قامت باكستان برفض، غير صريح، لطلب السعودية بالانضمام للتحالف العربي الذي يقود العمليات العسكرية حاليا في اليمن لإعادة الرئيس «عبد ربه منصور هادي» للسلطة. فبعد أيام من مناقشة الموضوع في الإعلام والبرلمان، قام البرلمان بعقد جلسة مشتركة واتخذ قرارا بتاريخ الجمعة 10 أبريل/ نيسان ينص على أن باكستان «تلتزم الحيادية فيما يخص الصراع كي تصير قادرة على لعب دور دبلوماسي سباق في إنهاء الأزمة».

وكانت الدعوة لعقد الجلسة المشتركة  قد تمت بعد أن طلبت السعودية من إسلام أباد طائرات وسفن حربية وجنود وعرضت عليها الانضمام تحت لواء التحالف العسكري الذي تقوده السعودية الذي بدأ بتنفيذ هجماته الجوية الشهر الماضي ضد قوات الحوثيين باليمن. ووفقا لتقارير إعلامية، فإن السعودية عرضت عقدا لمدة من ثلاث إلى أربع سنوات يمكنها من استخدام خدمات فيلق باكستاني كامل ليكون تحت قيادتها. وأضاف نص قرار البرلمان الباكستاني بأن الأزمة اليمنية يمكن أن «تجر المنطقة إلى حالة من الفوضى»، وحث الأطراف المتنازعة في اليمن على حل نزاعاتهم عن طريق «الحوار وبالطرق السلمية». وأشار القرار إلى أنه رغم كون الصراع الدائر في اليمن ليس طائفيا في ذاته، إلا أنه بإمكانه أن يتحول إلى صراع طائفي، ومن ثم يؤدي إلى خراب المنطقة بأسرها ويشمل ذلك باكستان من الداخل. وحث القرار الحكومة على اتخاذ خطوات لدفع مجلس الأمن ومنظمة المؤتمر الإسلامي للتدخل للوصول لوقف إطلاق نار فوري في اليمن.

هذا وقد صرح العميد ركن «أحمد العسيري» مستشار مكتب وزير الدفاع السعودي للصحفيين في المؤتمر الصحفي اليومي يوم الجمعة أن الحكومة الباكستانية لم تعلن قرارها الرسمي بعد، ولكنه أضاف أن «انضمام باكستان يصب في مصلحة الشعب اليمني والعملية هناك ولكن هناك بالفعل قوات مشتركة في التحالف يجعل تدريبها أكثر مناسبة للقتال مع طبيعة الأرض هناك»، وعلى الفور وبعد صدور القرار الباكستاني قامت السعودية برفض إعطاء الإذن لطائرة باكستانية بحجة أن الطائرة «شاهين» لم تملك أي إذن لدخول أجواء المملكة.

وعلى جانب آخر فإن الرد الإماراتي كان أكثر حدة. فقد قام «د. أنور محمد قرقاش» وزير دولة الإمارات للشئون الخارجية بتحذير باكستان من أن «المواقف المتناقضة والملتبسة في هذا الأمر المصيري تكلفتها عالية». وصرح لصحيفة «الخليج تايمز» أن «الموقف الملتبس والمتناقض لباكستان وتركيا خير دليل على أن الأمن العربي من ليبيا إلى اليمن عنوانه عربي»، وأضاف أن «باكستان مطالبة بموقف واضح لصالح علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج العربي».

وتجد إسلام أباد نفسها في موقف حرج فهي على جانب لا ترغب في خسارة السعودية الغنية بالنفط التي أقامت معها علاقات عسكرية واقتصادية قوية، ومن جانب آخر لا تريد توريط نفسها في حرب قد تثير توترات طائفية في عقر دارها، وفي ذات الوقت فإن باكستان في حاجة لبناء علاقات أفضل مع جارتها إيران التي تعد فرصة واعدة في مجال التجارة وواردات الطاقة فور رفع العقوبات الواقعة على إيران.

العامل الشيعي

قد يعد العامل الشيعي أحد الأسباب المهمة لرفض باكستان الانضمام للتحالف، فالسعودية طالبت باكستان مكررا بإرسال جنود من السنة فقط دون الشيعة، ويتكون جيش باكستان من 70% تقريبا من السنة و30% من الشيعة، وقد رأت باكستان أن طلب السعودية من شأنه أن يحدث فرقة بين الجيش الباكستاني الذي يتمتع بغياب فكرة الطائفية بين صفوفه.

وفي هذه الأثناء، يتم مطالبة المحكمة العليا لباكستان بأخذ قرار من تلقاء نفسها لتقييد ممارسات الحكومة حتى لا تنضم للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية. وكانت الحجة المطروحة أن الصراع اليمني السعودي له دلالة وثيقة بمفهوم الطائفية، وباكستان تعاني بالفعل من هذه المعضلة، فالشيعة والأقليات الأخرى داخل باكستان يتم استهدافهم وقتلهم بصورة منتظمة، وعليه فإن انضمام باكستان لهذا الحلف لن يؤدي لاستفحال الصراع الداخلي فحسب بل سيؤدي إلى فرقة بينها وبين جارتها إيران لا يمكن جبرها فيما بعد.

ويذكر أنه خلال السبعينيات كانت هناك فرقة باكستانية عسكرية كبيرة متمركزة في السعودية، وبعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 قامت السعودية بمطالبة باكستان بإرسال جنود من السنة فقط دون الشيعة، وقام الرئيس «محمد ضياء الحق» بسحب القوات الباكستانية بحجة أن طلب السعودية سيبث الفرقة بين الجيش الباكستاني حيث لا يوجد بين صفوفه فرق بين مسلم وشيعي، وقد قوبل طلب السعودية الأخير بطريقة مهذبة على نفس الأساس.

زيارة وزير الخارجية الإيراني لإٍسلام أباد

وجاء موقف البرلمان الباكستاني من الصراع في اليمن بالتزام الحيادية بعد أسابيع من الحملات الإعلامية لتسليط الضوء على مخاطر انضمام باكستان للتحالف، والإشارة إلى أن تلك الحرب تهدف إلى الحفاظ على السعودية وهي حرب توسعية الهدف منها بسط النفوذ وإعادة تعيين الرئيس الذي ارتضوه.

ويلاحظ أن قرار البرلمان جاء بعد أيام من زيارة وزير الشؤون الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» لإسلام أباد، وقالت صحيفة «ديلي تايمز» معلقة على زيارة «ظريف» أن التاريخ يشهد أنه لا يمكن إفراد إيران باللوم فما يخص الحرب الدائرة باليمن، بل إن جميع الفصائل هناك تتحمل المسئولية بالتساوي عن الأزمة. وفي واقع الأمر فإن الحرب الدائرة الآن باليمن ليست بالطائفية لذاتها كما يتم تصويرها في وسائل الإعلام، فبعض الاعتبارات الأخرى كوجود متمردي الشيعة من الزيديين المسمون بالحوثيين، والانفصاليين في جنوب اليمن والمؤيدين للنظام كل أولئك مسئولون عن الحرب الأهلية الدائرة التي بدأت فعليا في 2011 عندما تصادم مؤيدو الحكومة ومعارضوها أثناء تظاهرات باليمن.

وقالت «ديلي تايمز» إن موقف إيران كان مسؤولاً ولم يكن بالسوء الذي تصوره وسائل الإعلام، فإيران تدعم حل القضية اليمنية عن طريق وقف إطلاق النار، وعلى هذا الأساس، فإنها قد انتهت إلى تصعيد خطواتها الدبلوماسية لوقف الحرب الأهلية في اليمن دون الإضرار بمصالحها الخاصة. وصرحت الصحيفة أن «المسئول الإيراني البارز أكد في زيارته على الحاجة إلى إيجاد حل سياسي للصراع اليمني، وأن الموقف الإيراني يمكن وصفه بالمناسب لأنه يحتوي المكونات التي يمكن تنفيذها لاستعادة الاستقرار الإقليمي، فالتصريح عقلاني وينفي الدعاية الإعلامية السلبية عن نوايا إيران فيما يخص الصراع باليمن».

الورطة اليمنية

في التاسع من أبريل/نيسان قامت أكبر صحيفة باكستانية تصدر باللغة الإنجليزية (ديلي دون) بنشر مقال بعنوان الورطة اليمنية، تنتقد فيه الصحيفة الضربات الجوية للتحالف بشكل حاد، وقالت الصحيفة:«يبدو الأمر ببساطة أن السعودية قامت بشن حملة تقوم على تصور خاطئ يعتمد على حوادث سابقة من الماضي، والهجمات الجوية على الميليشيات على الأرض لم تأت بنتائج يمكن لهم التفاخر بها، فقد حاول الأمريكان من قبلهم في ليبيا وانظر إلى عاقبة أمرهم. وحاولوا من قبل في كوسوفو ولكنهم اضطروا في نهاية الأمر إلى القبول بشروط اتفاقية تطابق تقريبا الشروط التي عرضها عليهم ميلوشيفيتش قبل بدء الحملة الجوية. فالسعودية لا تملك المقومات التي تؤهلها للاستمرار في مثل هذا النوع من الحملات لوقت طويل ولا هي تملك الاستراتيجية الواضحة أيضا، وقرار الانضمام للتحالف سيكون محض حماقة لعدة أسباب، فسياسة مطاوعة التيار الغالب والالتزام بمشروع إعادة بناء دولة ما قد تمت تجربتها من قبل أمريكا في العراق وأفغانستان ولم تفلح».

وأكدت الصحيفة في افتتاحيتها التي تميزت بكلماتها الحادة أن الانخراط العسكري في الشرق الأوسط لن يصب في مصلحة باكستان. «ليس في مثل هذا الوقت حينما يكون هناك حرب ضد مليشيا داخل باكستان تنتظر خوضها أولا، وبالأحرى ليس في اليمن حيث يتم إعطاء العداوات القبلية القديمة صبغة طائفية من قبل قوى خارجية، وبالتأكيد ليس في وسط حرب بالوكالة استمرت بين إيران والسعودية لعقود، وبينما يبدو أن الشرق الأوسط بأكمله يترنح على حافة الهاوية، فاليمن تعد ورطة بإمكانها أن تفوق ما كانت عليه أفغانستان».

وكتبت صحيفة «نيو كولمنست» الإنجليزية الرائدة هي الأخرى أن السعودية لعبت لعبة خيالية عندما حاولت التأثير على تطورات الأوضاع في اليمن عن بعد، فالسعودية تسير معصوبة العينين لورطة محققة، وعلى الرغم من ارتباط تاريخها مع اليمن إلا أنها تنسى أن الحال مثله مثل أفغانستان أن اليمن لطالما كانت مقبرة لجيوش الغزاة، وأضافت أنه «إن كانت باكستان حليفة حقيقية للسعودية فإنها ستوضح لها تلك المخاطر بطريقة مباشرة ودون تلطيف للكلمات وستتعاون مع إيران وتركيا للرمي بثقلهم لمساندة الوقف الفوري للقتال، وهذه ستكون أكبر خدمة يمكن لأي أحد تقديمها لآل سعود، وبغض النظر عن المخاطر التي قد تتحملها باكستان فإن إرسال قوات إلى اليمن لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة التي يصنعها السعوديون لأنفسهم».

حرب اليمن ومشابهتها لأوروبا في القرن التاسع عشر

وقال «كون هلينان» المحلل الكاتب في فصلية معهد (فورين بوليسي إن فوكس) للأبحاث، أنه يعتقد أن التحالف الذي كونته الرياض للتدخل في الحرب الأهلية باليمن يشبه من عدة وجوه أوروبا في القرن التاسع عشر أكثر من مشابهته للشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين. فقد اجتمعت الـ22 دولة الأعضاء بالجامعة العربية في شرم الشيخ بمصر الشهر الماضي لوضع خطة لمهاجمة قوات الحوثيين التي تستحوذ على العاصمة اليمنية، والاجتماع كان مشابها بصورة فائقة لمؤتمر فيينا عام 1814. وكان المتحدث الأول هو وزير الخارجية السعودي الأمير «سعود الفيصل»، وقد كان نظيره في مؤتمر فيينا «كليمنسفونمترنيش» وزير الخارجية الأسترالي الذي وضع فكرة «عصبة أوروبا» لضمان عدم تهديد أية ثورات لحكم الملوك الذين حكموا القارة وقتها، هناك أكثر من 200 عام يفصلان الحدثان إلا أن أهدافهما مشتركة بشكل كبير:فالاثنان يرميان لضمان حكم نخبة محدودة وقوية النفوذ في منطقة واسعة.

ويشير «باتريك كوكبرن» الكاتب في صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى أن الدول التي تحارب في اليمن عادة ما تندم على فعلها بعد ذلك، وعلى أرض الواقع فإن الحسم هو آخر سيناريو محتمل في اليمن، كما هو الحال في العراق وأفغانستان، فالمشترك السياسي بين تلك الدول الثلاث هو أن النفوذ مقسم بين لاعبين كثر حتى أصبح من المستحيل هزيمتهم أو استرضائهم لفترة طويلة.

ويذكر أن الحوثيون خاضوا ست حروب ضد «على عبد الله صالح» الزعيم العسكري السابق لليمن الذي تمت الإطاحة به عام 2012، وخلفه «هادي» الذي كان نائبا له، فتولى الحكم ولكنه تجاهل وجود الحوثيين وهي ليست بالسياسة المثلى في دولة اليمن.