ربما للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة، أطلق برنامج الغذاء العالمي أحد الوكالات الدولية المتخصصة في الأنشطة الإغاثية يوم الأربعاء الماضي الموافق 3 ديسمبر دعوة للتبرعات على مواقع التواصل الاجتماعي للتمكّن من الاستمرار بتغذية اللاجئين السوريين، وذلك بعد أن تخلّى عنه المساهمون التقليديون (دول ومنظمات حكومية) رغم التحذيرات المتكرّرة التي أطلقها البرنامج منذ عدّة أشهر، في النهاية قام برنامج الغذاء العالمي، الّذي تأسّس في سنة 1961، بتوجيه خطابه إلى الجمهور.
بفضل الإنترنت تدفّقت التبرّعات إلى البرنامج: 21.5 مليون دولار خلال 24 ساعة تمّ إرسالها من مجهولين ومؤسسات وبعض الحكومات. وأصبح للوكالة الأممية أمل في النجاح في الحصول خلال ثلاثة أيام على مبلغ الـ64 مليون دولار الّتي تحتاجها لمتابعة برنامج مساعدتها خلال شهر ديسمبر والذي يهدف إلى مساعدة 1.7 مليون لاجئ موزعين بين مصر وتركيا ولبنان والأردن، أي حوالي نحو نصف السوريين الذين فرّوا من بلادهم، وينتظرون المساعدة البالغة قيمتها 30 دولارًا شهريًّا لترفع عن كاهلهم إضافة معاناة الجوع إلى معاناة البرد والتشرّد.
ماذا بعد إذن؟ كيف يمكن للوكالة إيجاد الـ 353 مليون دولار الّتي تحتاجها لتمويل أنشطتها في داخل سوريا وخارجها حتّى أواخر شهر فبراير؟ حسابات الأزمة الإنسانية السورية مذهلة والدول تصرف أنظارها عنها أكثر فأكثر. التراخي في مواجهة الصراع يبدو بلا نهاية في ظلّ مسارح الأزمات الأخرى مثل العراق وإفريقيا الوسطى: ففي حين أنّ في 2013 تمّت تغطية 72 % من الأموال الّتي طلبتها الأمم المتّحدة، فإنّ حاجيات هذا العام -المقدّرة بـ 5 مليار دولار- لم يتمّ سوى تمويل نصفها.
الحسابات الجيوسياسية طغت على التضامن
تعد الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر في أغلب البرامج، يليها بفارق كبير كل من اللجنة الأوروبية والمملكة المتّحدة واليابان وألمانيا، هؤلاء المانحون الخمسة موّلوا قرابة 70 % من المساعدة المخصّصة لسوريا هذا العام.
ولتفادي تناقص هذا التمويل، من المهم أن تتمّ إعادة توزيع التكلفة. يومي 9 و10 ديسمبر، سيجتمع ملوك شبه الجزيرة العربية في الدوحة في إطار القمّة السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعلى هامش المحادثات حول إيران والدولة الإسلامية، مصدري القلق الرئيسيين بالنسبة للخليجيين، هل سيقرّر هؤلاء الحكام الاستفادة من احتياطاتهم المالية الضخمة لمساعدة المتضرّرين في حلب أو حمص أو دمشق؟
لا شيء مؤكّد حتّى الآن في الواقع، بالطريقة نفسها الّتي تحبّ بها الدول العربية فلسطين ولكن لا تثق في الفلسطينيين، تهتم دول الخليج كثيرًا بسوريا، ولكن لا يهتمّون كثيرًا بالسوريين؛ حيث إنّ الحسابات الجيوسياسية طغت على التضامن والتزويد بالأسلحة تقدم على التزويد بالمساعدات الإنسانية. فمثلًا: من أصل الـ 458 مليون دولار الّتي جمعها برنامج الغذاء العالمي للاجئين هذا العام، وفّرت الولايات المتّحدة الأمريكية 60 % والكويت 5 % والعربية السعودية 1.7 % في حين أن قطر -البلد الأغنى في العالم بحسب دخل الفرد- لا تظهر في قائمة المانحين الـ23. وعندما نعلم أن المبلغ المتراكم في الثروات السيادية في ممالك النفط يتجاوز الألف مليار دولار من المسموح التفكير أن برنامج الغذاء العالمي يحتاج انتباهًا صغيرًا من جهتهم، إذا ما كانت عبارة «المجتمع الدولي» لا تزال ذات معنى.