غاز شرق المتوسط: خلافات وعراقيل

الثلاثاء 28 أبريل 2015 05:04 ص

برزت في الآونة الأخيرة، ثلاثة تطورات مهمة في صناعة الغاز شرقي المتوسط، أبرزها قرار رئيس هيئة مكافحة الاحتكارات الإسرائيلي اعتراضه على تملّك الشركات العاملة للحقول التي اكتشفتها، ما أدى الى توقّف أعمال الاكتشاف والتطوير وإمكان التصدير، أي تجميد نشاط هذه الصناعة منذ مطلع السنة. اعترضت الشركات على القرار، وامتنعت عن العمل به. وحتى الوصول الى حلّ سياسي أو قانوني، ستظلّ صناعة الغاز الإسرائيلية مجمّدة، على رغم الاكتشافات التي حققتها.

في الوقت ذاته، استطاعت مصر بعد مفاوضات مضنية، الاتفاق مع الشركات النفطية حول عقود الاكتشاف في المياه العميقة، ودفع الأموال المستحقة عليها للشركات. ما يعني أن هناك فرصة لمصر لتخطّي المرحلة الانتقالية، حيث اختلال ميزان العرض والطلب الغازي في البلاد. كما ألغت مذكرات التفاهم التي وقعتها مع الأطراف الإسرائيلية، نظراً الى الفوضى حول ملكية الحقول الإسرائيلية، وبادرت الى التفاوض مع جهات مصدّرة أخرى لاستيراد الغاز خلال هذه الفترة.

عانت مصر خلال الفترة الماضية، من تعثّر مفاوضاتها مع شركات النفط. والسبب، عدم الوفاء بالمتطلبات المالية للشركات، التي أصرّت على تغيير العقود للاستكشاف في المياه العميقة بدلاً من المياه الضحلة نسبياً، وعدم توافر الأموال اللازمة. وأدى الاستهلاك العالي والتصدير، الى الاستكشاف في المياه العميقة للعثور على الاحتياطات الضخمة.

وتوصلت مصر الشهر الماضي مثلاً، الى اتفاق قيمته 12 مليار دولار مع شركة «بي بي» البريطانية، للاستكشاف في قطعة (بلوك) «دلتا غرب النيل» بإنتاج نحو 1.2 بليون قدم مكعبة يومياً. وتقضي المراحل الأولى من الاتفاق، تطوير خمسة تريليونات قدم مكعبة من الاحتياط الغازي، و55 مليون برميل من احتياط المكثفات النفطية.

كما يتوقع أن تطور شركة «بي بي» نحو 5 - 7 تريليون قدم مكعبة من الاحتياط الغازي في مياه شمال الإسكندرية، وفي المنطقة البحرية الغربية لمصر. هذا يعني، أنه في حال نجاح تحقيق هذه الاكتشافات، سيزداد الاحتياط الغازي المصري نحو 15 - 17 تريليون قدم مكعبة، ما يستدعي إنتاج نحو 4.6 بليون قدم مكعبة، ما يعادل تقريباً الإنتاج المصري الحالي من الغاز. ويُذكر أن «بي بي» أعلنت أخيراً، عن اكتشافات في كل من القطعة البحرية شمال دمياط، وفي قطعة «دلتا شرق النيل». وحفرت بئر «أتول-1» على عمق 6400 متر تحت سطح البحر.

ورغم هذه التطورات الإيجابية والمشجّعة لصناعة الغاز المصرية، تبقى هناك فترة زمنية ستعاني خلالها مصر بسبب النقص في إنتاج الغاز المحلي نتيجة غياب التخطيط والشفافية خلال الفترة الماضية. ومعروف أن توقعات الاكتشاف تختلف عن أرقام الاحتياطات المؤكدة الممكن استخراجها فنياً. كما يتوجب على مصر رسم سياسة طاقوية متوازنة وعقلانية.

وهي تحتاج الى اتباع خطوة غير معهودة في صناعة الغاز العالمية، أي الاستيراد بدلاً من التصدير، بعد فترة قصيرة جداً من بدء التصدير والاستثمار في مشاريع التصدير الباهظة التكاليف. من ثم، تتفاوض القاهرة مع دول مصدرة (روسيا والجزائر وقبرص) لاستيراد الغاز، لتلبية حاجاتها خلال الفترة المقبلة، الى أن تحقق توازناً في ميزان العرض والطلب.

انتهزت إسرائيل هذه الفترة الانتقالية الحرجة للغاز المصري، ووقعت مذكرات تفاهم لتصدير الغاز الى مصر، بعدما كانت تستورد منها حتى فترة قريبة جداً.

إلا أن تطورات داخلية إسرائيلية عرقلت مذكرات التفاهم هذه. وبالفعل تم إلغاؤها، باستثناء مذكرة التفاهم مع شركة «بي جي» البريطانية، التي تصدر الغاز المسال المصري الى الأسواق الأوروبية. لكن حتى هذا الاتفاق لا يتوقع تنفيذه، لأن شركة «شل» اشترت شركة «بي جي» أخيراً. ولـ «شل» مصادر غازية عالمية واسعة يمكن أن تغذي هذه المحطة، بدلاً من الاستيراد من إسرائيل. كما هناك حذر في تعاونها مع اسرائيل، ما سيؤثر سلباً في استثماراتها الشرق أوسطية.

تواجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، معضلة كبرى في كيفية التعامل مع قرار رئيس لجنة مكافحة الاحتكارات في إسرائيل، الذي اتخذ قراراً في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن الشركات العاملة «نوبل إنرجي الأميركية وشركاؤها من الشركات النفطية المحلية»، لا يحق لها استملاك حقول الغاز التي اكتشفتها، لأنها بملكيتها كل الحقول تشكّل احتكاراً، ما اعتبره احتكاراً لإمدادات الغاز ومن ثم لسعر الكهرباء في إسرائيل. وطــــلب رئيس اللجنة من الشركات المعنية، التخلّي عن ملكيتها للحقول، بخاصة الحقلين الضخمين «تامار» و«ليفايثان». إلا أن الشركات، خصوصاً «نوبل»، ترفض هذا القرار وتدصرّ على حقها في الحفاظ على حقوقها كاملة في الحقول التي اكتشفتها.

لا يزال هذا الأمر معلقاً، في انتظار قرار نهائي من الحكومة الجديدة. لكن أدى الخلاف الى امتناع «نوبل» عن الاستثمار في الاكتشاف. والأهم من ذلك، تخلت غالبية الشركات التي كانت «نوبل» تعهّدت تزويدها بالغاز من حقلي «تامار» أو «ليـــفايثان»، عن اتفاقاتها، بخاصة في مصر والسلطة الفلسطينية وشركة الكهرباء الأردنية. هناك أراء عــــدة حول كيفية معالجة الخلاف. إذ يحبذ رئيس الوزراء الإسرائيلي حلّ الخلاف ودياً، في حين تصر «نوبل» على التمسك بكل حقوقها. بينما هناك مجموعات في «الكنيست» تدعو الى تأميم صناعة النفط.

غيرت قبرص سياستها الغازية. فبدلاً من تشييد مصنع لتسييل الغاز تبلغ تكاليفه نحو خمسة مليار دولار، قررت غض النظر عن هذا المشروع، نظراً الى الأزمة المالية الصعبة التي عصفت بالبلاد، والى عدم توافر احتياطات غازية قبرصية كافية لتشغيله. إذ تم اكتشاف حقل «أفردايت» فقط حتى الآن. وتفاوض نيقوسيا لتصدير الغاز مباشرة الى مصر من خلال تشييد خط أنابيب، مستفيدة بذلك من إلغاء مذكرات التفاهم المصرية - الإسرائيلية، إضافة الى استغلال بقية الغاز المتوافر لديها في السوق المحلية. في الوقت ذاته، تعاني قبرص من إخفاق شركتي «إيني» و «توتال» في اكتشاف حقول تجارية.

وتبقى الأمور على حالها في كل من فلسطين ولبنان. إذ لا يزال الحصار البحري الإسرائيلي مفروضاً على قطاع غزة، معـرقلاً الحياة الطبيعية للسكان وتطـــوير حقل «غزة مارين». كما لا يزال العــمل في لبنان معرقلاً في انتظار تشريع القــوانين اللازمة لإطلاق عمل الشركات.

* وليد خدوري كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

 

  كلمات مفتاحية

غاز شرق المتوسط خلافات عراقيل فلسطين مصر إسرائيل شركات الغاز

«رويترز»: وفد (إسرائيلي) يصل القاهرة لبحث تصدير الغاز إلي مصر

ألمانيا تحمي غاز إسرائيل: 4 سفن صواريخ.. ثلثها هبة!

لماذا يتعين على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في سياستها التقشفية في شرق المتوسط؟

خط إسرائيل ـ قبرص ـ إيطاليا: الطاقة تعيد رسم التحالفات الإقليمية

إسرائيل وقبرص واليونان تقدم للاتحاد الأوروبي رؤيتها لخط أنابيب الغاز

التحدي الذي يشكله حقل الغاز الإسرائيلي ليفياثان وعواقب الفشل