«فورين بوليسي»: في اليمن .. محاولة إنقاذ الناس من دون خيانتهم

الثلاثاء 5 مايو 2015 01:05 ص

تدرس جماعات الإغاثة الإنسانية التي كانت شريان الحياة لملايين من الناس اليائسين في اليمن رفض تبرع بقيمة 274 مليون دولار أمريكي من المملكة العربية السعودية؛ لأن الرياض هي التي قصفت المتمردين الحوثيين في أحدث حرب في منطقة الشرق الأوسط.

ويظهر الصراع، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، معضلة أخلاقية بالنسبة لعمال الإغاثة الذين يحتاجون إلى الأموال لمساعدة المدنيين الجوعى والمرضى والمشردين في اليمن، ولكنهم يحذرون من الظهور كمتواطئين في الحملة الجوية المدمرة التي يُعتقد أنها قتلت أكثر من 1000 شخص.

وقد يكون التبرع السعودي لم يسبق له مثيل في نطاقه؛ حيث يعتقد أنها المرة الأولى في الذاكرة الحديثة التي تدفع فيها أمة واحدة 100% مما يسمى بصندوق طوارئ «النداء العاجل» الذي يديره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وعادة ما يتم تمويل النداءات العاجلة من قبل الجهات المانحة المتعددة.

ووصف أحد عمال الإغاثة، الذين تم إجلاؤهم من صنعاء وتحدث إلى صحيفة فورين بوليسي شريطة عدم ذكر اسمه، تبرع السعودية بـ«المال الملطخ بالذنب» لمضيها قدما في حملة القصف بدلا من الدفع بقوة لوقف إطلاق النار. وحث عامل إغاثة آخر من منظمة مختلفة زملاءه على «تجنب قبول أي مساعدة من المملكة العربية السعودية في اليمن»؛ وفقا لرسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها فورين بوليسي والتي تم إرسالها إلى ثمانية على الأقل من وكالات الإغاثة، بما في ذلك الاتحاد الدولي للصليب الأحمر و الهلال الأحمر ومنظمة كير الدولية وأوكسفام ومنظمة إنقاذ الطفولة.

خلال ليلة الاثنين، وبعد ساعات من نشر فورين بوليسي هذه المادة، أصدرت السفارة السعودية في واشنطن بيانا قالت فيه إن الرياض وأعضاء التحالف العربي الآخر سوف يدرسون وقف إطلاق النار في مناطق معينة من اليمن لإعطاء جماعات الإغاثة فرصة الوصول اللازمة لإيصال المساعدات. ومع ذلك، حذر «عادل الجبير»، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، في بيان أن المتمردين الحوثيين على الأرجح سوف «يحاولون استغلال وقف إطلاق النار ويمنعون الشعب اليمني من تلقي المساعدات». وأكد على أن المملكة العربية السعودية سوف تستأنف قصف المتمردين الذين ينتهكون وقف إطلاق النار.  وسوف تكون مجموعات الإغاثة بحاجة إلى أن تقرر في الأسابيع القليلة المقبلة ما اذا كانت ستقبل التبرعات السعودية، التي أعطيت لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ليتم توزيعها إلى منظمات الإغاثة. كما سيجتمع كبار المسؤولين مع بعثات المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة والصليب الأحمر يوم 13 مايو / أيار مع جماعات الإغاثة الدولية لمناقشة استئناف عملية تمويل اليمن.

هناك منظمة مساعدات رئيسية واحدة على الأقل، رفضت الكشف عن هويتها حتى يتم التوصل إلى قرار، تميل ضد أخذ المال، بينما الكثيرون تتصارعهم أفكار قبول هذه المساعدات أو رفضها، وفقا لرسائل البريد الإلكتروني والمقابلات مع ستة من العاملين في المجال الإنساني والبعثات. وتحدث الجميع تقريبا إلى فورين بوليسي بشرط عدم الكشف عن الهوية، مشيرين إلى أن منظماتهم تعيش فيه حيرة من أمرها بين قبول المساعدات من السعودية لإسعاف الشعب المحتاج او رفضها لإشعار المملكة بالذنب فيما فعلته من إضرار بالضحايا الأبرياء.

«إنه وضع غير مريح»، على حد وصف «جويل شارني»، نائب رئيس الشؤون السياسة الإنسانية في «إنترأكشن»، تحالف مقره واشنطن يضم منظمات إغاثية من جميع أنحاء العالم. وأضاف «بالطبع؛ يثير الأمر تساؤلات حول ما إذا كانت هذا هي وسيلة الرياض  لغسل يدها أو صرف الانتباه عن الأثر الإنساني للحرب حتى الآن. هناك انزعاج قليل بدأ ينمو، وهذا راجع، من وجهة نظري، إلى حقيقة أن مجمع النقود بأكمله يأتي من متبرع واحد، وهو نفسه المحارب».

وسوف تبقي الأمم المتحدة الأموال متاحة وجاهزة وفي متناول منظمات الإغاثة الأخرى التي ستحاول توزيعها في اليمن.

ويمثل العمل المشترك نحو 10 منظمات إغاثة تعمل في اليمن، من بينها: منظمة أوكسفام والهيئة الطبية الدولية، واللتان عانتا من إصابات عاملين لديهما أو أضرار لحقت بمستودعات تخزين الأدوية والمواد الغذائية ومواد الإغاثة الأخرى خلال الغارات الجوية منتصف أبريل/نيسان، حيث يعتقدون أن القصف جاء بأوامر من الرياض.  وقال «شارني» إن معظم موظفي المنظمات الإغاثية الدوليين، إن لم يكن الكل، انسحبوا من اليمن، وألقوا بالمهمة الشاقة على العمال المحليين.

وتعد اليمن واحدة من أفقر البلدان في العالم، ويعاني واحد من كل خمسة من شعبها سوء التغذية، ووفقا لبعثات المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في اليمن، فإنه لسنوات ظل اليمن يعاني نقصا شديدا في التمويل، وفي أواخر مارس/أذار تم جمع 8% فقط من نداء صندوق الطوارئ في الوقت الذي بدأت فيه الغارات الجوية السعودية، وفقا للأمم المتحدة.

ما يصل إلى حوالي 16 مليون يمني كانوا يعتمدون على المساعدات الدولية قبل بدء الحرب، وحوالي 12 مليون على شفا جرف من الخطر المباشر نتيجة الجو، وفقا لعامل إغاثة غربي رفيع المستوى ترك اليمن مؤخرا. وفي حالة عدم شحن الوقود إلى البلاد في غضون أسبوعين، فمن المحتمل أن العديد من جهود الإغاثة سوف توقف أعمالها.

وطالبت الأمم المتحدة وقف إطلاق النار في اليمن، ودعت الولايات المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للاضطرابات، على الرغم من أن واشنطن تدعم التحالف الذي تقوده السعودية من الدول العربية العازمة على تجميد نشاط المتمردين الحوثيين الشيعة. ولم تظهر الرياض سوى إشارات محدودة على التوقف، وذكرت هيومان رايتس ووتش أدلة يوم الأحد على استخدام المملكة لذخائر عنقودية محظورة في الغارات الجوية على طول الحدود السعودية في منتصف أبريل/نيسان.

ويحظر استخدام الذخائر العنقودية من قبل الأمم المتحدة و91 دولة، لكن ليس من بينها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومعظم دول الشرق الأوسط، لأنها أسلحة غير دقيقة ربما لا تنفجر وتبقى في مناطق الصراع لتكون عرضة ليلتقطها المدنيون وتنفجر فيهم وهم لا يدركون. ووضعت نتائج هيومان رايتس ووتش ضغطا جديدا على الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي تقبل عموما أموال المانحين من الدول المتحاربة طالما يتم بذل الجهود لحماية المدنيين والتأكد من أنهم لا يخلطون بين ما هو مدني ومقاتل.

وفي 17 أبريل/نيسان، قبل أسبوع من تعهد الرياض تعهد بإنهاء حملة القصف بينما هي استمرت في الهجوم، تبرع العاهل السعودي الملك «سلمان» بكامل المبلغ الذي طالبت به الأمم المتحدة،والمقدر بــ 274 مليون دولار لبرنامج يركز على اليمن ساعدت منظمات الإغاثة في وضعه. وجاء ذلك عقب أكثر من 850 مليون دولار قدمتها المملكة للاجئين والصحة في حالات الطوارئ وغيرها من الأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط وغرب إفريقيا منذ يوليو/تموز الماضي.

«لا يمكن التقليل من أهمية هذا المال»، بحسب «كيران دواير»، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والذي تابع واصفا الوضع في اليمن بأنه «مخيب للآمال ويزداد سوءا».

«تلتزم جميع المنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات المنقذة للحياة، ولكن للقيام بذلك فهم بحاجة إلى موارد»؛ بحسب دواير الذي تابع: «الموارد لليمن في هذا النطاق من الصعب جدا الحصول عليها من مصادر بديلة».

وقال «دواير» أيضا إن الحكومة السعودية لم تضع أية شروط على كيفية إنفاق الأموال أو من يذهبون إلى تقديم المساعدة. ووصف «شارني» ذلك بأنه أمر «نادر جدا في هذا اليوم وهذا الوقت الذي يشهد حالات طوار»وقال إن ذلك ينبغي أن يخفف مخاوف منظمات الإغاثة التي تتحدث في وقت الحرب عن أن ذلك يلقي بظلال من الشك على حيادها.

الأمم المتحدة والقوى العالمية مثلها مثل الولايات المتحدة ضغطت طويلا على الدول في منطقة الشرق الأوسط لأخذ زمام المبادرة في مساعدة ضحايا الحرب في منطقتهم، وفي كثير من الأحيان يبقى الأمر ضئيلا أو معدوما. وقال «شارني»: «وهكذا يمكنك أن تبحث في هذا الأمر وتقول: انتظر ثانية؛ فمن وجهة نظر السعوديين إنهم يتقدمون، هم يفعلون بالضبط ما نطلب منهم فعله».

لكن منظمات الإغاثة التي تعمل في اليمن تقول إن هناك نقطة صغيرة في قبول التمويل إذا لم تتمكن من الوصول إلى الناس الذين هم في أمس الحاجة إليها.

وكانت غارة جوية سعودية الأسبوع الماضي قد أصابت مدرج في مطار العاصمة صنعاء، ما تسبب في منع الطائرات التي تحمل المساعدات من الهبوط. وقالت الرياض إنها تحاول وقف طائرة إيرانية يشتبه في أنها تحمل مساعدات للمتمردين الحوثيين. معظم الموانئ الرئيسية في اليمن أيضا توقفت، إما عن طريق الحكومة التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء أو بسبب الحصار السعودي لمنع مزيد من الدعم الإيراني أن يصل للحوثيين. وفي الوقت ذاته، يقول المسؤولون السعوديون إن الهجمات المستمرة من قبل الحوثيين هي التي تمنع وصول المساعدات إلى المدنيين في اليمن.

وقال أحد كبار عمال الإغاثة الغربيين، والذي أجبر على الفرار من صنعاء حفاظا على سلامته، إن اليمن يحتاج 350 ألف من المواد الغذائية شهريا، و144 ألف برميل نفط يوميا للحفاظ على إطعام شعبه، وإبقاء المستشفيات والنقل وغيرهما من البنية التحتية الحيوية قيد التشغيل. هذه المساعدات «معلقة خارج اليمن في الوقت الراهن».

ولا يزال هناك عدد قليل من عمال الإغاثة المحليين داخل اليمن؛ حيث يتعرضون لخطورة متزايدة مع توزيع المساعدات المتاحة بسبب أعمال العنف الجارية.

وزادت الغارات الجوية التي أصابت مخازن وكالات الإغاثة الشهر الماضي من فزع عمال الإغاثة الذين يخشون من أنهم سوف يصبحون ضحايا الحرب المقبلة. ويعتقد على نطاق واسع أن هذه الضربات الجوية جاءت بأوامر من الحكومة السعودية.

وتعمل وزارة الخارجية مع المسؤولين السعوديين لــ «ضمان السلوك الآمن للعمليات الإنسانية» في اليمن، على حد قول المتحدث «دانيال لانجينكامب»، كما يوجد مستشار وكالة الولايات المتحدة للتنمية العالمية في الرياض للمساعدة في إدارة التنسيق مع وكالات المساعدة في مناطق القتال لتجنب هجمات مماثلة في المستقبل.

ويوم الجمعة، التقت مساعدة الرئيس «أوباما» لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب« ليزا موناك» في البيت الابيض مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن الجديد «إسماعيل ولد شيخ أحمد» لمناقشة كيفية تسريع وصول وتسليم «الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات المطلوبة بشدة إلى الشعب اليمني الذي يعاني».

ولكن هذا ينطوي على ضمان أقل، كما أنه لا يروق  لمنظمات الإغاثة. «مع كل تفجير يحدث، كيف سنكون قادرين على إنفاق هذا المال إذا كان من غير الممكن  في الواقع الحصول عليه؟» بحسب عامل إغاثة غربي بارز لا يزال في منطقة الشرق الأوسط، ورفض الكشف عن هويته خوفا على سلامة موظفيه المحليين الذين لا يزالون في اليمن.

وتميل منظمته ضد قبول التبرع السعودي، خصوصا مع استمرار حملة القصف، وأضاف «المال الملطخ بالذنب لا يجعلهم يشعرون بوخز ضمير». 

  كلمات مفتاحية

اليمن السعودية الأزمة الإنسانية عاصفة الحزم الحوثيين إيران الملك سلمان

«لوموند»: الأزمة الإنسانية في اليمن وراء التغير المفاجئ في موقف السعودية

«الفاو»: نحتاج 8 مليون دولار بشكل عاجل لإنقاذ 11 مليون يمني من خطر المجاعة

«سي إن إن»: المساعدات اليمنية نقطة في بحر الاحتياجات الإنسانية المطلوبة

«ستراتفور»: اليمن يتجه نحو الانفصال والأزمة الإنسانية تزداد تفاقما

اليونيسف: نحو 15 مليون يمني بحاجة لمساعدات إنسانية .. والأطفال هم الأكثر تضررا

المال الخليجي في سوريا: حاضر في الحرب والقتال ..غائب في المساعدات الإنسانية