجار حتى غير المعروفين أو المُحتملين. وكان هناك كُشكٌ صغير لنظارات الرؤية الليلية خارج القاعة الرئيسية بدا وحيدًا ومُتشوقًا إلى أن يجذب انتباه أحد. وقال العالِم «أليكسي بي شيفرفيتش» - الحائز على جائزة دولة بيلاروسيا ومدير مركز «إل إي إم تي» العلمي و الفني التابع لشركة «بيلمو» القابضة - أن منطقة الشرق الأوسط المضطربة كانت جيدة لشركته؛ حيث أشار أن شركته تمتلك عقودًا لتوريد الأجهزة البصرية لقاذفات القنابل في الأردن، ومعدات الرؤية الليلية للمملكة العربية السعودية ووزارات الدفاع والداخلية العراقية. وقام الوفد العراقي بزيارة شركته خلال «آيدكس» مُستطردًا: «لقد بدأنا تقديم المنتج لهم بالفعل».

كنت أتساءل ما إذا كان العراق – الذي يعاني من تنظيم «الدولة الإسلامية» الآن - يشتري أي منتجات أسلحة ومعدات قاتلة، لذلك سعيت للوصول لأكثر الأجنحة ازدحامًا وإقبالاً على الأسلحة النارية الشخصية. لقد وجدته بغيتي في المصانع الحربية الباكستانية؛ وهي الشركة النشطة في البحرين التي تتطلع لموضع قدم لها في سوق الولايات المتحدة.

«نحن نحاول بيعها للعراق»، هكذا قال ، موضحًا أن شركته التقت بالفعل مع الحكومة العراقية قبل أربعة أو خمسة أشهر، وأردف «يمكننا أن نُورّد لهم كل ما يريدون»، ومشددًا على أن الشركة حريصة من التأكد أن بنادقها لا تصل فقط إلا ليد المشتري. وكرر «لا ينبغي أن تذهب الأسلحة إلى الشخص الخطأ».

وبطبيعة الحال؛ فإن «الوقوع في الأيدي الخطأ» هو شيء لم يتمكن أكثر العملاء تطورًا - الجيش الأمريكي - من منعه. وعندما استولت «الدولة الإسلامية» على مساحات من شمال العراق خلال صيف عام 2014م، نجحت في السيطرة على مخازن الأسلحة والمركبات التي منحتها الولايات المتحدة للجيش العراقي بشكل جماعي. وفي أواخر العام الماضي؛ قامت مُنظمة «صراع التسلح» - شركة بحثية استشارية – بعملية مسح للذخيرة التي تستخدمها «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا ووجدت أن 20% منها تقريبًا صناعة أمريكية.

وعن طريق الصدفة؛ يُوجد الجناح الباكستاني بجوار السوداني، حيث كان وزير الدفاع في البلاد يقوم بجولة في شركة صناعات عسكرية مملوكة للدولة. وتعتمد الشركة التي تأسست في عام 1993 على الخبرة الصينية والإيرانية، وفقًا لعملية مسح قام «مشروع الأسلحة الصغيرة» المستقل، وهي مجموعة بحثية وثّقت كيف أن منتجات الشركة السودانية ظهرت في صراعات من جنوب السودان إلى ساحل العاج إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن ليبيا إلى سوريا.

حرك الجنرال السوداني «حسين» عصاه ذهابًا وإيابًا وهو يتحدث مُشيرًا إلى منتجات مُحددة قائلاً هنا كان يُوجد أفضل شركات أسلحة المدفعية والمسدسات وأحد أحدث قاذفات الصواريخ أرض – جو الحديثة (إيه إس إم إل 70) التي طورها حديثًا علماء من الدولة. وأردف بمفاخرة تخرج الأسلحة من القاذفة في سرعة أولية تبلغ 28.66 متر في الثانية الواحدة؛ «هذا هو التطور الأخير الذي قام به مهندسينا».

قبل أن أتمكن من طرح مزيدٍ من السئلة ذهب الوزير بعيدًا لحضور اجتماعات أو ربما للقيام بجولة في المعرض. كان هناك عملاء يمكن العثور عليهم.

  كلمات مفتاحية

الإمارات تجارة الأسلحة

الإمارات تعلن شراء معدات دفاع وصيانة بمعرض آيدكس بقيمة 700 مليون دولار

9.48 مليار درهم قيمة صفقات الأسلحة التي تم الإعلان عنها في «آيدكس» أبوظبي

«محمد بن سلمان» يغادر أبوظبي بعد حضور مؤتمر الدفاع الدولي «آيدكس 2015»

الأمير «تشارلز» لم يعد راغبا في لعب دور ”مروج الأسلحة“ في دول الخليج

الإمارات تنتقل من استيراد السلاح إلي تصنيعه ثم التجارة والاستثمار فيه (1 - 2)

السعودية ومصر بين أكبر أسواق الأسلحة البريطانية على الرغم من الانتهاكات لحقوق الإنسان