منذ الأزمة المالية العالمية، لم تبلغ حيرة المستثمرين أوجها، مثلما ظهرت في العام الجاري 2014 الذي شارف على نهايته، ليستقبل العالم سنة جديدة أكثر اضطراباً وحيرة، فأسواق المال تترنح ومثلها أسعار النفط، وتفقد عملات البلدان الناشئة نسباً كبيرة من قيمها وتتأرجح العملات الرئيسية صعوداً وهبوطاً في حركة لا تهدأ.
أما أسوأ أشكال الاستثمار في هذا العام، فقد احتلته العملة الإلكترونية «بيتكوين»، والتي سبق وأن أشرنا إلى مخاطر التعامل بها بسبب ضبابيتها وغموض المشرفين عليها، إذ فقدت 64% من قيمته في عام 2014 لتنخفض من 917 دولاراً إلى أقل من 330 دولاراً لتتجاوز بذلك نسب انخفاض بعض عملات البلدان الناشئة، وبالأخص بعد إغلاق بعض منصات التداول بهذه العملة، وإصدار وزارة العدل الأمريكية بداية العام مذكرة اعتقال ضد «روبرت فايلا» المسمى BTCKing لقيامه بعمليات تلاعب كبيرة بالعملة الإلكترونية.
وإذا كان بالإمكان الاحتفاظ بالأصول العينية وتحليل توجهاتها المستقبلية بناء على دراسات الأسواق، فإن «البيتكوين» تتعامل مع أشباح جالسين وراء شاشات في مكان ما من هذا العالم يصدرون عملات وهمية لا قيمة حقيقة لها، حيث حذرت العديد من البنوك المركزية من التعامل بهذه العملة وأوقفت التعامل بها.
واعتبر المضاربون أسياد الأسواق في عام 2014 بفضل إمكاناتهم ومهاراتهم في اقتناص الفرص والتلاعب بالأسعار واستخدامهم المهني الرفيع في استغلال الأخبار المتضاربة، وهؤلاء باتوا جزءاً من بثها والترويج لها في عملية تناغم بين المضاربين ومسربي البيانات، والتي تكون مفبركة في الكثير من الأحيان، وتعتمد على بيانات مغلوطة.
شملت عمليات المضاربة المحمومة في عام 2014 أهم السلع، كالنفط والذهب والأسهم والعملات والمواد الغذائية في حركة غير عادية لانتقال رؤوس الأموال تتحكم فيها بلدان المركز التي ما زالت تعاني من تبعات الأزمة وتحاول الخروج منها بشتى الطرق وبأي ثمن. وساهمت الاضطرابات والأزمات السياسية المتفاقمة، بما فيها الأزمة الأوكرانية وملف إيران النووي وتوسع تنظيم «داعش» الإرهابي واستيلائه على حقول نفط مهمة في كل من العراق وسوريا في توفر مادة لا تعوض للمضاربين لتحقيق أرباح خيالية.
ستؤدي هذه التقلبات الحادة في الأسواق التي سادت في العام الجاري إلى عدم اليقين بشأن التوجهات الاستثمارية حول العالم في 2015 من المتوقع أن تستمر التذبذبات الشديدة في قطاعات الاستثمار، وبالأخص الخدمات المالية والعملات والنفط والذهب، مما يتطلب التعامل الحذر، وبالأخص من قبل صغار المستثمرين الذين عليهم الابتعاد عن عمليات المضاربة لصعوبة معرفتهم بتوجهات المضاربين الكبار، كما أن عمليات المضاربة في الأسواق أضحت أكثر إغراء في ظل انخفاض الأسعار إلى مستويات متدنية لم تشهدها منذ سنوات.
وبما أن خيارات صغار المستثمرين في المنطقة محدودة وتتركز أساساً في العقار والبورصات والتجارة، فإن عملية اختيار الاستثمارات بعيدة المدى وذات العائد المستقر تعتبر ضرورية في ظل الظروف الحالية، والتي ستسود خلال عام 2015 كما هو متوقع، علما بأنه لا زال هناك الكثير من الفرص المواتية في الأسواق الخليجية، ففي أسواق الأسهم على سبيل المثال لا زالت الأسعار الحالية للعديد من الشركات المدرجة ستقوم بتوزيع أرباح تتجاوز 5% مقارنة بأسعار أسهمها الحالية وبنسبة 30% بالنسبة لقيمتها الإسمية.
لذلك، فإن المحافظة على قيم الاستثمارات والحصول على عوائد مجزية في عام 2015 تعتبر مسألة في غاية الأهمية في ظل استمرار تداعيات الأزمة المالية وعدم الاستقرار في الأوضاع الدولية والحروب والأعمال الإرهابية التي تطال مراكز إنتاج النفط في العديد من البلدان، كالعراق وليبيا ونيجيريا.