السعودية وإيران تشعلان صراع النفوذ في لبنان والبحرين

الثلاثاء 26 يونيو 2018 08:06 ص

في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، استقال رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» من منصبه أثناء وجوده في الرياض. وكان قد تم استدعاؤه للقاء ولي عهد المملكة «محمد بن سلمان»، الذي كان يشعر بالقلق من النفوذ المتزايد لـ«حزب الله» وإيران في لبنان. وبعد ساعات من الاستقالة، تم اعتراض الصواريخ التي أطلقها المتمردون «الحوثيون» بالقرب من مطار الملك خالد الدولي في الرياض. وفي أعقاب الاستقالة، تم وضع «الحريري» تحت الإقامة الجبرية، وزادت التوترات في لبنان. وخوفا من الأسوأ، طار الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» إلى الرياض، مخالفا البروتوكول الدبلوماسي، حيث التقى «بن سلمان» وحثه على الإفراج عن «الحريري» لمنع الاضطرابات والانزلاق إلى حرب أهلية في لبنان.

ويكشف هذا الحدث عن الكثير من الأمور حول الشرق الأوسط المعاصر، ومدى تأثير التنافس بين السعودية وإيران على المنطقة. فبعد الثورة الإيرانية، حرصت الجمهورية الإسلامية التي تم إنشاؤها حديثا على التأكيد على جاذبيتها، ولكن في محاولة للحفاظ على مركز مهيمن في العالم الإسلامي، سعت السعودية إلى تأطير الأحداث من منظور طائفي. وفي أعقاب الثورة، عمت الروايات الإسلامية المتنافسة الوقت والفضاء والحدود السيادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وما وراءه، واكتسبت قوة دفع نتيجة للسياقات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والقومية القائمة. وكانت الدول في جميع أنحاء المنطقة متشابكة تاريخيا في ضغوط متزامنة من الاستعمار والقومية والنقاش حول دور الدين في المجتمع، وكانت النتيجة المباشرة لذلك هي خلط الأجندات المحلية والجيوسياسية في بيئة قد لا يكون الولاء فيها بالضرورة للدولة.

وكان الملك «عبدالله» ملك الأردن قد وصف جانبا من هذا الصراع باعتباره «هلالا شيعيا»، وهو جزء من التحليل يبرز التأثير الإيراني باعتباره قوسا يمتد من إيران عبر الخليج إلى لبنان، ويجمع مجموعات الشيعة تحت قيادة طهران، ويكشف عن تلاشي حدود الدول. ويمكن تقديم ادعاءات مماثلة فيما يتعلق بالدعم السعودي والتأثير على الجماعات السنية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

لبنان.. ملعب للمنافسة

ولطالما كانت لبنان محورا للسياسة الخارجية الإيرانية والتطلعات الجيوسياسية لطهران، التي يعود تاريخها إلى عام 1982، حين برز «حزب الله»، الذي يستخدم التاريخ الشيعي، وخاصة معركة كربلاء، لخلق رواية حول المقاومة المدعومة من النظام الإيراني الخاضع لولاية الفقيه. وقد مكن هذا المزيج من تاريخ الشيعة والدعم السياسي الإيراني الجماعات الشيعية في جميع أنحاء لبنان، مما زاد من قوتها في الدولة، وتسبب في بروز ««حزب الله»» كقوة إقليمية. وبذلك، تحول اهتمام السعودية إلى لبنان، كمنطقة ذات نفوذ إيراني متزايد، واستفادت المملكة من الاختلاف الطائفي في جميع أنحاء الدولة عبر توفير الدعم لمجموعة من الجماعات السلفية المختلفة في جميع أنحاء البلاد.

وكان الاختلاف الطائفي متأصلا في نسيج الدولة اللبنانية منذ تأسيس لبنان الكبرى عام 1921، واستمر بعد إعلان الاستقلال عام 1943، وحتى اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. وقد جسدت اتفاقيات الطائف، التي أنهت الحرب الأهلية، الفوارق الطائفية داخل نسيج المجتمع اللبناني، وخلقت اتفاقية تقاسم السلطة، التي أعطت كل مجموعة صوتا سياسيا. إلا أن إحدى النتائج المباشرة لذلك هي أن الاختلاف الطائفي قد تم دمجه في نسيج الدولة، وتسبب ذلك لاحقا في تطور الأحزاب والكتل السياسية، مثل 8 آذار و14 آذار، بعد الانسحاب السوري عام 2005، على أساس طائفي. كما تمتلك هذه الكتل أبعادا دولية مكنت الجهات الفاعلة الخارجية من اختراق المجال السياسي اللبناني.

وفي صيف عام 2006، بعد 34 يوما من الحرب بين (إسرائيل) و«حزب الله»، صعدت شعبية «حسن نصر الله» و«محمود أحمدي نجاد» في أنحاء الشرق الأوسط أبعد بكثير من الملوك المحافظين الرجعيين العرب، وتجاوزت شعبيتهما الاختلاف الطائفي. وردا على شعبية «نصر الله» و«حزب الله»، تبرعت السعودية بمبلغ 1.2 مليار دولار لإعادة بناء الضاحية الجنوبية ببيروت، متجاوزة بذلك التعهد الإيراني بمبلغ 120 مليون دولار.

وفي فترة ما، بدأ هذا الاختلاف يتجلى في أشكال مختلفة لا تعد ولا تحصى، مما أدى إلى ترسيخ الهويات الطائفية في السياقات الاقتصادية والمجتمعية، من خلال تطوير شبكات عصبية جديدة. وبخلاف الطائفية السياسية، سادت الاختلافات الطائفية على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والمجتمعية، واستنساخ الفصائلية السياسية. وأدى الاستثمار السعودي إلى تطوير المنطقة بين «راس بيروت» و«عين المريسة»، في حين كان الاستثمار الإيراني في الغالب في الضاحية وجنوب البلاد.

البحرين.. توازن طائفي

وفي أعقاب الانتفاضات العربية، ظهرت مساحات جديدة من المنافسة في ظل انشقاقات بين الحكام والمحكومين، مما وفر فرصا للمنافسة بالوكالة بين الرياض وطهران، وإن كان ذلك مرة أخرى من خلال عوامل محددة السياق. وأتاحت الانتفاضات المجال أمام طهران لزيادة نفوذها من خلال الاستفادة من الأقليات الشيعية المحرومة في جميع أنحاء المنطقة، مما غذى روايات التدخلات الإيرانية نتيجة لذلك.

وينظر كثيرون إلى «البحرين» باعتبارها «مركزا» للمنافسة الطائفية والجيوسياسية بين القوتين الإقليميتين الرئيسيتين، مع حياة سياسية يشكلها توازن طائفي دقيق، ونظرا لغياب الإصلاح السياسي بعد وصول الملك «حمد» إلى السلطة عام 2002، لم يكن من المستغرب أن تحدث الاحتجاجات في البحرين في أوائل عام 2011، وبعدها عبرت القوات التي تقودها السعودية لدرع جسر الملك فهد، وقامت بقمع الاحتجاجات مما زاد من الهوة بين النظام والمجتمع في البحرين.

وعلى الرغم من أن المطالب الديمقراطية كانت هي الدافع في البداية، إلا أن استجابة «آل خليفة» أظهرت الاحتجاجات بصورة طائفية، مما أدى إلى اختلاف طائفي في الشقين السياسي والأمني. وقد سعى «آل خليفة» للإبقاء على الطائفية للحفاظ على دعم المجتمعات السنية في البحرين، إلى جانب الدعم المستمر من السعودية. وسرعان ما تم تأطير الانتفاضات كنتيجة لتدخل إيران المفسد في شؤون البحرين السيادية. وجنبت هذه الاستراتيجية الشيعة وزادت من تهميشهم وغضت الطرف عن الفوارق السياسية واللاهوتية والاقتصادية والقبلية، عبر تقديم الشيعة كطابور خامس موال لإيران.

علاوة على ذلك، وفر السرد الطائفي الرئيسي الوسائل التي يمكن من خلالها النظر إلى الأحداث في البحرين كجزء من صراع جيوسياسي أوسع نطاقا، مما أدى إلى تآكل التطلعات الديمقراطية المشروعة والمظالم السياسية. وفي الأعوام التي أعقبت ذلك، اكتسبت جهود «آل خليفة» لتأمين النظام ضد المجموعات الشيعية، وبالتالي إيران، دعما أكبر من المملكة العربية السعودية، إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

ويتجلى الصراع من أجل التفوق بين السعودية وإيران عبر مجموعة من المناطق الجغرافية المختلفة، في أشكال لا تعد ولا تحصى تعتمد على عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية. ويعد الوقت أيضا عاملا مهما في تشكيل الصراع. وفي البحرين، تم التحرك بسرعة استجابة للانتفاضات العربية، بينما في لبنان، كان التنافس جزءا من نسيج الدولة بعد اتفاق الطائف، والذي يظهر بوتيرة أبطأ في أوقات الأزمات.

  كلمات مفتاحية

الصراع الطائفي الصراع على الهيمنة السعودية إيران لبنان البحرين

الملك سلمان يستقبل 3 رؤساء وزراء لبنانيين سابقين

السنيورة: ذهبنا إلى السعودية ممثلين عن جميع اللبنانيين

سياسية لبنانية تفضل إيران عن السعودية.. وأمراء يهاجمونها