ارتياح أمريكي للتقارب بين تركيا والدول الخليجية المتنافسة

الأحد 15 مارس 2015 02:03 ص

تجاهل الإعلام الأمريكي والوسط السياسي زيارة رئيس الوزراء التركي «أحمد داود اوغلو» إلى مدينة نيويورك أثناء الهرج على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» لدرجة إعتراف السكرتير الصحافي لوزارة الخارجية الأمريكية بأنه لا يعلم جدول أعمال الضيف التركي، في حين حاولت الصحافة الأمريكية والتركية المعارضة ترويج فكرة مفادها انه ليس موضع ترحيب ولكن هذا الأمر غير مرجح تماما. 

وبغض النظر عن الخلافات بين واشنطن وأنقرة في عدة قضايا من بينها محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وكيفية التعامل مع مصر والصراع العربي الإسرائيلي وتراجع الحقوق المدنية والسياسية في تركيا إلا ان هذه البنود لا تمنع الإقرار بأن هناك تحالفا استراتيجيا بين الولايات المتحدة وتركيا، ومن الضروري ادراك ذلك جيدا عند التحدث عن نقاط تشابك وتقاطع في علاقات تركيا مع الدول العربية مع الرؤية الأمريكية للدور التركي في المنطقة وفقا لحسابات التفاضل والتكامل. 

هذا الأمر يسري أيضا عند مناقشة العلاقات التركية السعودية، حيث تختلف وجهات نظر الرياض وأنقرة حول القضايا الإقليمية ولكن العلاقة بينهما متينة ولا يمكن المساس بها، وكان هنالك حرص واضح عن ابعاد العلاقات الثنائية عن المشاحنات الإقليمية ادراكا من العاصمتين للتنافس الإقليمي المتوتر بين السعودية وإيران، وحاولت تركيا مزج المصالح السعودية التركية في سوريا فهما مثلا على إتفاق بشأن رحيل الرئيس السوري «بشار الأسد» رغم تشابك ما يدعوه الخبراء بالمحور التركي القطري المنافس للدور السعودي في سوريا. 

وقد حرصت الولايات المتحدة من جهتها على عدم التعليق على المشاحنات التركية الخليجية وخاصة فيما يتعلق بالتنافس المحتمل بين الأدوار والمواقف التركية والسعودية حول مصر وليبيا وسوريا حيث يدعم حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم حكومة طرابلس بدلا من حكومة طبرق كما تعتبر السعودية الداعم الأبرز للرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في موقف يتعارض مع الرؤية التركية ناهيك عن اختلاف الرؤية تجاه جماعة الإخوان المسلمين.

في الواقع، يمكن القول ان المواقف السعودية التركية تقاربت أكثر في الآونة الأخيرة حيث وعد العاهل السعودي «سلمان بن عبد العزيز» أثناء زيارة «ارودغان» للرياض بدعم تركيا في إعلان منطقة حظر الطيران والاتفاق على زيادة الدعم التركي السعودي للمعارضة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، وهذا التقارب قد يؤدىي بالتالي إلى إنجرار الولايات المتحدة بشدة إلى فكرة منطقة الحظر الجوي التي تتحفظ عليها واشنطن، أما زيادة الدعم للمعارضة فهو بالتأكيد خبر يسعد ساسة واشنطن الذين لا يريدون رؤية قوات برية أمريكية في الشرق الأوسط والإستعاضة عنها بقوات عربية وإقليمية تقوم بالدور نفسه. 

ومن الواضح ان السعودية لا تشعر بإرتياح لتصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة وخاصة في العراق وسوريا واليمن وهي حريصة على جذب تركيا إلى الصف نفسه ما سيؤدي بالتالي إلى تحالف سني وفقا لآراء الخبراء ضد العالم الشيعي وهو بالتأكيد تحالف تشجعه واشنطن خفية من أجل وقف تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة أو على الأقل خلق حالة من توازن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط تسمح لواشنطن باحراز فتوحات دبلوماسية دون عائق. 

حاول العاهل السعودي الملك سلمان إنهاء الأجواء العدائية بين اردوغان والسيسي من أجل تغيير موازين القوى في المنطقة ولكن اللقاء السياسي الأول في هذه المحاولة لم يسفر عن أي نتيجة، في حين أكد أردوغان ان الحساسيات بين السعودية وتركيا بشأن مصر لن تؤثر على العلاقات بين البلدين كما اعترف بان السعودية لا تصر على ذلك وهي حريصة على معالجة القضايا الثنائية الأخرى بشكل منفصل.

الهاجس السعودي منصب في إتجاه تشكيل كتلة سنية تشمل تركيا ضد طهران، والولايات المتحدة بدورها تشارك الدول السنية هذا القلق رغم تجاهلها لامتداد النفوذ الإيراني في سوريا والعراق واليمن بسبب الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ومساعي التوصل لاتفاق مع إيران يمنعها من الحصول على أسلحة نووية ولكنها تعلم جيدا ان خطر هذا النفوذ سيتصاعد مع هزيمة تنظيم الدولة. 

التشابك المذهل في المصالح والعلاقات بين الولايات المتحدة من جهة وتركيا والدول الخليجية من جهة أخرى ازداد تعقيدا في السنوات الأخيرة، فالولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن تركيا في مواجهة أي عدوان ولكنها تضايق أنقرة في كثير من المسائل وأحيانا تضعها في موقف محرج، وقد كانت لأمريكا تجارب تاريخية وسياسية رديئة جدا من بينها وقوفها وراء انقلاب الجيش ضد الحكم المدني والتلويح بملف الأرمن وقضية سيفر التي تشير إلى اتفاقية سرية لتقسيم تركيا مما أثار شكوكا تركية دائمة حول النوايا الأمريكية بشأن تفتيت المنطقة إلى دويلات متناحرة.

والقراءة السريعة للوضع الراهن في المنطقة تشير إلى أن هنالك حرصا «مؤقتا» من جميع الأطرف على وحدة المنطقة ولكن لا أحد يعلم مصير المنطقة بعد الإنتهاء من معركة تنظيم الدولة ومحاولات الإطاحة نهائيا بالأسد. 

هذا الحرص «المؤقت» والذي يشمل أيضا، عدم تفتيت العراق إلى قطع طائفية أدى إلى تشابك المصالح الأمريكية التركية الخليجية وخاصة في الشأن العراقي والسوري مما يعنى مباركة أمريكية لأي محاولات تقارب في وجهات النظر بين هذه الأطراف.

وحرصت إدارة الرئيس الأمريكي «باراك اوباما» مرارا في مشهد غير مألوف على عدم اتساع الخلافات الخليجية – الخليجية إلى نقطة حرجة خاصة بعدما تردد الحديث عن وجود محور تركي – قطري مقابل السعودية ودول المنطقة، وقد صرح أكثر من مسؤول أمريكي في أوقات سابقة بان الولايات المتحدة بذلت جهودا لكي تتجاوز هذه الدول خلافاتها، وبالفعل عقد عدد من المبعوثين الأمريكيين للمنطقة اجتماعات مع قادة المنطقة لهذا الغرض مع تأكيد ان علاقات واشنطن الوثيقة والاستراتيجية خاصة مع قطر والسعودية تسمح لها بلعب دور دبلوماسي ايجابي في هذا الشأن.

وبالفعل، تجاوزت دول الخليج خلافاتها مما يشير إلى رغبة أمريكية قوية على توحيد الجهود الخليجية بعيدا عن الحساسيات من أجل الدفع في اتجاه القضاء على تنظيم الدولة ووضع حد للحرب الدموية في سوريا. 

في نهاية المطاف، ليست للولايات المتحدة مصلحة حقيقية في تقارب دول الشرق الأوسط إلا بما يخدم أهدافها، وفي هذه المرحلة، يتطلب مشروع القضاء على «الدولة» الكثير من الجهود المشتركة بين دول المنطقة ناهيك عن ابعاد أي محاولات للتشويش بما في ذلك الخلافات الإقليمية غير العميقة وهي الوصف المعقول لمعظم الحساسيات الحالية ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن هذه المصلحة الأمريكية المؤقتة ستصبح يوما ما جزءا من أستراتيجية شاملة.

 

  كلمات مفتاحية

ارتياح أمريكي التقارب تركيا الدول الخليجية الخلافات الخليجية رغبة أمريكية الجهود الخليجية الحساسيات تنظيم الدولة الحرب الدموية سوريا

السعودية تقبل بعلاقات مصرية ”فاترة“ في سبيل تحالفها مع تركيا ضد إيران و«الأسد»

وثيقة: السعودية تعمّق اتصالاتها بتركيا وقطر وتجمّد خطط ملاحقة «الإخوان»

«أسوشيتدبرس»: السعودية تبتعد عن مصر وتوثق علاقتها بقطر وتركيا

لعبة تركيا متعددة الأوجه في الطريق إلى عاصمة السنة

السعودية وتركيا وأسئلة المستقبل

التفاهم السعودي - التركي أساس أي توازن إقليمي

«معهد الشرق الأوسط»: الإحباط يقرب المسافة بين تركيا والسعودية

«عاصفة حزم» ... دبلوماسية