«أرستقراطيو» شركات العصر .. أعداء الانتعاش الاقتصادي

الاثنين 9 مارس 2015 07:03 ص

في فرنسا ما قبل الثورة كانت الطبقة الأرستقراطية معفاة من الضرائب. وفي عالم اليوم ستجد نخبة من كبار الشركات نفسها تعيش نفس الامتيازات. ففي الدول الغنية والأكثر تقدماً تتآكل قاعدة ضريبة الشركات غالباً، لأن فرص التهرب الضريبي التي توفرها العولمة تتيح للشركات متعددة الجنسيات احتساب أرباحها تبعاً للأنظمة الضريبية التي تعتمدها دول تحمي تلك الشركات من دفع مبالغ أعلى.

وينطبق هذا المقياس بالدرجة الأولى على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يحاول الرئيس أوباما ترتيب ضرائب على مبالغ تزيد على تريليوني دولار من الأرباح المسترجعة التي تكسبها الشركات الأمريكية خارج الحدود والتي لا يمكنها العودة إلى موطنها من دون التعرض لغرامات ضريبية.

وفي عقد الخمسينات من القرن الماضي بلغت مساهمة ضريبة الشركات في الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي 9.5%. ثم طغت نظرية اقتصادية حملت اسم "خيار الشعب"، مفادها أن الدولة المتنمرة تستغل سلطتها الضريبية المفرطة في رفع عائداتها للحد الأقصى لتصب في مصلحة الساسة والبيروقراطيين.

وهكذا تراجعت مساهمة تلك الضرائب في الناتج الإجمالي المحلي لتصل إلى 6.1% من الناتج الإجمالي المحلي عام 2013. وإضافة إلى التراجع المتسارع في النسب الضريبية وجدت قوى اللوبي الخاصة بالشركات منفذاً للتملص من الضرائب عبر حالات الإعفاء الضريبي المتكررة متزامنة مع برامج إعفاء خارج الحدود في الملاذات الآمنة ما كبل أيدي الدولة " المتنمرة".

أما في الاتحاد الأوروبي فكان التراجع في نسب الضريبة أقل. فقد تراجعت مساهمة ضريبة الشركات في الناتج الإجمالي من 3% عام 2000 إلى 5.2% عام ،2012 مع تراجع أكثر حدة في بريطانيا مقارنة مع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.إلا أن ضغوط التنافس الدولي في القوانين الضريبية أسفر عن تراجع في متوسط الضريبة في الشريحة الأولى من شركات الاتحاد الأوروبي من 35% عام 1995 إلى 9.22% عام 2014.

وهذه الأرقام لن تقدم العون اللازم في ظل تصاعد حجم الدين العام في معظم الدول المتقدمة إلى مستويات مهلكة منذ الأزمة المالية. فالشركات الأصغر حجماً والتي توفر النسبة الأعلى من الوظائف والابتكار،تتحمل العبء الأكبر من الضريبة لأن انتشارها خارج الحدود نادر ولأن قدرتها التسعيرية لا تسعفها في تحميل عملائها جزءاً من تكاليف العبء الضريبي.

ومن أبرز مظاهر هذا النمط من التهرب الضريبي أنه يتزامن مع تكديس السيولة في خزائن الشركات ويسهم في تفاقم المشكلة. فالشركات الأمريكية واليابانية والصينية والكورية الجنوبية تدخر أكثر مما تستثمر، وبذلك تسهم بقوة في فائض المدخرات العالمي المدمر.

تقليدياً كان قطاع الشركات أكبر المقترضين من ادخار الأسر، لكنه اليوم في معظم الدول الصناعية تحول إلى مقرض لحكومات تلك الدول. وهذا يعني في عالم يعاني عجزاً في الطلب، أن الأسر تحرم من فرص الاستهلاك ما يسبب عقبات متراكمة في وجه النمو. وهذه القضية ليست مرتبطة بالنظام الضريبي حصراً. ففي اليابان مثلاً تسببت غريزة تكديس السيولة لدى مديري الشركات الكبرى في زيادة التوقعات بحدوث الانكماش. وكانت حوكمة الشركات عاملاً لا يمكن إنكاره، خاصة مع تقليص نسبة توزيع الأرباح على المساهمين وتخفيف الضغوط بهذا الاتجاه.

وفي الولايات المتحدة وبريطانيا تشكل حوكمة الشركات أيضاً مشكلة عويصة، لأن نظام حوافز مجالس إدارة الشركات لا يشجع على الاستثمار. وقد كشفت دراسة أكاديمية أن طبقة التنفيذيين في الشركات الأمريكية تتساهل مع فرص الاستثمار المربحة بهدف تضخيم فئة الأرباح قصيرة الأجل. وتقليص الاستثمارات يؤدي إلى ارتفاع حجم مدخرات الشركة في صيغة أرباح مكتسبة.

والأنكى من ذلك أن كافة الحكومات لا تريد التصعيد في وجه التهرب الضريبي. وحتى حكومة الولايات المتحدة تصعد ضد الأفراد المتهربين ضريبياً عبر مطالبة سويسرا بتخفيف قيود السرية المصرفية، لكنها تهمل الشركات المتهربة ضريبياً.

ولكي نتمكن من تحقيق الانتعاش الاقتصادي القوي لا بد من نقل ما تراكم من ثروات الشركات لأيدي الأسر لإنعاش الطلب الاستهلاكي. لكن ما تفعله كبريات الشركات التي تكنز السيولة هو العكس تماماً. وعلى سبيل المثال شجعت الحكومة اليابانية الشركات على مزيد من التكديس عبر خفض قيمة الين وفرض ضريبة استهلاك على الأفراد. أما إعادة التوازن في الاقتصاد الصيني من خلال تقليص دائرة الاستثمار وتوسيع دائرة الاستهلاك فتتم ببطء شديد. وانفردت كوريا الجنوبية بفرض غرامات على مكدسي الأموال من شركاتها.

والنتيجة سوف تستمر الطبقة الأرستقراطية من شركات العالم المعاصر في التشجيع على الحد من الاستهلاك على صعيد العالم لفترة قد تطول غير مكترثة بما ينتج عن ذلك من مخاطر مالية.

  كلمات مفتاحية

أرستقراطيو الشركات التهرب الضريبي الانتعاش الاقتصادي الإعفاء الضريبي الامتيازات ضريبة الشركات

«أوبك»: استقلال أمن الطاقة لكل دولة غير عملي ولا يناسب الاقتصاد الدولي

2015..آفاق اقتصادية

المرض الهولندي.. ماذا يعني اقتصاديا تأثيره في الاقتصاد السعودي الحديث؟

الفائدة السالبة متعذرة نظرياً ومطبقة فعلياً

دور الأجهزة النقدية والمالية العربية في امتثال المصارف للمعايير الدولية